علم التاريخ

خامساً: فلسطين بعد الحرب اليهودية (70-135م)



خامساً: فلسطين بعد الحرب اليهودية (70-135م)

خامساً: فلسطين بعد الحرب اليهودية (70135م)

ظلَّ يداعب عقول المتعصبين من الغيورين الذين بقوا على قيد
الحياة أملٌ أنه ربما يصنع يهوه شيئاً في أحلك الساعات، فاستمروا في المقاومة في
أركان متعددة من فلسطين. فقام جماعة من الغيورين في قلعة هيروديون شمال أُورشليم
بحركة مقاومة، وكذلك جماعة أخرى من الغيورين تحصَّنوا في قلعة ماخيروس بمقاطعة
بيريه شرق الأُردن
([1]). ولكنهم لم يقووا وسلَّموا.. أمَّا قلعة ماسادا على الطرف الشمالي الغربي
للبحر الميت فقد تحصَّن فيها جماعة السيكاريين، وهم أعنف الغيورين تطرفاً وميلاً
للحرب، وظلوا يقاومون بشدة هم وعائلاتهم من الداخل. وفي اللحظة الأخيرة التي شعروا
فيها أن الرومان قد تغلَّبوا عليهم، قتلوا زوجاتهم وذبحوا أطفالهم وقتلوا أنفسهم،
فدخل الرومان ولم يجدوا أحداً منهم حيًّا
([2]). وبسقوط قلعة ماسادا (أبريل 74م) انتهت حرب اليهود وأوقفت جميع العمليات
الحربية داخل فلسطين.

وإزاء هذا العنف والمقاومة العنيدة التي أبداها اليهود في
تمرُّدهم على الرومان، ابتدأت تنتبه الحكومة الرومانية إلى ضرورة القضاء على
اليهود. فوضعت فلسطين بالذات تحت إشراف وإدارة مجلس السيناتو نفسه، وجُعل الوالي
الروماني منفصلاً في مسئولياته عن إقليم سوريا لأول مرَّة.

وتعينت
حامية كبيرة مستقلة ترابض في أُورشليم بالإضافة إلى الجيش الرئيسي المرابض في
قيصرية على الساحل. كما جُعلت حامية فرعية أخرى في مدينة عمواس.

 

وانتهت
الصداقة التقليدية التي كانت تكنّها روما لليهود، وتحوَّلت مشاعر الود والعطف
والتكريم التي ظلَّت تربط روما باليهود منذ أيام أن وطأت أقدام بومبي أرض فلسطين
حتى أيام تيطس. وانتهى بالضرورة تبعاً لذلك كل تقدير لعبادتهم وكل تسامح وكل حرية
تمتعوا بها دون كافة شعوب وديانات الأرض، بل وانقلبت هذه الاحترامات والمجاملات
إلى احتقار وازدراء ومقاومة من جانب روما.

وتبعاً لذلك أمر فسبسيان أن كافة الضرائب التي كان مفروضة
على اليهود الذين في كافة أنحاء العالم (الشتات) التي كانت تجمع لحساب الهيكل
للصرف على خدماته، تجُمع وتُحوَّل للصرف على هيكل جوبيتر كابيتولينا في روما
([3]).

وكان وقع هذا عند اليهود فوق التصوُّر وفوق الاحتمال، أن
يقدِّموا الضريبة المفروضة لذبائح هيكل يهوه العظيم لذبائح هيكل وثني نجس!

هذا
بالإضافة إلى أن كافة الضرائب اليهودية المفروضة عليهم من الدولة الرومانية زادها
الإمبراطور دوميتيان وألزم بها كل دخيل على اليهودية أيضاً، حتى ولو كان مواطناً
لبلد آخر غير يهودي. أمَّا الرومان الذين تهوَّدوا حتى ولو بتاريخ سابق وقديم
فأُلقي القبض عليهم وحُوكِمُوا وعُوقبوا([4]). وازداد
التضييق على اليهود جداً وحلَّ بهم اضطهاد مقصود في أيام حكم فسبسيان ودوميتيان
وتراجان، وبالأخص بسبب ذيوع خبر آمالهم وانتظارهم لملك لهم خاص أي المسيَّا([5]).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى