علم التاريخ

فلسطين وقت الغزو الإسرائيلي:



فلسطين وقت الغزو الإسرائيلي:

فلسطين
وقت الغزو الإسرائيلي:

أولاً:
الكنعانيون وبقية سكان فلسطين قبل غزو إسرائيل:

+
“وكان بعد موت يشوع أن بني إسرائيل سألوا الرب قائلين مَنْ منا يصعد إلى
الكنعانيين أولاً لمحاربتهم، فقال الرب يهوذا يصعد. هوذا قد دفعت الأرض ليده..
فصعد يهوذا ودفع الرب الكنعانيين والفرزيين بيدهم، فضربوا منهم في بازق عشرة آلاف
رجل.. وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين سكان الجبل والجنوب والسهل، وسار
يهوذا على الكنعانيين الساكنين في حبرون،..، وسار من هناك على سكان “دبير”
واسم دبير قبلاً قرية سفر.

وذهب
يهوذا مع شمعون أخيه وضربوا الكنعانيين سكان “صفاه” وحرَّموها ودعوا اسم
المدينة “حُرْمَة”. وأخذ يهوذا “غزة” وتخومها خريطة تقسيم أرض الموعد على أسباط
إسرائيل
و“أشقلون” وتخومها و“عقرون”
وتخومها، وكان الرب مع يهوذا فملك الجبل ولكن
لم يطرد سكان الوادي لأن لهم مركبات حديد” (قض
1: 119)

من
هذا يتضح غاية الوضوح أن الفلسطينيين لم يكونوا بعد قد نزحوا من مواطنهم الأُولى
إلى أرض كنعان، ولم يكن منهم أحد في هذه البلاد التي كان يقطنها ويمتلكها
الكنعانيون فقط. كذلك يُلاحَظ أن الكنعانيين سكان السهل كانوا يمتلكون
مركبات
حديد وهي التي قلدها الفلسطينيون بعدما غزوا البلاد.

+
“وكان لمَّا تشدَّد إسرائيل أنه وضع الكنعانيين تحت الجزية ولم يطردهم طرداً،
وأفرايم لم يطرد الكنعانيين الساكنين في جازر فسكن الكنعانيون في وسط جازر.. فسكن الأشيريون
في وسط الكنعانيين سكان الأرض لأنهم لم يطردوهم” (قض 1: 28و29و32)

ومن
هذه الآيات يتضح أن الكنعانيين كانوا هم سكان الأرض، وكان الأشيريون يسكنون
بينهم كغرباء، وهكذا قعد إسرائيل عن أن يتخلَّص من سكان البلاد الأصليين الذين
ظلوا قوة تهدِّد وجودهم وتنغِّص حياتهم كل الأيام.
ولعل ذلك
بسبب عدم أمانتهم في عبادة الله وطاعة وصاياه فتخلَّى عنهم.

واضح
أن الكنعانيين هم سكان الأرض أصلاً، وقد استقروا في الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض
المتوسط منذ القديم، وكان يصعب التفرقة بينهم وبين الأموريين (سكان شمال ما بين
النهرين)، وقد اشتدت كثافة السكان الكنعانيين في الأقسام الغربية لفلسطين وسهل
الأُردن دون العبور إلى الشرق. وفي السواحل الغربية على البحر الأبيض في سهول
اسدرايلون (يزرعيل)، وتخف كثافتهم على مناطق الجبال. وقد كوَّن الكنعانيون ما يشبه
المقاطعات أو الأقاليم وكان يحكمها ملوك قبل غزو إسرائيل. كذلك كان قد استوطن
فلسطين أجناس أخرى كثيرة نازحة من الشرق والشرق الأدنى (هندوأريان) وشمال ما بين
النهرين. أسماء عديدة نقابلها في التوراة منها الحثيين
Hittite الذين اشترى منهم إبراهيم “مقدار قبر” لدفن امرأته سارة
عند حبرون. والحويين
Hivites والحوريين Horites واليبوسيين Jebusites والجرجاشيين Girgashites والفرزيين Perizzites.. إلخ. وهؤلاء الأقوام كلهم لا يمثلون العنصر السامي Semites نسبة إلى سام ابن نوح.

على أن الحوريين في القديم كانوا أشد كثافة في فلسطين من
بقية الأجناس
الأخرى
بعد الكنعانيين، حتى لقد أطلق المصريون على فلسطين اسم: “حورو
Huru”. ولكن في عصر التوراة انحصر هذا الجنس في أدوم: “والحوريين
في جبلهم
سعير
إلى بطمة فاران التي عند البرية
” ولكن يشير الكتاب إلى تواجدهم في جبعون (يش 9) وفي شكيم (تك 2: 34) وفي لبنان (يش 3: 11)،
(قض 3: 3).

أمَّا
الحثيون فقد كانوا مستوطنين حول حبرون (تك 10: 23، 9: 25). ولكن الحثيين كانوا
موجودين أصلاً وبغزارة جنوب سوريا، بل وحكموا بعض الأقاليم هناك. ولكن جميع هذه
الأجناس اختلطت بالكنعانيين وأخذوا عنهم كل عوايدهم وثقافتهم، حتى لم يعد يمكن
التفريق بين الكنعاني وأي مستوطن آخر في أرض فلسطين([1]).

والكنعانيون
لهم ثقافة وحضارة منذ القديم، ولكنها انحدرت إلى الضعف بعد حكم مصر لفلسطين أيام
الهكسوس وزيادة رسوم الجزية وغلظة المعاملة. وتظهر آثار ثقافتهم في الحفائر للمدن
التي خرَّبها الإسرائيليون إذ وُجِدَ بها وسائل حفر للمجاري على مستوى صحي عالٍ،
ووسائل رفع المياه من العيون والآبار لتدخل المساكن، كما وجد في أُورشليم وبقية
المدن، وذلك اتقاءً للمجاعة أثناء الحصار.

وكان
الكنعانيون تجاراً ممتازين على أرفع مستوى، يصدِّرون الأخشاب والمنسوجات الغالية،
ويتقنون صباغة الأقمشة الثمينة. وكانت لهم معاملات تجارية مع مصر وما بين النهرين
وسوريا وجزر بحر إيجه في اليونان وجزيرة كريت (كفتور). كما مهروا في صناعة الخزف
الملون حتى إلى القرن الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد أي قبل الغزو
الإسرائيلي.

ولم
تقف الثقافة عند حد عمل اليدين، بل قد مهر الكنعانيون في الكتابة، فسكان بيبلوس
الكنعانيون استنبطوا حروفاً ومقاطعَ على أساس نموذج الخط المصري الفرعوني، وقد
مهروا بعد ذلك في الكتابة والنساخة ليس بلغتهم المتطورة بل بلغة المصريين وخطهم وبلغة الأكاديين
Akkadian.

وهذه
الكتابة التي استنبطوها على طريقة مصر وطوَّرها الكنعانيون تسرَّبت إلى لبنان
واليونان وصارت هي أم اللغات الأوروبية([2]).

علماً بأن الكتابة الكنعانية المستحدثة والمتطورة وُجِدَ
لها جذور في شبه جزيرة سيناء حول منطقة سرابيت
الخادم. وقد عثر الأثريون على تمثال
على هيئة أبي الهول وعليه كتابة بهذه
الحروف عينها، وزمنها 1550 1450 ق.م([3]).

كما
وُجِدَت اللغة الكنعانية مكتوبة بالخط المسماري المعقَّد على مدونات أثرية، عُثر
عليها في رأس شمرا في الشمال من قبل القرن الرابع عشر قبل الميلاد، في مخطوطة
شعرية فائقة الجمال، تسجِّل قصص كنعان البطولية موزونة على أساس الوزن العبري
القديم، وهي تشرح أيضاً عبادة الكنعانيين وطقوسهم([4]).

وهنا
يجدر بنا الإشارة إلى أن غزو إسرائيل لفلسطين واكب نهضة أدبية وثقافية عالية عند
الكنعانيين، أخذ عنها الإسرائيليون وطمسوا معالمها([5]).

ولكن
كان مستوى عبادة الكنعانيين منحطاً، يعبدون البعل ويسمُّونه السيد
Lord وهو الاسم الحديث للإله هدد Hadad
القديم، وهو إله العاصفة الذي كان يحكم على كل الآلهة حسب الأسطورة، وكان يقطن في
المرتفعات فقط. كذلك كان لهم الإلاهة الأنثى عشتاروت والإلاهة الأنثى عناة- ذُكرت
في الكتاب المقدَّس مضافة إلى اسم مدينة: مدينة بيت عناة- وهي إلهة الخصوبة وتُرسم
بصورة إلهة حرب متعطِّشة للدماء. وكل هذه العبادات لها طقوس نجسة شنيعة تدور حول
الغرائز السُفلى([6]).

أمَّا
من الجهة السياسية فلم يكن لهم صورة دولة أو حكم، وخاصة بعد أن وقعت أرضهم تحت
الجزية لفرعون مصر، فقد تفرَّق شملهم السياسي. ولكن كان لهم ملوك ضعفاء يملكون على
المدن وهم الذين يضطلعون بجمع الجزية، فكانت لهم بالطبع جنود وقوات للحراسة ولجمع
الأموال. وكان عاهل مصر يرهقهم بالجزية وكأنه يحلب البلاد حتى ضعفت وافتقرت
وانحدرت انحداراً شديداً نحو الفقر والفاقة، وانقسمت إلى مقاطعات صغيرة، ولم يبق
فيها قوة إلاَّ في بعض المدن الكبرى.

وبذلك
كانت بلاد كنعان في حال مستهدف للغزو والإطاحة بها بكل سهولة من قِبَل
الإسرائيليين.

 

ثانياً:
الفلسطينيون:

موطنهم
الأصلي جزر بحر إيجه في خليج اليونان، غزوا لبنان والساحل الشرقي لفلسطين
وتركَّزوا في الجنوب وتمركزوا في خمس مدن حصينة: أشدود وعسقلان (أشقلون) وغزَّة
وعقرون وجتّ بالقرب من الساحل. ويرى بعض المؤرِّخين، وعلى رأسهم العالِم برايت،
أنهم غزوا أرض فلسطين ربما بعد غزو إسرائيل بقليل([7])
وعاشوا مع إسرائيل جنباً إلى جنب، ولكن في احتكاك من حين إلى حين في البداية، ولكن
هذ الاحتكاك احتدم جداً طول عصر القضاة، ووصل بهم الأمر لمهاجمة إسرائيل بتخطيط
منظَّم بغرض الإبادة، وألحقوا بها خسائر فادحة.

لم يكن عددهم كبيراً، ولكنهم كانوا متمرسين في الحرب
واستظهروا على الكنعانيين وحكموهم. ولكن إذ لم تكن هناك اختلافات جوهرية بين
الشعبين الكنعاني والفلسطيني فقد تصاهروا والتحموا وعبدوا نفس الآلهة.
والفلسطينيون ظلوا محتفظين بطابعهم العسكري المدرَّب والمؤهَّل بدرجة عالية جداً
في القتال. وكان الفلسطينيون دائماً متحفزين للقتال، وعلى حذر شديد من إسرائيل،
خوفاً على أمنهم وسلامة طرق تجارتهم التي كانت ممتدة من داخل البلاد حتى الساحل
والحدود الغربية التي احتفظوا بها تحت قيادتهم وسيطرتهم.

وهكذا
شكَّل الفلسطينيون منذ البدء عنصر تهديد لكيان شعب إسرائيل، خاصة وأن كيان
الفلسطينيين لم يكن محصوراً في قبيلة حتى يمكن مواجهتها، بل كانوا جماعةً متهيِّئة
دائماً للحرب، جنوداً هواةَ تسلُّحٍ وأسلحةٍ- وجليات الجبَّار مَثَل واضح- وقد
ساعدهم على ذلك احتكارهم لصناعة الحديد في كل الأرض حتى اضطر شعب إسرائيل أن يشتري
منهم السلاح.

وقد تفنَّنوا في تطوير صناعة الرمح والدرع (1صم 17: 47)
والعجلات الحربية ذات الجوانب الثلاثة. وبالرغم من أنه لم تكن لهم حكومة أو ملك،
إلاَّ أنهم كانوا شعباً مؤتلفاً متضامناً بنظام لم يعرفه لا الكنعانيون ولا
إسرائيل.

وهكذا
لم يقوَ شعب إسرائيل قط على مواجهة القوات الفلسطينية وجهاً لوجه في معركة مفتوحة.
وعلى طول الزمن تغلَّب الفلسطينيون على كل مدن الساحل، وأخضعوا كل الشعوب القاطنة
على الساحل سواء كانوا كنعانيين أو غيرهم. والتفتوا إلى الأسباط المجاورة لهم، سبط
يهوذا وسبط دان، وبدأوا يضغطون عليهم حتى أجبروهم على الانسحاب من حدودهم، كما هو
واضح في التوراة من حروب شمشون معهم، مما شجَّعهم على المزيد من الضغط والتعدِّي
([8]).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى