علم التاريخ

5- العصر الذهبي لبني إسرائيل



5- العصر الذهبي لبني إسرائيل

5- العصر الذهبي لبني إسرائيل

إسرائيل
مملكة متحدة

حكم
داود (1000961 ق.م)

في
مدة خيالية قصيرة للغاية استعادت إسرائيل كل قوتها بعد اليأس القاتل، وصارت أقوى
دولة في فلسطين وحتى سوريا، وذلك بفضل داود النبي والملك. لقد أُقيم داود ومُسح
ملكاً في حبرون على يهوذا أولاً. والعجيب أن يكون ذلك بموافقة الفلسطينيين عن
مسرَّة إذ كان نصيراً لهم! وسرعان ما صار داود
ملكاً على كل الأقاليم، وخضعت له كلها إما عن مسرَّة أو عن
اضطرار:

+
“وجاء جميع أسباط إسرائيل إلى داود إلى حبرون، وتكلَّموا قائلين هوذا عظمك
ولحمك نحن، ومنذ أمس وما قبله حين كان شاول ملكاً علينا قد كنت أنت تخرج وتدخل على
إسرائيل، وقد قال لك الرب أنت ترعى شعبي إسرائيل وأنت تكون رئيساً على إسرائيل.
وجاء جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك إلى حبرون فقطع الملك داود معهم عهداً في حبرون أمام الرب، ومسحوا داود ملكاً على
إسرائيل” (2صم 5: 13)

وكان
داود ابن 30 سنة حين ملك وملك 40 سنة، في حبرون ملك على يهوذا سبع سنين وستة أشهر،
وفي أُورشليم ملك ثلاثاً وثلاثين سنة على جميع إسرائيل ويهوذا. وليس عجيباً أن
يحوز داود على خضوع كل إسرائيل بل وكل الشعوب حوله، فقد كان روح الله عليه، بمعنى
أنه كان قائداً ملهماً يعمل الصالح دائماً وحسب مشيئة الله.

وهكذا
وبلا أي منازعة أو حروب اتحد الشمال الذي كان يتبع شاول سابقاً مع الجنوب، فصارت
مملكة متحدة.

داود
والمعركة الفاصلة- في تاريخ إسرائيل- مع الفلسطينيين:

كانت
المرحلة الأُولى بجوار أُورشليم، إذ عسكر الجيش الفلسطيني شمال المدينة على الجبال
التي كانت لا يزال يسكنها الكنعانيون ولكن تحت حماية الفلسطينيين. وكان غرض
الفلسطينيين واضحاً وهو قطع المواصلات مع الشمال تمهيداً لتحرير القوات الفلسطينية
التي في الجنوب في يهوذا والتي كان قد حاصرها داود. وبالرغم من ضعف وقلة القوات
الإسرائيلية التي كانت تحت يد داود إلاَّ أنه استطاع أن يصدهم ويطردهم.

ولكن أدرك داود أن حرب الدفاع سوف تجعل إسرائيل باستمرار
تحت

تهديد الفلسطينيين، لذلك عزم أن يغزوهم في
أرضهم، وبعد تردُّد صمَّم أن يسأل
الرب:

+
“وسأل داود من الرب قائلاً أأصعد إلى الفلسطينيين؟ أتدفعهم ليدي؟ فقال الرب
لداود اصعد.. فجاء داود إلى بعل فراصيم وضربهم داود هناك وقال قد اقتحم الرب
أعدائي أمامي كاقتحام المياه، لذلك دعى اسم ذلك الموضع بعل فراصيم.. ثم عاد
الفلسطينيون فصعدوا أيضاً وانتشروا في وادي الرفائيين. فسأل داود من الرب (عدد
جيشه قليل جداً بالنسبة للعدو) فقال لا
تصعد
بل در من ورائهم.. ففعل داود
..
وضرب الفلسطينيين من جبع إلى مدخل جازر” (2صم 5: 1925)

+
“وكانت أيضاً حرب بين الفلسطينيين وإسرائيل، فانحدر داود وعبيده معه وحاربوا
الفلسطينيين، فأعيا داود. ويشبي بنوب الذي من أولاد رافا ووزن رُمحهِ ثلاث مائة شاقل نحاس وقد تقلَّد جديداً افتكر أن يقتل
داود، فأنجده أبيشاي بن صروية فضرب الفلسطيني
وقتله. حينئذ حلف
رجال داود له قائلين:
لا تخرج أيضاً معنا إلى الحرب ولا تُطفئ سراج
إسرائيل.

ثم
بعد ذلك كانت أيضاً حرب في جوب مع الفلسطينيين..

ثم
كانت أيضاً حرب في جوب مع الفلسطينيين.” (2صم 21: 1519)

وهكذا،
واضح أن الفلسطينيين كانوا يهددون إسرائيل، وأن داود واجه الموت أمامهم بيد أحد
جبابرتهم، فكفَّ عن أن يخرج في الجيش. وظل التهديد مستمراً بلا هوادة، ولكن لم
يتركهم داود أبداً حتى كلَّت قوتهم وتراجعوا أمامه وتحصَّنوا في الساحل، وكفوا
نهائياً عن المهاجمة. فتركهم داود بإرادته ولو شاء لقتلهم وأفناهم، ولكنه استبقاهم
واستخدمهم بعد ذلك بتأجيرهم كجنود مرتزقة للمحاربة في صفوفه([1]).

 

أُورشليم([2]) مدينة داود وعاصمة مملكة إسرائيل

(2500 قدم فوق سطح البحر):

الآن،
وقد استراح داود من الأعداء في الخارج، التفت بكل عزيمة أن يجمع شمل الداخل
ويقوِّي رابطة الأسباط. ومعروف أنه بعد فترة قليلة من حكمه وهو في حبرون قام
بمحاصرة معقل اليبوسيين في أُورشليم، وبسقوطها نقل مركز إدارته إليها. وبهذه الخطوة أنهى على قوة الكنعانيين المحاصرين في وسط
البلاد. وصارت أورشليم عاصمة إسرائيل بعد أن ثبت لدى داود أن حبرون الواقعة في
جنوب اليهودية لا تكفل له بسط سلطانه على الشمال وكل مناطق الأسباط.

وبذلك
وفَّرت له أُورشليم بحيادها الطبيعي- إذ لا تقع في حوزة أي من الأسباط- المركز
الممتاز اللائق بعاصمة البلاد. لقد قوَّى داود حصونها وقلاعها وبنى فيها قصر داود.
ولكن لم يسجِّل لنا التاريخ ولا الآثار كيف استولى داود على المدينة، ويرجِّح بعض
العلماء اليهود أنه حاصرها ونفذ إليها من سرداب سري معمول أصلاً ليوصِّل المياه من
نبع جيحون إلى ما داخل سور المدينة([3])
(2صم 7: 5). ولكن المعروف أن داود دخلها بقواته الخاصة واستولى عليها ولذلك دُعيت
عن حق مدينة داود، سقطت في يده بعد أن ظل الإسرائيليون 200 سنة عاجزين عن
أن يطرقوا أبوابها لأنها كانت أكثر البلاد حصوناً ومناعة!! فاضطر بنو يهوذا أن
يساكنوهم فقط! ولكن من المحقَّق أن داود لم يذبح اليبوسيين كالعادة ولم يطردهم
أيضاً، ولكن عمل على تدفق شعب إسرائيل ليصيروا الأغلبية السكانية فيها على ممر
السنين وبالأخص جداً بيت داود.

وأدرك
داود أن سلطانه على الأسباط يقوم أساساً على صلته الروحية بالله، كما أدرك أنه يستحيل
على عاصمة إسرائيل أن تستمد قيمتها من ملك أو من جيش، لذلك أسرع داود ونقل إليها
تابوت عهد الله من قرية يعاريم حيث بقي فيها منسياً لأكثر من جيل كامل([4])
(1صم 2: 7). وقد قام داود بتقوية حصونها وقلاعها، وبنى فيها قصراً له استحضر له
متخصصين من الفينيقيين. واشتهى داود أن يبني فيها هيكلاً للرب، ولكن الله رفض طلبه
بسبب الدماء التي لوَّثت يديه. فلم يثنِ ذلك داود عن عزمه، فقام باستحضار كل ما
يلزم بناء هيكل الله من جميع المواد من أماكنها البعيدة، ومن كثرة تشوّقه واهتمامه
بشكل البيت أراه الله تكويناته، فأملاها على ابنه سليمان.

وتطل
أُورشليم على ثلاثة أودية: وادي قدرون
Kedron من الشرق، ووادي
هنوم
Hinnom من الجنوب، ووادٍ في الوسط يسميه المؤرِّخ يوسيفوس اليهودي وادي
تيروبيون
Tyropeone. ولم يحاول داود أن يوسِّع رقعة المدينة بسبب انشغاله بالحروب،
ولكنه اكتفى بتقوية أسوارها وحصونها وبنى فيها بيته الخاص ونقل إليها كل عائلته:
“وأقام داود في الحصن وسمَّاه مدينة داود، وبنى داود مستديراً من القلعة
فداخلاً” (2صم 9: 5)

والمدينة
في وسط فلسطين تقوم على هضبة مرتفعة 2500 قدم فوق سطح البحر، وقسمها الشرقي
المرتفع كان اسمه عوفل (أي الأكمة)
Ophel، أمَّا قسمها الغربي فصار اسمه فيما بعد صهيون.

ومعروف
أن داود بعد حروبه المعروفة بقيت أمامه بلاد كثيرة جداً للكنعانيين وغيرهم، لم
يحاربها ولكنها لمَّا كانت تحت سلطان الفلسطينيين الذين فقدوا سطوتهم وسيادتهم على
البلاد، انتقلت هذه البلاد بسهولة من ولائها للفلسطينيين إلى داود، وازدادت
الرابطة جداً بينها وبين إسرائيل حتى بالنهاية ذابت في نسيجها([5]).

وبهذا،
وفي أوائل عصر داود، تمَّ لإسرائيل السيادة على كل الأرض. ولكن بسبب وجود هذه
الشعوب الغريبة، كان الاحتكاك الاجتماعي والديني وتسرُّب العادات والأخلاق والسلوك
لشعب إسرائيل فيه مضرة وإتلاف لمستقبل إسرائيل أشنع من الحروب وخسائرها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى