اللاهوت الطقسي

الرموز الروحية في هيكل سليمان



الرموز الروحية في هيكل سليمان

الرموز الروحية في هيكل سليمان

دكتور إميل ماهر([1])

إن
المسكن الأرضي سواء الخيمة أو الهيكل كان شبه السماويات. فموسى صنع الخيمة حسب
المثال الذي أظهره له الله على الجبل
(خروج 25: 9، عبرانيين 8: 5)، وسليمان بني الهيكل طبقاً لإرشادات الروح القدس بفم أبيه داود الملك.
لذلك فإن الهيكل والخيمة وكل ما فيها ملىء بالرموز، تأمل داود بالروح فرأى قبساً
من بهائها واشتهى أن يقضي كل أيام حياته متفرغاً للتأمل فيها
واحدة سألت من الرب وإياها التمس أن اسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي
أنظر جمال الرب وأتفرس في هيكله
(مزمور 27: 4).
فالهيكل هو بيت الله
ومكان حلوله الرب في هيكل قدسه. الرب في السماء كرسيه
عيناه تنظران اجفانه تمتحن بني آدم”
(مزمور 11: 4).. لذلك
فإن الهيكل يشير إلى:

 

1- ربنا يسوع المسيح هو الهيكل الحقيقي:

الله الظاهر في الجسد
لأن فيه سر أن يحل كل الملء (تيموثاوس الأولى 3: 16). فإنه فيه حل ملء
اللاهوت جسدياً (كولوسي 2: 9). هو نفسه تكلم عن هيكل جسده (يوحنا 2: 21)
والله نفسه قد هيأ هذا الهيكل لأنه مكتوب هيأت لي جسداً (عبرانيين 10: 5)
لذلك قال يوحنا الرائي في وصف أورشليم السمائية
لم أر فيها هيكلاً لأن
الرب الإله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلها
(رؤيا يوحنا 21: 22).

 

2- كل مؤمن هو هيكل حي يسكن فيه الروح القدس:

أما تعلمون أنكم هيكل
الله وروح الله يسكن فيكم إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله، لأن هيكل الله
مقدس الذي أنتم هو
(كورنثوس
الأولى 3: 16و17)
،
أم
لستم تعلمون أن جسدكم هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله وأنكم لستم
لأنفسكم” (كورنثوس الأولى 6: 19).

 

3- كنيسة المسيح ككل:

فهي الهيكل السري الذي
ينمو على الأرض إلى أن يكمل هيكلاً مقدساً لله. اعضائها في كل زمان ومكان
مبنيين على أساس الرسل
والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو
هيكلاً مقدساً في الرب
(أفسس 2: 20-21). فإنكم أنتم هياكل الله
الحي كما قال الله
أني سأسكن
فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً
(كورنثوس الثانية 6:
16)
ونلاحظ أن اليهود وحدهم صنعوا الخيمة. أما الهيكل فقد اشترك الأمميون مع
اليهود في بناءه (أخبار الأيام الثاني 22: 42). وهكذا كنيسة المسيح يشترك
فيها الأمم مع اليهود
فلستم
إذن بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله
(أفسس 2: 19).

 

4- السماء وهي هيكل باقي إلي الأبد:

السماء حيث عرش الله
الهيكل
فخرج صوت
عظيم من هيكل السماء من العرش قائلاً قد تم
(رؤيا يوحنا 16: 17).
هناك في هيكل السماء يدخل المفديون الذين غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف
من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله والجالس على العرش
يحل فوقهم
(رؤيا
يوحنا 7: 15).

لذلك فإن أورشليم
السمائية (كما الهيكل من ذهب نقي وأحجار نقية كريمة والشاروبيم هناك باستمرار) كما
في الهيكل قائلين أمام العرش تسبيحات وترانيم روحية.

بين الهيكل المادي
والهيكل الروحي

هناك أوجه للشبه عديدة
بين الهيكل المادي والروحي كما أنه هناك بعض فوارق بينها نلخصها أولاً فيما يلي:

(1) هيكل
سليمان اعتمد في بنائه على التسخير (ملوك الأول 5: 13-18 و9: 15) فدخله شىء
من الظلم بينما الهيكل الروحي (الكنيسة) بُني على أساس العدالة الإلهية وثمنه دم
المسيح ذاته.

(2) هيكل
سليمان (كما الخيمة أيضاً) كان فيه حجاب يفصل بين القدس وقدس الأقداس، ولم يكن أحد
يقدر أن يدخل إلى قدس الأقداس إلا رئيس الكهنة مرة واحدة فى السنة فى يوم الكفارة
مجتازاً فى دخوله الحجاب. هذا الحجاب قد انشق بالصليب (لوقا 23: 45) وفتح
الطريق إلى الأقداس
لنا أيها
الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أى
جسده” (عبرانيين 10: 19-20)، لذلك ففى سفر الرؤيا نقرأ أنه قد انفتح
هيكل الله فى السماء وظهر تابوت عهده فى هيكله (رؤيا يوحنا 11: 19) إذا
أصبح لنا أن ننظر إلى الأقداس وليس ذلك فقط انما ندخل إليها بدم السيد المسيح له
المجد.

(3) الهيكل
الأرضي (هيكل سليمان) بقى نحو أربعة قرون (967 – 578 ق. م) ثم خربّه ملك بابل
نبوخذ نصر واستولى على نفائسه (ملوك الثاني 25: 8-9 و13-17) أما الهيكل
الروحي الذي هو كنيسة المسيح فسيبقى إلى الأبد لأن
أبواب
الجحيم لن تقوى عليها” (متى 16: 18).

 

أوجه الشبه بين الهيكل
المادي والروحي

1. كما أن
الهيكل الأرضي واحد كذلك الكنيسة عروس المسيح كنيسة واحدة
هي
حمامتي كاملتي” (نشيد الأناشيد 6: 19).

2. وكما بُنى
الهيكل على صخرة المريا كذلك الكنيسة بنيت على صخر الدهور السيد المسيح له المجد (انظر
إشعياء 26: 4)
.

3. وكما
استخدمت الحجارة فى بناء الهيكل، كذلك المؤمنين فإنهم حجارة حية تتركب منها السماء
(انظر بطرس الأولى 2: 5).

4. وكما أن
أحجار الهيكل كانت تقطع وتجهز فى ذات مقلعها قبل أن تنقل إلى مكان البناء بحيث أنه
لم يسمع فى البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا أداة من حديد (ملوك الأول 6: 7)،
هكذا المؤمنون تشغلهم التجارب والتأديبات هنا فى العالم ليؤهلوا بذلك لمكانهم فى
هيكل السماء حيث لا يسمع هناك صوت بكاء ولا تنسكب دموع. ولاحظ أن الحجر ما لم ينحت
ولا يصُقل لا يصلح لبناء فهو في بادىء الأمر بلا شكل ولا جمال فينحته الأزميل
والمعول من كل ناحية حتى ينتظم ويوافق موقعه في البناء. لذلك نحن ليتنا نعلّم
نفوسنا طالبين من الله بفرح حتى يصوغنا على الشكل الذي يراه ويرضاه كما أننا نلاحظ
في قوله
لم يكن
يُسمع في البيت عند بنائه

صوت منحت ولا أداة من حديد إشارة إلى أن العنف والضوضاء لا يصلحان لبناء كنيسة
السماء ويعطلان عمل الله ويعرقلانه.

5. لقد كان
الهيكل مغطى بالذهب الخالص (ملوك الأول 6: 21و22و30) بحيث لا تظهر حجارة
ولا الخشب الذي يكسو الحجارة. وفي ذلك إشارة إلى اتحاد جميع المؤمنين بالإيمان
الواحد النقي من الشوائب المصفاة بنار التجارب في العالم كما أن الذهب أيضاً يشير
إلى تسربل المؤمنين بالنقاوة وبهاء القداسة.

6. وكما أن
الهيكل ينقسم إلى القدس وقدس الأقداس وإلى دار داخلية ودار خارجية، كذلك كنيسة
المسيح جزء منها هو الكنيسة المنظورة وآخر هو الكنيسة الغير منظورة.

7. قدس الأقداس
كان رمزاً إلى السماء، والتابوت يرمز إلى عرش الله الذي يحل ويتكلم بين الكاروبين،
والكاروبيم في قدس الأقداس إشارة إلى السماء محفل الملائكة (عبرانيين 12: 22)،
وكما أنه لم يكن لأحد أن يدخل إلى قدس الأقداس سوى رئيس الكهنة مرة في العام يوم
ذبيحة الكفارة وبالبخور، كذلك المسيح دخل كرئيس كهنة للخيرات العتيدة بدم نفسه إلى
السماء (عبرانيين 9: 11و 24).

8. القدس يرمز
إلى الكنيسة المقدسة المفدية والمجاهدة على الأرض، كان الكهنة يخدمون فيها. رمزاً
للمؤمنين الحقيقيين الذين قيل عنهم أنهم كهنوتاً مقدساً
لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح” (بطرس الأولى 2: 5).

9. وفي
محتويات القدس نلاحظ أن الموائد أصبحت عشرة، وكذلك المنائر (ملوك الأول 7: 49،
أخبار الأيام الثاني 4: 7)
بينما في خيمة الاجتماع كانت هناك منارة واحدة
ومائدة واحدة. فالعشر موائد والعشر منائر تشير إلى كثرة وكمال الخبز الروحاني
والنور السماوي الذي نتمتع به في العهد الجديد أكثر مما عمله أو استطاع أن يعمله
لنا الناموس.

10. أما مذبح
البخور فقد استمر واحداً في هيكل سليمان إشارة إلى أن المسيح إلهنا واحد وكفارته
التي أرضى بها الآب واحدة.

11. العمودان
وكل الأواني النحاسية فقد صنعها حيرام وهو رجل أبوه صوري وامه إسرائيلية من سبط
نفتالي (ملوك الأول 7: 14) فيه اختلط دم شعبين وبهذا تأهل للقيام بعمله..وهكذا
الكنيسة كنيسة جامعة فيها يختلط اليهود مع الأمم وكما أن الخيمة قد بنيت بثروة مصر
كذلك الهيكل بُني بمهارة الصوريين.

12. عمودا
النحاس (اللذان وضعا في رواق الهيكل)

(أ) كانا
يشيران إلى عمود السحاب والنار الذي كان يحل على الخيمة ويقود بني إسرائيل إلى
البرية وكان العمود الأيمن فيه يحمل اسم ياكين وهو اسم
عبري معناه يثبت..والأيسر يحمل اسم بوعز وهو اسم عبري معناه ذو العزة
فكان العمودين باسميهما يشيران إلى أن الهيكل يثبت في عز كما أنهما كانا بمثابة
تذكرة لكهنة الرب الذين يخدمون في الهيكل أن يتكلموا على الله بالثبات والقوة في
خدمتهم.

(ب) ونحن عندما
نأتي إلى الهيكل، ونجد عقولنا مشتتة طائشة فنرى العمودين فنتذكر كيف يجب أن تكون
العبادة للرب فنرفع عيوننا إلى السماء طالبين العون.. وننظر إلى ياكين ونقول الله
يثبت عقولنا الهائمة.. وننظر بوعز ونقول في المسيح قوتنا العامل فينا
أن نريد وأن نعمل.

(ج) ولكن عندما
غضب الرب على شعبه لضلالهم واسلم بيته للخراب نُقل هذان العمودان إلى بابل (ملوك
الثاني 25: 13و 17،إرميا 52: 17).

(د) أما في
هيكل السماء فالعمودان يشيران إلى المؤمنين
من يغلب فساجعله عموداً
في هيكل إلهي ولا يعود يخرج إلى خارج وأكتب عليه اسم إلهى واسم مدينة إلهي أورشليم
الجديدة
(رؤيا
يوحنا 3: 12).

(ه) وكما كان
لكل عمود تاج (ملوك الأول 7: 16) كذلك المؤمنون أيضاً سيتوجون
كن أميناً إلى الموت
فسأعطيك إكليل الحياة
(رؤيا
يوحنا 2: 10)
،
ها أنا آتي
سريعاً تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك
(رؤيا يوحنا 3: 11)،
وكما جاء في رسالة معلمنا بولس الرسول إلى تيموثاوس الثانية
جاهدت الجهاد الحسن
أكملت السعي حفظت الإيمان وأخيراً وضع لي إكليل البر
(تيموثاوس الثانية4:
7).

(و) العمودان
من نحاس والنحاس رمز القوة فالمسيح في سفر الرؤيا

رجلاه شبه
النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون

(رؤيا يوحنا 1: 15).

(ز) كانا
العمودان مزينان بالشباك وعلى رأسيهما زهر السوسن إشارة إلى ضرورة تجمل المؤمنين
بالفضائل وزهر السوسن بشكلها الجميل ورائحتها العطرة (نشيد الأناشيد 5: 13)
تشير إلى حياة الطهارة والقداسة.

13. كان البحر
في نفس موقع المرحضة بالنسبة إلى خيمة الاجتماع فقد كان في الخارج أمام مدخل
الهيكل جهة الشرق في موضع يقع بين مذبح النحاس والرواق. ولم يكن موقعه في الوسط
تماماً دائماً إلى الجانب الأيمن جهة الجنوب أي اليسار الداخلي إلى الهيكل. والبحر
كان لاغتسال الكهنة قبل الدخول إلى الهيكل فهو بذلك يرمز إلى المعمودية المقدسة
التي بدونها لن يقدر أحد أن يدخل إلى ملكوت الله (يوحنا 3: 5).

ولأن البحر يرمز إلى
المعمودية، لذلك في طقس بناء الكنيسة يكون موضع المعمودية بالنسبة للكنيسة في نفس
موضع البحر بالنسبة لهيكل سليمان. أي عند المدخل إلى يسار الداخل إلى كل منهما.

والبحر كان موضوعاً على
اثنى عشر ثوراً ويعتقد البعض أن سليمان قد عمل الثيران تذكرة لبني إسرائيل بالثور
الذي عبدوه في البرية أيام موسى ويكون درساً لهم بأن هذه التماثيل ليس فيها ما
يستحق العبادة والأنسب أن تكون بمثابة أعمدة لا بمثابة آلهة.

14. كذلك مذبح
النحاس كان موضوعاً خارج القدس وعليه تقدم الذبائح والمحرقات إشارة إلى الصليب
الذي تألم عليه السيد المسيح له المجد خارج المحلة.

15. الدخول
إلى الأقداس.

(أ) لم يكن
الكهنة يستطيعون الدخول إلى الأقداس إلا بمرورهم بمذبح المحرقة أولاً وتقديم
الذبيحة ثم البحر لإغتسال. كذلك الذين ينعمون بالإيمان لا يدخلون إلى الكنيسة إلا
بدم المسيح وذبيحة الصليب المرموز إليها بالمذبح وما عليه. وكذلك بالاغتسال في
مياه المعمودية المرموز إليه بالبحر (أو المرحضة بالنسبة للخيمة).

(ب) من ثم
يدخلون إلى القدس ويتقدمون في جهادهم على الأرض وسياحتهم نحو السماء مسكن الله
المرموز إليها بقدس الأقداس. وفي هذا الجهاد يحتاجون أن يقتاتوا بالمسيح خبز
الحياة فيقتاتون بجسده الأقدس ودمه الكريم المرموز إليهما بخبز الوجوه المرفوع على
المائدة. كما يحتاجون إلى الاستنارة بمواهب الروح القدس الكاملة وأسرار الكنيسة
السبعة، المرموز إليها بالمنارة أو المنائر العشر وسرجها السبعة.

(ج) من ثم
يقدرون أن يرفعوا بخوراً على مذبح البخور الذهبي فيتصاعد إلى داخل قدس الأقداس
فبالمسيح (الذي يرمز إليه مذبح البخور) وكفارته التي أرضت قلب الآب أصبح لنا أن
نقدم صلوات تُرفع كرائحة بخور إلى داخل الأقداس باسْمِ المسيح
في ذلك اليوم تطلبون
باسمي
(يوحنا
16: 26)
مهما سألتم باسمي فذلك أفعله.. إن سألتم شيئاً باسمي فأني أفعله
(يوحنا 14: 13و14).
لذلك فإننا نبدأ صلواتنا ونختمها باسم المسيح وفي ختام الصلاة الربانية تقول
بالمسيح يسوع ربنا.

16. الدار
الخارجية حيث يجتمع الشعب للصلاة خارج الهيكل ترمز إلى الذين يعبدون الله عبادة
ظاهرية سطحية دون أن يدخلوا إلى أعماق معرفته ومحبته وإنهم يرون المذبح والبحر أي
يسمعون عن المسيح والتبرير بدمه ومواهب روحه القدوس العامل في الأسرار ولكنهم مع
ذلك لا يكترثون فتظل عبادتهم شكلية مرفوضة لذلك فقد أمر الملاك يوحنا الرائي أن
يقيس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه ويترك الدار التي خارج الهيكل ويطرحها
خارجاً ولا يقيسها لأنها تداس من الأمم (رؤيا يوحنا 11: 1-2). وفي هذا دليل
على هلاك الذين لازالوا في الدار الخارجية ممن دعى عليهم اسم المسيح فقط دون أن
تكون لهم حياة وشركة معه.

 

ملاحظات أخرى على بناء
الهيكل

(1) كان الهيكل
كوي مسقوفة مشبكة، وهي بحسب نظام المباني قديماً تكون ضيقة من الخارج متسعة في
الداخل. لتعطي للمكان قدراً أوفر من الاضاءة، وبذلك فإن الكوي ترمز إلى أعيننا
الروحية التي ينبغي أن تتسع من الداخل لتفحص أعماقنا كي ندقق فنحاسب الآخرين.

(2) اهتم
سليمان أن تبني الغرفات المحيطة بالهيكل وتوضع سقوفها بطريقة لا تؤثر على متانة
جدران الهيكل..لأنه جعل للبيت حواليه من خارج أخصاماً لئلا تتمكن الجوائز في حيطان
البيت
(ملوك
الأول 6: 6)
. وفي هذا تنبيه لنا أن لا نسمح أبداً بما يُضعف قوة الكنيسة ولو
بدعوة إضافة ما يزينها ويجملها في نظر العالم فيجعلها كنيسة عصرية.

(3) وضع سليمان
في قدس الأقداس كاروبين عظيمين من خشب الزيتون المغشى بالذهب يظللان موضع التابوت
ونلاحظ أن الكاروبين قد أقيما واقفين في قدس الأقداس ووجهاهما إلى الداخل، ليمثلا
الملائكة التي تخدم في حضرة الله فهما هناك لا لكي يكرما أو يعبدوا ولا كانا
يصوران كألهة الأمم جالسين على عرش ووجهاهما جهة العابدين من الخارج. وإنما اقيما
هناك حيث لا يراهما أحد ليمثلا التواجد في حضرة الله غير المنظور فنحن لا نعبد
ملائكة وإنما نعبد مع الملائكة إذ لنا بهم اتصال وشركة (عبرانيين 11: 22).
كما نستنتج من صنع موسى للكاروبين المظللين على التابوت ونقوش الكاروبيم داخل
الخيمة وكذلك من صنع سليمان للكاروبين العظيمين ومن النقوش الكثيرة داخل الهيكل
والثيران النحاس التي سبكها لتحمل البحر إلى خارج الهيكل نستنتج من كل هذا أن
الهدف من الوصية الثانية من الوصايا العشر لم تكن تحريم صنع التماثيل على الإطلاق،
انما تحريم صنعها بهدف عبادتها وحيث لا يوجد خطر عبادتها فمن جهة العقيدة لا يوجد
ما يحُرم صنع الصور والتماثيل إلا إذا كان هناك خطر الانحراف لعبادتها ومن ثم فهذه
تسقط دعاوى البروتستانت بتحريم صنع الصور والتماثيل ووضعها في الكنائس إلا اننا
ككنيسة قبطية ارثوذكسية قد تسلمنا ذلك منذ البداية أن نرسم الصورفقط والنقوش
البارزة ونضعها داخل الكنائس، أما التماثيل فلشدة تأثرنا بالتماثيل التي عبدها
آبائنا قبل المسيحية، ولئلا ينحرف جيل من الأجيال فيرتد بفكره إلى المفاهيم
الوثنية عن التماثيل وما يصاحب اقامتها من فكرة حلول الآلهة، لذلك فقد حرَّم
ابائنا وضع التماثيل في الكنائس لتكون هذه صفة مميزة لمعابدنا عن معابد الوثنيين.
وهكذا سرنا وفقاً لهذا التقليد منذ البداية، وسنسير وفقاً له بمشيئة الله إلى
نهاية الأزمان حفاظاً على تراثنا وتقاليد كنيستنا القبطية الارثوذكسية.

(4) كذلك نلاحظ
أنه عندما ذكر اتجاه الاثنى عشر ثوراً التي تحمل البحر يذكرها الكتاب بالترتيب
التالي ثلاثة منها متوجهة إلى الشمال وثلاثة متوجهة إلى الشرق (ملوك الأول 7: 25)
وهو ترتيب دوري في اتجاه ضد عقارب الساعة ولعل اهتمام الكتاب المقدس بذكر تفاصيل
هذا الترتيب وكذلك ما نعرفه من التقاليد اليهودية بأن رئيس الكهنة كان يكفرَّ على
قرون مذبح البخور بدم ذبيحة الخطية بنفس الاتجاه ضد عقارب الساعة، لعل هذا هو السر
في أن جميع دوراتنا الكنيسة تكون في نفس هذا الاتجاه في ضد عقارب الساعة سواء في
دورات البخور أو دورات احتفالات الأعياد وبالمثل جميع تحركات الكهنة والشمامسة
داخل الهيكل وأثناء تناول الأسرار الإلهية، ولا يشذ عن هذه القاعدة إلا في دورة
باكر خميس العهد التي تجري في اتجاه عكسي (ومع عقارب الساعة) وذلك استنكاراً
لخيانة يهوذا وإيضاحاً للشعب بأن تلك الخيانة تًعد انقلاباً للوضع وبها انقلب
يهوذا من اسقفيته ورسوليته وسقط وانسكبت أحشائه وخسر حياته الأرضية والسماوية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى