اللاهوت الطقسي

+ أورشليم بعد السبي:



+ أورشليم بعد السبي:

+ أورشليم بعد
السبي:

تحنن الله علي المدينة وأشفق
علي شعبه ومسكنه وسمع صراخ أتقيائه، فلما سقطت مملكة بابل في أيدي الفرس نبَّه
الله قلب كورش ملك فارس فأمر بعودة يهود السبي لبناء هيكل أورشليم وكان ذلك تحت
قيادة زربابل (من سبط يهوذا) ومن معه سنة 536 ق. م
في السنة الأولي لكورش ملك فارس عند تمام كلام الرب بفم إرميا نبَّه الرب
روح كورش ملك فارس فأطلق نداءً في كل مملكته وبالكتابة أيضاً قائلاً: هكذا قال
كورش فارس: جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء وهو أوصاني أن ابني له
بيتاً في أورشليم التي في يهوذا، من منكم من كل شعبه، ليكن إلهه معه ويصعد إلي
أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل.هو الإله الذي في أورشليم”
(عزرا 1: 1-
3)
.

وأعطاهم جميع آنية الهيكل ولكن بدون تابوت عهد
الله الذي ضاع ولم يوجد له أثر! واستردت أورشليم وضعها الأول وسلطانها الروحي،
وامتيازاتها الدينية عن جميع بلاد يهوذا والسامرة والجليل وترتب علي ذلك نتيجتان:

الأولي: تكوين جماعة حول
أورشليم تهدف أساساً للتعبد ثم صارت فيما بعد مختصة بخدمة الهيكل، إذ أمسى اهتمام
الشعب كله بالناحية الدينية بعد أن فقدت المدينة استقلالها السياسي.

الثانية: استرداد المدينة
لقيمتها الروحية أدى إلي الاهتمام ببناء الهيكل الثاني في أورشليم، ولو أنه لم
يكمل تماماً إلا سنة 515 ق. م، كنتيجة لحث الأنبياء حجى وزكريا حينما رأوا الشعب
قد تقاعس عن إتمام العمل.

ويختلف الهيكل الثاني عن الهيكل الأول في كونه
ليس خاصه ملكية أى أنه لم يكن ملكاً للملك، وإنما كان خاصاً بالشعب لأن الشعب هو
الذي بناه بكده ومن عرق جبينه. وهذا الوضع الجديد للهيكل أعطاه قيمة فائقة في نظر
المجتمع اليهودي عامة، لأنه لم يعد مركز نشاط جماعة الشعب الساكن في أورشليم فحسب
ولكنه تطور بسرعة ليصبح المركز الديني للشعب اليهودي في كل أنحاء العالم حتي يهود
الشتات.

وعلي مدى الزمن تكونت بالتدريج ولاية مستقلة في
أرض يهوذا أطلق عليها اسم ولاية يهوذا وكان أول مؤسس
لها بعد السبي هو نحميا النبي بتعضيد من يهود الشتات الذين في بابل وقد دعي نحميا
نفسه الوالي المعيّن من قبل الملك
في
أرض يهوذا”(نحميا 5: 14).

وهو الذي أعاد بناء
أسوار أورشليم المتهدمة وقلعة الهيكل وقد عانى في سبيل ذلك الكثير من القادمين من
الشعوب المجاورة، ولكنه أكمل عمله بشجاعة واقتدار ولم يهدأ ليلاً ولا نهاراً حتى
أكمل الأسوار.

وكانت ولاية يهوذا لا تضم سوى جزءً صغيراً من
مملكة يهوذا الأصلية، إلاَّ أن أورشليم استعادت مكانتها كعاصمة للولاية، وإن كانت
أقل شأناً من الأول أما سكان أورشليم بعد السبى فكانوا جميعاً من الإسرائيليين بعد
أن كانوا قبل السبي وبالأخص أيام داود الملك أغلبهم من اليبوسيين الكنعانيين.

ومن التطورات الهامة التى طرأت علي ولاية يهوذا
بعد السبي، تلك الدعوة الانعزالية عن شعوب الأرض وعدم مصاهرتهم بهدف التخصيص لله
والعودة إلي شريعته والتمسك بوصاياه، وقد قاد هذه الدعوة عزرا الكاتب فبعد أن
استردت أورشليم كيانها السياسي المستقل إلي حد ما، تبع ذلك مناداة حجي النبي
بالانفصال عن الأمم ورجاستهم وقام عزرا بكل غيرة وحماس لتتميم ما أمر به الله علي
فم نبيه، فأقام حول الهيكل جماعة كرست حياتها لله ولخدمة هيكله تحت قيادة رؤساء
الكهنة وهكذا يعتبر عزرا الكاهن مؤسساً للطائفة اليهودية في معناها الروحي النقي،
كما أنه هو الذي أعاد لأورشليم في ذلك الوقت قدسيتها ومكانتها الروحية.

إلي هنا يصمت الوحي عن التأريخ لأورشليم والأمة
اليهودية إلا ما دوِّن في سفرى المكابيين. ولا نسمع بعد ذلك عن أنبياء أرسلهم الله
لتوجيه إسرائيل وإنذارهم وهي الحقبة التي بين العهدين القديم والجديد والتي تبدأ
سنة 425 ق. م.وتنتهي بافتقاد الرب للعالم فى ملء الزمان، الذي مهد له يوحنا
المعمدان
صوت صارخ في
البرية. أعدوا طريق الرب” (متي 3: 3).

في هذه المرحلة من
تاريخ أورشليم عادت الأمة اليهودية إلي الحكم الثيؤقراطي (أى حكم الله) فلم يقم
لليهود ملك من نسل داود منذ عُزل صدقيا سنة 586 ق. م. وإن كان بعض حكامهم من
المكابيين قد دعوا أنفسهم ملوكاً إلا أنهم كانوا في الحقيقة من طغمة الكهنوت. فلقد
تولي حينذاك سبط لاوي المختص بالكهنوت مسئولية الحكم التي كانت لسبط يهوذا.

والواقع أن رجوع اليهود من سبي بابل كان رجوعاً
جزئياً بخلاف رجوعهم من مصر الذي لم يتركوا فيه شيئاً ولا ظلفاً من مواشيهم (انظر
خروج 10: 26).

وكان همهم الرئيسي في
هذه المرة هو البناء الدينى لأمتهم إذ كان أتقياؤهم مقتنعين تماماً بأن نكبتهم
جاءت نتيجة تركهم لشريعة إلههم، ولو أنهم كانوا يرغبون من كل قلبهم لو أتيح لهم أن
يستعيدوا مجد مملكة داود، إلا أن ذلك أيضاً كان بهدف دينى باعتبار أن المسيا
المنتظر سيأتي من نسل داود لكي يجلس علي كرسي داود إلي الأبد.. ولكن كانت كل هذه
النهضة الروحية إلي حين، ويبدو ذلك واضحاً من كلمات ملاخى النبي الذي كان معاصراً
لتلك الحقبة من الزمن فنسمعه يقول:

+ الابن
يكرم أباه والعبد يكرم سيده. فإن كنت أنا أباً فأين كرامتي وإن كنت سيداً فأين
هيبتي قال لكم رب الجنود أيها الكهنة المحتقرون اسمى وتقولون بِمَ احتقَرنا
اسمك؟ تقربون خبزاً نجساً علي مذبحي!!.. وتقولون بِمَ نجَّسناك؟ بقولكم إن مائدة
الرب محتقرة وإن قربتم الأعمي ذبيحة أفليس ذلك شرا؟ وإن قربتم الأعرج والسقيم
أفليس ذلك شراً؟ قرّبه لواليك أفيرضي عليك أو يرفع وجهك قال رب الجنود”
(ملاخى 1: 6 8).

واضح من كلام ملاخي النبي أن الحديث موجه إلي
الكهنة، ولكنه ظاهر بكل وضوح أيضاً أنهم لم يثبتوا علي العهد الذي قطعوه مع عزرا
الكاتب ([1]).وهكذا
انحسرت تلك النهضة الروحية التي قام بها عزرا، وعاد الشعب إلي استهتاره بوصايا
إلهه وعلي رأسهم كهنتهم الذين أفسدوا عهد لاوي واعثروا كثيرين بالشريعة (انظر
ملاخى 2: 6)
.

ولكن في وسط هذه الصورة القاتمة لحالة الشعب بعد
زمن قليل من عودته من السبي، وجدت نقطة مضيئة لجماعة من الأتقياء أشار إليهم ملاخى
النبي – الذين لم يعجبهم هذا الارتداد الردئ عن وصايا الرب فتكلموا كل واحد مع
قريبه
والرب أصغي
وكتب أمامه سفر تذكرة للذين اتقوا الرب وللمفكرين في اسمه.ويكونون لي قال رب
الجنود فى اليوم الذى أنا صانع خاصة وأشفق عليهم كما يشفق الإنسان على ابنه الذى
يخدمه” (ملاخى 3: 16 و17).

ثم يختم ملاخى النبى سفره بالآية التى هى الوعد
الذى يشير به الله إلى مجىء الرب العظيم الذى هو رجاء كل الأتقياء من اليهود فى
ذلك الحين المنتظرين خلاصاً لإسرائيل:
هأنذا
أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجىء يوم الرب، اليوم العظيم والمخوف. فيرد قلب الآباء
على الأبناء. وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتى أيضاً وأضرب الأرض بلعن” (ملاخى
4: 5).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى