علم التاريخ

نهاية مملكة اليهودية:



نهاية مملكة اليهودية:

نهاية
مملكة اليهودية:

كان من المفروض بعد المعاناة التي مرَّت فيها اليهودية وخبرة
عدم الأمانة لرؤساء الشعب الذين ملَّكهم الله عليهم لتأديبهم أن يكونوا طيِّعين
تحت اليد العالية التي لنبوخذناصر، ولكن يبدو أن تأديبهم من قبل الله لم يكمل بعد.

حكم
صدقيا الملك:
(597587 ق.م)

كان
متردداً بروح العصيان والتمرُّد لتخريب حياته وبلده، وقد نجح في إسقاط السقف على
رأسه، حتى أنه في خلال عشر سنوات كان قد بلغ بالبلاد إلى الخراب الأخير.

كان
بعد الاضطرابات التي حدثت بسبب جنون يهوياقيم أن اليهودية تكلَّفت فوق طاقتها وفوق
فقرها جزية أرهقت الأرض والشعب والبلاد، حتى أن بعض المدن مثل لخيش ودبير كانت قد
تخرَّبت([1])،
وفقدت اليهودية أجزاء من أرضها بعد ذلك عندما رفعت سيطرتها عن مناطق الجنوب([2])،
أما اقتصادها فقد انكمش وتعدادها ضعف([3])، مع أن عدد
المسبيين منها لم يكن كثيراً، إنما كانوا من كبراء ووجهاء اليهود.

والذين
تبقوا في اليهودية لمعاونة صدقيا الملك كانوا من مغالاة القوميين الوطنيين الذين
أعمت الوطنية أبصارهم فلم يعودوا يرون الصالح لبلادهم في الأيام العصيبة. وحتى
صدقيا الملك لم يكن كفءاً لإدارة البلاد في مثل هذه الساعات الحرجة، ولو أن مقاصده
كانت حميدة، إنما لم يكن فيه القدرة للتعاون مع مساعديه، كما أنه كان متخوفاً من
حركات الشعب، هذا بالإضافة إلى أن يهوياكين الملك المسبي في بابل كان محسوباً لدى
الشعب أنه الملك الحقيقي، بل وحتى بابل نفسها كانت تعتبره كذلك.

والسجلات
التي عُثر عليها في بابل كشفت أن يهوياكين كان مقيَّداً فيها أنه ملك اليهودية([4])
في الوقت الذي وجدت فيه شقافة في أرض فلسطين تحمل نقشاً باسم ألياقيم وزير
يهوياكين، مما يفيد أن تاج الملوكية كان لا يزال محسوباً له في البلاد نفسها([5]).
وكان اليهود الذين في الأسر في بابل يحسبون سنيهم منذ نفي الملك يهوياكين. وقد
ذَكَرَ هذا بوضوح حزقيال النبي (وهو مسبي أيضاً): “كان في السنة الثلاثين في
الشهر الرابع في الخامس من الشهر وأنا بين المسبيين عند نهر خابور أن السموات
انفتحت فرأيت رؤى الله في الخامس من الشهر وهي
السنة الخامسة من سبي يهوياكين الملك” (حز 1:
1و2)

وبنفس
هذه المشاعر كان يعيش أهل اليهودية، ونستشعر هذا من كلام إرميا النبي هكذا:

+
“في ابتداء مُلك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا صار هذا الكلام إلى إرميا من
قِبَل الرب قائلاً: .. ويكون أن الأُمة أو المملكة التي لا تخدم نبوخذناصر ملك
بابل والتي لا تجعل عُنقها تحت نير ملك بابل إني أُعاقب تلك الأُمة بالسيف والجوع
والوبأ يقول الرب حتى أفنيها بيدهِ. فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم وعرَّافيكم
وحالميكم وعائفيكم وسحرتكم الذين يكلِّمونكم قائلين: لا تخدموا ملك بابل. لأنهم
إنما يتنبأون لكم بالكذب لكي يبعدوكم من أرضكم ولأطردكم فتهلكون..

وكلَّمت
صدقيا ملك يهوذا بكل هذا الكلام قائلاً: أدخلوا أعناقكم تحت نير ملك بابل واخدموه
وشعبه واحيوا. لماذا تموتون أنت وشعبك بالسيف والجوع والوبأ كما تكلَّم الرب عن الأُمة
التي لا تخدم ملك بابل” (إر 27: 113)

وهكذا
نفهم أنه قد سرت مشاعر ثورية حمقاء بين شعب اليهودية وفي قلب صدقيا نفسه كما بلغت
هذه المشاعر بواسطة الأنبياء الكذبة إلى المسبيين. وابتدأت حركة التمرُّد من الجيش
هناك في السبي أن العودة قريبة، وبدأت الحركات العشوائية تسري بين الشعب، فعلا صوت
إرميا يحذِّر: “اطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم إليها وصلوا لأجلها إلى الرب
لأنه بسلامها يكون سلام لكم. لأنه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: لا تغشّكم
أنبياؤكم الذين في وسطكم.. لأنهم إنما يتنبأون لكم باسمي بالكذب، أنا لم أرسلهم
يقول الرب” (إر 29: 79)

ويبدو
أنه بلغت نبوخذناصر خبر هؤلاء الأنبياء الكذبة الذين في وسط الشعب فقتلهم أمام
أعين الشعب (إر 21: 29). ولكن الثورة المكتومة التي قام بها أهل السبي في بابل
والتي أُقمعت بلغت أخبارها اليهودية، ففي سنة 594593 ق.م قام سفراء
للخراب من أدوم وموآب وعمون وصور وصيدا وتقابلوا في أُورشليم ليخططوا لقيام ثورة،
وكان هذا يوافق السنة الرابعة لصدقيا الملك،
وأشاعوا بين أنبياء كذبة في اليهودية أن الله قد كسر نير ملك بابل، وأنه في ظرف
سنتين (بحسب إرميا 2: 28) سيعود يهوياكين والمسبيون معه ظافرين إلى أُورشليم.
وأسرع إرميا ليدحض هذه الافتراءات وأرسل خطاباً إلى المسبيين أن يكفُّوا عن
الأحلام الكاذبة ويعملوا حسابهم لسبي طويل.

وأمَّا
صدقيا فبعد أن جسَّ نبض مصر في المساعدة على قيام ثورة فكان الرد بالنفي، قام بنفسه بسبب خوفه واتجه إلى بابل
ليقدِّم خضوعه
لنبوخذناصر.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى