اللاهوت العقيدي

الباب الثالث



الباب الثالث

الباب
الثالث

الإعتراف

التوبة
تستلزم إقرار التائب بخطيته أمام الله وأمام من أخطأ في حقه وامام الأب الكاهن. الإقرار
أمام الله مكانه المخدع، والإقرار أمام المخطئون في حقوقهم مواجهة معهم. أما
الأقرار أمام الكنيسة، فمرتب ترتيباً دقيقاً يهدف إلي قداسة التوبة كسر إلهي.

 

مقالات ذات صلة

انواع
الإعتراف

أولاُ:
اعتراف المخلوق للخالق

 يتضمن
اعتراف المخلوق لخالقه فيما بينه وبين خالقه بما ارتكبه من المعاصي في سره وجهره
وباطنه وظاهره وهواجس خاطره واختلاج ضميره وبما ارتكبه في حداثته وشبيبته وشيخوخته
واقلاعه عن جميع ذلك وأمثاله ومعاهدته علي أن لا يرجع اليها ولا إلي شيء منها ولو
أكره عليه0 واستغفاره الله بالاصوام والصلوات والصدقات والتكليفات الشرعية جميعها
المؤدبه لجسمه وميوله0 عند ذلك يقبل الله توبته ويغفر له ويرضي عنه0 كقول داود
النبي ” اعترف لك بخطيتي ولا اكتم أثمي قلت اعترف للرب بذنبي ” (مز 5: 32)0

 

ثانيا:
اعتراف الإنسان لكل من اخطأ اليه

يتضمن
الإعتراف لكل من اخطأنا اليه ولمن اساءنا اليه من سائر البشر وترجيته في أن يغفر لنا
ويجعلنا في حل من كل ما اخطأنا به إليه وما ذكرناه واعترفنا له به فاذا غفر لك وجعلك
في حل غفر الله لك بشرط أن لا ترجع وتسيء اليه لا في سرك ولا في جهرك ولا بنفسه
ولا مع غيرك وهذا ماعلم به السيد المسيح له المجد ” وان

اخطأ
اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما ان سمع منك فقد ربحت اخاك ” (مت 15:
18)0

 

ثالثاُ:
اعترافه للأب الكاهن

يتضمن
الإعتراف للأب الكاهن المسلم اليه الإعتراف بجميع خطاياه التي اخطأها لله والناس
المقدم ذكرها ولا ينبغي أن يخفي منها شيئاُ فكرياُ أو قولياُ أو عملياُ0 فمتي أخفي
شيئاُ من مرضه ادي به ذلك إلي هلاك نفسه وجسده لأن الأب الكاهن يداويه بما ذكره له
فقط0 اما باقيها فيقوي عليه ويثور ضده0 واذا اعترف له بجميع امراضه امكنه مداواته
ومعالجته وملاطفته بالصوم والصلاة والصدقة ورفع القرابين ومايفرضه عليه من
القوانين بحسب حالته وقدرته وبما يطلبه من الله عنه فاذا اتبع ارشاداته الروحيه
غفر الله له ذنوبه وسامحه بزلاته واستدامت له صحته الروحية وحفظها الله عليه
” أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل
أثم ” (1 يو 1: 9)0

 

الأب
الكاهن في طقس سرالتوبة هو أب وقاض ومعلم

اولا:
الأب الكاهن في طقس التوبه هو أب

الأب
الكاهن في طقس سر التوبه هو الأب كما في مثل الإبن الضال، يتعطش إلي توبة كل إبن
من أبنائه، بل وفي كل أنشطته الروحية للرعاية يهدف إلي تذكيرهم بالتوبة، لأن
الكاهن يعرف جيداُ أن خطية أولاده خطيئته هو يحملها من خلال أبوته لهم فوق رأسه،
وسيعطي حساباُ أمام الله عن مقدار سعيه لتحررهم منها. ويعرف أن توبة بنيه خلاصاُ
لنفسه من دينونة محققة أمام الله فضلاُ عن فرحة السماء برجوعهم، ومن خلال أبوته،
يقبل الأب الكاهن كل إبن يأتي تائباً، بل ويقبله بفرح وحب وتشجيع.

.
وننصح أن يتخذ كل زوج وزوجة أب اعتراف واحد لكليهما حتى يكون التدبير الروحي لحياة
الزوجيين تدبيرا واحدا وحتى يعرف الكاهن طباعهما ويرشدهما الإرشاد المناسب لسلامة
الأسرة، كذلك إذا حدثت بينهما مشكلة يعطيهما الإرشاد المناسب لحلها دون تدخل أطراف
أخري لها رأي مغاير قد يضر الأسرة أكثرمما ينفعها. ان أب
الإعتراف الواحد
للزوجين ضرورة حتمية لسلامة الأسرة.

 

الأب
الكاهن في طقس التوبه هو قاض

الأب
الكاهن في سر التوبة و
الإعتراف هو قاض، يقضي في خطايا
أولاده من قبل الله. وهذا مظهر من مظاهر حب الله للإنسان الخاطيء. فمن منا يستطيع
أن يدخل في المحاكمة مع الله، لأن أمامه ” كل فم يستد “. وكما يقول
القديس بولس الرسول ” ونحن نعلم أن كل مايقوله الناموس فهو يكلم به الذين في
الناموس لكي يستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله ” (رو 19: 3)

وإختيار
الله، وإرساليته للكاهن كقاض يفصل في خطايا الناس يعني تحويل الحكم من لدنه إلي
أشخاص لهم طبيعة البشر يحكمون علي البشر من واقع بشريته(ولذلك جعل الله قضاء
الكاهن في التوبة سلطان نافذ المفعول في الأرض وفي السماء معاً. ” كل
ماتحلونه علي الأرض يكون محلولاُ في السموات، وكل ما تربطونه علي الأرض يكون
مربوطاً في السموات “

وقضاء
الكاهن وحكمه يكون علي الخطايا التي يظهرها التائب، فالوضوح في عرض الإثم يتبعه
شمول الحكم ونفاذه، لهذا قال القديس بولس الرسول للأسقف تيموثاوس ” خطايا بعض
الناس واضحة تتقدم إلي القضاء، وأما البعض فتتبعهم ” (1 تي 5: 24). لذا
فالكاهن في التوبة يحمل السلطان الكهنوتي لغفران الخطية ويؤتمن ألا يهبه إلا
للتائبين فقط.

 

الصراف
والشيك المزيف

هل
يمكن لأمين خزينة في أحد المصارف، أن يصرف شيكاُ أو يصرف ولو جنيهااً واحداُ من
البنك بدون مستند رسمي صحيح غير مزور؟! إن كان ذلك يعتبر إختلاساُ يعاقب عليه
الصراف قانوناً، فكم وكم تكون دينونة الكاهن الذي يعطي الحل لمن لا يستحقه. وهذا
يوبخ الأستعمال الخاطيْ للحل الكهنوتي أثناء صلاة القداس الإلهي، وربما قبل
التناول بلحظات!!

إن
الكنيسة تعلم بأن حلول الرب يسوع المسيح علي المذبح بعد صلاة إستدعاء الروح القدس
في القداس الإلهي – يمنع من إستعمال الكاهن الحل في وجود رئيس الكهنة الأعظم،
أفيليق أن يكون صاحب الحل قائم، ووكيله يعطي الحل؟!!!

 

التهاون
والحل بالتليفون

نتيجة
للتهاون في إستعمال الحل الكهنوتي في التوبة إستهتر بعض الناس بالحل، فنجد الآن من
يطلب حلاُ بالتليفون، أو في كل وقت مناسب وغير مناسب نسمع عبارة ” حاللني “..
إن الحل في التوبة نطق يخرج من فم الله، كالبراْة التي تخرج من فم القاضي، فهل
ينطق القاضي بحكم – أي كان نوعه إلا في إنعقاد رسمي لهيئة المحكمة، وفي مواجهة
وقورة مع المتهم؟!

لذلك
فالأب الكاهن مع أبوته الكاملة وحبه الشديد لتوبة أولاده، يدقق في معرفة صدق
توبتهم، ويمارس طقس التوبة داخل بيعة الله وأمام مذبح الله العلي في وقار وهيبة
لحلول هبة الغفران علي كل تائب.

وربما
لا يجد الأب الكاهن في المعترف صدق توبته، خاصة مع المبتدئين. فلا يزجر التائب أو
يركله ركلة تجعله يخرج فاقد الثقة في إمكانيات خلاصه. لكنه يحتمل من كان غير
صادقاُ في توبته كطبيب مداوي يختار من أدوية النجاة وسائل متعددة تساعده علي بلوغ
صدق التوبة.

 

الأب
الكاهن في طقس التوبه هو معلم

إحتمال
المعترف غير الصادق في توبته لا يكفي، بل يلزم مداوته بالتلمذة. ولذا فالأب الكاهن
في طقس التوبة معلم، يرشد بالأنجيل، ويتلمذ للمسيح، وهنا لا يصير للكاهن تلاميذ
شخصيين له أو أتباع حزبيين وراءه، بل يصيروا بفعل عمله وعلومه تلاميذ للراعي
الواحد ربنا يسوع.

فالكاهن
المتتلمذ للمسيح علي يدي أب إعتراف، والذي من خلال عشرة المذبح الطاهر يأخذ
التعليم الإنجيلي الدسم المشبع والمتزن ويختبره هو ويتلمذ أولاده تلمذة ناجحة
للمسيح.

 

سر
التوبه والإعتراف هو سر مقدس

بناء
علي ذلك سر التوبه والإعتراف هوسر مقدس به يرجع الخاطئ إلى الله باعترافه بخطاياه
أمام الأب الكاهن ليحصل على حل منه بالسلطان المعطي له من الله، وبهذا الحل ينال
المعترف غفران خطاياه التي أعترف بها. وقد أسس الرب يسوع المسيح سر التوبة و
الإعتراف عندما قال
لتلاميذه الرسل الأطهار ” الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون
مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء ” (مت 18: 18).
وقوله لهم بعد القيامة ” كما أرسلني الأب أرسلكم أنا، ولما قال لهم هذا نفخ
وقال لهم أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه غفرت له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت
” (يو 20: 21

23) وبذلك أعطاهم السلطان أن يربطوا الخطايا أو يحلوها بقوة وسلطان الروح القدس
المعطي لهم وذلك حسب ظروف وتوبة المعترف.) وهنا يبرز سؤال هام وهو: كيف يمكن
للأباء الكهنة أن يغفروا الخطايا أو يمسكوها دون أن يعرفوها ويفحصوها؟ وكيف
يعرفوها بدون
الإعتراف بها؟ كيف
يمكن للقاضي أن يحكم في قضية لم تعرض عليه ولم يسمع تفاصيلها. لذلك نقول أن
السلطان المعطي للرسل وخلفائهم بمسك الخطايا أو غفرانها يلزمنا ب
الإعتراف بهذه
الخطايا بكل وضوح أمام من لهم سلطان الحل والربط.

في
سر التوبه و
الإعتراف يرجع الخاطئ
إلى الله ويتصالح معه باعترافه بذنوبه وآثامه وذلاته وشروره آمام كاهن الله، ليحصل
منه على الحل، أى رحمة الله له بالسلطان الممنوح له من الرب يسوع (مت16: 19، 18: 17،
يو20: 21-23).

ويسميه
العلامة ترتيليانوس (حلاً للخطايا) و(إنعتاقاً منها). ودعاه القديس ايريانوس
“إعترافاً”
(confession). وأطلق عليه القديس أغسطينوس تعريفاً آخر هو (المصالحة) (Reconciliation) بين الخاطئ التائب والله الرحوم. ودعاه مجمع قرطاجنة (معمودية
ثانية). وهو السر المختص بفاعلية الروح القدس فى حياة الخاطئ التائب، فينال
الغفران، بفعل الروح القدس، الذى يستدعيه الكاهن فى صلاة التحليل.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى