علم التاريخ

السياسة الخارجية لسليمان:



السياسة الخارجية لسليمان:

السياسة
الخارجية لسليمان:

(أ)
علاقة مصاهرة بين مصر الفرعونية وإسرائيل:

لم
يكن يشغل بال سليمان شيء في الداخل بعد أن صفَّى المقاومين لولايته على إسرائيل،
ولا حتى من الخارج، فقد ترك له داود أفضل وأقوى العلاقات مع الدول الصديقة وحتى
الأعداء، إذ كانوا يدفعون الجزية ويعملون لحساب أمن إسرائيل ونموها. وهكذا اتجه
سليمان إلى تأمين مملكته بتكوين علاقات رسمية بالمصاهرة مع نبيلات الأسر المالكة
فيما حوله. وأول ما التفت سليمان التفت إلى مصر الجارة القوية التي كان يطمع أن
يصادقها وينقل عنها ما كان ينقصه في نظام الدولة ووسائل النهوض بها. فصاهر فرعون
مصر، وهو على ما يُظن سيامون
Siamun الذي جاء بعد الأسرة الحادية والعشرين الضعيفة. وقد أكرم سليمان
ابنته جداً فبنى لها بيتاً (رواقاً) خاصاً بها (1مل 8: 7). كما أراد أبوها الفرعون
أن يهديها هدية في عرسها: “فصعد فرعون ملك مصر وأخذ جازر وأحرقها بالنار وقتل
الكنعانيين الساكنين في المدينة وأعطاها مهراً لابنته امرأة سليمان” (1مل 16:
9)

 

(ب) معاهدة صداقة مع حيرام([1]) ملك صور وصفقة تجارية ضخمة:

هذه
من محاسن التركة التي تركها داود لسليمان ابنه:

+
“وأرسل حيرام ملك صور عبيده إلى سليمان لأنه سمع أنهم مسحوه ملكاً
مكان أبيه، لأن حيرام كان محباً لداود كل الأيام. فأرسل سليمان إلى حيرام يقول..
وهأنذا قائل (قد نويت) على بناء بيت لاسم الرب إلهي كما كلَّم الرب داود أبي..
والآن فأمرُ أن يقطعوا لي أرزاً من لبنان ويكون عبيدي مع عبيدك.. فلما سمع حيرام..
أرسل قائلاً.. أنا أفعل كل مسرتك في خشب الأرز وخشب السرو.. وأعطى سليمان حيرام
عشرين ألف كرُ حنطة طعاماً لبيته وعشرين كرُ زيت رض.. سنة فسنة. وكان صلح بين
حيرام وسليمان وقطعا كلاهما عهداً” (1مل 5: 112)

أمَّا
مدينة صور فكانت عاصمة فينيقية- أي لبنان- وكان تأسيسها على يد الصيدونيين
واللبنانيين سنة 2000 ق.م.

كذلك
كان من حسنات داود أنه ترك لسليمان ذخيرة آدمية هائلة من العبيد الذين أخضعهم من
كافة الأجناس فكانوا تحت السخرة أي العمل المجاني نظير الأكل فقط:

+
“وسخَّر الملك سليمان من جميع إسرائيل وكانت السُّخَرُ ثلاثين ألف رجل،
فأرسلهم إلى لبنان عشرة آلاف في الشهر بالنوبة، يكونون شهراً في لبنان وشهرين في
بيوتهم، وكان أدونيرام على التسخير. وكان لسليمان سبعون ألفاً يحملون أحمالاً
وثمانون ألفاً يقطعون في الجبل ما عدا رؤساء الوكلاء لسليمان الذين على العمل
ثلاثة آلاف وثلاث مئة المتسلطين على الشعب العاملين العمل.” (1مل 5: 1316)

ويُلاحَظ
هنا أن سليمان لمَّا وجد نقصاً في العمالة من الذين تحت السخرة من الأجانب بدأ
بتسخير شعب إسرائيل، فكانت نقطة سوداء في تاريخ سليمان لاستعباده الإسرائيليين
الأحرار الذين قد منع الرب استعبادهم لبعض بأي صورة.

+
“وأمر الملك أن يقلعوا حجارة كبيرة حجارة كريمة لتأسيس البيت.. وهيأوا
الأخشاب والحجارة لبناء البيت” (1مل 18: 5)

وهكذا
وبواسطة هذه المعاهدة فتح سليمان طريق التجارة وتبادل السلع والمحاصيل إلى خارج
البلاد، واستيراد المعادن والأخشاب.

وبرع
سليمان في التجارة واختص في تجارة المركبات الحديدية وتربية الخيول، فكان يشتريها
من مصر وكيليكية من شمال أسيا الصغرى حيث تُربَّى أحسن الجياد، حيث ثمن الحصان
مائة وخمسون شاقل فضة. واشترى أيضاً المركبات الحديدية من مصر وكان ثمن المركبة
ستمائة شاقل فضة، وكان يبيعها لملوك الحثيين وملوك أرام في دمشق (1مل 10: 28و29).

وقد بنى سليمان بمساعدة الفينيقيين أسطولاً بحرياً كبيراً
على البحر الأبيض، وهو أسطول ترشيش مع أسطول حيرام، وآخر للبحر الأحمر قاعدته
مدينة
عصيون جابر في خليج العقبة. فكانت الحملات البحرية تُبحر إلى اليمن وأوفير (الصومال)
وسبا (عدن) وأثيوبيا مرَّة كل ثلاث سنوات لاستحضار الذهب والفضة والنحاس والبخور
والعاج والقرود والطواويس (1مل 26: 9، 22: 10).

وكان
من الضروري أن يقوم سليمان بتأسيس مدن بأكملها للمخازن، واسطبلات للخيول، لأنه
تمادى جداً في اقتنائها، فكان له ألف وأربعمائة مركبة،
واثنا عشر ألف فارس، وكانوا يقيمون في مدن المراكب ومع الملك في
أُورشليم.

وأسَّس
سليمان نظام الضرائب على شعب إسرائيل، بالإضافة إلى الجزية التي كانت تأتيه من
المدن والشعوب الخاضعة لسلطانه.

وقسَّم
شمال إسرائيل (لم يذكر يهوذا) إلى اثني عشر محافظة أو إقليم أقام عليها اثني عشر
وكيلاً، كل وكيل كان عليه تقديم كل تموينات ومستلزمات الملك وكل بيته شهراً. وهكذا
على مدار السنة تغطِّي الميزانية للصرف من كافة الوجوه (1مل 7: 4و22و23).

وقد
وحَّد سليمان البلاد تحت مظلة الاكتفاء الاقتصادي بل والغنى حتى عمَّ الفرح البلاد
كلها:

+
“وكان يهوذا وإسرائيل كثيرين كالرمل الذي على البحر في الكثرة يأكلون ويشربون
ويفرحون” (1مل 20: 4)

وقد
اكتُشف حديثاً نظام التدبير أو الاقتصاد المركزي للبلاد- بحسب ما وُجد في بيت شمس
التي كانت من نصيب سبط دان- إذ اكتُشف فيها مقر المدبِّر أو القائد أو الوكيل
العام الذي كان موكَّلاً عليها واسمه “ابن ديكر” أو خريطة امبراطرية سليمان
دِقَر([2]).
وبجوار مركزه وجد مبنى ضخم عبارة عن دهاليز سميكة الحوائط وأسقف عالية هي عبارة عن
المخازن التي يُجمع فيها المحاصيل، وهي عينة من مدن المخازن التي جاءت في الكتاب،
كما وجد في لاخيش نفس الطراز.

ولكن
باستطلاع زمن هذه المخازن من الشقافة والحفائر وُجد أنها من زمن داود. ومن هذا
ندرك تماماً لماذا جاء في تاريخ سليمان أنه قام ببناء مدن المخازن في الشمال أي في
إسرائيل ولم يذكر يهوذا، هذا لأن داود كان قد استكمل بناء هذه المخازن في أيامه([3]).

وقد
تقدَّم سليمان في التنظيمات الإدارية عن داود أبيه، فقد اعتنى جداً بالتسجيلات
واستحضر الكتبة المتخصصين لذلك، وخصَّص عملهم بدقة “وبقية أمور سليمان وكل ما
صنع وحكمته أمَّا هي مكتوبة في سفر أمور سليمان
” (1مل 41: 11). وللأسف ضاعت هذه السجلات كلها.

وهذا
التقدُّم الحضاري الهائل طفر بالشعب الإسرائيلي طفرة كبرى وضعته في مستوى حضارات
الدُوَل القديمة، وصار للشعب أدب خاص به، ولكنه يغلب عليه الطابع التاريخي
التمجيدي الذي يحمل إحساسهم المتفوُّق في العبادة والحروب بما يفوق فعلاً مثيلات
إسرائيل من الأُمم الحضارية في هذا الزمان. فقد دوَّن الكتبة في عصر سليمان كل
تاريخ أعمال داود وبطولاته (سفر صموئيل الثاني من الأصحاح 920)، وكذلك
أعمال سليمان وعظمته- بجوار ما توارثوه من مدوِّنات وتقاليد الآباء البطاركة
وأعمالهم، وأعمال يوسف في مصر، وموسى في البرية، وأعمال- الله- يهوه مع شعبه
ووعوده التي كانت مصدر قوة وإلهام الشعب مدى الأجيال. وقد تدوَّنت حكمة سليمان مع أعماله وكذلك سفر الأمثال مع التأثر بكل
من مصر والعرب
وأدوم.

كما
طوَّر سليمان أعمال الموسيقى وتأليف التسابيح داخل الهيكل، وأضاف وحسَّن في نوعيات
آلاتها (1مل 12: 10). وكان لتأثير الفنون الفينيقية نتيجة كبيرة في الارتفاع
بمستوى الموسيقى([4]).

ويُلاحَظ
أنه لمَّا ارتفعت مصاريف سليمان الملك لسبب اتساع أعماله، أنه اضطر إلى رفع الجزية
والضرائب بصورة عنيفة، مما دعا الجزء الشمالي للبلاد- إسرائيل- أن يطالب رحبعام بن
سليمان- الذي ورث الملك بعد أبيه- أن يخفض الجزية، فرفض. فكانت بداية انهيار
المملكة المتحدة إلى مملكة منقسمة، في الشمال إسرائيل وفي الجنوب يهوذا:

+
“إن أباك قسَّى نيرنا وأمَّا أنت فخفف الآن من عبودية أبيك القاسية ومن نيره
الثقيل الذي جعله علينا فنخدمك.. فأجاب الملك الشعب بقساوة.. أبي ثقَّل نيركم وأنا
أزيد على نيركم.. فلما رأى كل إسرائيل أن الملك لم يسمع لهم.. أرسلوا فدعوا
(يربعام) وملَّكوه على جميع إسرائيل (في الشمال)” (1مل 12: 120)

ولمَّا
ساءت الحالة المالية بالأكثر اضطر سليمان أن يبيع من أرض مملكة إسرائيل بعض المدن
لملك حيرام:

+
“أعطى حينئذ الملك سليمان حيرام عشرين مدينة في أرض الجليل.. وأرسل حيرام للملك مائة وعشرين وزنة ذهب” (1مل
9: 1114)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى