علم التاريخ

يوستينوس الثاني



يوستينوس الثاني

يوستينوس
الثاني

ولم
يخلف يوستنيانوس عقباً ولم يشرك أحداً معه في الأرجوان. ولكنه كان يثق بابن اخته
يوستينوس ويستشيره في أمور الدولة. ولمس أعضاء مجلس الشيوخ هذه الثقة وأحبوا
يوستنيوس، فعوَّلوا على انتخابه فور وفاة الأمبراطور الشيخ. وأدرك يوستنيانوس
الثالثة والثمانين ومرض الأخير ولم يفه بكلمة واحدة تنبئ عمي يريده خلفاً له في
الحكم. وكاد يلفظ أنفاسه في ليلة الخريف فجلس يوستينوس وزوجته صوفية في إحدى نوافذ
قصرهما التي تطل على البوسفور وباتا ينتظران. وعند الفجر أبلغهما الرسول وفاة
الأمبراطور. ورجاء الشيوخ أن يتوليا دفة الأحكام. وقضت التقاليد بأن يرفض يوستينوس
الرجاء ففعل. ثم قبل وذهب تواً إلى القصر (14 تشرين الثاني 565) وخرج معه متردياً
الأرجوان متزيناً بالجواهر التي اقتصها بليساريوس من القوط فرفعه الجند على الترس
معلنين بذلك موافقتهم. ثم أيدته الكنيسة فباركه بطريرك العاصمة ووضع التاج على
رأسه.

 

وكان
يوستينوس نشيطاً مجتهداً شجاعاً جريئاً فامتنع عن أن يؤدي المنح السنوية للبرابرة
“وكانت قد بلغا ثلاثة مئة ألف ليرة ذهباً” وأعاد العناية للجيش واهتم
بالمالية وحاول محاولة صادقة في إزالة الهم والعناء عن جميع الرعايا. ولكن الحوادث
تتالت قوية عنيفة فجاءت بما لم يشته. وكان يوستينوس على مزاياه شامخاً متغطرساً
تعوزه الحيلة. وفي أواخر السنة 573 أُصيب في عقله إصابة ظاهرة فتصدت زوجته صوفية
للقيام بأعباء الحكم مستعينة بقومس الحرس طيباريوس الأمين. ثم أن يوستينوس تبنى
طيباريوس وفي السابع من كانون الأول سنة 574 أعلنه قيصراً. فصرَّف طيباريوس الأمور
باسم سيده أربع سنوات متتالية إلى أن قضى يوستينوس فانفرد بالحكم.

 

تثليث
الآلهة: وأدى الانشقاق إلى التطرف بالضلال فإن واحداً من أبامية اسمه يوحنا
اسكوصناغ علّم في القسطنطينية في السنة 557 بأن المسيح له طبيعة واحدة وأن كل واحد
من الأقانيم له طبيعة واحدة خاصة. فقطع ونفي وتوفي. وانقسم أتباعه فعلّم يوحنا
فيلوبونوس الأستاذ الإسكندري بتثليث الآلهة وقال بفناء جسد الإنسان بحسب الهيئة
والمادة معاً. وعلّم كونون أسقف طرسوس بأن جسد الإنسان فان بحسب الهيئة فقط. وذهب
دميان أحد بطاركة الطبيعة الواحدة في الإسكندرية إلى القول بتربيع اللاهوت أي أنه
اعتبر وجوداً خاصاً لكل واحد من الأقانيم الثلاثة ووجوداً رابعاً عاماً للثلاثة
معاً.

 

يوستينوس
الثاني والكنيسة: وعلى الرعم من فشل يوستنيانوس في سياسة التودد إلى من قال بالطبيعة
الواحدة فإن يوستينوس لم يغير شيئاً من خطة خاله الكبير. فظل رائده توحيد الصفوف
وظلت وسيلته إما مساومة في العقيدة أو ضغطاً في الإدارة. ولم تختلف صوفية زوجته عن
نسيبتها ثيودورة. فالاثنتان قالتا بالطبيعة الواحدة على طريقة سويروس الأنطاكي
والاثنتان أيدتا المونوفيسيي بما أوتيا من حكمة ودهاء ومقدرة.

 

وبدأ
يوستينوس برنامجه الديني بإرجاع الأساقفة المنفيين إلى أوطانهم. ثم استقبل
ثيودوسيوس البطريرك الإسكندري الذي كان لا يزال في المنفى بعيداً عن أبرشيته
بحفاوة فائقة. ولدى وفاته في السنة 566 أمر يوستينوس بدفنه دفناً فخماً عظيماً.
وتصبّر فاستمع إلى المثلثين في العاصمة وإلى أخصامهم المونوفيسين محاولاً الإصلاح
وتوحيد الصفوف. ودعت صوفية إلى مؤتمر شبه دائم في القسطنطينية لتقرّب وجهات النظر
بين الآباء المتخاصمين المتجادلين. فجاء البرادعي وجاء غيره من كبار المونوفيسيين
ودام الاحتكاك الشخصي سنة كاملة ولكن بدون فائدة. فلجأ يوستينوس إلى البيانات
والتحريم والضغط الإداري. وأصدر في السنة 567 اينوتيكوناً قضى بنبذ الفصول الثلاثة
وقبول سويروس الأنطاكي وتجاهل المجمع الخلقيدوني. ولكن المونوفيسيين أصروا على
وجوب الاعتراف جهراً بالطبعة الواحدة. فأمر يوستينوس سفيره في فارس البطريق يوحنا
أن يعرّج على سورية لدى عودته ويحاول اقتاع الأباء المونوفيسيين بقبول الاينوتيكون
والعمل بموجبه. وهكذا فإننا نرى الآباء مجتمعين في الرقة
Callinicum في السنة 567 للتداول مع يوحنا البطريق في أمر الاينوتيكون. ويلين
البرادعي وغيره ولكن جمهور الآباء ظل مرتاباً في كل حل أمبراطوري من هذا النوع.
وقام أحدهم وخطف الوثيقة الأمبراطورية من يد القارئ ومزقها وعاد يوحنا إلى
القسطنطينية مخفقاً.

 

وأعاد
يوستينوس الكرّة وألحّ على التفاهم وأطلع كبار المنوفيسيين على نص تفاهم جديد قبل
إصداره. وفي السنة 571 أبرز الاينوتيكون الثاني وفيه اعتراف بطبيعة واحدة متجسدة
ولكن في الثيورية
theoria فقط واعترف بفرق بين طبيعتين إلهية وبشرية مع اعتراف ضمني بالمجمع
الخلقيدوني واستمرار القطع الذي حلّ بسويروس الأنطاكي.

 

طيباريوس
وموريقيوس: وتسلَّم طيباريوس زمام الحكم في خريف السنة 574 فأوقف ملاحقة
المنوفيسيين وسمح للبرادعي بالخروج من منفاه والعودة إلى القسطنطينية. ولدى وفاة
يوحنا بطريرك القسطنطينية أعاد افتيشيوس من منفاه وسلّمه عكاز الرعاية 577. وعاد
افتيشيوس إلى سابق حماسه في الضغط على المنوفيسيين والتضييق عليهم فقال له
طيباريوس قوله التاريخي: “تمهل فالبرابرة كثر ومحاربتهم أولى”.

 

واتبع
موريقيوس هذه الخطة في موقفه من الكنيسة ومشاكلها. فإنه اتزن واعتدل فحافظ على
أرثوذكسيته ولم يتطرف ولم يضيق على المنوفيسيين وغيرهم. وكان قد صادق غريغوريوس
الكبير بابا رومة عندما كان لا يزال وكيلاً عن رومة القديمة لدى البلاط
الأمبراطوري في رومة الجديدة فأبقى على هذه الصداقة وعززها. واحترم موريقيوس
غريغوريوس بطريرك أنطاكية ويوحنا الصوّام بطريرك القسطنطينية وتعاون معهما تعاوناً
وثيقاً. والغريب أن التقليد السرياني جعل من هذا الأمبراطور قديساً.

 

غريغوريوس
بطريرك أنطاكية: (570-593) ولم يتعاون يوستينوس الأمبراطور مع أنسطاسيوس البطريرك
الأنطاكي. ولعل السبب في ذلك أن انسطاسيوس أخلص للعقيدة الأرثوذكسية كل الإخلاص
وأن تصلبه في الدين لم يتفق ومرونة يوستينوس في السياسة. وفي السنة 570 اشتد
الخلاف بين العاهلين فاتهم الأمبراطور البطريرك بالتفوه بما لا يليق بالحضرة
السنية وبتبذير أموال الكنيسة فاضطر انسطاسيوس أن يغادر أنطاكية إلى أورشليم.
فأُقيم مكانه غريغوريوس رئيس دير سيناء. فساس الرعية بالتقى وخوف الله حتى وفاته
في السنة 593. فأعيد انسطاسيوس إلى خلافة الرسولين وظل يرعى بالعزم والغيرة حتى
الوفاة في السينة 598.

 

الكنيسة
السريانية والكنيسة الملكية: واعتدل خلفاء يوستنيانوس في موقفهم من المونوفيسيين
فتمكن هؤلاء من تنظيم شؤونهم واستقروا في الربع الأخير من القرن السادس كنيسة
مستقلة. وأطلقوا على الكنيسة الأم الجامعة اسماً جديداً شاع في أوساطهم هو الكنيسة
الملكية أي أنها كنيسة الملك في القسطنطينية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى