اللاهوت الطقسي

V هل يمكن لقرابين وذبائح العهد القديم أن تقوم بعمل ذبيحة المسيح؟



V هل يمكن لقرابين وذبائح العهد القديم أن تقوم بعمل ذبيحة المسيح؟

V هل يمكن لقرابين وذبائح العهد القديم أن تقوم بعمل ذبيحة المسيح؟

يأتى الجواب من أنبياء العهد القديم أنفسهم
قائلاً:

V “لأنك لا تسر بالمحرقات فالذبيحة لله
روح منسحق” (مزمور 51: 17)
(الترجمة القبطية).

V “انى أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات”
(هوشع 6: 6).

V “هل آكل لحم الثيران أو أشرب دم التيوس.
أذبح لله حمداً وأوف العلى نذورك” (مزمور 50: 13 و14).

V “محرقاتكم غير مقبولة وذبائحكم لا تلذ لى” (إرميا 6:
20).

V “ذبيحة وقرباناً لم ترد وهيأت لى جسداً،
بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر” (مزمور 40: 6)
(الترجمة
القبطية).

نعم ؛ فرغم أن هذه القرابين والذبائح الكثيرة
استطاعت أن تصور لنا بأقصى ما يمكن من التصوير مواصفات الذبيحة المنتظرة،
والاحتياج الشديد إليها، إلا أنها كانت قادرة أن تُقدس إلى طهارة الجسد فقط، وأثبتت
بكل جلاء أنها “لا يمكن من جهة الضمير أن تكمل الذى يخدم وهى قائمة بأطعمة
وأشربة وغسلات مختلفة وفرائض جسدية فقط موضوعة إلى وقت الإصلاح” (عبرانيين 9:
9 و10).

كما أنه قد اسىء فهمها واستعمالها. مما استدعى
الأنبياء أن ينطقوا بكلمات التوبيخ والتحذير السابق ذكرها. لينبهوا الشعب إلى هذا
الإنحراف الخطير فى فهمهم للذبائح.

 

V الكاهن والذبيحة:

فلما لم تجدى كثرة الذبائح والمحرقات: “لماذا
لى كثرة ذبائحكم؟ اتخمت من محرقات كباش وشحم مُسمَّنات.. وبدم عجول وخرفان وتيوس
ما أسر”
(إشعياء 1: 11). هيأ الرب الإله لنفسه جسداً مماثلاً فى
كل شىء لجسد الإنسان ليسكن فيه ويحل فيه بين البشر ويفعل به مشيئة الآب ويقدمه
ذبيحة من أجل خلاصنا. لذلك يقول: “ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لى
جسداً”
(عبرانيين 10: 5) ويستطرد موضحاً بقوله: “إذ يقول
آنفاً إنك ذبيحة وقرباناً ومحرقات وذبائح للخطية لم ترد ولا سررت بها .. التى تقدم
حسب الناموس.ثم قال هانذا أجىء لأفعل مشيئتك ياالله يَنزع الأول
(أى الذبائح
التى حسب الناموس) لكى يثُبت الثانى (أى مجيئه فى الجسد ليفعل مشيئة الله).
فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة”
(عبرانيين
10: 8-10).

وهكذا صار المسيح إلهنا الكاهن والذبيحة بآن
واحد فهو “الله الذى ظهر فى الجسد” (تيموثاوس الأولى 3: 16)
وهو نفسه “حمل الله الذى يرفع خطية العالم” (يوحنا 1: 29)
الذى “قد أُظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه”
(عبرانيين 9: 26).

هذه هى الذبيحة التى
كانت فى فكر الله منذ إنشاء العالم، والتى ظل يُعد لها أذهان البشر ويهيىء لنا
القلوب والأفكار بشتى الأمثلة والرموز.

هذه هى الذبيحة التى
ظلت فى انتظارها الأجيال بتطلع شديد، لُتخلص الإنسان من العبودية المُرَّةٍ
للخطية، ومن خوف الموت والهلاك.

هذه هى الذبيحة القادرة أن تكمل إلى الأبد
المقدسين (عبرانيين 10: 14) إذ يشهد عنها الروح القدس قائلاً: “هذا
هو العهد الذى أعهده معهم بعد تلك الأيام يقول الرب: أجعل نواميسي فى قلوبهم
وأكتبها فى أذهانهم. ولن أذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد” (عبرانيين 10: 16
و17)
أليس هذا هو وعد المسيح لنا بإرساله الروح المعزى الذى يُعلِّمنا كل شىء
ويُذكرنا بكل ما قاله لنا؟! (يوحنا 14: 26).

وبما أنه قد أكمل لنا المغفرة ولن يذكر خطايانا
فيما بعد.. فلا حاجة بعد إلى ذبيحة أخرى عن الخطية غير ذبيحة المسيح.. لأنه
“بعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله منتظراً
بعد ذلك حتى تُوضع أعداؤه موطئاً لقدميه” (عبرانيين 10: 12 و13).

ويقول القديس أغسطينوس:

(أنت هو الكاهن، وأنت هو الذبيحة، أنت الُمقدم
وأنت التقدمة)([1]).

ويقارن القديس يوحنا ذهبي الفم بين
الذبائح الحيوانية للعهد القديم وذبيحة العهد الجديد قائلاً: (يالعظم الفارق! إنه
الفدية، والكاهن، والذبيحة! لو لم يكن الأمر هكذا لكانت هناك حاجة إلى تقديم ذبائح
كثيرة وأن يصلب مرات عديدة!)([2]).

والآن ما هو موقفنا ازاء هذه الذبيحة العظمى؟

يقول القديس بولس
مجيباً على هذا السؤال:

“فإذا لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى
الأقداس بدم يسوع طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أى جسده، وكاهن عظيم على
بيت الله، لنتقدم بقلب صادق فى يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة
أجسادنا بماء نقى، لنتمسك بإقرار الرجاء راسخاً لأن الذى وعد هو أمين، ولنلاحظ
بعضنا بعضاً على المحبة والأعمال الحسنة” (عبرانيين 10: 19-24).

فهوذا يسوع قد أعطى لنا جسده طريقاً للدخول به
وفيه إلى الأقداس السمائية، وهو بنفسه قائم كاهناً عظيماً على بيت الله ليشفع فينا
كل حين.. ومع ذلك فنحن مطالبون أن نتقدم فى يقين الإيمان وإقرار الرجاء محرضين
بعضنا بعضاً على المحبة والأعمال الحسنة، “فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة
هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة”
(كورنثوس الأولى 13: 13).

“فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا
معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا بل قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن
تأكل المضادين. من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم
عقاباً أشر تظنون أنه يُحسب مستحقاً من داس ابن الله وحسب دم العهد الذى قُدس به
دنساً وازدرى بروح النعمة” (عبرانيين 10: 26-29).

ولقد أدرك القديس غريغوريوس النزينزى عظم
مسئوليتنا تجاه هذه الذبيحة العظمى فقال مدافعاً عن سبب هروبه من الأسقفية وخدمة
الكهنوت:

(فإذا قد علمت بهذه الأمور، وأنه لا يستحق أحد
قوة الله العظيمة والذبيحة والكهنوت، إن لم يكن قد أعطى نفسه أولاً ذبيحة حية
مقدسة، وقدم الخدمة الفعلية المرضية، وذبح لله ذبيحة التسبيح والروح المنسحق، التى
هى الذبيحة الوحيدة المطلوبة منا لتقديمها إلى من وهب لنا كل شىء، فكيف أجرؤ أن
أخدم هذه الذبيحة الخارجية (الإفخارستيا)، تلك التى هى تحقيق الأسرار العظمى؟)([3])

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى