اللاهوت الطقسي

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

الكهنة

عمل الكاهن يمكن أن نفهمه من معنى الكلمة
العبرية “ كوهين ” بأنه هو الشخص الذى يقف نيابة عن آخر ويتوسط له فى قضيته
أو دعواه.

وبهذا المفهوم اختار الله إسرائيل من بين شعوب
الأرض، واختار سبط لاوى من بين بنى إسرائيل، واختار اسرة هارون من بين سبط لاوى،
وأسبغ عليهم خدمة الكهنوت كهبة وعطية مجانية: “وأما أنت وبنوك معك فتحفظون
كهنوتكم مع ما للمذبح وما هو داخل الحجاب وتخدمون خدمة. عطية أعطيت كهنوتكم
والأجنبى الذى يقترب يُقتل”
(عدد 18: 7).

قبل العصر الموسوى، كان الكاهن هو رب العشيرة أو
الأسرة فكان آدم وهابيل وأيوب وإبراهيم وإسحق ويعقوب هم الذين يبنون المذابح
ويقربون الذبائح عن نفوسهم وعن أفراد اسرتهم، وكان الابن البكر يخلف أباه فى ذلك
وهو ما يُعرف بالنظام البطريركى.

ومنذ تولى موسى قيادة الشعب كان يقوم بخدمة
الكهنوت أيضاً وهو الذى قدم الذبائح ورش دم العهد على الشعب (خروج 17: 15و 24:
4 – 6)
.

كانت أول وصية أمر الله بها موسى بعد الخروج
مباشرة من أرض من مصر هى: “قدّس لي
كل بكر.. من بنى إسرائيل..إنه لى” (خروج2: 13)
، فبعد أن أنقذ الرب أبكار بنى إسرائيل من الموت فى
ضربة موت الأبكار (خروج 12)، أمر الشعب أن يُقدسوا له أبكارهم أى تخصيصها
لتكون ملكاً له. لكى يتذكر الشعب بذلك عمل الله العجيب، وانقاذ أبكارهم، واخراجهم
من مصر. كان ذلك علامة تقديم كل العائلة وتكريسها للرب.

ثم بعد ذلك كلم الرب موسى قائلاً: “وها إنى أخذت اللاويين من بين بنى
إسرائيل بدل كل فاتح رحم من بنى إسرائيل فيكون اللاويون لى. لأن لى كل بكر” (عدد 3: 11 13)
.

فدعيوا اللاويين للخدمة حتى أن موسى حينما وقف
فى باب المحلة: “وقال من للرب فإلىّ يقبل. فاجتمع إليه جميع بنى لاوى.” (انظر
خروج 32: 26)
.

“أما سبط لاوى فلا تحسبه ولا تعده من بين
بني إسرائيل، بل وكِّل اللاويين على مسكن الشهادة وعلى جميع أمتعته.. وحول المسكن
ينزلون”
(عدد 1: 49 – 50)، ولذلك فلم يُحسبوا من بين بنى
إسرائيل لأنهم تخصصوا لخدمة الله (عدد 2: 33).

فخدمة الكهنوت، إذاً، هى دعوة إلهية للتخصص
وتكريس الحياة لخدمة الرب الإله، إذ “لا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل
المدعو من الله كما هارون أيضاً” (عبرانيين 4: 5)
. فهى مبنية على أساس
قول الرب لهارون: “لا تنال نصيباً فى أرضهم ولا يكون لك قسْم فى وسطهم.
أنا قسمك ونصيبك فى وسط بنى إسرائيل” (عدد 20: 18)

وهذا يُفيد التخصص الكلى للرب وعدم الإنشغال
بآخر سواه. فالله هو نصيبه وقسمه، وهو كل شئ بالنسبة له، كما يقول المزمور: “الرب
نصيب قسمتى وكأسى” (مزمور 16: 5).

ويعنى هذا أيضاً قداسة الشخص المكرس لله ووقف
حياته كلها لخدمة الرب. فكما أن الله لما دعا شعب إسرائيل “ مملكة كهنة ”، فقد
دعاهم أيضاً “ أمة مقدسة ”، وقدَّسهم برش دم العهد عليهم، فصاروا فى عهد
مصالحة معه، هكذا كل كاهن يكهن لله كنائب عن الشعب مُقدماً قرابين وذبائح من أجل
الشعب، يلزم أيضاً أن يُقدِّم قداسة السيرة ونقاوة السريرة كممثل للشعب. وهذا ما
تعنيه الكلمات المكتوبة على صفيحة الذهب التى يضعها رئيس الكهنة على جبهته مكتوباً
عليها “قدس للرب” (خروج 28: 36).

وليس ذلك فقط، بل إن المؤهلات الجسدية التى يلزم
توفرها فى الكاهن، وكل ما يجب أن يتجنبه من النجاسات والأدناس، كذلك طقس رسامته
وأوصاف كل جزء من ملابسه الكهنوتية من حيث مادة صنعها وألوانها، إنما تُشير جميعها
إلى صفة القداسة كميزة أساسية لكاهن الله. وفى كل هذه الاعتبارات هناك تباين فى
درجة التكريس بين إسرائيل وسبط لاوى، وبين سبط لاوى واسرة هارون وفى النهاية بين
الكاهن العادى ورئيس الكهنة، هذا الذى يرمز بأقصى ما يمكن من المشابهة لرئيس
كهنتنا الأعظم، الذى فيه تحققت كل هذه الرموز.

ونلاحظ هنا فى اختيار الله لهارون وبنيه ليكهن
له، عدة ملاحظات هامة تكشف عن حكمة الله وقصده فى الإختيار:

أولاً: اختيار الله لهارون
وبنيه لم يكن بسبب أفضلية فيهم. ولو كان كذلك لكان الأفضل أن يختار الله موسى
نفسه. بل إن السبط الذى ينتمى إليه هارون وهو سبط لاوى كان تحت اللعنة من فم يعقوب
أبيه بسب قساوته (تكوين 49: 5 7).كما أنه ليس من سبط رأوبين البكر، ولا من
سبط يهوذا الذى قال عنه يعقوب: “إياك يحمد إخوتك” (تكوين 49:
8)
والذى من نسله جاء السيد المسيح، ولا من نسل يوسف الغصن المثمر والابن
المبارك لأبيه.

بل اختيار الله دائماً هو بفضل نعمته وبلا أى
إمتياز فينا. كما يقول بولس الرسول: “بل اختار الله جُهال العالم ليُخزى
الحُكماء، واختار الله ضُعفاء العالم ليُخزى الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم
والمُزدرى وغير الموجود ليُبطل الموجود، لكى لا يفتخر كل ذى جسد أمامه”
(كورنثوس
الأولى 1: 27 29).
بل لكى يظهر منتهى فضل الله ونعمته الفائقة، كان اختيار
الله لهارون عندما كان موسى فى حضرة الله على الجبل، وطالت مدة إقامته هناك،
فاستأخره الشعب وطلبوا من هارون أخيه أن يُقيم لهم عجلاً من الذهب ليعبدوه بدلاً
من الله الذى أخرجهم من أرض مصر!!

ثانياً: كما أن الله فى اختياره
لهارون وبنيه لم يحتسبهم كثرة، بل اعتبرهم
وحدة واحدة،
حتى إنه قال لموسى: “قرب إليك هارون أخاك وبنيه معه..ليكهن
لى”
(خروج 28: 1)، وليس ليكهنوا لى. فما أعجب حكمة الله فى
ذلك. فهارون وبنوه معه يمثلون كهنوتاً واحداً لا ينقسم. وفى هذا رمز لكهنوت المسيح
الذى هو وحده الكاهن الحقيقى، أما أى كاهن فليس سوى المنظور الظاهر لخدمة المسيح
الكهنوتية التى يتممها بواسطة خدامه حتى آخر الدهور.

كان ل لاوى بن يعقوب ثلاثة بنين جرشون وقهات
ومرارى أسس كل منهم عشيرة لنفسه (تكوين 46: 11، خروج 6: 16، عدد 3: 17، أخبار
الأيام الأول 6: 16 – 18)
، وقد نظم الله لكل فئة عملها فلا تهمل فيه ولا
تتعداه فكان على:

أ بنو
جرشون:
مع
أن جرشون هو البكر للاوى لكنه جاء بعد قهات، إذ صار للأخير أفضلية حسب استعداد
قلبه لا حسب الميلاد الجسدى. ولا يُعتبر بنو جرشون كهنة بل مساعدين لهم يحرسون
المسكن والخيمة وغطاءها وسجف (ستارة) باب خيمة الاجتماع وأستار الدار..الخ. وقد
عين لهم عجلتان وأربعة ثيران لمساعدتهم أثناء الرحيل.

ب بنو قهات:
خرج
منهم موسى وهارون الذى تسلم الكهنوت هو وبنوه. وقد تسلم البقية العمل لمساعدة
الكهنة، لهم أفضلية على الرتب الأخرى، يقومون بحراسة التابوت والمائدة والمنارة
والمذبحين وأمتعة القدس التى يخدمون بها والحجاب وكل خدمته. أثناء الرحيل يحملون
هذه المقدسات على أكتافهم بعد أن يغطيها الكهنة. لهذا لم يُوهب لهم عجلات أو
ثيران.

وكانوا من جملة الفرق التى رتبها داود للتسبيح (أخبار
أيام الأول 25 و26)
. والذين ساعدوا فى جلب التابوت إلى أورشليم (أخبار أيام
الأول 15: 15)
، وقد حصلوا على شرف وغنى.

ج بنو
مرارى:
إلتزموا
بحراسة ألواح المسكن وعوارضه وأعمدته وفرضه (القواعد) وكل أمتعته وأعمدة الدار..ألخ
وإذ كانت هذه الأشياء ثقيلة الوزن، أُعطى لهم أربعة عجلات وثمانية ثيران (عدد
33: 3-37)
.

ولم يكن مسموحاً من ذلك الوقت بممارسة الكهنوت
فى إسرائيل إلاَّ فى السلالة الرسمية (أخبار الأيام الثانى 26: 18). ولذلك
حرص الكهنة واللاويون أكثر من غيرهم على الاحتفاظ بأنسابهم لأن كل الإمتيازات التى
ترتبط بالكهنوت كانت تعتمد على انتسابهم لذلك السبط. ونجد فى سفر عزرا أن البعض،
وربما كانوا فعلا من أبناء الكهنة، لكن لأنهم لم يستطيعوا أن يُقدموا كتابة تثبت
انتسابهم لسبط الكهنوت فقد رُذلوا من الكهنوت ومُنعوا من الأكل من قدس الأقداس (عزرا
2: 62 و63)
.

وقد خُصصت للكهنة ثلاث عشرة مدينة مع مسارحها فى
نصيب يهوذا وشمعون وبنيامين قياما بمعاشهم (يشوع 13: 21-19)، وأُضيف إلى
ذلك عُشر الأعشار المدفوعة للاويين (عدد 26: 18-28)، وفداء الأبكار
والرفائع (عدد 14: 18-19) وقيمة الأشياء المنذورة (لاويين 27)،
وباكورات المحاصيل (خروج19: 23، لاويين 14: 2، تثنية

 

 

 

لبني

 

 

 

 

جرشون

 

 

ناداب

 

 

 

شمعي

 

أبيهو

 

 

 

 

هارون

ألعازار

فينحاس

 

 

عمرام

 

إيثامار

 

 

 

 

موسى

أسير

 

 

 

 

قورح

ألقانة

 

 

 

يصهار

نافج

ابيأساف

 

لاوي

قهات

 

ذكري

 

 

 

 

حبرون

 

 

 

 

 

 

ميشائيل

 

 

 

 

عزيئيل

ألصافان

 

 

 

 

 

ستري

 

 

 

 

محلى

 

 

 

 

مراري

 

 

 

 

 

 

موشي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سبط لاوي (خروج 6)

 

26: 1 10) وجزء من غنيمة الحرب (عدد
31: 25 47)،
مع

خبز الوجوه ولحم التقدمات أثناء خدمتهم فى
الهيكل


(لاويين26: 6 -29 و6: 7-10، عدد 2: 18-20).

وقد كان كلّ منهم يباشر خدمته الكهنوتية وهو ابن
خمس وعشرين سنة ويعتزلها متى بلغ الخمسين غير أنه لا يشرع فى مباشرة خدمتة رسمياً
إلاَّ فى سن الثلاثين أى بعد أن يكون قد صرف خمس سنين فى الإستعداد (انظر عدد
3: 4 و23: 8)
.

كان عدد الكهنة قليلاً فى أول الأمر (يشوع 6:
3 و6: 4)،
وقد قسم داود الكهنة إلى 24 فرقة ومن بين فرق الكهنة الأربع
والعشرين “وجد لبنى ألعازار رؤوس رجال أكثر من بنى إيثامار، فانقسموا لبنى
ألعازار رؤوساً لبيت آبائهم ستة عشر ولبنى إيثامار لبيت آبائهم ثمانية”
(أخبار
الأيام الأول 4: 24)
، ومن هنا يتضح كيف تضاءل بيت إيثامار فى العدد منذ أن
تكلم الله على بيت عالى الذى كان ينتمى إلى تلك الأسرة (انظر صموئيل الأول 27:
2-36)
. وقد تم توزيع العمل بين فرق الكهنة بالقرعة لأجل حسم أية منازعة، كما
يقول الحكيم “القرعة تُبطل الخصومات وتفصل بين الأقوياء” (أمثال
18: 18).

كانت هذه الفرق تمارس وظائفها بالتتابع وتبدل
الفرقة بغيرها كل سبت، وهكذا كان لابد لكل فرقة من أن تمارس واجباتها مرتين فى
السنة على الأقل. ويبدو أنه فى أثناء السبى حدث اختلاف فى أمر هذه الفرق لأنه
عندما عاد مع زربابل 4289 كاهناً وجد أنهم كانوا كلهم من أربع من هذه الفرق فقط (عزرا
36: 2-39 ونحميا 39: 7-42)
.

من بين هذه الفرق الأربع والعشرين كانت الفرقة
الثامنة لأبيا (أخبار الأيام الأول 10: 24)، التى جاء منها زكريا الكاهن
أبو يوحنا المعمدان (لوقا 5: 1)، مما يُوضح لنا أن ذلك النظام ظل سارى
المفعول.وإن كان قد تعرض لفترات إنقطاع فى أيام حكم الملوك الأشرار وأيام السبى،
لكنه عاد حتى أيام المسيح، واستمر حتى خراب الهيكل على أيدى الرومان.

 

V رئاسة الكهنوت:

كان هارون أول رئيس كهنة (خروج 1: 28)
وكان له من الأبناء أربعة ناداب البكر وأبيهو وألعازار وإيثامار (عدد 2: 3)،
وكان من المفروض أن يأخذ رئاسة الكهنوت بعده ابنه البكر “ ناداب ”، لكن
الذى حدث أن “أخذ ابنا هارون ناداب وأبيهو كل منهما مجمرته وجعلاً فيها
ناراً ووضعا عليها بخوراً وقَرَّبا أمام الرب ناراً غريبة لم يأمرهما بها. فخرجت
نار من عند الرب وأكلتهما فماتا أمام الرب”
(لاويين 1: 10و 2).

فصارت رئاسة الكهنوت لألعازار الابن الثالث
لهارون (عدد 32: 3، تثنية 6: 10)، لذا قال الرب لموسى: “خُذ هارون
وألعازار ابنه وأصعد بهما إلى جبل هور. واخلع عن هارون ثيابه وألبس ألعازار ابنه
إياها.فيُضم هارون ويموت هناك..فخلع موسى عن هارون ثيابه وألبس ألعازار ابنه
إياها”
(عدد25: 20-28).

ثم بقيت رئاسة الكهنوت فى عائلته إلى أيام عالى
الذى كان من بيت إيثامار. وكانت وظيفة رئيس الكهنة تدوم مدة حياة صاحبها إلاَّ أن
سليمان أهمل هذا القانون بعزله أبياثار واقامته صادوق مكانه (ملوك الأول 35: 2)،
لأن أبياثار إنحاز إلى أدونيا (ملوك الأول 7: 1و25).

ويبدو أنه كان للكاهن الأعظم مساعد يسمى الكاهن
الثانى (ملوك الثانى 18: 25)، الذى ربما كان يدعى أيضاً رئيس بيت الله (أخبار
الأيام الثانى 13: 31، نحميا 11: 11)
، وربما كان هو نفس قائد جند الهيكل (أعمال
الرسل 1: 4و 24: 5)
. وقد أصبحت وظيفة رئيس الكهنة، قبل ميلاد المسيح، آلة فى
أيدى حكام البلاد ولاسيما هيرودس وخلفاؤه، حتى أن هذا عّين خمسة رؤساء كهنة كان من
جملتهم سيمون الذى أعطاه ابنته ثمن وظيفته.

ولذلك نقرأ فى العهد الجديد عن عدة رؤساء كهنة
فى وقت واحد كحنان وقيافا (لوقا 2: 3).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى