اللاهوت الروحي

الإفخارستيا والآخر



الإفخارستيا والآخر

الإفخارستيا
والآخر

القس
بنيامين مرجان

الإفخارستيا..

1-
نية بذل.. مسئولية كرازة:

حين
أعطى الرب يسوع بيديه الطاهرتين جسده لتلاميذه ليأكلوه، ودمه ليشربوه، كان هذا
الجسد (مكسوراً) وهذا الدم مسفوكاً لأجل من احبهم وجاء ليخلصهم، وهذا الجسد
(المكسور) وهذا الدم (المسفوك) هو الذى يعطى حياة للعالم!

“اخذ
خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً: هذا هو جسدى الذى يبذل عنكم.. هذه الكأس هى العهد
الجديد بدمى، الذى يسفك عنكم” (لو 19: 22،20).

وهكذا
حين كسر الخبز ومزج الكأس، حين قدم جسده مكسوراً ودمه مسفوكاً انسكبت منهما الحياة
للعالم كله.

وصارت
الأفخارستيا هى سر الجسد المكسور والدم المسفوك، وهكذا نحن حين نتناول جسد الرب
ودمه،

ونتحد
بالرب يسوع المصلوب والقائم من أجلنا، لابد أن نحمل داخلنا نية (كسر أجسادنا) وسفك
دمائنا لأجل الأخوة، وما لم تكن لنا هذه النية لا يمكن أن نتقبل داخلنا سر قيامة
الرب ونصرته.

 

إنها
صورة الحياة مع المسيح فى الحياة اليومية، هى حمل الصليب والسير خلفه، هذه النية
وهذا الاستعداد لبذل حياتنا لأجل الأخوة يكمن فيها سر قيامتنا وحياتنا الجديدة.

 

“إن
لم تقع حبة الحنطة فى الأرض وتمت، فهى تبقى وحدها وإن ماتت تأتى بثمر كثير، من يحب
نفسه يهلكها ومن يبغض نفسه فى هذا العالم، يحفظها إلى حياة أبدية” (يو24: 12،25).

 

2-
سر الافخارستيا هو سر الآخر:

الآخر
الذى هو أخى، سر المحبة المسيحية (يا إله المحبة ومعطى وحدانية القلب.. انعم علينا
نحن عبيدك.. بقلب محب للأخوة). صلاة صلح القداس الكيرلسى

 

محبتنا
للمسيح إذاً ليست محبة فى الفراغ، بمجرد الفكر أو العاطفة، إنما هى محبة القريب
كالنفس، والاستعداد الدائم لبذل الذات لأجل كل أحد، حتى يهوذا الخائن كان المسيح
يحبه ومستعد لبذل نفسه، بل قد بذلها فعلاً لأجله! “ليس لأحد حب أعظم من هذا
أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه” (يو13: 15).

 

هكذا
تمتد الأفخارستيا فى حياتنا بعد التناول (بالخدمة والبذل) لتتحول حياتنا جميعها
إلى الأفخارستيا دائمة للمسيح! ذبيحة شكر واعتراف بمحبته، وهو ما يعبر عنه أحد
اللاهوتين بعبارة (
Liturgy after
Liturgy
).

 

وقد
وضع ربنا الحبيب أن تكون هذه المحبة هى وسيلة الكرازة، وطريق الشهادة له، فيكون
استعدادنا الدائم لبذل أنفسنا هو وسيلة الشهادة وضمان قوتها وفاعليتها، فى حياة من
نكرز لهم بموت الرب وقيامته، إلى أن يجئ كما أوصانا الإنجيل “فإنكم كلما
أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ” (1كو 26: 11)

 

3-
ولكن ما معنى نية البذل لأجل الأخوة؟!

لقد
أتم الرب الحبيب ليلة صليبه فعلين أساسيين ارتبطا ارتباطاً وثيقاً بالفعل الثالث،
الذى هو الصليب ذاته، لقد (انحنى وغسل أقدامهم) وتمم (سر الإفخارستيا) وكان ذلك
استعداداً (لتقديم ذاته على الصليب).

 

هذه
الأفعال الثلاثة غسل الأقدام، والأفخارستيا، والطيب.. يربطها خط واحد قوى!

 

إن
(الصليب) يتحقق ويكون حاضراً فى (الأفخارستيا) وهو يعاش ويختبر، بصورة عملية فى
حياتنا اليومية بواسطة (غسل الأقدام).

 

“أتفهمون
ما قد صنعت بكم أنتم تدعوننى معلماً وسيداً وحسناً، تقولون لأنى أنا كذلك فإن كنت
وأنا السيد والمعلم، قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أقدام بعض،
لأنى أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت بكم تصنعون، انتم أيضاً.. إن علمتم هذا فطوباكم
إن عملتموه” (يو 12: 13-17).

وحين
حاول القديس بطرس أن يعترض على هذا الأمر، توقف الزمان كله، ووجدنا السيد يعلنها
مدوية، زلزلت كيان بطرس حين قال له: “إن كنت لا أغسلك فليس لك معى نصيب”
(يو 8: 13).

 

لقد
حصر الرب طريقة استعلانه للعالم فى (المحبة) لم يشدد على المعجزات بقدر ما شدد على
المحبة “بهذا يعرف الجميع إنكم تلاميذى إن كان لكم محبة بعضكم لبعض”.

لقد
اعترض القديس بطرس نفسه على صليب المسيح نفسه يوماً، حين قال: “حاشاك يارب أن
تفعل هذا” ومع انه وجد توبيخاً من الرب قائلاً: “اذهب عنى يا شيطان أنت
معثرة” إلا انه لم يسمع تحذيراً شديداً مثل الذى

سمعه
هنا!

أن
يعلق المسيح على خشبة الصليب لفداء العالم هذا عمل إلهى يتممه هو وحده، ولا أحد
معه، لا يقدر عليه إنسان مهما كان، لذلك كان اعتراض القديس بطرس عليه، وهو اعتراض
على شئ لا يخصه هو من ناحية إتمامه!

أما
الاعتراض على غسل الأقدام، فهو اعتراض ضمنى على منهج حياة وكرازة يسلمه المسيح
لأحبائه، الذين افتداهم بدمه، لذلك أكده رب المجد وأصر عليه.

 

وهكذا
تمتد الإفخارستيا فى حياتنا بهذه النية، إننا لا يجب أن نفصل بين حضورنا القداس
الإلهى، والتناول من جسد الرب ودمه، وبين حياتنا اليومية.. حياتنا اليومية يميزها
هذا الإستعداد، هذا القبول (للآخر) أيا كان، هذا القبول، أن يكون ضعف أخى هو ضعفى،
وخطية أخى هى خطيتى أنا. إن محبة الله طريقها هو محبة القريب، والقريب هو الإنسان،
أى إنسان، كما أوضح الرب فى مثل السامرى الصالح (لو 25: 10-37).

 

لقد
حصر الرب طريقة استعلانه للعالم فى (المحبة) لم يشدد على المعجزات بقدر ما شدد على
المحبة “بهذا يعرف الجميع إنكم تلاميذى إن كان لكم محبة بعضكم لبعض”.

 

وحين
أراد أن يرد بطرس لمكانه الأول ويحمله مسئولية الكرازة سأله: “أتحبنى يا
بطرس؟‍ ارع خرافى‍” (يو15: 21).

ورعاية
خراف المسيح هى بذل النفس لأجل الأخوة، حين أعمل لأجل أخوتى، ناسياً نفسى وإرادتى
الخاصة، وقد ظهر ذلك من حديث الرب لبطرس أيضاً قائلاً: (إن الصليب يتحقق ويكون
حاضراً فى الإفخارستيا، وهو يعاش ويختبر

بصورة
عملية فى حياتنا اليومية، بواسطة غسل الأقدام).

 

وبداية
طريق الأتضاع هو الاعتراف بالخطية، الاعتراف بأننا خطاة، وهذا يؤهلنا ويجعلنا
مستحقين أن نتقدم لنتناول جسد الرب ودمه.

 

لذلك
رتبت الكنيسة أن تكون توبتنا واعترافنا (سر التوبة والاعتراف) سابقة لتناولنا من
جسد الرب ودمه، وهذا الاعتراف بالخطية وطلب مراحم الله وهو بداية رحلة القداس
الإلهى كما قلنا..

يا
حمل الله الذى بأوجاعك حملت خطايا العالم بتحننك امح آثامنا..

عند
إصعاد الذبيحة على مذبحك تضمحل الخطية من أعضائنا بنعمتك..

عند
تحول الخبز والخمر إلى جسدك ودمك تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك وتتحد نفوسنا
بألوهيتك..

 

نتقدم
إلى حضرتك واثقين برحمتك، وأنت تحل داخلنا بالمحبة. وكما انك واحد مع أبيك وروحك
القدوس نتحد نحن بك وأنت فينا ويكمل قولك: ويكون الجميع واحداً فينا). قسمة للقديس
كيرلس

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى