بدع وهرطقات

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

صيغة الجمع في الضمائر المشيرة
لله والإعلان الصريح

ولم يعلن
الكتاب أقانيم الله باستعماله صيغة الجمع في بعض أسماء الله فقط بل وباستعمالها
أيضاً في الضمائر المشيرة إليه. فقيل
وقال
الله (إيلوهيم): نعمل
بصيغة الجمع الإنسان
على صورتنا كشبهنا
(تكوين 26: 1) بصيغة
الجمع، أمّا المدعون بأنهم شهود يهوه فيحاولون أن يوهموا القارىء أن الاسم
إيلوهيم في حالة
استعماله لله لم يستخدم له إلا ضمائر الفرد (كتابهم المسمى الحق يحرركم ص 31 س
4-6). وها أنت أيها المسيحي الحقيقي قد رأيت بنفسك، أن الاسم
إيلوهيم وهو مستعمل
لله قد استخدم له ضمائر جمع وأفعال جمع لتأكيد الدلالة على الأقانيم إلى جانب ما
استعملته له من صيغة المفرد في الضمائر والأفعال للدلالة على الوحدانية.

ومن أشهر
الآيات التي استخدمت التوراة فيها ضمير المفرد للإشارة إلى وحدانية الله بالإضافة
إلى ضمير الجمع للإشارة إلى أقانيمه هي قوله تعالى
مَن
أُرسل؟
بضمير المفرد ومن
يذهب من أجلنا؟
(إشعياء 8: 6) بضمير الجمع.

مقالات ذات صلة

أمّا من جهة
استعمال ضمير الجمع في الإنجيل للدلالة على الأقانيم فيقول الرب يسوع لنيقوديموس
الحق
الحق أقول لك: إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا
(يوحنا 11:
3) وهذا إعلان إلهي صريح على أقانيم الله وعلى أن الابن المتكلم واحد منهم. لأنه
باستعماله وهو فرد صيغة الجمع هذه كان مشيراً إلى نفسه وإلى أبيه وإلى روحه
باعتبارهم الله الواحد الشاهد لنفسه ولحقه شهادة شاهد عيان. وإن قيل أن المسيح في
استعماله لضمير الجمع هذا كان مشيراً إلى نفسه وإلى تلاميذه موحداً نفسه معهم في
الشهادة قلنا، هذا مردود عليه بقوله بعد ذلك
إن
كنت قد قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟ وليس
أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء*، ابن الإنسان الذي هو في السماء
(يوحنا 12:
3و13) [*صعد إليها أخنوخ بجسده متغيراً ولكنه لم ينزل منها ليخبرنا بما فيها وصعد
إليها إيليا بجسده متغيراً ولكنه لم ينزل منها إلا ليتلاقى مع سيده المتجسد على
جبل التجلي ويتكلم معه لا معنا عن خروجه الذي كان مزمعاً أن يتممه في أورشليم.
وصعد إليها بولس. وهو لا يعلم أكان في الجسد أم خارج الجسد ولكنه نزل منها عالماً
أن ما سمعه وما رآه لا يسوغ النطق به. وكل القديسين الراقدين صعدوا إليها
بأرواحهم. لا بأجسادهم. ولم ينزل منهم أحد ليخبرنا بما فيها. ولو أن صموئيل نزل
حاملاً معه قضاء الله على شاول. وهذا ليس أخباراً عن السماء. ونزل موسى أيضاً ولكن
لا يكلمنا عن السماء بل يتكلم مع سيده عن خروجه في أورشليم. أمّا الابن المتجسد
فوإن كان بالتجسد قد نزل من السماء إلا أنه بلاهوته غير المنظور كان يملأ الأرض
والسماء ويخبرنا عما في السماء وهو على الأرض بالجسد] ومفهوم طبعاً أن التلاميذ لم
يصعدوا إلى السماء ولا رأوا ما فيها ولا نزلوا منها ليشهدوا عنها شهادة شاهد عيان
مثله. فهم إذن، ليسوا من وحد المسيح معهم في الشهادة بل الآب والروح القدس، الأمر
الذي يؤيده قوله بعد ذلك لليهود
في ناموسكم
مكتوب أن شهادة رجلين حق: أنا هو الشاهد لنفسي، ويشهد لي الآب الذي أرسلني
(يوحنا 17:
8و18) مضافاً إليه قوله لتلاميذه
ومتى جاء
المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد
لي
(يوحنا 26: 15) وهذا يدل دلالة واضحة كل الوضوح
على أنه في قوله بضمير الجمع
إننا إنما
نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا
(يوحنا 11:
3) كان يقصد نفسه مع الآب والروح القدس.

ولو لم يكن
هو الله والروح القدس هو الله كما أن الآب هو الله لما أمكن أن يجمع ويوحد نفسه
والروح القدس مع الآب على هذا النحو. لأنه كيف يجوز للمخلوق أن يجمع ويوحد نفسه مع
الخالق بهذه الصورة؟ إذن، فالثلاثة هم الله الواحد بأقانيمه الثلاثة.

ومن أشهر
الآيات التي استخدم الإنجيل فيها ضمير المفرد للإشارة إلى وحدانية الله بالإضافة
إلى ضمير الجمع للإشارة إلى أقانيمه هو قول الرب يسوع
الذي
يحبني يحبه أبي، وأنا أحبه، وأظهر له ذاتي
وكل هذا
بضمير المفرد
.. وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً (يوحنا 21:
14و23) وهذا بضمير الجمع. ومساواة الآب والابن لبعضهما في الأقنومية واضحة في هذه
العبارة من قيام كل منهما بذات العمل الذي يقوم به الآخر. ولاهوت كل منهما واضح في
أن العمل الذي يقوم به كل منهما عمل إلهي. ووحدتهما معاً كالله الواحد واضحة في
قيامهما بذات العمل الإلهي الواحد.

ولا محل
للظن بأن استعمال الكتاب، توراة وإنجيلاً، لضمير الجمع في الإشارة إلى الله كان
للتعظيم وإلا لما جاز بالمرة استعمال صيغة المفرد في كلامه عن نفسه. هذا فضلاً عن
أن استعمال صيغة الجمع للتعظيم تجوز في كلام المتكلم وللمخاطب ولكنها لا تجوز في
الكلام عن الغائب لا في الأسماء ولا في الضمائر. فيقال مثلاً
فلمّا
سمع هيرودس الملك اضطرب
(متى 3: 2) ولا يقال
لمّا سمع الهرادسة اضطربوا بجمع اسمه وفعله للتعظيم. أمّا الله، جل شأنه، فاستعملت
له صيغة الجمع اسماً وفعلاً في حالة الغائب نفسها. فقيل في التوراة
هناك
ظهر له (إيلوهيم)
(تكوين 7: 35) وفي
الأصل العبراني الفعل
ظهر والاسم الله هما في
صيغة الجمع. ومثل هذا في التوراة كثير جداً.

وفي الإنجيل
أيضاً جاء عن الله في حالة الغائب بغير صيغة المفرد قول الرسول يوحنا
مَن
يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعاًً
(يوحنا
الثانية 9) وقول الرب يسوع نفسه لليهود عن نفسه وعن أبيه
في
ناموسكم مكتوب إن شهادة رجلين حق: أنا هو الشاهد لنفسي، ويشهد لي الآب الذي أرسلني
(يوحنا 17:
8و18)

يضاف إلى ما
سبق أن ذلك الأسلوب الأجوف من الكلام، أسلوب استعمال صيغة الجمع للتعظيم في كلام
المتكلم أو مخاطبته ولو كان ملكاً، لم يكن معروفاً ولا جارياً في تلك الأزمنة
الغابرة. فقد جاء في التوراة مثلاً أن فرعون ملك مصر قال ليوسف
إني
كنت في حلمي
(تكوين 17: 41) ولم يقل، إنَّا كنَّا في حلمنا.
وجاء في الإنجيل أن الملك أغريباس قال لبولس
بقليل
تقنعني أن أصير مسيحياً
(أعمال 27: 26و28) ولم
يقل مشيراً إلى نفسه، بقليل تقنعنا أن نصير مسيحيين.

وينفى نفياً
باتاً الفكرة القائلة بأن استعمال الكتاب لضمير الجمع في الإشارة إلى الله كان
لأجل التعظيم ويثبت أنه إنما كان لإعلان الأقانيم قوله تعالى عن الإنسان بعد سقوطه
هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا
عارفاً الخير والشر
(تكوين 22: 3) ومهما
كانت اللغة التي يمكن للإنسان أن يستعملها لتعظيم نفسه فإنها لن تبلغ إلى الحد
الذي فيه يستطيع أن يقول عن نفسه
كواحد منّا لأنه في
ذاته ليس أكثر من واحد. أمّا الله الواحد في لاهوته فلأنه أكثر من واحد في أقانيمه
يجوز له وحده دون سواه أن يستعمل لنفسه هذا الأسلوب من الكلام. فهو أسلوبه الخاص
الذي تفرد به تعالى لتفرده بكونه أكثر من أقنوم واحد مع أنه الله الواحد. ولذلك
تأتى تلك العبارة في التوراة، بل وفي صفحاتها الأولى.

ولنلاحظ
أيضاً أنه تعالى لم يقل، صار الإنسان مثلنا بضمير الجمع كما سبق وقال في خلق
الإنسان
نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا بل قال كواحد
منّا
تمييزاً للأقانيم وللكلام عنهم واحداً واحداً
في تميز كل منهم عن الآخر في شخصيته. وهذا تدرج منه تعالى في الإعلان عن ذاته ففي
ص1: 1 لما استعمل في الإشارة عن نفسه اسم الجمع
إيلوهيم دل مبدئياً
على أنه تعالى أكثر من أقنوم واحد. وبإشارته بعد ذلك إلى نفسه في ع 26 من نفس
الأصحاح بضمير الجمع في قوله تعالى
نعمل
الإنسان على صورتنا كشبهنا
دل ثانياً على أن
أقانيمه واحد في الصورة والشبه باعتبارهم الله الواحد. أخيراً في قوله عن نفسه في
ص 22: 3
هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا قد دل في
النهاية على ما لأقانيمه من تميز عن بعضهم الواحد عن الآخر رغم وحدانيتهم في
اللاهوت وفي الصورة الإلهية أزلياً كالله الواحد.

ولا محل
للظن أيضاً بأن الله في قوله تعالى عن الإنسان في خلقه
نعمل
الإنسان على صورتنا كشبهنا
(تكوين 26: 1) كان
مخاطباً الملائكة جامعاً وموحداً إياهم معه في عمل الإنسان، وفي الصورة والشبه
الإلهيين الأزليين: أولاً – لأنه ليس من شأن الملائكة ولا من قدرتهم كخلائق أن
يشتركوا مع الله في عمل الإنسان في حين أن هذا الخلق المستحيل على الملائكة هو ما
قام به الآب والابن والروح القدس كما قيل عن الآب أنه
خالق
الجميع بيسوع المسيح
(أفسس 9: 3) وعن الابن
أن
الكل به وله قد خلق (كولوسي
16: 1) وعن الروح القدس
روح الله
صنعني ونسمة (أي روح) القدير أحيتني
(أيوب 4:
33) وهذا هو سر ضمير الجمع في قوله تعالى
نعمل
الإنسان على صورتنا كشبهنا
. ثانياً – لأن الملائكة
لم يكونوا أزلياً واحداً مع الله في الصورة والشبه لأنهم مخلوقون ولهم بداءة.
ثالثاً _ إنه ولو أن الملائكة مخلوقون أرواحاً على صورة الله كروح فعنه، رغم ذلك،
حاشا لله أن ينزل نفسه إلى مستواهم فيجمع ويوحد نفسه معهم وهم الخلائق المحدودون
أو أن يرفعهم إلى مستواه، وهو الخالق الغير المحدود، جامعاً وموحداً إياهم مع ذاته
العليا بقوله
على صورتنا كشبهنا.

كما أنه
تعالى في قوله عن الإنسان بعد سقوطه
هوذا
الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر
(تكوين 22:
3) لم يكن موجهاً الخطاب أيضاً إلى الملائكة. لأن المتكلم يشير إلى المخاطبين
كمساوين له في معرفة الخير والشر ذاتياً وبالتبعية إلهياً وأزلياً في حين أن
الملائكة لم يكونوا أزليين لا في ذواتهم ولا في معرفتهم لأنهم مخلوقون. وبالتبعية
لم يكونوا مساوين أو معادلين لله في معرفة الخير والشر.

فالملائكة
إذن، ليسوا هم المخاطبين في القول
نعمل
الإنسان على صورتنا
أو هوذا
الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر
: أولاً –
لأن الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يتكلم مع الملائكة باعتباره واحداً منهم.
ثانياً – لأنهم لم يشتركوا مع الله في عمل الإنسان. ثالثاً – لأنه ليست لهم ذاتياً
وأزلياً صورة الله. رابعاً – لأنهم ليسوا في قياس الله في المعرفة.

إذن، كان
المتكلم بالضرورة هو أحد أقانيم الله الذي يمكن لأي واحد منهم أن يقول للباقين
نعمل
الإنسان على صورتنا
أو هوذا
الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر
وهذا
لمساواتهم ومعادلتهم جميعاً لبعضهم في الأقنومية ووحدتهم معاً في اللاهوت والصورة
الإلهية الأزلية والقدرة والمعرفة.

وليس بغريب
أن يكلم الأقانيم بعضهم بعضاً وسيلاقينا الكثير من هذه الأحاديث الإلهية في الفصول
الكتابية التي سنمر بها، وهذه أحاديث بين الأقانيم معلنة في الزمان، وتدل طبعاً
على أن هناك أحاديث سرية لا دخل لنا بها كما يقول موسى النبي
السرائر
للرب إلهنا، والمعلنات لنا ولبنينا إلى الأبد
(تثنية 29:
29) وعن هذه الأحاديث السرية الأزلية يقول أليفاز التيماني لأيوب في التوراة
هل
تنصت في مجلس الله؟
(أيوب 8: 15). ويقول بطرس
لليهود عن المسيح في الإنجيل
هذا أخذتموه
مسلماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق
(أعمال 23:
2) وقال الرسل للآب عن صلب اليهود للمسيح
ليفعلوا
كل ما سبقت فعينت يدك ومشورتك أن يكون
(أعمال 28:
4) وقال الابن
الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو
يعمله
(يوحنا 20: 5) ويقول لتلاميذه إني
أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي
(يوحنا 15: 15) ويقول
عن الروح القدس أنه
لا يتكلم من
نفسه
أي بالانفصال أو الاستقلال عن الآب والابن بل
كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم
(يوحنا 13:
16-15). ويقول الرسول بولس كالموحي إليه بالروح القدس بهذه المشورة
إني
لم أؤخر أن أخبركم بكل مشورة الله
(أعمال 27: 20). فكأن
الله سبحانه وتعالى مجلس شورى إن جاز التعبير وهذا لا يمكن أن يكون إلا إذا كان
الله أقانيم.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى