اللاهوت الطقسي

هوت_طقسى_1_طقوس_العهد_القديم_الأعياد_07[1].html



الفصل السابع

عيد المظال Feast of Tabernacles

مقالات ذات صلة

هو ثالث الأعياد
السنوية الكبرى التى كان يجب على كل ذكر فى إسرائيل أن يتراءى أمام الرب فى الموضع
الذى يختاره (تثنية 16: 16)، ويُعرف بالعبرانية “سُّكُّوت ”
واشتق الاسم من عادتهم فى أن يسكنوا مظالاً أثناء مدة العيد (لاويين 23: 40-42).

كانت هذه المظال تنصب
بعد تشييد الهيكل فى أورشليم فى ساحات المدينة وعلى سطوح البيوت وأفنيتها وفى دور
الهيكل (نحميا 8: 16)، وعلى الجبال المجاورة لأورشليم. وهى مصنوعة من أغصان
الأشجار الخضراء الكثيفة الأوراق وعلى كونه زراعياً فى الأصل والجوهر (لاويين
23: 39)
فقد اختلط بذكرى تاريخية وهى إقامة العبرانيين فى المظال فى البرية (لاويين
23: 43، عدد 29: 12-38، هوشع 12: 9)
.

كان هذا العيد يستغرق
سبعة أيام مع يوم أخير للراحة ويسمى اليوم العظيم من العيد (يوحنا 7: 37).
تبدأ فى الخامس عشر من شهر “ايثانيم ” الموافق “تشرى “، وهو
الشهر السابع من شهور السنة الدينية. أى بعد عيد الكفارة بأربعة أيام. عند نهاية
الفصل الزراعى بعد أن تكون غلال البيادر وبساتين الزيتون والكروم قد أُدخلت إلى
الأهراء. ولذا سمى”عيد الجمع ” وبهذا عُرف عند تأسيسه (خروج
23: 16 و34: 22، تثنية 16: 13-15).
كانت الشريعة تقضى بتحريم القيام بأى عمل
فى اليوم الأول واليوم الأخير من هذا العيد.

ويقول يوسيفوس المؤرخ
اليهودى أن عيد المظال هو أكبر وأقدس أعياد اليهود([1])
وأكثرهم مسرة للشعب. وكانوا يقرأون التوراة كلها فى الهيكل فى عيد المظال كل سبع
سنين إذ جاء.. “فى نهاية السبع سنين. فى ميعاد سنة الإبراء فى عيد المظال
حينما يجىء جميع إسرائيل لكى يظهروا أمام الرب فى المكان الذى يختاره تقرأ هذه
التوراة أمام كل إسرائيل فى مسامعهم “ (تثنية31: 10و11)

V أهم سمات هذا العيد:

أولاً: إتسامه
بالفرح الشديد، فقد عُرف هذا العيد بكثرة الذبائح والعطايا من الأغنياء للفقراء
ليفرح الكل (تثنية 16: 14)، خاصة وأنه يأتي بعد عيد الحصاد، فيقدم الكل مما
وهبه الله حتى لا يظهروا فارغين أمام الرب. يقول يوسيفوس أن من لم ير أفراح عيد
المظال لا يعرف ما هو الفرح.

ثانياً: السكنى فى
المظال لمدة سبعة أيام يليها اليوم الثامن الذى يُحسب عيداً مستقلاً بذاته له طقسه
الخاص به وذبائحه ولا يبقى الشعب فى المظال فيه. فقد اعتاد اليهود أن يذهبوا إلى
أورشليم قبل العيد بيوم، وكان بعضهم يذهب إليها قبل اليوم العاشر من الشهر ليشترك
فى عيد الكفارة ويقيم هناك حتى يحتفل بعيد المظال. يبدأون فى إقامة المظال بمجرد
إنتهائهم من عيد الكفارة. وقد حددت الميشنا أبعاد المظال، ولا يُعفى من السكنى
فيها سوى المرضى ومرافقيهم. وإذا كان الجو ممطراً بشدة يمكن عدم البقاء الدائم
فيها. وكانت المظال تُفك فى اليوم الأخير.

V اتسم هذا العيد بطقسه الفريد، الذى تميز بظاهرتين متكاملتين هما
سكب الماء والإنارة.

فمن جهة سكب
الماء يذكر التلمود أنه إبتداء من اليوم الأول ولمدة سبعة أيام يخرج فى الفجر
موكبان عظيمان، أحدهما يتوجه لجمع أغصان الزيتون وسعف النخيل والأشجار الأخرى.
والثانى يتوجه إلى بركة سلوام ومعه أحد الكهنة يحمل أبريقاً ذهبياً ليغرف فيه من
ماء البركة ويملأ
الأبريق. وكان يرافق الموكبين جماعات المرنمين ليعود الموكبان بين الهتافات
والترانيم ويصل الكل إلى الهيكل فى وقت واحد، فتقدم محرقة الصباح، ويُقيم حاملوا
الأغصان مظلة جميلة على المذبح بينما يستقبل الكهنة زميلهم الذى يحمل الأبريق
الذهبى بالنفخ ثلاثاً فى الأبواق، حتى إذا وصل إلى أعلى درج المذبح راح يصب الماء
فى وعاء فضى موضوع فى الناحية الغربية من المذبح، بينما هناك كاهن آخر يحمل
أبريقاً آخر من الذهب يصب خمراً فى وعاء فضى آخر موضوع فى الناحية الشرقية. وكان
فى قاع كل من الوعاءين أنبوبة اتصلت أحدهما بالأخرى، فعندما يسيل مجرى الماء ومجرى
الخمر امتزجا كليهما فى أنبوبة مشتركة وسالا معاً إلى وادى قدرون. وكان الناس
يستقون الماء بفرح من بركة سلوام فى أيام العيد تذكاراً لخروج الماء من الصخرة على
يد موسى النبى وشرب آبائهم منها.

كان الصدوقيون يرون الإقتصار على سكب الخمر وحده
دون الماء. ففى حوالى عام 95 ق. م. كان رئيس الكهنة اسكندر بانياس من الصدوقيين قد
سكب الماء على الأرض بعيداً عن المذبح فثار ضده الفريسيون وأرادوا قتله، فقامت
معركة بين الصدوقيين والفريسيين، إنتهت بنصرة الفريسين، بعد أن قُتل أكثر من ستة
آلاف شخص. ([2])

على أى الأحوال إذ كان الماء والخمر يُسكبان على
المذبح تعزف موسيقى الهيكل وترنم مزامير الهليل (مزمور 113-118). وكان
عندما يأتون إلى المقاطع التالية:

” إحمدوا الرب لأنه صالح “،
يارب إنقذ “
، إحمدوا الرب “ (مزمور 118: 1و25و29)،
يلوح المتعبدون بالأغصان نحو المذبح ويرددون مقطعاً من إشعياء النبى (2: 12و3و6):
“هوذا الله خلاصى فأطمئن ولا أرتعب، لأن ياه يهوه قوتى وترنيمتى وقد صار
لى خلاصاً فتستقون مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص.. صوِّتى واهتفى يا ساكنة
صهيون لأن قدوس إسرائيل عظيم فى وسطك .

وقد اتخذ الرب ذلك المشهد أساساً لتعليمه: “فى
اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلاً: إن عطش أحد فليقبل إلىّ
ويشرب من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى ” (يوحنا 7: 37و38)،
وهذا رداً على هتاف اللاويين بالنسبة لنشيد الصخرة التى أخرجت الماء. وكان
الرب يسوع بهذا الكلام يذكر الأذهان أنه هو الصخرة التى تفجر منها الماء، وشرب
منها عطاش بنى إسرائيل فى البرية (كورنثوس الأولى 10: 4).

هذا ويظهر مدى إرتباط هذا العيد بالماء أن اليوم
الثانى من العيد كان يسمى “الإحتفال الأصغر ” تُقام فيه احتفالات مسائية
مبهجة مع بقية الأيام تسمى “فرح مجارى المياه ” وقد جاء فى التلمود بكل
وضوح: [لماذا دعى اسمه “مجارى المياه “؟ من أجل تدفق الروح القدس حسب ما
قيل: بالفرح تنفجر المياه من ينابيع الخلاص]([3])

هذا الطقس الخاص بسكب المياه على المذبح وشربها
من بركة سلوام وقد إلتحم بطقس الأغصان وتلويحها مع التهليل والترنم، إرتبط بطقس
آخر هو طقس “الإنارة ” ففى هذا العيد تضاء فى رواق النساء فى الهيكل
أربع منارات عالية تبلغ إرتفاع الواحدة نحو 50 ذراعاً يصلون إليها لإشعالها بواسطة
سلَّم، فى أعلى كل منها أربعة سرج كبيرة من الذهب، وكانت فتائلها من ملابس الكهنة
القديمة([4])
وكانت أنوارها تُرى فى كل هذه المدينة، وكان الشعب أيضاً يضيئون مصابيح الشوارع
لتصير المدينة كلها أشبه بكتلة من النور البهيج، كما كانوا يزينون المنازل بالزهور.
وقد إرتبط النور بالفرح، فكان الكهنة يرقصون ويترنمون وهم على الدرجة الخامسة عشر
من درجات الهيكل.

وقد استخدم الرب هذا المنظر أيضاً لتقديم تعليمه
بالمقابل: “ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً: أنا هو نور العالم. من يتبعنى فلا
يمشى فى الظلمة بل يكون له نور الحياة “ (يوحنا 8: 12).

أما علة إرتباط الماء بالنور فى هذا العيد فبحسب
التقليد اليهودى أن عمود السحاب (الماء) والنار (النور) ظهر لأول مرة لليهود فى 15
تشرى، أول أيام العيد، كما أنه فى نفس اليوم نزل موسى من الجبل وأعلن عن إقامة
خيمة الاجتماع، وفى نفس اليوم دُشن هيكل سليمان ونزلت الشكينة (ملوك الأول 8،
أخبار الأيام الثانى 7)
.

بجانب هذين الطقسين المتكاملين “سكب الماء
والإنارة ” كانوا يترددون على الهيكل، وهم يحملون الأغصان فى أياديهم، بينما
الكهنة يدورون حول المذبح هاتفين “أوصنا. يارب أعنا. يارب أنجحنا “..
وفى اليوم السابع، كانوا يدورون هذه الدورة سبع مرات تذكاراً لطواف آبائهم حول
آريحا وسقوط أسوارها واستيلائهم عليها (انظر يشوع 6).

أما عن طقس العيد فيبدأ هكذا فى مساء
اليوم الرابع عشر، ينفخ الكهنة فىالأبواق إعلاناً عن قدوم العيد، وينظفون مذبح
المحرقة، وبعد منتصف الليل مباشرة يفتحون الأبواب حتى يتسنى للشعب أن يدخل
للإشتراك فى الإحتفالات العظيمة بالعيد.

كان عدد الذبائح التى تقدم فى هذا العيد أكثر
منها فى أى عيد آخر، إذ كان يبلغ عددها 189 ذبيحة خلال الأيام السبعة (عدد
29: 12 – 40)
:

أولاً: المحرقة الصباحية
الدائمة وأيضاً المسائية مع تقدمتهما وسكيبهما.

ثانياً: محرقة العيد يبدأ اليوم
الأول بثلاثة عشر ثوراً يتناقص كل يوم ثوراً فيبلغ كل الثيران سبعين ثوراً، كما
يُقدم أيضاً كبشان وأربعة عشر خروفاً حولياً كل يوم مع تقدمتهم.

ثالثاً: ذبيحة خطية للعيد من
تيس الماعز.

رابعاً: ما يقدمه الشعب من
ذبائح السلامة والنذور والنوافل والقرابين التطوعية إبتهاجاً بالعيد.

هذا ومع إنسحاب الشعب من المذبح فى نهاية كل
خدمة يومية يترنمون قائلين: “ما أجملك أيها المذبح ” أو “نشكرك
يارب (يهوه) ونشكرك أيها المذبح ” ([5])

أما بالنسبة لليوم الثامن، كما قلنا يحسب
عيداً مستقلاً، وقد دعى بالإعتكاف، حيث يتوقف الكل عن العمل ويتفرغ للعبادة.. فى
هذا اليوم لا يسكنون المظال ولا يلوحون بالأغصان. أما تقدمات هذا اليوم وذبائحه
فهى:

أولاً: المحرقة الصباحية
الدائمة وأيضاً المسائية مع تقدمتهما وسكيبهما.

ثانياً: ذبيحة محرقة من ثور
وكبش وسبعة خراف مع تقدمتهما وسكيبهما.

ثالثاً: ذبيحة خطية تيس من
الماعز.

رابعاً: ما يقربه الشعب من
ذبائح تطوعية (عدد 29: 35 – 39)

V وقد أهمل اليهود الإحتفال بهذا العيد أزماناً طويلة أثناء تاريخهم
منذ دخولهم أرض الموعد بقيادة يشوع بن نون وطوال عهد القضاة والملوك أى نحو ألف
سنة. إذ يُذكر فى سفر نحميا “فى اليوم الثانى اجتمع رؤوس آباء جميع الشعب
والكهنة واللاويين إلى عزرا الكاتب ليفهمهم كل الشريعة. فوجدوا مكتوباً فى الشريعة
التى أمر بها الرب عن يد موسى أن بنى إسرائيل يسكنون فى مظال فى العيد فى الشهر
السابع. وأن يسمعوا وينادوا فى كل مدنهم وفى أورشليم قائلين أخرجوا إلى الجبل
وأتوا بأغصان زيتون برى وأغصان آس ([6])
وأغصان نخل وأغصان أشجار غبياء ([7])
لعمل مظال كما هو مكتوب. فخرج الشعب وجلبوا وعملوا لأنفسهم مظال كل واحد على سطحه
وفى دورهم ودور بيت الله وفى ساحة باب الماء وفى ساحة باب أفرايم. وعمل كل الجماعة
الراجعين من السبى مظال وسكنوا فى المظال، لأنه لم يعمل بنو إسرائيل هكذا من أيام
يشوع بن نون إلى ذلك اليوم ” (نحميا 8: 13-17)

وقد تحقق هذا العيد فى صورة أكمل وأعمق فى العهد
الجديد، حين تجلى السيد المسيح على جبل تابور أمام ثلاثة من تلاميذه، وإذ رأى بطرس
الرسول أن الحصاد الحقيقى قد تم إذ ظهر السيد المسيح فى بهاءه وحوله موسى وإيليا
إشتهى أن يُقيم عيد مظال لا ينقطع، سائلاً السيد المسيح أن يصنع ثلاث مظال واحدة
للسيد المسيح وأخرى لموسى وثالثة لإيليا، ليبقى التلاميذ فى هذا العيد أبدياً (متى
17: 5).. لكن السيد المسيح أرسل مظلة سماوية من عندياته هى “سحابة
منيرة ظللتهم ” لكى يسحب قلب التلاميذ إلى العيد الأخروى حين يأتى السيد على
السحاب لا لُيقيم لهم مظال أرضية بل ليدخل بهم إلى حضن أبيه.. وقد دعى رب المجد
الحياة الأبدية “المظال الأبدية ” (لوقا 16: 9)

ويؤكد وصف زكريا النبى لليوم الأخير واهتداء كل
الأمم إرتباطه بعيد المظال
“ويكون أن كل الباقى من جميع الأمم الذين
جاءوا على أورشليم، يصعدون من سنة إلى سنة ليسجدوا للملك رب الجنود، وليعيّدوا عيد
المظال ” (زكريا 14: 16).. ويؤكد ما جاء فى سفر الرؤيا عن
المتسربلين بثياب بيض وفى أيديهم سعف النخل، أن عيد المظال يرمز إلى نهاية العالم
ومجىء المسيح الثانى
“بعد هذا نظرت وإذ جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده من
كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين
بثياب بيض، وفى أيديهم سعف النخل، وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: الخلاص
لإلهنا الجالس على العرش وللخروف “ (رؤيا يوحنا 7: 9 و10).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى