الارشاد الروحىالبنيان

توجيهات هامة لضبط الحياة الروحية ومسيرة المبتدئين

السؤال المطروح على كل واحد بدأ يسير في الطريق الروحي وفرح الله ملأ قلبه وبدأ الخدمة وإرشاد الآخرين: هل من اللائق أن شخص ما يُمارس مهنة الطب مثلاً وهو لازال يدرس أولى طب !!! أو هل من النافع أن شخص ما يبدأ في وضع أساس منزل ويبدأ في البناء وهو لم يتعلم بعد فن البناء !!! وهل ينفع أن شخص ما يصف طريق لم يمضي سوى بضعة أقدام فيه !!!

في الحقيقة يا إخوتي أن مشكلة غالبية المبتدئين ومعظمهم، عادةً في التسرع بحماسة زائدة لحمل نير الخدمة والدفاع عن الحق ظناً منه أنه أصبح قائداً للعميان ونور للذين في الظلمة، لأن الفرح الأول بانفتاح بصيرة الذهن بعدما كان في انغلاق تام عن الفهم الصحيح لعمل الله ومعرفة النور يجعله يندفع متسرعاً ليرد بحماسه على الآخرين والمشككين ليُدافع عن الحق الذي رآه، معتقداً أنه يرد الذين في الظلمة لنور الحق، مع أنه بدأ حالاً يدخل من الباب ولم يتعلم شيءٌ بعد، لا حسب الفكر الذي يبرع فيه الكثيرين، بل حسب عمل النعمة والخضوع للصوت الإلهي، فيجلس ويتربى عند قدمي الإنجيل ويتمرس في حياة التقوى ويمتلئ بالمحبة ويدخل في سرّ معرفة الله بحياة مقدسة مستقيمة، ليعرف ما هو اتجاهه وماذا يُريد الله منه على وجه الدقة والتدقيق، وينال موهبة الروح حسب نعمة الله التي تُعطى له وليس حسب اختياره هو ورغبته في أن يُحدِّث الآخرين ويعلمهم، لأن التعليم موهبة تُعطى بالروح القدس ولا تعتمد على المعارف ولا كثرة قراءة الكتب والمعرفة الروحية فقط، لأن المعرفة الروحية بدون أن تتحول لحياة مقدسة شريفة ظاهرة في التقوى، هي مشكلة النفس وسبب تعثرها في الطريق، وأيضاً أن لم يُعطى موهبة الروح فأنه يتخبط ويجعل الآخرين يتخبطوا معه، لأن ليس كل إرشاد أو توجيه نافع لجميع الناس، وبكونه لا يدرك هذه الحقيقة، فأنه يرى أن كل ما هو صحيح في عينيه نافع للجميع وإرشاد ضروري يبنغي على الكل أن يُطيعه، وعلى الأخص لو كان ظل يخدم الكثيرين فترة طويلة، أو يرى أنه كبير في السن وعنده خبرة في الحياة، ومن طبيعته أنه سريع البيدهة وزكي وقادر على اتسنباط المور ومعرفة الناس، مع أن هذا يختلف تماماً مع عطية الله وموهبة الروح القدس، لذلك ليس كل من عنده زكاء أو معرفة قوية أو متقدم في السن يستطيع أن يخدم باسم الرب ويكون مرشداً للجميع، لذلك علينا أن ننتبه ونعلم أن موهبة الروح ليس هي إمكانيات بشرية مهما ما كانت عظيمة أو في سمو يقدره جميع الناس …

يا إخوتي، حينما كنا أطفال نحب أن نأكل الحلويات ونشتهي قبلة الأب والأم على الجبين وتشجيعهم واللعب مع الإخوة، ثم بعد النضوج قليلاً دخلنا المدرسة ولم ندخل الجامعة أو أصبحنا معلمين، فلكل شيء تحت السماء له وقت، وليس كل من دخل المدرسة أصبح عالماً وهو يتعلم الهجاء، وليس كل من أصبح في ثانوي ودرس لغات، أصبح متخصص في علوم اللغة وقادر على تعليمها، أو من كان طالباً صار دكتور في الجامعة يُعلم ويُدرس الآخرين، ولا ينفع طبيب أن يعمل في مجال الهندسة، ولا المهندس يصبح طبيباً، هكذا بالمثل هناك فرق عظيم بين الذي يُعلم التعليم الصحيح بحسب الإنجيل للبنيان، وبين الذي يعلم المبتدئين، غير الواعظ، غير الكارز، وغير الذي عنده روح النبوة، غير المدافع، وغير الدارس والمترجم.. الخ..
فلماذا يتسرع أحدكم في حمل نير الخدمة قبل أن يتعلم من الله ويفهم أصول الحياة الروحية ويدخل في قوة عمل الله وينمو حسب النعمة المُعطاة له من الله الحي !!! ولماذا يأخذ أحد خدمة قبل أن يعطيه الله إياها !!!

لا تتسرعوا يا إخوتي وتأخذون خطوات تعثركم في النهاية وتجعلكم تنسوا أنكم لازلتم تحت التعليم، فلازلتم تحتاجون لقيادة الروح لكي يتم نضوج في النفس، تحت تعليم واضح لبنيان النفس، لأن من يبدأ الطريق لابد من أن يسير فيه، ليستطيع أن يصفه للآخرين، لأن بداية الطريق تختلف عن منتصفه وتختلف عن نهايته !!! والمستعجل برجليه دائماً وحتماً ولابد من أن يُخطأ…

في الحقيقة أن سرّ تعثر الكثيرين في الطريق هو حمل نير الخدمة وثقل الآخرين قبل أن يتعلم هو أصول الحياة في المسيح يسوع، وقبل أن تتربى نفسه في التقوى ويتأصل في المسيح مع القديسين في النور !!! وهو مثل الذي لبس ثوب أكبر وأوسع منه، فعوض أن يسير به تعثر من طوله وسقط على وجهه وأسقط من يسير وراءه ..

كما أن لي عتاب على الطلبة، لأن كل شيء له وقت، ولا يُرضي الله قط أن واحد يترك الواجب الموضوع عليه بحجة الخدمة، هذه هي خدعة النفس التي تُريد أن تهرب من واجبها، لأنه ينبغي أن تمجد الله في عملك مهما ما كان، لأنه سيتمجد من خلاله، فكن أميناً في كل شيء، لأن أمانتك تدل على إيمانك، فيهبك الله أكثر وأعظم من غيرك لأن الأمين في القليل المُعطى له في هذا العالم وشهد لله فيه، فأن الرب يُقيمه على الكثير ويعطيه موهبة الروح حسب قصده ليتمجد الله ويظهر عمله فيه بشهادة التقوى، أما أن أهملت الواجب الموضوع عليك سيتركك الله للتأديب ويرفع نعمته، وستشعر وكأن الله تخلى عنك، مع أنه معك ويُربيك لأنه ابيك الصالح، وذلك لكي تنتبه لحياتك لأنك كطالب ليس مطلوب منك سوى أن تُذاكر وتجتهد وتبذل كل طاقتك في مذاكرتك مع الحفاظ على صلاتك وقراءة الكلمة، وليس لك أي خدمة أخرى سوى المذاكرة لتمجد الله بها … ولو تخليت عن واجبك لن تنتفع شيئاً بل ستضعف روحياً وربما تبتعد تماماً عن الله في النهاية وتظن أنك تقي وأنت – في الحقيقة – أبعد ما يكون عن التقوى، لأن قلبك يخدعك وفكرك مشوش، فالقلب نجيس من يعرفه، لذلك صلي دائماً واقرأ كلمة الله واطلب أن يكشف الله قلبك ويهديك لطريقه المستقيم، لأنه يوجد طرق تظهر كأنها مستقيمة وعاقبتها طرق الموت، أو تؤدي لشلل في طاقات الإنسان الروحية..

أرجو أن لا يخدعكم أحد بحجة الخدمة، وأن تنتبهوا لحياتكم وتفتحوا آذانكم كالمتعلمين لتسمعوا صوت الله وتتربى نفوسكم في التقوى وتسيرون في منهج القداسة الصحيح.. كونوا معافين

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى