كتب

كتاب أحيقار



كتاب أحيقار

كتاب
أحيقار

من
نصوص وادى قمران

 

مدخل الى كتاب احيقار

النصّ
الآرامي المترجم هنا، قد وُجد في مخطوط واحد، على الورق البرديّ، وقد حُفظ في حالة
مشوّهة. اكتشفه المنقبون الألمان سنة 1907, في جزيرة الفيلة. دخل في لائحة المتحف
الملكي في برلين، فظلّ هناك مع مجموعة البرديات. إلاّ أن العمود السادس عاد فيما
بعد إلى مصر مع عدد من البرديات التي وُجدت في جزيرة الفيلة، وهو الآن في المتحف
المصري في القاهرة.

نشر
النصّ زاخو، سنة 1911 في لايبزيغ. ثم نشره كولي في اوكسفورد، سنة 1923. ولندانبرغر
في لندن، سنة 1983.

ونُقل
كتاب احيقار إلى أكثر من لغة: إلى السريانيّة والعربيّة والحبشيّة والأرمنية
واليونانيّة والسلافونية. نُقل النص الآرامي إلى الفرنسيّة على يد الأب غرالو،
والنص السرياني على يد العالم نو. ونشر الأب قاشا دراسة عن حكمة أحيقار وأثرها في
الكتاب المقدّس.

أما
الترجمة التي نقدّمها للنصّ الآرامي، فتستند إلى ترجمة الأب غرالو في الفرنسية
والسيّد لندنبرغر في الإنكليزية، مع عودة إلى تشارلس في الإنكليزية أيضًا.

 

دراسة فى كتاب احيقار

 

1-
توطئة

“أقوال
أحيقار” نصّ معروف جدًا، وقد انتشر انتشارًا واسعًا في عالم بحر المتوسّط
القديم. وهو أيضًا أقدم “منحول”، إذ تعود بعض أجزائه إلى ما قبل المنفى،
سنة 587 ق. م. هذا ما يجعلنا قبل النصوص البيعهديّة. ثم إن هذا النص ليس في الأصل
يهوديًا، وهذا ما يجعلنا في الواقع خارج منحولات العهد القديم، في المعنى الحصريّ
للكلمة.

أمران
دفعانا إلى إدراج “أقوال احيقار” في سلسلة “على هامش الكتاب”.
الأول يرتبط بمضمون الكتاب، والثاني بتاريخه. على مستوى المضمون، هذا المؤلَّف
يشبه في محتواه وفي فنّه الأدبي، التقاليد الحكميّة في العهد القديم والأسفار
المنحولة. هذا ما يعطيه أهمّية خاصّة بالنسبة إلى الدراسات البيبليّة. وعلى مستوى
التاريخ، نرى في نهاية حقبة العهد القديم، أن الخبر لم يكن معروفًا في بعض أجزاء
الشتات اليهوديّ، بل أعيدت صياغته ليحدّثنا عن الحكيم في العالم الوثنيّ كما في
العالم اليهوديّ. أول نسخة له وُجدت في خرائب مستوطنة يهوديّة تعود إلى القرن
الخامس ق.م. وصاحب سفر طوبيا عرف نسخة كان فيها احيقار رجلاً يهوديًا يعيش في
المنفى. وانتشرت النسخات المتأخّرة انتشارًا واسعًا في الأوساط اليهوديّة
والمسيحيّة خلال القرون المسيحيّة الأول. وهكذا تبنّى كلُّ واحد أحيقار كأنه خبر
خاص به، مع أنه لم يؤلّف على يد الذين دوّنوا وقرأوا للمرة الأولى الآثار
المنحولة.

يقع
هذا المؤلّف في جزئين. الأول هو خبر أحيقار، الكاتب الحكيم ومستشار ملوك أشورية.
تقدّم هذا الحكيم في السنّ، ولم يكن له ولد يخلفه، فعزم على تبنّي ابن اخته نادان،
وعلّمه كلّ حكمته. تربّى الشاب تربية حسنة، وقُدّم إلى اسرحدون. وما مضى وقت حتّى
أخذ مكان خاله في البلاط الملكيّ. ولكن نادان لم يتصرّف بالشكر مع خاله، بل اتّهمه
لينزع عنه كل اعتبار، وعمل على إقناع أسرحدون ان هذا الشيخ يتآمر ليقلب العرش.
فغضب الملك وأمر بأن يُقتَل أحيقار. ولكن تبيّن أن الضابط الذي أرسل لينفّذ حكم
الاعدام، هو صديق قديم لأحيقار، بعد أن نجاّه هذا من الموت. ورسم الاثنان خطّة:
يحلّ عبدٌ محلّ أحيقار، ويُقتل مكانه. نجحت الخطة. ولكن نهاية الخبر ضاعت. وقد
تكون روت إعادة الاعتبار لأحيقار وعقاب نادان.

ويتضمّن
القسم الثاني حكمة أحيقار، وهي مجموعة تُقارب المئة قول، فيها المثل والخبر
والتعليم، وقد رتّبت بطريقة الصدفة، في أكثر الأحيان. جاء القسم الكبير منها
مفتّتًا، وفي أجزاء، بحيث صعُبت قراءتُه وفهمه. أما المواضيع فتتعلّق بالتربية
العائليّة، واحترام الملك، والكلام الفطن، والتصرّف المستقيم. وهناك عدد من
الأقوال الفرديّة تشبه ما في سفر الامثال (في الكتاب المقدّس) وحكمة الشرق الأدنى
القديم.

 

2-
العلاقة بين الخبر والأقوال

في
السريانيّة والأرمنية وسائر الترجمات المتأخّرة، أدرجت الأقوال الحكميّة داخل
الخبر في مجموعتين واسعتين. جاءت المجموعة الأولى، بعد أن تبنّى أحيقار ابن أخته، فبدت
متضمّنة لتعليم الحكيم. ووردت الثانية في نهاية الخبر تقريبًا كأقوال وبّخ بها
احيقار الابن الذي أنكر جميله.

بدا
هذا الترتيب وكأنه غير أصيل. ففي نصّ جزيرة الفيلة، لم تُدرج الأقوالُ إطلاقًا
داخل الخبر. فبدا وكأنها جُعلت في النهاية دون أي رباط بالخبر. والنسخة التي تكمن
وراء حياة إيزوبوس تمثّل حلقة متوسّطة في ربط الاقوال بالخبر. بل إن في الترجمات
المتأخّرة، بعض التصنّع في موقع الأقوال. وهناك عدد من التوبيخات في النهاية، لا
تتوافق مع السياق الأدبيّ الذي وُضعت فيه. وبعض الأقوال التي وُجدت في المجموعة
الأولى، في نسخة من النسخات، ظهرت في المجموعة الثانية، في نسخة أخرى. إذا أخذنا
كلَّ هذا بعين الاعتبار نصل إلى واقع يقول إن الجزء الحكميّ في نصّ جزيرة الفيلة،
قد دُوّن في لهجة تختلف بعض الشيء عن لهجة الخبر. وهكذا يبدو من الواضح أنه، في ما
يتعلّق بالاسئلة حول الزمن والأصل والخلفيّة التاريخيّة، نستطيع أن ندرس على حدة
كلاً من جزئي.

 

3-
اللغة الاصليّة

قبل
اكتشاف النصّ الأراميّ، كانت النظرة السائدة تقول إن صاحب احيقار رجل يهودي، وقد
دوَّن كتابه على الأرجح في العبريّة. والأسباب: عودة إلى أحيقار في سفر طوبيا.
وجود عدد من التوازيات بين احيقار السرياني والتلمود. ومع اكتشاف مخطوط جزيرة
الفيلة بدا هذا الرأيُ، للوهلة الأولى، وكأنه يجب أن يثبَّت. فنحن في الواقع أمام
مستوطنة يهوديّة وُجدت في خرائبها بردياتٌ تكشف في لغتها التأثير العبريّ.

ولكن
ما عتّم العلماء أن فهموا أن النصّ لا يدلّ على أثر حقيقيّ لأصل يهودي، بل إن
الخلفيّة الدينيّة هي تعدّدية الآلهة كما في الشرق الأوسط القديم.

ولما
تخلّى البحّاثة عن الفرضيّة اليهوديّة، كان شبهُ توافق بأن النص الآرامي ترجمة عن
أصل أكادي (أي أشوري). فموقع الخبر هو البلاط الأشوري. وعدد من أسماء العلم هو
أشوري حقًا. كما نجد في الخبر عددًا من الكلمات الأكاديّة. وهناك أربعة أمثال
تُشير إلى شمش، إله بلاد الرافدين. وظلّت هذه النظرة مسيطرة لدى عدد من العلماء
حتى الآن.

غير
أن هذه السنوات الأخيرة رأت بداية توافق جديد يقول بأن النصّ الآراميّ ليس ترجمة
اطلاقًا، بل هو اللغة الأصليّة. فالأسماء الآشورية تنتمي بكل بساطة إلى الموقع
الأشوريّ للخبر. والكلمات المأخوذة من الأكاديّة هي كلمات مستعملة في اللغة
الأراميّة في الامبراطورية. والإشارة إلى إله بلاد الرافدين، يدلّ فقط على أن
الكتيّب دُوّن في منطقة تأثّرت ببلاد الرافدين. فهذا لا يوجّهنا إلى اللغة
الأصليّة. وهكذا لم يعد اليقين بأصل أكادي قويًا كما بدا للوهلة الأولى.

والقول
بأصل آراميّ قوي جدًا، ولا سيّما في الأقوال. فهي تختلف عن الخبر، ولا تتضمّن
اصلاً كلمات مأخوذة من الأكاديّة. بعضها يتضمّن تلاعبًا على الكلمات. وهناك ألفاظ
تدلّ على معرفة باصطلاحات أدبيّة في العالم السامّي الغربي. كل هذا يدلّ على أنه
من الصعب أن نقول بأن النص هو ترجمة من الساميّة الشرقية (الاكادية). وحتى في
الإخبار، فلا نستطيع أن نقول يقينًا إنها نُقلت عن الاكادية. فخلال حقبة المملكة
النيوأشورية، أزيحت الاكادية شيئًا فشيئًا وحلّت محلّها الارامية كلغة مسيطرة عند
الناس في بلاد الرافدين.

وهكذا
يبدو من المعقول جدًا أن يكون النص كله تقريبًا قد دوّن في الآرامية. والدراسة
الدقيقة لجزئي النص (الخبر، الأقوال) تدلّ على أنهما كُتبا في لهجتين تختلفان بعض
الاختلاف. كُتب الخبر في اللغة الرسمية أو لغة الامبراطورية، وهي لهجة أرامية تعود
إلى الحقبة النيوأشورية والنيوبابلونية. أما الأقوال، فتعود إلى لهجة عتيقة تشبه
بعض الشيء أسرة اللغات الكنعانيّة، مّما جعل العلماء يظنّون أن النصّ الأصليّ دوّن
في العبرية.

 

4-
تاريخ النصّ ومصدره

بما
أن النصّ مركّب من أكثر من عنصر، تبدو مسألة “التاريخ” متشعّبة. فمخطوط
جزيرة الفيلة يعود إلى نهاية القرن الخامس ق.م.، إذا عدنا إلى الباليوغرافيا
والسياق الاركيولوجي. ولكن من المعقول أن يكون النص في صيغته الحالية (الخبر
والأقوال) قد وُجد مئة سنة قبل هذا التاريخ.

ووجود
شكلين للقول الواحد (39و41؛ 40 و42)، ووجود نسختين لنهاية القول 36، كل هذا يدلّ
على حقبة انتقال طالت فأتاحت تكوين الاختلافات. وعدم التماسك في التهجئة قد يدلّ
أيضًا على أن نسخ النصّ في وقت طويل تطوّر مع تطوّر الفونولوجيا. وهناك أيضًا أخطاء
وقع فيها الكاتب حين نقل نصّه.

أقدم
تاريخ ممكن للخبر يرتبط بالاشارة إلى اسرحدون (681 – 669 ق.م). أما الجزء الذي
يتضمّن الأقوال، فلا تلميح تاريخيًا فيه. ولكن اللغة العتيقة تدلّ على أن هذه
الأقوال قديمة كالخبر إن لم تكن أقدم. بما أن أرامية الامبراطورية في الحقبة
الفارسيّة وما بعد، دلّت على عدد كبير من الالفاظ الفارسيّة، فغيابُ مثل هذه
الألفاظ الفارسيّة من أحيقار، يدلّ على أن التدوين تمّ قبل منتصف القرن السادس.
فجزءا النص (والمقطع الذي ربط بينهما، على الأرجح) قد دُوِّنا في نهاية القرن
السابع أو بداية القرن السادس.

أما
المصدر الدقيق للنصّ، فمعروف الآن. فمع أن المخطوط وُجد في مصر، فمن المعقول جدًا
أن لا يكون ألِّف هناك. فلا نجد في النصّ ما يدلّ على خلفيّة مصريّة. فموقع الخبر
في البلاط النيوأشوري “صحيح” بمعنى أن التفاصيل التاريخية القليلة التي
نستطيع التحقّق منها هي صحيحة. فأسماء الأشخاص الآشورية تميّز تلك الحقبة
النيوأشورية والنيوبابلونيّة. بما أن لا يقين يدلّ على عكس ذلك، فمن المعقول أن
يعود الخبر إلى بلاد الرافدين.

أما
الأقوال فشأن آخر. على المستوى العمليّ، لا شيء يشير إلى خلفية رافدينيّة. والعودة
الوحيدة إلى الجغرافيا، نجدها في القول 110. والكلام عن “الصيدوني” هو
مثل عن المُبحرين في البحار، “والعربي” يعود بنا إلى المقيم في الصحراء.
أما لهجة هذه الأقوال فهي قريبة جدًا من لغة النصوص الآرامية الامبراطورية والحقبة
الأخيرة في الآرامية العتيقة، وهو انتقال تمّ حوالي بداية القرن السابع ق.م. وفي
عدد من السمات، ولا سيّما على مستوى الألفاظ، جاءت لغة الأقوال قريبة من اللهجات
الكنعانية في سورية ولبنان وفلسطين القديمة. فالتفسير المعقول لكل هذا، هو أن
الأقوال (ربّما وُجدت مجموعة قديمة ضمّت عددًا كبيرًا منها) تتأصّل في سورية الشمالية
حيث ازدهرت ممالك تتكلّم الأراميّة، في القسم الأول من الألف الأّوّل ق.م. وهناك
برهان آخر يقودنا إلى سوريا الشمالية كمنشأ للأقوال الحكميّة في هذا النصّ هو ظهور
مجمع الآلهة التي تُذكر في نصوص أخرى في المنطقة.

متى
جُمع جزئا النص الخبر والأقوال؟ هذا ما نعود إليه فيما بعد.

 

5-
الأهميّة التاريخيّة

ظلّ
العلماء الكثيرون، حتّى زمن قريب، يعتبرون أن خبر أحيقار هو مجرّد فولكلور، وأن
البطل هو خلق أدبيّ قام به كاتب نجهل اسمه. لا شك في أن سنحاريب واسرحدون وجهان
معروفان في التاريخ. واسم احيقار يرد في النصوص السماوية في الحقبة النيوأشورية.
وكذلك نقول عن اسم نادان واسم نبوسومسكون. في الواقع، وُجد شخص اسمه نادان (أو:
نادين)، اتّهم بنشاط انقلابي خلال ملك اشوربانيبال. وعُرف أسرحدون أنه كان له ضابط
كبير في جيشه اسمه نبوسومسكون. لا نستطيع أن نماهي هؤلاء الأشخاص مع ما نجد من طباع
في خبر أحيقار. غير أن الأسماء معروفة، والنصوص المسمارية لا تمزج أبدًا هؤلاء
الأفراد بعضهم ببعض.

إن
مسألة تاريخيّة احيقار قد جُعلت مؤخّرًا على بساط البحث مع اكتشاف في أوروك
القديمة، للويحة مسماريّة يظهر فيها الاسم في سياق مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالخبر الأراميّ.
فالنصّ الأكادي الذي يعود إلى الحقبة السلوقية، هو لائحة بأسماء علماء (ا م ا ن و)
يقمون في بلاط ملوك بابليين وأشوريين. نقرأ في السطر الذي يهمّنا: في زمن الملك
اسرحدون، أبا – إنليل – داري، الذي يسمّيه الآراميون احيقار، كان “ام ان
و”. فالاسم والموطن والدور والتاريخ في التقاليد المسمارية والآرامية، تقودنا
إلى القول بوجود “احيقار” في البلاط الأشوريّ.

ويمكننا
أيضًا أن نروح أبعد من ذلك. ذُكر في اللائحة عددٌ من العلماء (ا م ا ن و) في أدب
بلاد الرافدين، وبينهم كتّاب ملحمة “غلغامش” و”إرتفاع إنانة”.
هذا يعني أن بلاد الرافدين ذكرت أحيقار الذي لم يكن فقط موظفًا لدى اسرحدون، بل
كاتبًا ومؤلّفاً أيضًا. هذا لا يعني أن تفاصيل الخبر هي بالضرورة تاريخيّة.
فالفولكلور يملأ الخبر. كما لا يعني أننا أمام برهان يقول إن احيقار التاريخيّ كان
كاتَب الخبر. ولكن هذا يدلّ على أن الخبر ليس مجرّد خدعة أدبيّة. يمكن أن نسمّيه
رواية تاريخيّة، أو فولكلورًا أدبيًا حول وجه تاريخيّ.

هل
نستطيع أن نقدّم فرضيّة معقولة من أجل إعاد بناء النصّ في توسّعه الأول؟ القسم
الأقدم، أو الأقوال الفرديّة، انتشر بشكل شفهيّ بين شعوب سورية المتكلمّين
الآرامية في القسم الأول من الألف الأول. وفي وقت من الأوقات من تلك الحقبة،
رُتِّبت مجموعة لهذه الأقوال بيد كتبة أقاموا في بلاط الملوك الآراميين. حُملت هذه
المجموعة فيما بعد إلى أشورية بعد اجتياحها لأرض الآراميين خلال القرن الثامن.
وعُرفت الأقوال في زمن سنحاريب (704 – 681) أو اسرحدون (681 – 669). وربّما أعيد
نشرُها، في أشورية، في حلقات أدبيّة تتكلّم الآرامية بالاشتراك مع البلاط
الأشوريّ. وصار احيقار نفسه “ناشر” الأقوال، بسبب شهرته الأدبيّة في
التقليد الرافديني، وارتباط اسمه بأقوال في النصّ الآرامي. هذا من جهة. ومن جهة
ثانية، نُسبت إليه هذه المجموعة بعد موته، كما نُسبت مجموعات الحكمة الآتية من حقب
متعدّدة، إلي سليمان الحكيم.

وقد
يكون الخبر ألّف بشكل مستقلّ كل الاستقلال عن الأقوال، فجاء ناشرٌ ضمّ جزئي
الكتاب، فصار النصَّ الذي بين أيدينا. كان هدفُ الخبر الأول أن يكون مقدّمة
لمجموعة الأقوال التي عُرفت قبله. هذا يعني أن كاتب الخبر هو ناشر الكتاب ككلّ في
شكله الأول. لا نستطيع أن نحدّد التاريخ ولا المكان بدقّة كبيرة. ولكن يبدو أن
المؤلّف كان كاتبًا أراميًا عاش في الأيام الأخيرة من الإمبراطوريّة النيوأشورية،
أو في بداية الحقبة الإمبراطورية النيوبلبلونيّة (الكلدانية). إلى هذا المؤلِّف
(أو إلى الناشر) تُنسب إضافةٌ إلى الأقوال استلهمت الخبر (10- 52، 76، 80). وقد
يكون هذا الناشر أضاف غيرها، مثل القول 34. فهذا الخبر الذي يرينا رجلاً حكيمًا
وفاضلاً يرتفع في بلاط ملك غريب، يُقابل بخبر يوسف واستير ودانيال.

 

6-
الأهميّة اللاهوتيّة

إن
الخلفيّة اللاهوتيّة لأحيقار الأراميّ هي خلفيّة الشرق الأوسط القديم. لا نجد فيه
إله اسرائيل بل آلهة آرام، كنعان، بلاد الرافدين. تركّز اللاهوت على أقوال الحكمة.
والخبر، بما فيه من هدف بنائيّ لا يقول شيئًا مباشرًا عن الآلهة. غير أن الأقوال
تذكرهم مرارًا باسمهم. أو ترسمهم في الدور الذي يلعبونه في الأدب الدينيّ في الشرق
القديم.

ترجع
أقوال عديدة إلى “الآلهة” (دون أي تسمية) كمعلّمين وقضاة ومحامين عن
البشريّة. هؤلاء الآلهة يعطون البلاغة للذين لا خبرة لهم (32)، يجازون بالشرّ كلام
الشرّ (37)، ويعاقبون الذين يضطهدون الأبرار (39،41). يخضع لاسمهم الكاذبُ وفاعلُ
السوء (46)، كما يخضع الجاهل (38). فالآلهة وحدهم يستطيعون أن يدافعوا عن الانسان
من شرّ داخلي (69)، وهم الينبوع الأخير للحكمة (13).

إيل،
أبو الآلهة في البنتيون (مجمع الآلهة) الكنعاني، هو إلاله الذي يُذكر مرارًا في
الأقوال. يتكلّم عنه القول 25 مع صفة رحمن (ر ح م ن). هنا نلتقي بصفتين معروفتين
في الأدب الأوغاريتي (الرحيم والحنون)، كما في الكتاب المقدس، في تسمية يهوه: ال.
ر ح و م . و. ح ن و ن. أما القول 25 فهو مقابلة بين سلطان الملك وسلطان ايل:
“الملك كالرحمان وإن ارتفع صوته. فمن يقف أمامه إن لم يكن نظيره”؟

إيل
هو الذي ينتقم من الكلام الكاذب (66). قد نكون أمام الحنث بالقسم (رج القول 70).
ويبدو قول مفتّت (64) وكأنه يتكلّم عن الاله الشافي، وهو دور نجده بعض المرات في
الأدب الكنعاني. وهناك قول آخر مشوّه يبدو طلبًا إلى الاله من أجل الحصول على
البرّ أو الانتقام: “أقمني، يا إيل، كرجل بار أمامك” (78).

بعد
إيل في مجمع الآلهة، في الأقوال، نجد شمش، الاله الشمس. في بلاد الرافدين القديمة
كانت وظيفةُ هذا الاله الاهتمام بالعدالة. هو يحمي المحتاجين ويسمع صراخ
المظلومين. هذا هو الدور الذي نقرأ عنه في القول 77: “إذا أمسك الشرير طرف
ردائك، فاتركه في يده. والجأ (وادعُ) إلى شمش. فهو يأخذ ما له (أو ما لك)
ويعطيك”. ويدلّ القول 49 على طريقة بها ينفّذ شمش الحكم: لا يشرق شمسَه على
الشّرير.

بما
أن الملك يشبَّه بإيل، فبهاؤه يقابَل ببهاء شمش (26): “نرى الملك في جماله
مثل شمش. فما أمجد بهاءه لمن يجول الأرض في طمأنينة”. عُرف تشبيه الملك أيضًا
بالاله الشمس، في بلاد الرافدين. ففي صلاة تعود إلى القرن السابع، تلاها أشور
بانيبال لشمشو، قيل أن بهاء الملاك يرتبط بتقواه تجاه شمش. ويهتمّ شمش أيضًا بحكمة
البشر. هو يرضى بالانسان الذي يمتلك الحكمة ويتعلّم الفطنة في كلامه. وهو يمقت من
يضيع الحكمة (12).

إن
القول 13 هو أهمّ مقطع لفهم نصّ لاهوتي حول الحكمة. وهو يتضمّن أيضًا بشكل عابر
إشارة إلى إله ثالث: “السماء راضية عن البشر. والحكمة من عند الآلهة. فهي
كريمة في عين الآلهة، ولها الملك على الدوام. أقامت في السماوات، لأن الربّ القدوس
عظّمها”. إن لفظ “ش م ي ن” وعبارة “الربّ القدوس” يعودان
إلى إله عُرف أنه “إله السماوات” (في الآرامية: ب ع ل. ش م ي ن) الذي
انتشرت عبادته لدى الشعوب الآراميّة والكنعانيّة في سورية (فوصلت حتّى شمال بلاد
الرافدين) منذ عهد البرونز حتّى ظهور المسيحيّة. في البنتيون الكنعاني الذي وصفه
سانخونياتون، هذا الإله هو رئيس الآلهة. ويبدو القول 13 على أنه مديح للحكمة
وامتداح لأصلها الالهيّ ونفعها للبشر وعظمتها لدى الإله. فمع أن هذا القول لا
يشخّص الحكمة بشكل واضح، إلاّ أنه قريب جدًَا من قصائد بيبليّة وبعد بيبلية تمتدح
الحكمة، وأقدم منها. أما الهدف اللاهوتي للقول 13 داخل المجموعة كلها، فهو يشبه ما
نقرأ في أم 8: 22- 31. في سفر الأمثال، الحكمة تصدر عن ملكوت الله. فالحياة
والنجاح اللذان تعطيهما، هما في الأصل عطايا من عند الآلهة. الحكمة ملكة إلى
الأبد، لأن إله العلاء في السماء جعلها على عرشه.

وهناك
عدّة مواضيع عامة في الأقوال (التربية العائليّة، حفظ اللسان، التصرّف تجاه
الملك)، توازي الأدب الحكميّ في البيبليا. فكما في الحكمة البيبليّة، تجتمع هنا
الحكمة مع الحياة والنجاح ورضى الله. أما الجهالة، فتحمل عدم رضى الآلهة والملك،
وتقود إلى الموت. ولكننا لا نجد بعض التوسّعات اللاهوتيّة في الحكمة العبريّة، كما
في هذه الوثيقة الأراميّة. فالكوسمولوجيا (علم الكونيات) لا تلعب دورًا في أقوال
أحيقار، تجاه أهميّة لاهوت الخلق في حكمة التوراة. فمع أن نصّ أحيقار يتحدّث عن
التصرّف الحكيم الذي يُرضي الآلهة، فلا شيء فيه يشبه تأكيدًا بيبليًا يقول:
“رأس الحكمة مخافة الله” (أم 9: 10؛ رج 1: 7). نحن لا نجد عند احيقار
علمًا يبحث عن وجود الله. فآلهة “الأقوال” لا علاقة لها بالبشر.

إن
ترجمات احيقار، جمعت في درجات متفاوتة، تعدُّدَ الآلهة كما في النص الأصليّ، مع
النظرة التوحيديّة، وذلك بتأثير من الحلقات اليهوديّة والمسيحيّة التي انتشرت
فيها. ف “الآلهة” في أقوال جزيرة الفيلة، صارت “الإله” الواحد
في أغلب الأحيان. وظلّت آثارٌ قليلة للوضع الدينيّ القديم في الآراميّة، التي قالت
إن أحيقار صلّى إلى آلهته “بلشيم وشيميل وشامين”. أما السريانية فألغت
في هذا المقطع أسماء الآلهة لتقول: “أيها السيّد، يا الهي” (53). أما
العربيّة فأدخلت الجملة البيبلية “الله العلي، خالق السماء والأرض” (تك
14: 19).

 

7-
علاقة أحيقار بالأسفار القانونيّة

حين
نتحدّث عن مقابلة أدبيّة، يجب أن نميّز بين توازي النصوص، وتأثير نصّ على آخر، ولا
سيّما في عالم الحكمة والفولكلور. فالمواضيع الشعبيّة، والصور الكلاميّة، والأمثال
الكاملة، انتقلت عبر حدود جغرافيّة وثقافيّة في طرق يصعب علينا مرارًا أن نرسمها
أو نجد خريطتها. والتوازيات، وإن كانت قريبة، بين كتب مثل احيقار وبين أسفار
قانونيّة أو منحولة، قد لا تدلّ على أكثر من معرفة مباشرة لوثيقة لدى كاتب وثيقة
أخرى. وفي أي حال، قوّة البرهان هو للذي يريد أن يرى، علامة تدلّ على تأثير أدبيّ.

وإذا
تركنا جانبًا مواضيع الحكمة المشتركة بين البيبليا والشرق الاوسط القديم،
فالتوازيات القريبة بين أحيقار والأسفار البيبليّة القانونيّة، قليلة جدًا.
فالمنادى “يا ابني” (قول 4، 14أ، 40، 42، 60، يرد مرارًا في الأمثال
البيبليّة)، ينتمي إلى الأقوال الحكميّة في نصوص الشرق الأوسط منذ الألف الثالث
ق.م. وشكل المثل العددي (هناك شيئان وثالث، قول 12؛ أم 20: 15– 19، 21- 31) نجده
في نصائح وردت في أدب الشرق القديم.

هناك
حالتان تبرّران الاشارة إلى ارتباط ممكن بين نصّ ونصّ. الأولى، نجدها في 3- 4
“لا تحرم ابنك من العصا، وإلاّ لن تحميه من الشرّ. إذا ضربتك، با ابني، لن
تموت. وإذا تركتك لهوى قلبك، لن تعيش”. نقابل هذين القولين مع أم 23: 13- 14:
“لا تقصّر في التأديب للصبيّ، فإن ضربته بالعصا لا يموت: تضربه بالعصا فتنقذ
نفسَه من الجحيم”. فمع أن تربية الوالدين والرغبة في العقاب الجسدي، موضوعان
معروفان في الأدب الحكميّ، فالتشابه الالفاظيّ يضاف إلى التشابه الموضوعيّ. هل
نقول إن نصًا أخذ من آخر؟ بل بالاحرى نقول إننا في تقليد واحد غرف منه الاثنان.

والحالة
الثانية نجدها في القول 109: “لا يقل الغني: أنا مجيد بفضل غناي”. يقابل
هذا القول إر22: 9: “لا يفتخر الحكيم بحكمته ولا الغنيّ بغناه”. قول
قصير، وموضوع شامل. نحن هنا في مستودع الحكمة الشعبيّة التي عرفها الشرقُ القديم
كله.

وهناك
عدد من التشابهات الظاهرة بين ترجمات أحيقار والكتاب المقدس (ولا سيما دانيال
ولوقا). “أيها الملك، حييت إلى الأبد” (احيقار 1: 11 في السريانيّة
والارمنيّة): دا 2: 4؛ 3: 9؛ 5: 10؛ 6: 6. عندما يلبس أحد الأرجوان مع الذهب، فهذا
ما يدلّ على حظوة خاصّة (أحيقار 1: 7 حسب الأرمنيّة). دا 5: 7، 16… هذا يعني أن
الكتاب المقدّس أثّر في ترجمات أحيقار، أقلّه في بعض المرات.

ونتوقّف
بشكل خاص عند طوبيا وابن سيراخ ويهوديت.

عرف
سفر طوبيا خبر أحيقار وقريبَه الذي خيّب أملَه (ناداب). في(1: 21- 22)، صوّر
الكاتب طوبيت على انه ابن أخي احيقار، وقدّم لائحة بألقابه الرسميّة “أحيقار
ابن أخي عنائيل، عيّن على جميع حسابات المملكة. وكان له سلطان على جميع الشؤون
الاداريّة. فتوسّط لي أحيقار، فعدتُ إلى نينوى. ذلك بأن احيقار كان رئيس السقاة
وأمين السرّ ورئيس الشؤون الإدارية والحسابات على عهد سنحاريب ملك اشورية، وقد
ثبّته اسرحدون في منصبه” (طو 1: 21-22). وفي نهاية الكتاب يستخلص طو تعليمات
اخلاقيّة يستخرجها من خبر احيقار “أنظر، يا بُنيّ، كل ما صنعه ناداب إلى
أحيقار أبيه الذي رّباه. ألم يكن مضطرًا للنزول حيًا إلى بطن الأرض؟ لكن الله ردّ
التشنيع عل وجه فاعله. فخرج أحيقار إلى النور، ودخل ناداب في الظلام الأبديّ، لأنه
حاول قتل أحيقار. أما أحيقار، فبسبب احساناته أفلت من الفخ القاتل الذي نصبه له
ناداب، ووقع ناداب في الفخّ القاتل الذي أهلكه” (14: 10). وذُكر أيضًا اسم
احيقار بإيجاز في 2: 10 (وأعالني أحيقار مدّة سنتين، قبل أن يذهب إلى أليمايس) و
11: 18 (وقدم أحيقار وناداب، ابنا عمّه، ليشاركا طوبيت في الفرح).

من
الواضح أن صاحب طو عرف أحيقار في شكل يختلف عمّا في نص جزيرة الفيلة وفي الترجمات.
اختلف طو عن النسخات المتأخّرة، فجعل سنحاريب واسرحدون في الترتيب الصحيح (قد يكون
الكاتب في هذه الجملة صحّح مرجعه على أساس معلومات دقيقة أخذها من العهد القديم).
إن صياغة الخبر الأصليّ الذي يميّز النسخات الأخيرة، قد بدأ في نصّ عرفه طوبيا
الذي يذكر الموضع الخفيّ الذي أقام فيه احيقار تحت الأرض (طو 14: 10)، وهو تفصيل
لا نجده في مخطوط جزيرة الفيلة. وقد يكون سفر طوبيا ألغى ما يتعلّق بتعدّد الآلهة
في النصّ الأصليّ. هذا يعني أن طوبيت، ذاك اليهوديّ الورع، كان قريب أحيقار (1:
21- 22) وعاش معه سنتين (2: 10). وهو يمتدح امتداحًا فضيلة أحيقار (14: 10). وهكذا
يكون من الممكن أن نصّ طوبيا صوّرَ بوضوح أحيقار على أنه يهوديّ. وإن لم يكن كذلك،
فقد صوّره، على الأقل، على أنه وثنيّ يعبد الآلهة. كما فعلت النسخات المتأخرة، ولا
سيّما الأرمنيّة.

ليس
بواضح إن كان طو لمحّ إلى أحداث إضافيّة في مسيرة قريبه المعروف، لا نجدها في
نسخات موسّعة عن أحيقار. فالاشارة إلى ذهاب أحيقار إلى أليمايس (2: 10)، يطرح
سؤالاً، لأن مثل هذا الحدث لا يُعرف في مرجع آخر.

قد
نكون أمام حدث ضاع في الخبر. وقد يكون، وهذا أصحّ، خطأ في نص طوبيا اليوناني. وقد
يكون ما في 2: 10 عودة إلى حدث مصري ارتبط بتبديل محليّ.

هناك
على الأقل، قول من أحيقار نقرأه في طو 4: 17: “أسكب خمرك (في اليونانية، ضع
خبزك) على قبر الأبرار، ولا تعطه للخطأة”. هذا يعود إلى أحيقار: “يا
ابني، اسكب خمرك على قبور الأبرار، ولا تشربه مع الشرير” (سرياني 10: 2؛
ارمني 2: 7؛ عربي 2: 13). تركت النسخة الأرمنيّة عبارة “على قبور
الأبرار” بحيث يزول كل تلميح إلى سكب الخمر على القبور من أجل الموتى. فهذه
عادة وثنية. رج يوب 22: 17.

إن
القول في طو 14: 10 بأن نادان سقط في فخّ نصبه، يعود إلى النسخة الارمنيّة (8: 27؛
رج السريانية 8: 41 والعربّية 8: 38): “من حفر حفرة للآخرين سقط فيها”.
هذا مع العلم أن الفكرة موجودة في مواضع أخرى عديدة (مز 141: 10). والقاعدة
الذهبيّة التي نقرأها في شكل سلبيّ (لا تفعل) في طو 4: 15 قد تعود إلى أحيقار كما
في الارمنيّة (8: 88): “يا ابني، ما يبدو رديئًا لك، لا تفعله لصاحبك”.

وابن
سيراخ الذي يشبه سفر الأمثال، يتضمّن عددًا كبيرًا من الحكَم التي توازي أقوال
أحيقار. ولكنها ليست من الوضوح، بحيث نتحدّث عن علاقة مباشرة. مثلاً، نقرأ في سي
4: 26: “لا تقاوم مجرى النهر”. قد تعود إلى أحيقار السريانيّ (2: 65).
“لا تقف في وجه النهر الهائج”. هي استعارة مأخوذة من الطبيعة ومستعملة
في أكثر من سياق. ونقرأ سي 22: 14- 15: “أي شيء أثقل من الرصاص؟ ما هو اسمه؟
الأحمق. الرمل والملح وكتلة الحديد أخفّ حملاً من الإنسان البليد”. نستطيع أن
نقابل هذا النص مع أحيقار الأرمني (2: 69). “رفعتُ الحديد ورفعتُ الحجارة على
كتفيّ، فكان أفضل لي من الإقامة مع الجاهل والبليد”. ولكن يبقى أن هذا القول
في ابن سيراخ قد يعود إلى عبارة مقولبة معروفة، أو إلى أم 27: 3: “الحجر ثقيل
والرمل باهظ، وأثقل منهما غضب الغبيّ”.

وأشار
بعض الشّراح إلى أن صورة أحيور العموني في سفر يهوديت (ف 5- 6؛ 11: 9- 10؛ 14: 5-
10) الذي نبّه أليفانا بأن لا يهاجم اسرائيل، والذي اهتدى فيما بعد إلى اليهوديّة،
تجد نموذجها في أحيقار. ولكن إن وضعنا الاسم جانبًا، فلا نجد شبهًا بين الاثنين
سوى أنهما وثنيان حكيمان أعطيا النُصح للملوك.

 

8-
أهمية أحيقار الحضاريّة

يمزج
خبرُ أحيقار موضوعين أدبيين: عزل رجل حكيم وإعادة الاعتبار إليه. ثم كذب ونكران
الجميل من قبل قريب له. فالموضوعان، ولا سيما الأول، معروفان في حضارة عدد من
الشعوب. نقرأ عنهما في الأدب البابلوني الذي يعود إلى ما قبل تأليف أحيقار.
فالتقاليد الحكميّة التي ورثها القسم الحكميّ في النصّ، هي قديمة جدًا في الشرق
الأوسط. فقد نُسبت مجموعة تعاليم إلى وزراء حكماء عملوا لدى ملوك مشهورين، لبناء
الشبّان وتربيتهم من أجل الخدمة في البلاط الملكي، وألّفت في مصر قبل بداية الألف
الثاني، ولدى السومريين والبابلونيين. إن الخبر والأقوال في أحيقار، قد دوِّنت في
عالم حضاريّ، فيه كان الفن الأدبي والمواضيع قديمة جدًا.

لا
شكّ في أن الأقوال تمثّل أمورًا معروفة لدى الشعوب المتكلّمة بالآراميّة، في
سورية، في القرن السادس أو السابع (ربما قبل ذلك الوقت) ق. م. وهي مهمّة جدًا
لدراسة الأدب الحكميّ في العهد القديم. هذا يعني أن هذا النصّ يتضمّن تقاليد
حكميّة لدى جيران العبرانيّين، ساعة كان الأدبُ الحكمي في التوراة يُكوّن ويُجمع.

وفي
حقبة البيعهدين والقرون الأولى للمسيحيّة، عُرفت أقوال أحيقار معرفة واسعة عبر
الشرق الأوسط وعالم البحر المتوسط. في اليونان، عُرف اسم أحيقار وحكمته منذ القرن
الخامس ق. م. فاكلمنضوس الاسكندراني إتّهم ديموكريتس (القرن الخامس) بأنه سرق
مضمون “مسلَّة أحيقار”. ونسب الشهرستاني الفيلسوف العربي، إلى ديموكريتس
عددًا من الأمثال عُرفت في نسخات أحيقار، بل في مخطوط جزيرة الفيلة (القول 59).
ومع حياة ايزوفوس اليونانيّة عرفنا أن جزءًَا من الترجمة اليونانيّة هو نسخة عن
أحيقار.

وعُرف
أحيقار في الحلقات اليهوديّة (هذا عدا عن جماعة جزيرة الفيلة)، أكثر ممّا يشير
إليه سفر طوبيّا أو ابن سيراخ ويهوديت. فهناك عدد من الأقوال السريانيّة نجدها في
التلمود والمدراش (القول 30). وفي القرآن (سورة 3) هناك أقوال ارتبطت بلقمان
الحكيم، وبعضها ارتبط بأحيقار. ومن الواضح في التقاليد الإسلاميّة، أن صورة لقمان
تجد نموذجها في ايزوفوس وأحيقار. كما وُجدت آثار خبر أحيقار في فولكلور فارس
والهند.

وما
يدلّ على شعبيّة هذا المؤلّف في الشرق الأدنى، هو أنه ظلّ يُنسخ في العربيّة حتى
القرن الثامن عشر، وفي السريانيّة، حتّى نهاية القرن التاسع عشر. وقد جُعل في ملحق
الألف ليلة وليلة. ووصل إلى أرمينيا وسلافونيا ورومانيا . ولكن تأثيره كان خفيفًا
في أوروبا الغربيّة.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى