اللاهوت الطقسي

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل الرابع

القدس ومحتوياته The Holy Place

القدس: هو القسم
الأول من الخيمة، وكان يدخله الكهنة يومياً لمباشرة ما عليهم من فروض العبادة..
أما محتوياته فهي:

(أ) المنارة
الذهبية: (خروج 25: 31
40 و37: 17-24)

المنارة الذهبية
Golden
Candlestick

المنارة بالعبرية: مينوره = menorah“، وهي قريبة في نطقها من اسمها بالعربية: منارة، التي يشع
منها النور الذي ينبعث منها ليضيء على الجالسين في الظلمة. ويلاحظ أن المنارة بكل
أجزائها وكل آنيتها مصنوعة من ذهب نقي مطروق، “عمل الخراطة تصنع المنارة..
“، قد تحدد مقدار الذهب الذي تصنع منه: “من وزنة ذهب نقي تصنع مع جميع
هذه الأواني”. والوزنة تزن 66-70 رطلاً من الذهب الخام. ولكن لم تحدد أبعاد
المنارة، إلا أن تفاصيل صنعها قد أُعطيت لموسى بكل دقة، بل وقيل له من أجلها بصفة
خاصة: “وانظر فاصنعها على مثالها الذي أُظهر لك في الجبل”.

وقد وُجدت
صورة تقريبية لها على قوس النصر لتيطس الروماني وقد نقشها تذكاراً لانتصاره سنة
70م.

كانت مصنوعة من ساق مستقيمة عمودية على القاعدة
ولها ست شعب كل اثنتين متصلتان معاً. ثلاث على الجانب الواحد وثلاث على الجانب
الآخر، كلها في سطح واحد وارتفاع واحد. وكانت الساق والشعب مزينة بأمثال زهر اللوز
والزنبق وفي كل شعبة ثلاث كاسات ([1])
لوزية بعجرة([2])
وزهر، وهكذا إلى الست شعب الخارجة من المنارة. أما الشعبة الوسطى فكانت مزينة
بأربع كاسات لوزية بعجرها. ولم تكن تلك النقوش ملتصقة بها من الخارج، بل كانت قطعة
واحدة منها. وكل فرع ينتهي بما يشبه الزهرة، وفي وسطها يُوضع الفتيل الغارق في
الزيت. والذي يُسرجها هو الحبر الأعظم أو أحد الكهنة المتقدمين وكان يقوم بإضاءة
السراج الذي في الوسط من نار مذبح المحرقة وكانت تُضاء في مدة الليل من المساء إلى
الصباح باستمرار (لاويين 24: 4، عدد 8: 2، أخبار الأيام الثانى 13: 11).
بقدر حجم الزيت الموجود في السرج وتنطفىء سرجها قبل انتهاء الليل (انظر صموئيل
الأول3: 3).

وقد أمر الرب أن تُصنع ملاقطها([3])ومنافضها([4])أيضاً
من الذهب، الملاقط تُستعمل في إصلاح أشرطة المنارة، وكانت أشرطتها تُصنع من ملابس
الكهنة القديمة، والمنافض لكى تُوضع فيها قطع الأشرطة المحترقة.

كان موقعها
فى الناحية الجنوبية أى القبلية من القدس.

لقد ذكر علماء اليهود، أن موسى النبى أدخل
المنارة فى الخيمة يوم الأربعاء على شبه النيرات السماوية التى أوجدها الله فى مثل
ذلك اليوم.

لم تكن المنارة لمجرد الإضاءة فحسب، وإنما كانت
جزءً لا يتجزأ من الطقس التعبدى، لها مفاهيمها اللاهوتية الروحية. فالنور يُذكرنا
بالله الذى أوجده كأول أعمال خلقته (تكوين 1: 3)، فى النور يسكن الله (تيموثاوس
الأولى 6: 16)
، وبه يلتحف. هو نور شعبه (إشعياء 10: 17)، يضىء عليه
بمجيئه لخلاصه (إشعياء 9: 2)، كما يضىء على الأمم والشعوب (إشعياء 42:
6)
، ليحولهم من أبناء الظلمة إلى أبناء النور.

وكما أن رب المجد هو نور العالم (يوحنا 1: 4
و8: 12)
هكذا المنارة كانت ترمز إليه كنور لشعبه وسط برية العالم المظلمة..
كان نور القدس مستمداً من ضوء المنارة لعدم وجود نوافذ أو كوى. وهذا يُذكرنا
بما جاء فى سفر الرؤيا عن أورشليم السمائية “والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا
إلى القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها
(رؤيا
يوحنا 21: 23)
.

ما يُلفت نظرنا هو شكلها العام الذى يُوحى بشكل
شجرة اللوز المزهرة التى تبشر بالثمر وتدل على حيويتها ونموها. فأول ما تُوحى به
المنارة فى تكوينها كشجرة لوز مزهرة هو تصميم الرب وسهره على كلمته ليجريها ويتمم
كل ما قد وعد به لمحبى اسمه القدوس، إذ أن كلمة لوز بالعبرية ([5])تعنى
ساهر كما أن شجرة اللوز هى أول شجرة تزهر فى فلسطين مُعلنة عن
ربيع حياة جديدة تبدأ مبكراً جداً قبل كل الأشجار فنستطيع أن نرى فيها إشارة إلى
المسيح كالباكورة .

ووضع المنارة فى القدس الذى لا يدخله سوى الكهنة
المعينين للخدمة فى حضرة الرب، يدل على أنها مثل المائدة فى مغزاها الروحى، فهى لا
تُنير إلا للذين لهم حق الدخول إلى موضع القدس. مثل المائدة التى لا يشترك فى
الأكل من الخبز الذى عليها سوى الكهنة فقط. فهى وإن كانت ترمز إلى المسيح كنور
للعالم، إلا أنها بوجودها فى القدس انحصر نورها للذين يتواجهون معها ويقفون فى
مقابلها. وكلمات المسيح فى هذا الصدد واضحة جداً، إذ قال: “مادمت فى العالم
فأنا نور العالم” (يوحنا 9: 5)، ثم عاد فقال لليهود: “النور معكم
زماناً قليلاً بعد، فسيروا مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام.. مادام لكم النور
آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور” (يوحنا 12: 35 و36). ولكن لما
رفضوه وقتلوه انحجب عنهم النور وصار فقط للذين قبلوه وآمنوا بقيامته من الأموات
وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين الآب. ونوره الآن يُنير لكل من أقامهم معه
وأجلسهم معه فى السماويات، الذين قال عنهم بطرس الرسول: “وأما أنتم فجنس
مختار، كهنوت ملوكى، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكى تخبروا بفضائل الذى دعاكم من
الظلمة إلى نوره العجيب” (بطرس الأولى 2: 9)
. فالمنارة، إذاً تخبرنا عن
التدبير الممتلىء صلاحاً ونعمة الذى أعده الله لمحبيه فى أيام غربتهم على الأرض
قبل ظهوره الثانى وشروق شمس البر فى كمالها لتُنهى كل ظلمة ليل هذا العالم: “لأن
ليلاً لا يكون هناك” (رؤيا يوحنا 21: 25). أما المنارة فهى
لزمان الليل، رمزاً للمسيح الذى يُنير لأولاده الذين مازالوا متغربين فى ليل هذا
العالم، السالكين فى النور كما هو فى النور (يوحنا الأولى 1: 7).

المنارة – بخلاف التابوت ومائدة خبز الوجوه – لا
يدخل فى تكوينها الخشب، فهى من الذهب النقى فقط لأنها تُرينا “مجد الله
فى وجه يسوع المسيح” (كورنثوس الثانية 4: 6). ولكن هناك كلمة أخرى
أُضيفت لتكشف عن سر آخر في طريقة صناعتها، وهي أنها “عمل الخراطة تصنع”
أي أن الذهب الذي صُنعت منه تعرض لمطارق مهرة الصناع الملهمين، لكي يُشكلوا من
قطعة الذهب المصفى بالنار منارة جميلة متناسقة المنظر دقيقة الصنع رائعة التكوين.
ومن الواضح أن الذهب المطروق هنا يشير إلى المسيح المتألم والُمجد: “لأنه لاق
بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمل رئيس
خلاصهم بالآلام” (عبرانيين 2: 10). فالذهب المطروق لا يدل فقط على
القيمة الفائقة التى لشخص مخلصنا، وإنما أيضاً على عظمة آلامه وكمال وكفاية عمله
الخلاصى الذي أكمله من أجلنا بقدرته الإلهية.

والسبعة السرج التى من الذهب النقي، تشير إلى
كمال عمل الروح القدس في شخص الرب يسوع. ولهذا يُوصف المسيح بأن “له سبعة
أرواح الله” (رؤيا يوحنا 3: 1). وسبعة أرواح الله تُوصف بأنها
“سبعة مصابيح نار متقدة” (رؤيا يوحنا 4: 5). لاشك أن الروح القدس
واحد كما يقول معلمنا بولس الرسول “روح واحد” (أفسس 4: 4). ولكن
القول سبعة أرواح الله إشارة إلى كمال عمله لأن رقم سبعة هو رقم الكمال، فهناك سبع
شعب ولكن المنارة واحدة، وسبعة سرج (مصابيح) ولكن الروح واحد.

وفي (إشعياء 11: 2) نجد السبعة أرواح
مذكورة على نسق تركيب المنارة الذهبية – أي ساق رئيسية وثلاث مجموعات زوجية مثل
شعب المنارة إذ يقول النبي: “ويحل عليه روح الرب (الساق المركزية) روح الحكمة
والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب”.

وهكذا، تُلقى المنارة نور ضياء سرجها السبعة على
خبز الوجوه الموضوع على المائدة طوال ليالي الأيام السبعة، إلى أن يحين يوم السبت.
وعندئذ يتقدم هارون وبنوه ليأكلوا الخبز المبارك في مكان مقدس (لاويين 24: 9).

وهذا يدلنا
على أنه بشهادة الروح القدس وقوته فقط يستطيع المؤمنون أن يعوا المسيح ويأكلوه
بصفته الخبز الحي النازل من السماء الواهب حياة للعالم. فمن خلال الروح القدس فقط
يمكننا أن نغتذى بالمسيح وننال من ملئه، لكي ننمو إلى ملء قامته.

كان يُوضع في السرج زيت زيتون مرضوض نقي للضوء
لكي تنير دائماً (خروج 27: 20) والزيت النقي إشارة إلى الروح القدس، وفي
وصف الزيت بأنه مرضوض” أي
مضروب إشارة إلى المسيح قد ضُرب من أجل ذنب شعبه (إشعياء 53: 8)، “ومع
كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به” (عبرانيين 5: 8).

وإن كان النور هو المسيح، لكن الزيت الذي في
السرج يرمز للروح القدس. وفي هذا إشارة إلى أن الروح القدس هو الذي يجعلنا نتمتع
بنور المسيح ونستضيء به “ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح
الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي” (يوحنا 15: 26).

والمنارة
كما تُعلم الكنيسة الأرثوذكسية ترمز إلي العذراء، فهي حالة النور الذي هو المسيح.

 

(ب) مائدة
خبز الوجوه: (خروج 25: 23-30 و37: 10-16)

مائدة خبز الوجوه
Table
of Showbread

كانت مائدة خبز الوجوه مصنوعة من خشب السنط،
طولها ذراعان (0.9 متر)، وعرضها ذراع (0.45 متر)، وارتفاعها ذراع ونصف (0.68 متر)،
وكانت مغشاة بالذهب، كما أن لها أيضاً حاجباً ارتفاعه شبر يحيط بها، يحجب ما يُوضع
على المائدة ويحفظه بكل حرص فوقها. والحاجب نفسه له إكليل من ذهب حواليه. وبها
أربعة حلقات ذهبية عند أطرافها ليوضع فيها عصوان من خشب السنط ومغشاتين بالذهب، من
أجل سهولة نقلها بدون لمسها، لكي ترافق بنى إسرائيل في كل ترحالهم.

ويبدو من النقوش الخاصة بتلك المائدة على قوس
النصر الذي أُقيم تكريماً لتيطس أنه كان لها أربع أرجل متصلة الواحدة بالأخرى
بشريط وكان ذلك الشريط يربط الأرجل نحو منتصفها. وكانت الحلقات التى تُحمل بها
المائدة مثبتة بأرجلها كما هو الحال في التابوت.

كانت تُوضع في القدس بجوار الحائط الشمالي، أي
عن يمين الداخل إلي الخيمة (خروج 40: 22).

وقد سُميت المائدة بعدة أسماء: مائدة الوجوه(عدد 4:
7)،
المائدة الطاهرة (أخبار الأيام الثانى 13: 11)، مائدة خبز الوجوه(أخبار الأيام الثانى 29: 18)،
المائدة الذهب التى عليها
خبز الوجوه
(ملوك الأول
7: 48)،
خبز
الوجوه”
(أخبار الأيام الثانى 2: 4)، خبز التقدمة” (متى 12: 4، عبرانيين 9: 2)، الخبز المقدس” (صموئيل
الأول 21: 4).

 

وللمائدة
أوان خاصة أمر الرب أن تُصنع من الذهب الخالص وهي:

V الصحاف: Dishes– وكانت تُستخدم في إحضار الأرغفة إلى المائدة ورفعها.

V الصحون: Pans – يُوضع فيها اللبان.

V الكاسات: Pitchers– وكانت تحتوي على الخمر للتقدمات.

V الجامات: Bowls – وكانت تُستخدم في سكب الخمر على مذبح البخور.

ويُوضع على المائدة خبز الوجوهوهو
عبارة عن اثنا عشر رغيفاً طرياً على عدد الاثنى عشر سبطاً في صفين، ستة في كل صف
تُستبدل كل يوم سبت ويرجح البعض أنها كانت تُوضع فوق بعضها في صفين يشتمل كل منهما
على ستة أرغفة ويرى بعض العلماء أن الأرغفة كانت مربعة الشكل وكانت تُوضع بينها
صفائح منحنية من الذهب.. وكان يُوضع عليها اللبان الذي كان يُحرق على مذبح البخور
وقوداً للرب (لاويين 24: 7). أما الأرغفة المرفوعة فكانت تُعطى لهارون
وبنيه ليأكلوها في مكان مقدس (لاويين 24: 9، متى 12: 4).

 

V الخبز الذي على المائدة:

نجد تفصيلات صنع هذا الخبز في (لاويين 24:
5-9)
حيث نقرأ “وتأخذ دقيقاً وتخبزه اثنى عشر قرصاً. عُشرين([6])يكون
القرص الواحد وتجعلها صفين، كل صف ستة على المائدة الطاهرة أمام الرب
وتجعل على كل صف لباناً نقياً فيكون للخبز تذكاراً وقوداً للرب (أى تقدمة مصنوعة
بالنار). في كل يوم سبت يرتبه أمام الرب دائماً”، وكان على القهاتيين
القيام بإعداد هذا الخبز (أخبار الأيام الأول 9: 32). كانت الأرغفة تُخبز
في النار الدار الخارجية في قوالب من ذهب قبل الغروب ودخول السبت.

أما وضعها على المائدة فقد وصفها التلمود بقوله
(يدخل أربعة من الكهنة يحمل اثنان منهم الخبز على الأيدي، كلّ يحمل ستة أرغفة
والاثنان الآخران يحملان إناءي اللبان كلّ يحمل إناء ويمشي قدام الكهنة الأربعة،
أربعة كهنة آخرون. اثنان يأخذان الخبز واثنان اناءى اللبان، ثم يقفون في الجنوب
ووجوههم إلى الشمال، وحالما يرفعون الخبز واللبان القديم يضعون الخبز واللبان
الجديدين وأيدي إحدى الفريقين فوق أيدى الفريق الأول حتى لا تخلو المائدة من ذلك
لحظة واحدة).

عند الارتحال: كان “يأتى هارون
وبنوه.. وعلى مائدة خبز الوجوه يبسطون ثوب أسمانجونى ويضعون عليه الصحاف والصحون
والأقداح وكاسات السكيب ويكون الخبز الدائم عليه، ويبسطون عليها ثوب قرمز ويغطونه
بغطاء من جلد تخس ويضعون عصيه” (عدد 4: 7و8). وكان يحمل المائدة” عند الارتحال القهاتيون
مع غيرها من أمتعة القدس وقدس الأقداس (عدد 4: 15).

وبما أن تركيب المائدة هو مثل تركيب التابوت
تماماً، من خشب السنط المغشى بالذهب، فهي مثل التابوت تشير إلى الرب يسوع في
طبيعته التى اتحد فيها لاهوته بناسوته. إلا أنها كمائدة مقدمة في حضرة الرب ومرتبة
أمامه كل حين، تعنى ما يقدمه الرب من شبع لا يفرغ من بين يديه: “أمامك شبع
سرور، في يمينك نعم إلى الأبد” (مزمور 16: 11)، “وترتب قدامي
مائدة تجاه مضايقي” (مزمور 23: 5)، “طوبى للذى تختاره وتقربه
ليسكن في ديارك، لنشبعن من خير بيتك، قُدس هيكلك” (مزمور 65: 4).

والرب يسوع قدم ذاته لنا خبزاً نازلاً من السماء
لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت (يوحنا 6: 50)، كما قال: “من يقبل إلىّ
فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً” (يوحنا 6: 35).

ولم يكتف الرب بأن يقدم نفسه خبزاً نازلاً من
السماء بتجسده لكي نؤمن به فنحيا إلى الأبد، ولا نجوع ولا نعطش أبداً، بل أكد لنا
أن هذا الخبز الذى يعطيه هو جسده الذي يبذله من أجل حياة العالم، وأنه يلزمنا أن
نأكل جسده ونشرب دمه لكي نحيا، قائلاً: “الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا
جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم” (يوحنا 6: 53).

والقديس بولس يربط بين شركتنا مع المسيح في موته
وقيامته وبين تناولنا جسده ودمه في سر الإفخارستيا بقوله: “كأس البركة التى
نباركها أليست هي شركة دم المسيح؟ الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد
المسيح؟” (كورنثوس الأولى 10: 16).

ولكننا نلاحظ هنا على هذه على هذه المائدة اثنى
عشر قرصاً موضوعين دائماً عليها. ومن الواضح أن هذا الرقم له صلة بأسباط إسرائيل
الاثنى عشر.

فهذا الخبز يمثل تواجدنا في حضرة الله، ويشير
إلى المسيح الذي قدم ذاته قرباناً لأجلنا، فهو بذلك يمثلنا جميعاً، لأنه: “إن
كان واحد قد مات لأجل الجميع، فالجميع إذاً ماتوا. وهو مات لأجل الجميع كي يعيش
الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام” (كورنثوس الثانية
5: 15)،
وهذا ما يؤكده أيضاً بولس الرسول قائلاً: “فإننا نحن الكثيرين
خبز واحد جسد واحد لأننا جميعا نشترك في الخبز الواحد.. ” (كورنثوس الأولى
10: 17).

فالأقراص الاثنا عشر، إذاً، تشير إلى المسيح فى
علاقته المباشرة مع شعبه، وهى موضوعة دائماً أمام الله وفى حضرته لكى تدل على عين
الله الساهرة على شعبه كأفراد وكجماعة، وهم مقبولون فى حضرة الله بالتساوى بسبب من
يمثلونه، أى المسيح الذى قدم نفسه خبزاً حياً من أجل حياة العالم.

هذا الخبز الذى يُوضع أمام وجه الله سبعة أيام
كاملة، ثم يُرفع فى يوم السبت لكى يأكله الكهنة فى مكان مقدس، ويضعون مكانه خبزاً
جديداً طازجاً، يشير إلى وليمة عرس عشاء الخروف فى سبت الراحة الأبدى، التى لن
يشترك فيها إلا المفديون الذين قدموا أجسادهم ذبائح حية مقدسة مرضية أمام الله،
عبادتهم العقلية. (رومية 12: 1).

أما إكليل الذهب الذى حول المائدة فهو المسيح
الممجد فى قديسيه الملتفين حوله على مائدة حبه ووليمة عرسه. والحاجب المحيط
بالمائدة، الذى يرتفع شبراً حولها، فهو يشير إلى رعاية الله وحمايته للذين هم له
لكى لا يخطفهم أحد من يده (يوحنا 10: 28) “أنتم الذين بقوة الله
محرسون بإيمان لخلاص مستعد أن يعلن فى الزمان الأخير” (بطرس الأولى 1: 5).

كانت هذه الأرغفة تُصنع من دقيق”. والدقيق النقى يشير إلى
ناسوت المسيح الطاهر الخالى من كل عيب. وهكذا كانت حياة الرب على الأرض كاملة من
كل وجه. وفى طحن الحنطة لتصير دقيقاً إشارة إلى ذلك المكتوب عنه “مسحوق لأجل
آثامنا” (إشعياء 53: 5).

كان الدقيق يُخبز فى التنور ليصير تقدمة مصنوعة بالنار” وفى هذا
رمز إلى آلام الصليب “قلبى كالشمع قد ذاب فى وسط أمعائى يبست مثل شقفة قوتى
ولصق لسانى بحنكى” (مزمور 22: 14 و15) وبذلك صار الرب طعاماً ومصدر
لحياة شعبه.

 

(ج) مذبح البخور: (خروج 30: 1 – 10 و37: 25 – 29)

مذبح البخور الذهبى Altar of Incense

كان هذا المذبح الذهبى على شبه المبخرة الكبيرة
مصنوعاً من خشب السنط مربعاً. طوله ذراع (0.45 متر)، وعرضه ذراع (0.45متر)،
وارتفاعه ذراعان (0.9 متر)، وله أربعة قرون، وهو مغشى كله بالذهب وعليه إكليل من
ذهب حواليه، وله حلقتان من ذهب تحت إكليله على جانبيه لتكونا بيتين لعصوين لحمله
بهما، والعصوان كانتا من خشب السنط ومغشاتين بالذهب وكان مذبح البخور يُوضع فى
القدس قدام الحجاب الذى يخفى وراءه تابوت العهد مباشرة. والغطاء الذى عليه، حيث
يجتمع الله بشعبه. ولما كان البخور رمزاً للصلاة (مزمور 141: 2) لذلك كان
وضع مذبح البخور فى مواجهة تابوت العهد أمراً مناسباً جداً. إلا أنه وُضع أمام
الحجاب إذ كان على أحد الكهنة كل يوم أن “يُوقد عليه بخوراً عطراً كل صباح.
حين يُصلح السرج يوقده، وحين يُصعد السرج فى العشية يوقده، بخوراً دائماً أمام
الرب” (خروج 30: 7 و8) وكان يأتى بالنار من مذبح النحاس فى مجمرة (لاويين
16: 12).

كان هذا المذبح الذهبى، قريباً من قدس الأقداس
بحيث أن البخور الذى يحرقة الكهنة يصعد كله منه ويدخل إلى قدس الأقداس، ولهذا
الاعتبار ذكره معلمنا بولس الرسول من محتويات قدس الأقداس (انظر عبرانيين 9:
3).

ونلاحظ أن مذبح البخور يُطلق عليه اسم مذبح مع
أنه لا تُقدم عليه ذبائح دموية. فالبخور بمدلوله الرمزى ذبيحة، مثلما أن الحمد
والتسبيح هما أيضاً ذبيحة. إذ يقول الله: “ذابح الحمد يمجدنى” (مزمور
50: 23)
“وليذبحوا له ذبائح الحمد” (مزمور 107: 22)
ويُعتبر اعتراف الشفاه ذبيحة “اقبل حسناً فنقدم عجول شفاهنا” (هوشع
14: 2)
. والصلاة ذبيحة “ليكن رفع يدى كذبيحة مسائية” (مزمور 141:
2)
والتسبيح ذبيحة “فلنقدم به فى كل حين لله ذبيحة التسبيح” (عبرانيين
13: 15).

فى طقس كنيستنا القبطية يُعتبر البخور ذبيحة،
ونرى ذلك فى مرد الشماس فى أوشية البخور عشية وباكر “صلوا من أجل ذبيحتنا (أى
البخور) والذين قدموها”..

ولازلنا
نرفع البخور فى نفس المواعيد فى المساء وفى الصباح.

كان مذبح البخور مصنوعاً من خشب السنط المغشى
بذهب نقى – سطحه وحيطانه حواليه وقرونه – إشارة إلى شخص الرب يسوع – الله الظاهر
فى الجسد.

ومن العجيب أننا لا نجد النص على عدد القرون،
ولو أنه من المعروف أنها كانت أربعة مثل قرون مذبح النحاس. ويمكننا أن نستخلص من
إغفال ذكر العدد تعليماً سامياً لأن رقم أربعة كما نعلم هو رقم الأرض – رقم
الخليقة، بينما مذبح البخور يُرينا المسيح لا كمن هو على الأرض بل كمن قد دخل إلى
السماء وهو ظاهر هناك أمام الله لأجلنا. وهكذا نجد أن عدد قرون مذبح المحرقة مذكور
بأنه أربعة لأن كفارة المسيح هى لكل العالم، أما قرون مذبح الذهب فلا يذكر عددها
لأنها مرتبطة بشفاعة المسيح القوية وخدمته كرئيس
الكهنة الممجد فى الأعالى”.

كان البخور العطر المقدم على مذبح الذهب كل صباح
ومساء بلا انقطاع، هو رائحة السرور التى اشتمها الآب فى ذبيحة ابنه البار القدوس
الذى أطاع حتى الموت موت الصليب، والذى: “لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه
الحقيقة، بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا” (عبرانيين
9: 24)
. والدم الذى يضعه رئيس الكهنة على قرون مذبح البخور مرة فى السنة من دم
ذبيحة الكفارة، يشير إلى دم المسيح الذى دخل به “مرة واحدة إلى الأقداس فوجد
فداءً أبدياً” (عبرانيين 9: 12).

 

V التحذيرات الخاصة بالخدمة عند مذبح البخور (خروج 30: 9، لاويين
10: 1):

الأول: كان ممنوعاً أن يُوقد
على مذبح الذهب بخوراً غريباً، إذ يجب أن يكون البخور مركباً بحسب أصنافه ومقاديره
الُمعينة من الله، وإلا فهو مرفوض. أى لا شىء يمكن أن يقبله الله سوى رائحة المسيح
الزكية. وكل شىء يُقدم لله بخلاف ذلك هو بخور غريب.

الثانى: كان ممنوعاً أن تُقدم
عليه محرقة أو يسكب عليه سكيب. ولكن كان الدم يُؤخذ من عند مذبح المحرقة حيث تُذبح
الذبيحة ويُوضع على قرون مذبح البخور فى مناسبتين من دم ذبيحة الخطية التى للكفارة
مرة كل سنة فى يوم الكفارة العظيم (لاويين 16: 18)، وعن ذبيحة خطية رئيس
الكهنة أو خطية المجمع (لاويين 4: 7 و18).

الثالث: هو التحذير من تقديم
نار غريبة. إن النار الوحيدة هى التى كانت على مذبح المحرقة، وقد “خرجت من
عند الرب” (لاويين 9: 24). ولذلك قضى الله على ناداب وأبيهو ابنى
هارون لأنهما قربا أمام الرب ناراً غريبة لم يأمرهما بها (انظر لاويين 10: 2).

 

 Vتركيب
البخور العطر (خروج 30: 34 – 38):

“خذ لك
أعطاراً، ميعة وأظفاراً وقنة عطرة ولباناً نقياً. تكون أجزاء متساوية فتصنعها
بخوراً عطراً صنعة العطار مملحاً نقياً مقدساً.. قدس أقداس يكون عندكم.. “

هنا يوجه
الرب الكلام لموسى بأن يأخذ هو بنفسه أعطاراً معينة، ويصنع منها بنفسه بخوراً
عطراً، مما يدل أيضاً على مدى قدسية هذا البخور الذى أمره الرب أن يجعل منه قدام
تابوت الشهادة، فى أقدس موضع فى خيمة الاجتماع حيث يجتمع به الرب لذلك حرّم الرب
أن يصنعه أحد لنفسه مستخدماً نفس أنواع هذه العطور. بمقاديرها ليشمه (أى لُيوقده
ليشم رائحته الزكية)، أما أصناف الأعطار التى دخلت فى صنعه فهى:

 

1 – الميعة Stacte:

وهى صمغ شجرة اللبنى المسماه Opobalsamum، والتى تنمو كثيراً فى سوريا وفلسطين. وقد جاءت فى المزامير فى
قول المرنم واصفاً رائحة ثياب الملك المعطرة بأطيب الأعطار: “المر والميعة
والسليخة من ثيابك” (مزمور 45: 8 الترجمة السبعينية). وقد جاءت الميعة” فى النسخة البيروتية
باسْمِ آخر هو العود”
واسمها بالعبرية ناتاب
Natap” بمعنى قطرات”
وقد اُستخدمت نفس الكلمة فى (قضاة 5: 4، أيوب 29: 22، نشيد الأناشيد 4: 11،
عاموس 9: 13).

 

2- الأظفار Onycha:

وهى أصداف بحرية لحيوان مائي، وتدعى أيضاً
بالصدف المجنح، إذا أُحرقت فاحت منها رائحة عطرة جداً.

 

3- قنة عطرة Galbanum:

وهى نوع من الصمغ العطر من نبات يدعى القنة Ferula gal
baniflua
ينمو في الهند وبلاد
العرب وفارس. والصمغ الناتج منه لونه أصفر غامق وذو رائحة نفاذة للغاية. فهي ليست
عطرة بالذات ولكنها تقوىّ رائحة غيرها.

 

4- اللبان النقي Frank incense:

وهو نوع آخر من الصمغ المستخرج من أشجار معينة
تُدعى
بوزويليا Boswellia” تنمو في جنوب الجزيرة العربية، وتفرز هذه الأشجار عصارة
تتحول إلى فصوص بيضاء من اللبان النقي إذا جفت، لذا أُطلق عليها الاسم بالعبرية: لبوناه
Lebonah” ومعناه أبيض.

واستخدامات اللبان ليست فقط في صناعة البخور،
وإنما يضاف أيضاً على تقدمة الدقيق الذي يقدم قرباناً للرب (لاويين 2: 1)،
وعلى خبز الوجوه على مائدة خبز الوجوه في القدس “فيكون للخبز تذكاراً وقوداً
للرب” (لاويين 24: 7)، وكذلك يُستخدم اللبان كعطر تعطر به العروس، كما
جاء في نشيد الأناشيد: “من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر
واللبان.. ” (نشيد الأناشيد 3: 6).

وتُخلط هذه الأعطار الأربعة بكميات متساوية
لينتج منها بخور عطر مملح نقي
مقدس”. وتعنى كلمة مملح”
أنه قد أُضيف إلى البخور ملح ليملحه، ولكي يُزيد من اشتعاله عند إحراقه فيصعد مثل
سحاب أبيض. ومن الطبيعي أن تكون للملح قيمة رمزية أيضاً. نظراً لخواصه الطبيعية،
أو لكونه لازماً لكل طعام، لأنه يشكل جزءً من كل الذبائح، ويستخدم عند قطع العهد (لاويين
2: 13، عدد 18: 19، أيوب 13: 5).

وقد سبق أن ذكرنا عند حديثنا عن مذبح البخور، أن
البخور العطر المقدم على مذبح الذهب كل صباح ومساء، هو رائحة السرور التي اشتمها
الآب في ذبيحة ابنه البار القدوس الذي أطاع حتى الموت موت الصليب. وبالأخص إذا
علمنا أن هذا البخور كان لا يُوقد إلا بالجمر المأخوذ من وقود الذبائح التى كانت
تُحرق على مذبح المحرقة، حيث كانت ترمز هذه الذبائح إلى ذبيحة المسيح الذي قدم
نفسه كفارة عن خطايانا. لذلك نسبح له قائلين: (هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة
على الصليب لأجل خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة..) ([7])

ولقد تنبأ ملاخي النبي عن هذه الأيام المباركة
التي ينتشر فيها اسم المسيح في كل الأرض ويتعظم بين الأمم، ويُرفع باسمه بخور في
كل مكان، قائلاً: “من مشرق الشمس إلى مغربها اسمي عظيم بين الأمم، وفي كل
مكان يُقرب لاسمي بخور وتقدمة طاهرة” (ملاخى 1: 11).

 

V بين مذبح البخور ومذبح المحرقة:

أول ما نلاحظه هو أن كلا المذبحين مصنوعان من
خشب السنط الذي لا يسوس، ولكنهما يختلفان في كل شيء عدا ذلك. إلا أن مادة الخشب
التي يتفقان فيها هي نفس المادة المستعملة في صنع تابوت الشهادة ومائدة خبز الوجوه
وألواح المسكن والأعمدة. وقد رأينا في هذه جميعها رمزاً لبشرية المسيح التي لا
يعتريها فساد والمنزهة عن كل خطية.

 

أما الاختلافات بين المذبحين فتتلخص فيما يأتى:

1- أبعاد مذبح المحرقة
خمسة أضعاف مذبح البخور، وارتفاعه ثلاثة أضعافه، لكي يُناسب المهمة التي أُعد
لأجلها. كما يشير إلى اتساع مراحم الله التي بدت بكل جلاء على الصليب.

أما مذبح
البخور فهو في حجبه عن الأنظار داخل القدس يشير إلى عمل المسيح الخفي في السماء من
أجلنا أمام الآب بعد صعوده وجلوسه عن يمين الآب.

2- مذبح المحرقة مغشى
بالنحاس، بينما مذبح البخور مغشى بالذهب. وقد رأينا الذهب في قدس الأقداس والقدس،
وعرفناه رمزاً للمجد والبهاء، وعرفنا النحاس رمزاً للدينونة وقضاء الله.

ورأينا في مذبح النحاس رمزاً للمسيح المصلوب
لأجلنا، الذى قبل حكم الموت بإرادته عنا وهو غير مستحق له، وذلك: “لكي لا
يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3: 15). أما
مذبح الذهب، فهو رمز للمجد الذي تمجد به المسيح، الذي “أطاع حتى الموت موت
الصليب، لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسْمِ يسوع كل
ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح
هو رب لمجد الله الآب” (فيلبى 2: 8-11).

3- مذبح المحرقة في
الفناء الخارجى لخيمة الاجتماع مشيراً إلى المسيح الذي تألم خارج الباب، إذ
“خرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة” (يوحنا
19: 17)
، حيث صلبوه بين لصين. أما مذبح البخور، فقد حدد الرب مكانه لموسى:
“وتجعله قدام الحجاب الذي أمام تابوت الشهادة (داخل القدس)، قدام الغطاء الذي
على (تابوت) الشهادة حيث اجتمع بك“. وهنا تتجلى بكل وضوح كرامة مذبح
البخور الذي لا يفصله عن تابوت الشهادة الذي يمثل عرش الله وحضوره إلا الحجاب الذي
يشير إلى جسد المسيح. ولما انشق الحجاب بموت المسيح، ارتفعت كل العوائق التي
تفصلنا عن حضرة الآب واجتماعنا به، بواسطة ذبيحة المسيح: “الذي أصعد ذاته
ذبيحة مقبولة على الصليب لأجل خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح (كرائحة بخور) وقت
المساء على الجلجثة([8]).
“لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقة، بل إلى السماء
عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا” (عبرانيين 9: 24).

4- مذبح المحرقة تُقدم
عليه الذبائح الدموية للتكفير عن خطايا الشعب، وتُحرق فوقه المحرقات بنار مستمرة
لا تطفأ نهاراً وليلاً، رمزاً لفاعلية ذبيحة المسيح الكفارية الذي: “بقربان
واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين” (عبرانيين 10: 14). كذلك أيضاً مذبح
البخور فقد أمر الله أن يُوقد عليه هارون بخوراً عطراً كل صباح وكل مساء:
“بخوراً دائماً أمام الرب في أجيالكم” (خروج 30: 8).ويحذر الرب
من أن يُصعدوا عليه: “بخوراً غريباً ولا محرقة أو تقدمة وأن لا يسكبوا عليه
سكيباً” (خروج 30: 9). إلا أنه يلزم أن يصنع رئيس الكهنة: “كفارة
على قرونه مرة في السنة من دم ذبيحة الخطية التي للكفارة” (خروج 30: 10).

هكذا ينكشف
لنا مدى الحبك والتطابق العجيب بين ترتيب خيمة الاجتماع وكل مكوناتها والخدمة التي
تُقام فيها، وبين عمل المسيح وما حققه لأجلنا من فداء وشفاعة.

وهكذا كان يجب أن يكون هناك أولاً مذبح النحاس
والذبائح التي تقدم عليه، وذلك قبل الدخول إلى القدس حيث مذبح الذهب والبخور الذي
يُوقد فوقه لأن المسيح، رئيس كهنتنا الأعظم، قدم ذاته أولاً ذبيحة لأجلنا على
الصليب، وهو بعد على الأرض، تلك التي يشير إليها مذبح النحاس. فقد كان عليه أن
“يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد”. (عبرانيين 2: 9 الترجمة
الجديدة)
ثم دخل بدمه إلى الأقداس السمائية ليشفع فينا كل حين أمام الآب:
“مكللاً بالمجد والكرامة لأنه احتمل ألم الموت” (عبرانيين 2: 9).
وهذه يشير إليها مذبح الذهب، الذي يرمز إلى عمل المسيح الآن لأجلنا في السماء.

 

V لماذا الكاروبيم على الحجاب؟

هذا يشير إلى عدل الله. فالله
حينما طرد الإنسان الأول من جنة عدن
“أقام
شرقيها الكاروبيم، ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة” (تكوين 3:
24)
.. وفي شريعة إقامة خيمة الاجتماع قال الرب “يفصل لكم الحجاب
بين القدس وقدس الأقداس” (خروج 26: 23)..

كان الحجاب يفصل”
بين الله القدوس الذي كان يعلن عن حضوره في قدس الأقداس (لاويين 16: 2) والإنسان
الخاطىء في الجانب الآخر..

هذا الحجاب
– في هيكل سليمان بأورشليم – هو الذي انشق حينما أسلم الرب يسوع روحه وهو معلق على
الصليب (متى 27: 51، مرقس 15: 37و 38).. ومعنى انشقاق حجاب الهيكل أن
الطريق إلى السماء صار مفتوحاً..
لم يعد هناك كاروبيم بلهيب سيف متقلب يحرس
طريق شجرة الحياة “فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع،
طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أى جسده، وكاهن عظيم على بيت الله، لنتقدم
بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير، ومغتسلة أجسادنا بماء نقي
– لنتمسك بإقرار الرجاء راسخاً لأن الذي وعد هو أمين” (عبرانيين 10:
19-23)
. لقد صار الدخول إلى الأقداس بدم المسيح، ولم تعد هناك وسيلة أخرى
هؤلاء هم الذين
.. “غسلوا ثيابهم وبيَّضوا ثيابهم في دم الخروف. من أجل
ذلك هم أمام عرش الله” (رؤيا يوحنا 7: 14و 15).. ونلاحظ أن
الأسمانجوني ذُكر أولاً في الحجاب، بينما البوص المبروم هو الذي ذُكر أولاً في
الشقق الجميلة لأننا في الحجاب نعجب إذ نرى السماوى آتيا إلينا “الله ظهر في
الجسد” (تيموثاوس الأولى 3: 16)، بينما في الشقق الموضوعة من فوق نعجب
إذ نرى أن الإنسان الكامل الذي عاش هنا على الأرض حياة القداسة الكاملة هو الآن
مرفع في المجد عن يمين الله.



اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى