اللاهوت الطقسي

ثالثاً: ذبيحة السلامة



ثالثاً: ذبيحة السلامة

ثالثاً: ذبيحة السلامة

(لاويين 3و7: 11-34): Peace Offering

ذبيحة السلامة هى الذبيحة أو التقدمة الثالثة من
الذبائح المقدمة رائحة سرور للرب، وهى بالعبرية
ذبح شلاميم Zebh
Shlamim
أى ذبيحة
سلام أو صُلح أو تعويض أو وفاء حيث اُستخدمت مشتقات هذه الكلمة العبرية بهذه
المعانى فى مواضع مختلفة من الكتاب: (خروج 22: 5، يشوع 10: 4، أيوب 22: 21،
مزمور 50: 14).

وأهم ما تتميز به ذبيحة السلامة أنها أكثر
الذبائح المصحوبة بالفرح والمسرة، لأنه كان يُسمح بالأكل منها فى حضرة الله للكهنة
ومُقدمى الذبيحة،
بينما ذبيحة المحرقة كانت تُوقد كلها بكاملها
لله على المذبح، بل وحتى تقدمة القربان لم يُكن يُسمح بالأكل منها إلا للكهنة فقط.
وكذلك ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم لم يكن يُسمح بالأكل منها إلا للكهنة فقط. أما
ذبيحة السلامة فكانت ذبيحة فرح وتهليل وشركة مسرة بين الكهنة والشعب، لأنها لم تكن
مجرد فرصة للمشاركة فى الفرح والمسرة بالأكل والشرب معاً، ولكنها كانت وليمة سرور
وابتهاج من الصلح والسلام الذى تمَّ بين الله ومقدم الذبيحة.وكما كانت تقدمة
الدقيق يلزم أن تُلازم المحرقة، هكذا كانت ذبيحة السلامة لا تُقدم بمفردها أبداً.
فكان شحم ذبيحة السلامة يُوضع على المحرقة التى تكون قد وُضعت قبلاً فوق المذبح. وفى
ذلك ما يشعر مُقدم الذبيحة بأن اعتماده الكلى واستناده فيما يحصل علية من سلام –
كما هو واضح من اسم الذبيحة – وفرح وبركات، انما هى مستمدة من الكفارة التى تقدمها
له ذبيحة المحرقة.. فهى لذلك تُسمى أيضاً ذبيحة التكميل:
Offering
of Completion
. وفى تقديم هذه
الذبيحة كان مقدَّمها يدعو أنسباءه وعبيده واللاويين خدام الخيمة لكى يشاركوه فى
الأكل منها. فكانت كل العائلة تجتمع فى ساحة خيمة الاجتماع لكى تحتفل بالسلام
والصلح الذى تحقق بين الله والإنسان.

فذبيحة السلامة، إذن كانت مناسبة سعيدة للشركة
مع إله العهد الذى يتنازل ليصير ضيفاً على إسرائيل فى وليمته الذبائحية، مع أن
الله كان دائماً هو مضيِّفهم فهى ترمز إلى تلك الحقيقة الروحية المعبَّر عنها فى (سفر
الرؤيا 3: 20)
: “هانذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتى وفتح الباب،
أدخل إليه وأتعشى معه وهو معى”
([1]).

فذبيحة السلامة، كانت ذبيحة شكر وتسبيح، وأهم ما
تتضمنه هو الوليمة التى يشترك فيها الله بالجزء المخصص له، والكاهن وبنوه بالقطعة
المخصصة لهم، ومُقدم الذبيحة مع كل عشيرته، بل وكل من يريد من بنى إسرائيل بشرط
طهارتهم.

والحق أنه ليس هناك فرح أعظم من أن تكون فى سلام
مع الله كقول بولس الرسول: “فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله
بربنا يسوع المسيح”
(رومية 5: 1) فهذا هو الميراث الذى تركه
المسيح لنا عندما قال: “سلاماً أترك لكم. سلامى أعطيكم” (يوحنا 14:
27)
ويرى القديس أغسطينوس أن السيد المسيح ليس فقط مصدر السلام بل هو
بعينه سلامنا الحقيقي. فى هذا يقول: (السلام هو المسيح “لأنه سلامنا الذى
جعل الاثنين واحداً، ونقض حائط السياج المتوسط” (أفسس 2: 14)..
المسيح
ابن الله هو السلام جاء لكى يجمع من له ويفصلهم عن الشر) ([2]).

وقد اعتادت العشائر أن تختار يوماً أو أياماً فى
السنة لتقديمها باسمها (صموئيل الأول 20: 6).

كانت تُوجد ثلاثة أنواع من ذبائح السلامة.
واختلفت كل ذبيحة عن الأخرى بحسب هدف صاحب التقدمة، فمتى كانت صادرة عن اختبار
نعمة ورحمة فى حينها، فهذه كان يُطلق عليها ذبيحة شكر أو ذبيحة حمد فلك
أذبح ذبيحة حمد وباسْمِ الرب أدعو. أوفى نذورى للرب مقابل شعبه
(مزمور 116: 17و18)، وإذا كانت تقدم وفاء لنذر فكان يطلق عليها اسم ذبيحة
نذر “اللهم علىّ نذورك، أوفى ذبائح شكر لك”
(مزمور 56: 12).

أما إذا كانت تُقدم تعبيراً عن محبة الله الذى
غمر الإنسان بمراحمه وليس للإنسان إلا أن يقدم كل حين فيض تشكراته للرب دون ارتباط
بزمن أو مناسبة، فكان يطلق عليها اسم ذبيحة طواعية أو نافلة (أى فائضة).

النذر يكون مشروطاً أما النافلة فغير مشروطة
بشرط إنما هى تطوعية. إذا مات الحيوان الذى نُذر أو فُقد أو أصابه عيب يلتزم صاحب
النذر أن يقدم ما يساويه فى القيمة، أما إن حدث ذلك بالنسبة للمُقدم نافلة فلا
يلتزم بتقديم آخر لأنه كان قد تعهد بتقديم حيوان بعينه (لاويين 22: 17-25).

وكانوا يفرقون بين النذر والنافلة بصيغة التعهد
فإذا قال مقدِّم الذبيحة (إنى أتعهد أن أقدم ذبيحة سلامة – بدون تعيين الذبيحة
– كان ذلك نذراً. أما إذا قال إنى أتعهد أن أقدم هذه الذبيحة- بالتعيين – كانت
نافلة).

وهذه جميعها مع تعدُّد
دوافعها إنما هى ذبائح سلامة وقود رائحة سرور للرب.

V مواصفات ذبيحة السلامة:

1 – يمكن أن تُقدم من
البقر أو الغنم أو الماعز، ولكنها لا تقدم من اليمام أو فراخ الحمام، لأنها ذبيحة
شركة فيلزم أن يتسع المجال للمشاركين فيها لكى يشبعوا منها، إشارة إلى الشبع
الروحى الذى قدمه الله بذبيحته لكى يشبع ويرتوى به كل المشتركين فيه.

2 – كان يُسمح لذبيحة
السلامة أن تكون ذكراً أو أنثى من البهائم، بخلاف ذبيحة المحرقة التى كان يلزم أن
تكون ذكراً، ذلك لأن ذبيحة السلامة التى كانت إشارة إلى شركة الصلح والسلام التى
تمت بذبيحة المسيح بين الله والناس، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، بل وبين الإنسان
ونفسه، لا يجوز أن تفرق بين ذكر وأنثى “ليس ذكر وأنثى.. لأنكم جميعاً واحد
فى المسيح يسوع”
(غلاطية 3: 28).

3 – كان يلزم أن يكون
الحيوان صحيحاً (لاويين 22: 21و22). ذلك لأن ذبيحة السلامة – كسائر الذبائح
المقدمة لله – تشير إلى ذبيحة المسيح التى بلا عيب فى كمالها المطلق، ولكن كان
مسموحاً بتقديم الثور أو الشاه الزوائدى أو القزم نافلة (لاويين 22: 23).

4 – كان وضع اليد على
الرأس غالباً، ما يكون للشكر والفرح، فلا ينطق الإنسان بكلمات يعترف فيها بخطاياه
إنما يعلن شكره على إحسانات الله معه. وكما يقول القديس أغسطينوس إن
الإعتراف له شقان متكاملان: الإعتراف بخطايانا والإعتراف بإحسانات الله علينا،
فيتمجد الله فينا خلال ضعفنا كما فى إعلان أعماله معنا. فإن كان قد قيل عن العصاة:
“زمرنا لكم فلم ترقصوا، نُحنا لكم فلم تبكوا” (لوقا 7: 32)،
فإنه يليق بنا خلال الصليب أن نسمع مزمار الإنجيل فنرقص روحياً متهللين بأعماله
الخلاصية كما نسمع النوح فنبكى على خطايانا هكذا يمتزج الفرح بالرجاء مع حزن
التوبة معاً بلا تناقض ([3]).

5 – لا يوجد ذكر لسلخ
الذبيحة أو تقطيعها إلى قطعها أو غسل أجزائها الداخلية، فلم يكن يُقدم منها وقود
على مذبح المحرقة إلا
“الشحم الذى يغُشى
الأحشاء وسائر الشحم الذى على الأحشاء والكليتين والشحم الذى عليهما الذى على
الخاصرتين وزيادة الكبد مع الكليتين ينزعها”
أما إذا كانت الذبيحة
من الغنم، فكان يُضاف إليها الألية صحيحة من عند العصعص، أى عند آخر فقرة من فقرات
العمود الفقرى فبالاختصار، كان “كل الشحم للرب” (لاويين 3:
16)،
بل كانت فريضة دهرية لبنى إسرائيل فى أجيالهم فى جميع مساكنهم، أن: “لا
تأكلوا شيئاً من الشحم ولا من الدم” (لاويين 3: 17).

أما الحكمة فى ذلك، فلأن الشحم والدم كانا أثمن
وأفضل ما فى الذبيحة، حتى أن الكلمة العبرية (هالِكون) التى تعُبر عن الشحم تعنى
شيئاً متميزاً بصورة فائقة، أى الأفضل والأكثر قيمة ودسماً. فأفضل وأثمن وأفخر ما
فى الذبيحة ينبغى أن يقدم لله. هكذا قال داود النبى: “كما من شحم ودسم
تشبع نفسى” (مزمور 63: 5).
كما أنها تشير من ناحية أخرى إلى أن أعمق
مشاعرنا الداخلية (التى تشير إليها الأحشاء) التى ترتفع إلى الله شكراً وعرفاناً.

وعلى هذا المبدأ يُقدم
دم الذبيحة له أيضاً. لأن الدم حياة الحيوان والحياة أثمن ما يوجد فى الحيوان.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى