بدع وهرطقات

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل الثاني

لزوم العقل مع إعلان الله عن
ذاته

ولكن ليس
معنى هذا أن نلغى عقولنا من جهة الله، لأن الله مقدَّم نفسه للخلائق العاقلة وليس
للعديمة العقل. ولذلك إذ قصد أن نكون نحن البشر في علاقة روحية أدبية واعية معه
ميزنا عن البهائم بخلقنا على صورته (تكوين 26: 1) إذ نفخ فينا
نسمة أو روح حياة (تكوين 7:
2). إذ لم تكن هذه النفخة كنسيم أو ريح إلا رمزاً للروح التي دخلتنا من الله
بالنفخة لأن كلمة ريح أو روح في أصلهما العبراني واحد، ويترجم الأصل لأحدهما طبقاً
للقرينة. فبهذه النفخة التي لم ينفخها الله في البهائم ولا في الطيور ولا في
الأسماك (تكوين 20: 1و21و24و25) صار لكل منّا روح (تسالونيكي الأولى23: 5، كورنثوس
الثانية 1: 7) عاقلة (كورنثوس الأولى 11: 2) ناطقة (كورنثوس الأولى 14: 14) خالدة
(متى 28: 10، رؤيا 9: 6و10، مزمور 5: 31، أعمال 59: 7و60، لوقا 37: 20و38، عبرانيين
23: 21) على صورة الله (تكوين 26: 1و27، يعقوب 9: 3) الروح (يوحنا 24: 4) العاقل
(رومية 27: 16، يهوذا 25) الناطق (إرميا 4: 1) الخالد (تيموثاوس الأولى 16: 6،
رؤيا 14: 5). لذلك قيل عن الله أنه أبو البشر (إشعياء 8: 64، ملاخي 10: 2)، أبو
أرواحهم لا أجسادهم (عبرانيين 9: 12)، وقيل عن البشر أنهم أبناء الله (متى 28:
21-32، لوقا 11: 15-32، 38: 4) أو بلغة أحد الشعراء
ذرية
الله
(أعمال 28: 17و29). وبإضافة الضمير في حادثة
السقوط إلى هذه الروح (تكوين 22: 3) أصبح لها قوى أدبية في وعيها. والإنسان، رغم
سقوطه، أصبح بها مضافاً إليها الضمير، معداً لمعرفة الله (إشعياء 24: 29) من كتاب
الخليقة (مرقس 1: 19-6، رومية 18: 1-20) وكتاب الوحي (مزمور 7: 19-14، يوحنا 9: 8،
عبرانيين 12: 4و13) ومسئول عن التوبة إلى الله والإيمان بابنه (أعمال 21: 20)
لنوال نعمة الخلاص من العقوبة الجهنمية (يوحنا 16: 3) والعبودية للخطية (أعمال 9:
15)، ومسئول عن الطاعة لله (بطرس الأولى 14: 1-17) وتقديم العبادة له (تسالونيكي
الأولى 9: 1و10). وله قيامة بعد الموت (يوحنا 28: 5و29) ويوم دين يدان فيه (أعمال
31: 17، رؤيا 20)، وله ثواب ودخول إلى السماء في حالة الإيمان (متى 12: 5، يوحنا
1: 14-3، رؤيا 4و5) وله عقاب وعذاب في جهنم النار في حالة عدم الإيمان (مرقس 42:
9-48، رؤيا 11: 20-15).

أمّا
البهائم فلعدم حصولها على هذه الروح العاقلة، إذ لم ينفخ الله فيها، ليس الله أباً
لها ولا هي من أبنائه، ولا مقدرة لها على التعرف به ولا هي مسئولة أمامه عن توبة
أو إيمان أو طاعة أو عبادة، وليس لها قيامة ولا يوم دين، وليس لها ذهاب إلى السماء
أو إلى الجحيم. ومن ثم ليس لها مدارس ولا علوم، ولا اكتشافات، ولا اختراعات، ولا
كنائس، ولا نواميس، ولا حكومات ولا شرائع. وبالاختصار ليست مسئولة عن دين أو أدب
أو علم أو سياسة لعجزها عن ذلك بسبب عدم حصولها على الروح العاقلة التي بها ميزنا
الله عن البهائم في مسئولية الخضوع له وامتياز التسلط عليها وعلى كل الخليقة.

ولذلك يقول
بلدد الشوحي
تعقلوا أي
استعملوا عقولكم التي ميزكم الله بها عن البهائم
وبعد
نتكلم. لماذا حُسِبنا كالبهيمة،
العديمة العقل وتنجَّسنا أي انحطت
قيمتنا إلى مستوى البهائم العديمة العقل
في
عيونكم؟
(أيوب 2: 18و3). ولذلك قيل أيضاً عن تميز
الإنسان عن الحيوان بهذه الروح العاقلة التي حصل عليها من الله بنفخته تعالى فيه
ولكن
في الناس روحاً، ونسمة
أي الروح المعطاة لهم
بالنفخة من
القدير تُعقَّلهم (أيوب 8:
32). ولذلك قيل أيضاً عن الله أنه
الذي بهذه الروح
العاقلة التي نفخها فينا
يُعَلَّمُنا
أكثر من وحوش الأرض، ويجعلنا أحكم من طيور السماء؟
(أيوب 11:
35).

ومن ثم فالإنسان
الذي يلغى عقله يحط نفسه إلى مستوى البهائم كما يقول النبي
إنسانٌ
في كرامةٍ ولا يفهم يشبه البهائم التي تُباد
(مزمور 20:
49). لأن ميزة الإنسان عن البهيم هي الروح التي تفهم ولا تباد أي العاقلة
والخالدة.

ولكي نفهم
لزوم العقل ومكانته بالنسبة لمعرفة الله، لنفرض أن إنساناً قصد بالشرح أو الإيضاح
أو الإعلان عن نفسه أن يعرف حيواناً بنفسه فهل يستطيع الحيوان أن يعرفه بهذه
الطريقة؟ أبداً. ولماذا؟ لأنه ليس للحيوان عقل يفهم به الشرح أو الإيضاح أو
الإعلان. ثم لنفرض أن هذا الإنسان وقف أمام صاحب عقلية جبارة، ودون أن يعرفه
بنفسه، طلب منه أن يستعمل عقله الجبار في معرفته من تلقاء نفسه فهل يستطيع صاحب
هذه العقلية أن يعرفه من تلقاء نفسه؟ أبداً. ولماذا؟ لأن ذلك الإنسان لم يعرَّفه
بنفسه، فإذا كان إعلان الإنسان ذاته لنا أمراً ضرورياً لتعرفنا عليه مهما كانت
رجاحة عقولنا فكم وكم يكون إعلان الله ذاته لنا أكثر ضرورة لتعرفنا عليه
لأننا
نحن من أمسٍ ولا نعلم
(أيوب 9: 8) كما قال
الرجل المتواضع بلدد الشوحي.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى