اللاهوت العقيدي

الباب الأول



الباب الأول

الباب
الأول

مقدمه
عن اهميه العقيده

الي
الأغصان الحيه الناميه. في البيعه المقدسه

الي
الأغصان الحديثه اليافعه في كرمه الله اليانعه. اولادنا وبناتنا. وفلذات اكبادنا.
الذين نخشي عليهم زوابع الشكوك واعاصير الضلال التي تهب بشده في المدنيه والأزمنه
الحاضره. الي الأغصان الحيه الناميه. في البيعه المقدسه الساميه. شباب الكنيسه
الأرثوذكسيه النابهين الذين قد يحاول البعض دفعهم الي خلق تصادم في اذهانهم مع
مباديء غريبه عن مباديء ايمانهم. الي ذوي الأفكار الشارده. والنفوس التائهه
الحائره. التي تسأل في لهفه وحماسه عن جمال الحق والقداسه لتلج بابها وتمسك
بأهدابها. الي العطاش الي الينبوع الفائض الحي. كلام الله القدير الأزلي يريدون
فهمه وفهم عقائده في مواد يسهل فهمها ولغه يمكن هضمها. وايضا الي الذين أضناهم
الدرس والفحص واتسع امامهم الزمام حتي ضاعت منهم روابط التماسك والأنسجام نتيجه
اختلاف المباديء الأيمانيه والممارسات الدينيه. الي الذين خاضوا بحار الدين.
واختلط عليهم الغث مع الثمين. ويرغبون خلاصه الحق المتين. وسرائر الأيمان الأقدس
المكين. وايضا الي الذين قصدوا المنابر واعظين والي الخلاص بحراره مرشدين. ويريدون
من الأقوال الألهيه سندا. ومن أقرب الحجج الروحيه عضدا. الي الذين قاموا عن
الأيمان يدافعون. وللبدع والهرطقات يفندون. ويريدون لحججهم سجلا حاويا. سهل الحمل
وافيا. يوفرعليهم الزمن ويؤمنهم العثار والزلل. الي الذين ضاقت عن الدراسه اوقاتهم.
وازدحمت بالأشغال العالميه حياتهم. ومع ذلك يريدون ان يعرفوا من مواد الأيمان
جوهرها ومن صالح الأعمال الواجبه اجدرها. وايضا الي الذين غشي الظلام حياتهم.
فجهلوا الماضي. وما هو امامهم ويعوزهم عاجلا نور الأرشاد ليجمعوا زادهم ليوم
الميعاد. الي كل هؤلاء أقدم هذا الكتاب لعل من له اذنان للسمع فليسمع

 

الكنيسه
القبطيه الأرثوذكسيه تقف علي

أرض
صلبه من صحه العقيده والأيمان

و
لأننا في كنيستنا القبطيه الأرثوذكسيه نقف علي أرض صلبه من صحه العقيده والأيمان فلا
نخشي مواجهه أحد فايماننا راسخ وقويم لذلك نتحدث وبصوت عال لا يخشي شيء. لقد ازداد
للأسف في هذه الأيام من يعملون علي اختراق الكنيسه الأرثوذكسيه. سواء بالتعاليم
المغلوطه أو الغريبه.أو بالهدايا أو الكتب والنشرات والنبذات المجانيه. لذلك ونظرا
لأن الكتاب المقدس سبق واعلن لنا انه في الأزمنه الأخيره يرتد قوما عن الأيمان..
واعلن لنا (لا تساقوا بتعاليم متنوعه وغريبه) [عب 3] وقال (ايها الأحباء لا تصدقوا
كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن انبياء كذبه كثيرين قد خرجوا الي
العالم) [1 يو 4]

 

سيكون
فيكم معلمون كذبه يدسون بدع هلاك

 قال
القديس بطرس (لكن كان ايضا في الشعب أنبياء كذبه كما سيكون فيكم ايضا معلمون كذبه
الذين يدسون بدع هلاك) [2 بط 2: 1]. وحذرنا القديس بولس قائلا (لأني اعلم هذا انه
بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفه لا تشفق علي الرعيه ومنكم ايضا سيقوم رجال
يتكلمون بأمور ملتويه ليجتذبوا التلاميذ وراءهم) [أع 20]. وستظل الكنيسه القبطيه
الأرثوذكسيه حافظه لبنيها من ذئاب الضلال الضاريه والثعالب المفسده للكروم. وقد
نظر القديس بولس الرسول الي مثل هؤلاء الهراطقه الذين كانوا في عصره والذين سوف
يقومون من بعده ويقلقون راحه الكنيسه فنبه سائر المسيحيين اليهم وحذرهم من خداعهم
وتملقهم وتلبسهم بصوره الحق. فقال لأهل غلاطيه بقلب ملؤه الحراره والغيره الدينيه
المقدسه علي حفظ التعاليم الألهيه. وشفقه وحنانا علي رعيه الله المقاتله بدم
المخلص فقال (يوجد قوم يزعجونكم ويريدون ان يحولوا انجيل المسيح ولكن ان بشرناكم
نحن او ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن اناثيما.) [غل 1].

 

الهراطقه
والمعلمين الكذبه علي مر العصور

منذ
العصر الرسولي حتي الآن لم يخل جيل من الأجيال من قيام كثيرين من الهراطقه
والمعلمين الكذبه. الذين يرفضون ويخالفون التعاليم الصحيحه المقدسه المسلمه لنا من
الرسل الأطهار والمحفوظه سالمه في الكنيسه منذ نشأتها حتي الآن. والكنيسه تدفن عدوا
وتدحر الآخر بعد ان تحاربه بأسلحه الحق الي ان تلاحقه بسابقه في الخذلان. ويشهد
التاريخ بأن الكنيسه المصريه قاست من الأهوال والأضطهادات والحروب الدمويه
والأدبيه ما يزعزع الجبال. وبخاصه الحروب التي أثارها ابليس علي الكنيسه بواسطه
الملوك الذين اضطهدوها وقتلوا رجالها وحرقوا كتبها وهدموا كنائسها. ولكن كانت
الكنيسه تنمو وتزدهر وتزداد في وسط تلك الأضطهادات حتي ضرب المثل القائل ان (دم
الشهداء زرع الكنيسه). لقد انتصرت الكنيسه علي الوثنيه وآمن الملوك وأمنت الممالك
بالمسيحيه. وعاد الشيطان مجندلا صريعا. ولكنه حارب المسيحيه بالفلاسفه والهراطقه
والعلماء الذين ضلوا عن الأيمان. وفي هذه الحروب انتصرت الكنيسه علي تلك البدع
والأضاليل وها هو القديس بولس يوضح قليلا مما صادفته المسيحيه بقوله ” لسنا
نجعل عثره في شيء لئلا تلام الخدمه بل في كل شيء نظهر انفسنا كخدام الله في صبر
كثير في شدائد في ضيقات ونحن معروفون كمائتين ونحن نحيا. كمؤدبين غير مقتولين.
كحزاني ونحن دائما فرحون. كفقراء ونحن نغني كثيرين كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل
شيء” [2 كو]

 

أهمية
العقيدة لحياتنا الروحية

يجب
ان ندرك أهمية العقيدة لحياتنا الروحية، ولمستقبلنا الأبدي بعكس ذلك الفكر السلبي
الذي تحاول بعض الطواءف ان تنشره بين الشباب، مناديه بعدم ضرورة إرهاق الذهن في
معرفة العقيدة المسيحية والاكتفاء بالروحانية والفضائل، وكأن هناك إنفصال كياني
بين العقيدة والروح، أو أننا يمكن أن نخلص بدون أن نتمسك بعقيدتنا، ويعتبرون دراسة
العقيدة ومعرفتها، نوعاً من الترف الفكري الذي لا لزوم له، وتعصباً وتشدداً غير
مرغوب فيه.إننا في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية تتشعب خدمتنا الروحية وعبادتنا إلى:
تسابيح وألحان وترانيم وقداسات، ثم عظات وخدمة واجتماعات.. وعادة ما نتطرق لكافة
الموضوعات الروحية والاجتماعية. كما أننا قد نجد في كنائسنا اجتماعات متخصصة،
فهناك مثلاً: اجتماعات لدراسة الكتاب المقدس، وأخرى للحياة الكنسية واجتماعات
روحية، وأخرى للتربية الأسرية.. وفي مختلف المجالات. ومع ذلك، وبالرغم من كل هذا
العمل الروحي الضخم، فإننا إن تطرقنا في أحد الاجتماعات لموضوع عقيدي واحد يتساءل
البعض: لماذا تضيعن وقت الناس في العقيدة واللاهوت والطقس، خصوصاً أن هذه الأمور
تسبب خلافات وعدم توافق؟! كما أن التاريخ يشهد أن الخلافات بين الكنائس كانت بسبب
العقيدة. وقد يظن البعض أن هذه المعلومات الجافة (هكذا يقولون) تعطل خلاص الإنسان
وعلاقاته مع المسيح، ويطالبون بالاكتفاء بالتعليم الروحي عن التوبة والمحبة وسائر
الفضائل.

 

خدعه
اسمها اللاطائفيه

دخل
أحدهم اجتماعاً غير أرثوذكسي.. وفوجئ بالمتكلم يقول: ” يا إخوة.. يسوع واقف
منتظر رجوعكم.. ليس بأحد غيره الخلاص.. ليس لنا إيليا ولا موسى ولكن لنا يسوع فقط..
ليس لنا مرقس ولا بولس لنا يسوع فقط، لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله
والناس يسوع المسيح. الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع “.

جمع
الأخ شجاعته ووقف ليناقش المتكلم فيما يقول.. ولكن قبل أن يسترسل في سؤاله قاطعة
المتكلم قائلاً: ” نحن لا نتكلم في الفروق العقيدية.. ولا نتعرض للعقيدة..
نحن اجتماع لا طائفي.. ولا داع لأن تشغلنا بمناقشات عقيدية تضيع علينا زمن الفرح
بيسوع وفرصة الصلاة والتوبة ” وأنهي الواعظ المناقشة.

 سوف
لا أناقش هنا قضية شفاعة القديسين فسوف اصدر عنها قريبا كتابا، ولكنني أود أن أكشف
الرأي الخاطئ في هذا الرد: هل فعلاً المتكلم لا يتعرض لقضايا عقيدية؟ وهل إغفال
شركة القديسين، وإلغاء الشفاعة أمر تقبله الكنيسه الأرثوذكسيه؟ لماذا نسمي مثل هذا
الاجتماع لا طائفي؟

 

العقيدة
ام بساطة الأيمان؟

كان
نيافه الحبر الجليل جزيل الأحترام الأنبا رافائيل الأسقف العام حاضرا في احد
المؤتمرات وقال احد الشباب المخدوعين: لماذا تركزون في هذا المؤتمر على العقيدة في
كل كلامكم؟ أليست بساطة الإيمان أفضل من كل هذه الشروحات؟ هل سيعقد لي امتحان في
فهم العقيدة ليكون شرطاً لدخول السماء؟ وهل العاميون والبسطاء من المؤمنين ليس لهم
نصيب في السماء بسبب عدم معرفتهم؟ ألا يمكن أن نكتفي بمحبة المسيح، والصلاة
والتمتع بشركته، دون الدخول في تفاصيل، خاصة وأن هذه التفاصيل سببت للكنيسة متاعب
وانقسامات وحروب وتحزبات؟

وترك
نيافه الأسقف صديقنا الشاب يعبر عما بداخله من الرفض للتعليم العقيدي، وتمسكه
بفكرة أن تكون الروحانية بسيطة قوامها التوبة والصلاة ومحبة الآخرين وقبول الآخر
بالرغم من اختلافنا. وأخذ يتجاذب أطراف الحديث حول لماذا العقيدة؟!! ثم اصدر
نيافته كتابا رائعا بعنوان (ثبت اساس الكنيسه) لا غني لكل بيت ولكل مسيحي عنه

 

حوارات
عقائديه

و
قد آثرت أن يكون حوارنا العقيدي هو موضوع هذه السلسله من الكتب. وسوف نتطرق فيها الي
قانونية تدريس العقيدة من جهة الكتاب المقدس، وما فعله آباؤنا الرسل، وآباؤنا
القديسون بطول التاريخ، وهل العقيدة والمعرفة يؤثران علي خلاص الإنسان، أم هي مجرد
سفسطة كلام؟! وهل تؤثر العقيدة في السلوك الروحي اليومي؟ بمعنى هل تتأثر روحانية
الإنسان بعقيدته؟.إن النموذج الأعلى لنا هو السيد المسيح، فما قام به السيد المسيح
هو مرجع لنا، ونموذج أعلى. فإذا وجد في تعليم السيد المسيح البعد العقيدي. فيجب ان
تتشبه وتقتدي أنت يا عزيزي المسيحي بالسيد المسيح.

 

هل
حقاالله لا تعنيه العقيده وانما

تعنيه
الحياه التقويه الخالصه؟

قال
أحد الشباب المخدوعين: ان الحياه المسيحيه في جوهرها هي تقوي وعاطفه روحيه. وان
الله لا تعنيه العقيده وانما تعنيه الحياه التقويه الخالصه. والحقيقه ان هذا
الأتجاه نجده عند المخدوعين والذين كسلت عقولهم ونفوسهم عن البحث والدرس وظنوا في
الناس جميعا أنهم مثلهم يستثقلون هذا البحث ويعدونه أمرا عسيرا يمكن للأنسان ان
يخلص بدونه. وقد يتورطون احيانا فيضطرون الي المناداه بقصر هذه المباحث علي
المتعمقين دون المبتدئين بحجه ان الطعام القوي يكون للبالغين، اما اللبن فيكون
للأطفال أي المبتدئين.

 

الحياه
الروحيه لا يمكن ان تقوم بغير عقيده دينيه

و
نحن لا ننكر ان الهدف الأسمي من الديانه هو التقوي، وان غايه الأيمان هو خلاص
النفس، وان غرض الحياه الدينيه بأسرها هو التشبه بالله ومعاينته معاينه دائمه، والشخوص
فيه، والأتحاد به. ففي السير مع الله والتعلق بمحبته سعاده قصوي تبدأ في الحياه
الدنيا وتتصل بالحياه الأخري في ابديه لا نهايه لها. ولكن من قال ان هذه الحياه
الروحيه يمكن ان تقوم بغير عقيده دينيه؟ ان العقيده الدينيه هي الأساس الذي يقوم
عليه بنيان الحياه الروحيه. والتفريق بين العقيده الدينيه والحياه الروحيه تفريق
ظالم لا يتفق وطبيعه النفس البشريه التي لا يمكن ان تحيا أو تتصرف من غير عقيده
تنعقد عليها النفس. كذلك فأن الحياه الروحيه في الديانه المسيحيه ليست هي العاطفه
الروحيه خلوا من العقيده الدينيه. كما ان دراسه العقيده واجبه للتفريق بين الصحيح
والخطأ، والحق من الباطل وكشف كل ما هو دخيل علي الأيمان الصحيح. والكتاب المقدس
هو المصدر الذي نستقي منه عقائد الأيمان وضرورتها. كما نستقي منه مباديء التقوي
واهميتها.

 

السيد
المسيح هو المعلم ومرجع الكنيسه

إن
السيد المسيح هو المعلم الصالح الذي منه نستمد كل تعليم. هو مرجع الكنيسه الوحيد
في كل خدمتنا واتجاهاتنا في الحياة الروحية أو العملية. وعندما نبحث في قضية ما،
يجب علينا أن نتساءل عن رأي السيد المسيح فيها، وموقفه منها وهذا بالطبع سيكون
معلنا ً في الإنجيل المقدس. والآن ونحن نبحث في أهمية العقيدة للحياة الروحية وللخلاص
الأبدي، يجب علينا أن نسأل هذا السؤال:

 

هل
أهتم السيد المسيح بالفكر العقيدي في تعليمه؟

لقد
اهتم السيد المسيح (المعلم الصالح) بأن يشرح العقيدة والفكر المسيحي ولم يحتقر
أذهان العامة ولم يحجب عنهم المعرفة بل كان يشرح بالمثل وبالرمز وبالتصريح
وبالمقارنة بآيات من العهد القديم وبالنموذج المعاش وبالقصة الرمزية وبالقصة
الحقيقية.. وغير ذلك. لقد كان السيد المسيح عميقاً في تعليمه حتى قيل عنه: ” بهتت
الجموع من تعليمه لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة ” (مت7: 28، 29).
هذا التعليم العميق الجديد علي مسامع الشعب، لم يكن خالياً من العقيدة والفكر
اللاهوتي. فهل يجوز لنا كمسيحيين أن نتبع منهجاً غير منهج السيد المسيح في التعليم
حتى نتخيل أنه لا ضرورة للشرح العقيدي، بينما كان السيد المسيح نفسه يشرح العقيدة؟.
تعالي معي لنبحر في الإنجيل المقدس ونكتشف منهج السيد المسيح في التعليم لنتبعه نحن
المسيحيين.

لقد
تحدث السيد المسيح وايضا رسله الأطهار، عن كافه العقائد المسيحيه. ولن يتسع هنا
المجال للحديث عنها. بل سيكون مجاله كتاب آخر سيصدر قريبا (ايماننا المسيحي
وعقيدتنا الأرثوذكسيه) ولكننا نتحدث عن مثال واحد هو (سر التوبه والإعتراف) ولكننا
بايجاز نقول: لقد تحدث السيد المسيح ورسله الأطهار عن كافه العقائد ومن امثله ذلك

 

تعاليم
السيد المسيح عن أهمية الأعمال الصالحة للخلاص

في
الموعظة علي الجبل تحدث السيد المسيح عن عقيدة هامة جداً وهي: ضرورة ممارسة البر
والأعمال الصالحة لنوال الخلاص ودخول ملكوت السماوات إذا قال: ” إن لم يزد
بركم علي الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات ” (مت 5: 20) فهنا يؤكد
السيد المسيح علي عقيدة أرثوذكسية هامة وهي: ضرورة أن نمارس أعمال البر لنوال
الخلاص. نحن نؤمن أنه لا خلاص إلا بدم السيد المسيح ولكننا أيضاً لن ندخل السماء
إلا حينما يزيد برنا علي بر الكتبة والفريسيين وذلك حسب تعليم السيد المسيح نفسه
في (مت 5: 20).

 

مثل
الوزنات وحتمية الأعمال الصالحة لنوال الخلاص

وحسب
مثل الوزنات الذي علم فيه السيد المسيح أن العبد الذي لم يعمل ولم يتاجر بوزنته
يستحق العقوبة ” أيها العبد الشرير والكسلان، عرفت أني أحصد حيث لم أزرع،
وأجمع من حيث لم أبذر، فكان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة، فعند مجيئي كنت آخذ
الذي لي مع ربح. فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر وزنات، لأن كل من له يعطي
فيزداد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه. والعبد البطال أطرحوه إلي الظلمة
الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان “.

في
هذه الجزئية يتضح اهتمام الرب يسوع بحقيقة عقيدية، كما أنها أيضاً تؤكد إيمان
كنيستنا الأرثوذكسية في حتمية الأعمال الصالحة لنوال الخلاص وهو الأمر الذي لا
تقره بعض الطوائف. وقد أكد السيد المسيح هذه الحقيقة مرات عديدة، خاصة في تعليمه
بخصوص المجئ الثاني والدينونة العامة وأنها حسب الأعمال عندما قال: ” فإن ابن
الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله ” (مت
16: 27).

 

السيد
المسيح يشرح أهمية الأعمال لدخول السماء

و
في شرح الدينونة العامة الأخيرة قصد السيد المسيح أن يشرح أهمية الأعمال لدخول
السماوات حينما قال: ” ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين
معه، فحينئذ يجلس علي كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما
يميز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول
الملك للذين عن يمينه: تعالوا إلي يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس
العالم. لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فآويتموني. عرياناً
فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم إلي فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا
رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو عطشاناً فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك
أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيجيب الملك
ويقول لهم: الحق أقول لكم: بما إنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم.
ثم يقول أيضاً للذين على اليسار: إذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة
لأبليس وملائكته لأني جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني. كنت غريباً فلم تأووني.
عرياناً فلم تكسوني. مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني. حينئذ يجيبونه هم أيضاً قائلين:
يارب، متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو عرياناً أو مريضاً أو محبوساً
ولم نخدمك؟ فيجيبهم قائلاً: الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر،
فبي لم تفعلوا. فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية. (مت 25).

 إن
معيار ميراث ملكوت السموات
بحسب شرح السيد المسيح هو خدمة الآخرين، أي العمل الصالح مع الآخرين.

 

إفعل
هذا فتحيا

فإذا
علم شخص بغير هذا سيكون مخالفاً لروح الإنجيل وتعاليمه، وكذلك إذا تجاهل أحدهم هذا
الفكر، فيما يتجاهل كل تعليم بخصوص العقيدة، فإنه حتماً سيقود تابعيه إلى مفاهيم
غريبة عن السيد المسيح، وعن الإنجيل. لقد أكد السيد المسيح على هذه المفاهيم مرة
أخرى بقوله للشاب الناموسي: ” إفعل هذا فتحيا ” (لو 10: 28)، وهي نفس
الكلمة التي يقولها لكل منا: “إفعل هذا فتحيا “، أي أفعل الوصايا ومارس
المحبة فتنال الحياة الأبدية. ليس الأمر هو الإيمان فقط كما يدعي البعض، بل لابد
من الأعمال مع الإيمان، حسب قول معلمنا يعقوب الرسول إن: ” الإيمان بدون
أعمال ميت ” (يع 2: 20). فكيف يكون الإيمان وحده بدون أعمال صالحة، كافياً
لميراث ملكوت السماوات؟

 

حقائق
عقيدية اهتم السيد المسيح بإبرازها

 في
مثل الغني ولعازر.. شرح السيد المسيح حقيقة الملكوت والعقوبة الأبدية للأشرار
الذين لم يخدموا الآخرين (مثل هذا الغني البخيل الشرير). وكانت فرصة أيضاً للسيد
المسيح أن يعلن حقائق عقيدية بخصوص: الفردوس والجحيم ومصير الأبرار والأشرار وأنه
توجد هوة عظيمة بين هؤلاء وأولئك (لو 16: 19-31).

 وبالرغم
من ضرورة الأعمال للخلاص حسب تعليم السيد المسيح، فإنه يجب ألا يفتخر الإنسان
بأعماله بل ” متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا: إننا عبيد بطالون لأننا أنما
عملنا ما كان يجب علينا ” (لو 17: 10).إنها كلها حقائق عقيدية.. اهتم السيد
المسيح بإبرازها، لنعرف فكره من جهة هذه الأمور.

 كما
تحدث السيد المسيح عن كافه العقائد فتحدث عن ما هو الأيمان؟ وإمكانية هلاك المؤمن وأهمية
الإيمان بالسيد االمسيح للخلاص والمعمودية وضرورتها للخلاص وفي (يو 6) لم يترك السيد
المسيح شاردة أو واردة إلا وشرحها بخصوص (سر التناول) الإفخارستيا فهو: ”
الخبز الحقيقي من السماء ” (يو 6: 32) و” خبز الله هو النازل من السماء
الواهب حياة للعالم ” (يو 6: 33) و” أنا هو خبز الحياة ” (يو 6 ك
48) و” الخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم ”
(يو 6: 51). الحق الحق أقول لكم ك إن لم تأكلوا جسد أبن الإنسان وتشربوا دمه فليس
لكم حياة فيكم من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير،
لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق (يو 6: 53
55) وكذلك أهتم السيد المسيح أن يعلن السلطان الكهنوتي في الحل
والربط. وأهتم بأن يشرح لهم طبيعة الصوم المسيحي” يجعلون خمراً جديدة (صوماً
بمنهج جديد) في زقاق جديدة (في دين جديد) ” (مت 9: 17)، ولم يترك الرب يسوع
الأمر بدون شرح واهتمام ولم يقل عن الصوم أنه متروك لحرية كل شخص كما ينادي البعض
بل قال” ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصمون ” (مت 9: 15).

 وهناك
العديد من الأمثلة التي أوردها ربنا يسوع، ليشرح بها حقيقة ملكوت السماوات كما قدم
شرحا عن مملكة الشيطان

 كما
شرح أيضاً عقيدة قيامة الأموات باستفاضة في موضوع آخر حيث قال” الحق الحق
أقول لكم انه تأتى ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت أبن الله والسامعون يحيون
لأنه كما أن الأب له حياة في ذاته كذلك أعطي الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته
وأعطاه سلطانا أن يدين أيضاً، لنه أبن الإنسان. لا تتعجبوا من هذا، فإنه تأتي ساعة
فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة
الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة وفي حديث طويل تكلم الرب يسوع
بكل التفاصيل، عن عقيدة مجيئه الثاني، وما يصاحبه من ظروف وملابسات (مت 24).

 كذلك
حديثة عن الدينونة العامة، ومكافأة الأبرار، ومجازاة الشرار، وعلامات نهاية الزمان..
تارة بالمثل (العذارى، والوزنات، والعبد الأمين).. وتارة بالتصريح والشرح (مت 25).


وفي حديث السيد المسيح مع مرثا أخت لعازر، كانت هناك اللمسة اللاهوتية الواضحة
بخصوص قيامة الأموات.. ” قالت له مرثا: أنه أعلم أنه سيقوم في القيامة، في
اليوم الخير “. قال لها يسوع: ” أنا هو القيامة والحياة من أمن بي ولو
مات فسيحيا، وكل من كان حياً وأمن بي فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟ ”
قالت له” نعم يا سيد. أنا أمنت أنك أنت المسيح أبن الله الآتي إلى العالم
” (يو 11: 24

27).

 طبيعة
السيد المسيح ” ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلاً: ”
من يقول الناس اني انا ابن الأنسان؟ ” هل السؤال يهمك يا ربي يسوع؟ هل أنت
تهتم بإدراك الناس للاهوتك، ومعرفة أنك ابن الله بالحقيقة؟

بالتأكيد
كان السيد المسيح ينتظر أن ينطق بطرس بهذا الإعتراف المقدس، الذي هو صخرة الإيمان
المسيحي ” أنت هو المسيح ابن الله الحي!” (مت 16: 16).

لم
يكن السيد المسيح هو يوحنا المعمدان ولا أيليا ولا ارميا ولا واحد من الأنبياء..
فلابد من التحديد الدقيق لشخص وطبيعة السيد المسيح.. ” طوبي لك يا سمعان بن
يونا، أن لحما ودما لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات ” (مت 16: 17)،
وأيضاً طوبي لمجمع نيقيه ولمجمع أفسس، لأنهم حددوا بقوانين طبيعة ربنا يسوع المسيح،
وشرحوها حسب قصد الروح القدس.

 

هل
نجرؤ ان نرفض ما مدحه السيد المسيح؟

لماذا
إذا تغييب العقيدة عن الناس، والمناداة بالا طائفية؟ هل نجرؤ ان نرفض ما سبق أن
مدحه السيد المسيح؟


وقد سأل السيد المسيح الفريسيين سؤالاً لاهوتياً، احتاروا في إجابته: ” ماذا
تظنون في المسيح؟ أبن من هو؟ ” قالوا له: ابن داود “. قال لهم: ”
فكيف يدعوه داود رباً؟ قائلاً: قال الرب لربي: أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً
لقدميك. فإن كان داود يدعوه رباً، فكيف يكون أبنه؟ ” فلم يستطيع أحد أن يجيبه
بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بته ” (مت 22: 42 – 46).

وكان
الرب يسوع بسؤال هذا، ينبه ذهن الفريسيون أنهم لم يدركوا بعد حقائق اللاهوت..
وكذلك ينبه به ذهننا أننا يجب أن نفهم أسرار لاهوتة. أن سؤال السيد المسيح ”
كيف يدعوه داود بالروح رباً؟ ” يشير إلي أن الرب يسوع يريدنا أن نسأل في
اللاهوت، ونبحث في العقيدة ونتعمق في المعرفة.


وفي مجال الكلام عن المجيء الثاني أعلن لنا السيد المسيح عن حقيقة حيرت العقول وهي:
” وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السماوات، إلا
أبي وحدة ” (مت 24: 36).. وكأن السيد المسيح الهنا الحقيقي، يعلن هنا أن
صفاته الناسوتيه المساوية لنا بالكمال، لم تتغير بسبب اتحادها بلاهوتة المساوي
للأب بالكمال.. فهو من جهة لأهوته عارف بكل شيء، ومن جهة ناسوته شابهنا في كل شيء
حتى عدم معرفة اليوم الخير. إنها عقيدة لاهوتية اهتم السيد المسيح أن يعلنها لنا.


وشرح السيد المسيح حقيقة وجودة اللاهوتي في كل مكان، وكذلك حقيقة اتحاد الطبيعيتين
فيه، بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، وتبادل الخصائص بين الطبيعة الإلهية
والطبيعة الناسوتية عندما قال: ” وليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من
السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء ” (يو 3: 13).

في
هذه الجزئية قد يعترض البعض قائلاً: لماذا نتكلم عن أهمية الإيمان بلاهوت السيد
المسيح، وهو موضوع ثابت ومحسوم، ولا ينكره جميع المسيحيين، وليس هو موضوع خلاف
عقائدي بين الطوائف، وحتى اللا طائفيون لا ينكرونه، ولا يعلمون به، ولا يتجاهله
أحد من المسيحيين؟ لماذا نتكلم في أمر ليس هو موضوع جدال؟

إنني
هنا لا إقرر حقيقة لاهوت السيد المسيح، بل حقيقة اهتمام السيد المسيح نفسه بأمور
لاهوتية، تخص طبيعته، وشخصه المبارك، تثبيتاً لقاعدة الاهتمام بالعقيدة واللاهوت
عموماً، وإجابة عن سؤالي الأول: “لماذا نهتم بالعقيدة ” بل أنني استخدم
نفس الاعتراض السابق للرد على اللا طائفيين قائلاً لهم: لماذا تعيبون علينا
الاهتمام بالعقيدة، وأنتم أنفسكم لابد أنكم تعلمون شعوبكم العقيدة الخاصة بلا هوت
السيد المسيح؟

 

لماذا
تنكرون علينا ما تفعلونه أنتم بأنفسكم؟

لماذا
تنكرون علينا ما تفعلونه أنتم بأنفسكم؟ هل لأننا نتكلم بخصوص عقائد كثيرة؟

نعم..
نتكلم بعقائد كثيرة لأنها جميعاً مستمدة من الكتاب المقدس ونحن لا نستطيع أن نتجاهل
ما يعلم به الكتاب المقدس.

إن
السيد هو واضع الناموس الجديد والقديم، وهو مؤسس العقيدة المسيحية، ولا يستحق أن
يدعي مسيحياً من استهان بتعليم السيد المسيح، ولم يتبع منهجه في التعليم.

و
ما فعله السيد المسيح فعله تلاميذه الأطهار فلماذا يطل علينا عدو الخير واعوانه
مناديين بالأبتعاد عن العقيده؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى