علم التاريخ

هيرودس أغريباس الأول مَلِكٌ على اليهودية أيضاً (41 م):



هيرودس أغريباس الأول مَلِكٌ على اليهودية أيضاً (41 م):

هيرودس
أغريباس الأول مَلِكٌ على اليهودية أيضاً (41 م):

بعد
موت غايس كاليجولا اتجهت أنظار أغريباس نحو كلوديوس باحتمال تنصيبه إمبراطوراً،
فتودد إليه وقدَّم له بعض المعونات والمشورات النافعة([1])
التي أدَّت فعلاً إلى قبوله إمبراطوراً خلفاً لكاليجولا، ولم يتأخر كلوديوس قيصر
من رد الجميل لأغريباس إذ ثبَّته على حدود مملكته التي منحها له كاليجولا، وأضاف
إليه إقليم اليهود بأجمعه وإقليم السامرة أيضاً، وكانا فيما قبل تحت حكم الولاة
الرومانيين مباشرة. وبهذا تكون حدود مملكة أغريباس قد بلغت في اتساعها إلى نَفْس
حدود مملكة هيرودس الكبير بالإضافة إلى أراضي أقصى الشمال([2]).
وبرجوع أغريباس إلى اليهودية بدأ في الحال في تحسين العلاقات بينه وبين شعبه
بواسطة الفريسيين بصفتهم أصحاب النفوذ الديني الأول والمسئولين عن توجيه سياسة
الشعب وعواطفه، فقدَّم للهيكل بصفة هدية اعترافاً بفضل رحمة الله عليه السلسلة
الذهبية التي أهداها له كاليجولا عوض سلسلة الحديد التي كان مقيداً بها في السجن،
وقد علَّقها فوق الخزانة العامة([3]).
وابتدأ يدقِّق في اتباع الناموس والخضوع لكافة متطلباته العملية من تطهيرات وتقديم
الذبائح اليومية التي لم يتأخر يوماً واحداً عن تقديمها في الهيكل في الميعاد([4])،
حتى أن اليهود كرَّموه واعتبروه سليل المكابيين (الحشمونيين) لأن جدَّته هي مريمن
المكابية أم أرسطوبولس.

وقد
بدأ بتقوية أسوار أُورشليم وتعليتها بدرجة فائقة جداً مما أثار شكوك والي سوريا
وجعله يتصل بكلوديوس قيصر سرًّا، والذي أمر في الحال بمنع استمرار أغريباس في
تقوية أسوار أورشليم([5]).
وقد أقام عمائر فخمة في مدينة بيروت وأنشأ فيها مسارح وقاعات وحمَّامات، وزيَّنها
وكلَّفها تكاليف باهظة جداً وذلك شغفاً منه بفنون العمارة والتقدُّم([6]).
وكان ملوك كثيرون من البلاد القريبة والبعيدة يأتون عنده في اليهودية ويقضون معه
أياماً برفقته وذلك لشهرته وحكمته واتزانه([7]).

ومغالاة
منه في استرضاء شعبه، بدأ في اضطهاد المسيحيين الأوائل الذين كانت خدمتهم متركزة
في اليهودية نفسها، كما يقرر سفر الأعمال الأصحاح الثاني عشر:

+
“وفي ذلك الوقت مدَّ هيرودس الملك (أغريباس الأول) يديه ليسيئ إلى أناس في
الكنيسة فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف، وإذ رأى أن ذلك يرضي اليهود عاد فقبض على
بطرس أيضاً، وكانت أيام الفطير، ولمَّا أمسكه وضعه في السجن مسلِّماً إياه إلى
أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه ناوياً أن يقدَّمه بعد الفصح إلى الشعب” (أع
12: 1-4)

وواضح
أن عداوة اليهود للمسيحيين بدأت تزداد بشدة من بعد حادثة كرنيليوس الروماني قائد
المائة الذي كان في الكتيبة الإيطالية، التي كانت ضمن القيادة العامة لوحدات الجيش
الروماني المرابطة في قيصرية تحت إمرة أغريباس الملك. أمَّا ق. بطرس فدخل في بيت
كرنيليوس في قيصرية وعمَّده هو وكل بيته، مما أثار حفيظة ليس اليهود فقط بل
واليهود المتنصرين أيضاً: “ولمَّا صعد بطرس إلى أُورشليم خاصمه الذين من أهل
الختان قائلين إنك دخلت إلى رجال ذوي غلفة وأكلت معهم” (أع 11: 2و3)

وقد
حكم هيرودس أغريباس مدَّة قليلة لأنه مات سنة 44م، إذ حكم ثلاث سنين فقط على
اليهودية، وقد صكَّ نقوداً باسمه على صنفين، صنف بدون صورة للتداول في أُورشليم،
وصنف مصكوك عليه صورته وصورة كلوديوس للتداول في كافة الأنحاء كلها.

وكانت
نهاية الملك هيرودس أغريباس الأول، كما يصفها المؤرِّخ يوسيفوس، طبق الأصل لمَّا
جاء في وصف سفر الأعمال (12: 21-23).

يقول
يوسيفوس:

[إنه
في نهاية ثلاث سنين من حكمه على اليهودية أقام أغريباس حفلاً عظيماً في قيصرية
تكريماً لكلوديوس قيصر، وقد حضر إليه جمعٌ غفيرٌ من علية القوم من كافة البلاد
والأنحاء. وفي اليوم الثاني من العيد لبس أغريباس حلته الملوكية التي من الفضة
الخالصة والمرصَّعة بكافة الزينات الرائعة. وأتى في الصباح والشمس تسطع على الحلة
وتعكس أضواءها على الجو، فأصاب الناس شيءٌ من الإعجاب مع الخوف والهلع، وهتفوا له:
“هذا إله” واستعطفوه باحتسابه أنه يفوق طبيعة الناس المائتة! ولكن الملك لم يُبدِ
أي اعتراض أو ندم على هذه الكلمات التي تحمل معنى التملُّق والكفر. وفي الحال
أحسَّ بألم شديد في إمعائه، والتفت إلى أصحابه قائلاً: “أنتم تقولون إني إله
وإني لا أموت، وها أنا الآن أموت مغضوباً عليَّ من العناية الإلهية بسبب كلمات
الكذب والنفاق التي وصفتموني بها، ولكن عليَّ أن أتحمَّل كل ما يضعه عليَّ الله
بحسب ما يرضيه، لأني لم أشقَ في حياتي بل عشت في البذخ والترف

” واشتد عليه الألم
وحملوه إلى قصره وشاع بين الشعب أنه سيموت بعد قليل، فلبس الشعب رجالاً ونساء
وأطفالاً المسوح وجلسوا على التراب يبكون ويتوسلون حسب الشريعة حتى ينجِّيه الله
ويشفيه، وكان يُسمع البكاء والنحيب في كل مكان، ولكنه بعد خمسة أيام مات.]([8])

وقد
عاش هيرودس أغريباس 54 سنة، ومات سنة 44 م بعد أن حكم على البلاد سبع سنين، أربع
سنين تحت حكم غايس كاليجولا، وثلاث سنين تحت حكم كلوديوس قيصر.

وكان
دخله السنوي من كافة البلاد ما يساوي اثنين وأربعين ألف وخمسمائة جنيه استرليني،
ويقدَّر بثلاثة أرباع الدخل السنوي لهيرودس الكبير جدِّه، علماً بأنه كان أكثر
ترفقاً في الضرائب من هيرودس الكبير، بل وأكثر عطفاً وإصلاحاً([9]).

وقد
ترك ابناً واحداً دعاه أغريباس أيضاً وبنتين، الأُولى برنيكي التي وُلدت سنة 28م
والمذكورة في (أع 12: 25)، ودروسلا المولودة سنة 38م وهي الزوجة الثالثة للوالي
فيلكس المذكور في (أع 24: 24)([10]).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى