بدع وهرطقات

الفصل الأول عجز العقل عن معرفة الله بدون إعلان منه تعالى عن ذاته

الفصل الأول عجز العقل عن معرفة الله بدون إعلان منه تعالى عن ذاته

الفصل الأول

تمهيد – عجز العقل عن معرفة
الله بدون إعلان منه تعالى عن ذاته

إن السبب
الحقيقي الذي حدا بهؤلاء القوم وبأمثالهم لرفض حقيقة ثالوث أقانيم الله الواحد ليس
هو كما يدعون عدم ورود شيء عنها في الكتاب المقدس، إذ لم يوح بكتاب الله هذا من
أوله لآخره إلا لإعلان الله في حقيقته هذه، لكن السبب الحقيقي هو توهمهم أنها
تتعارض مع منطق العقل السليم (كتابهم المسمى الحق يحرركم ص 30 سطر 13-16 وكتابهم
المسمى ليكن الله صادقا ص 104 سطر 14-15).

ولكن لا يصح
القول في مثل هذه الحقيقة أنها تتعارض مع العقل بل أنها تفوقه، لأن العقل لم يعط
لنا لنفهم به الخالق بل الخليقة لاستغلال فوائدها. ولكن الإنسان لمّا حكم عقله في
الخليقة ورأى أنه وُفق لفهم بعض نواميسها أخذه العجب وتصلف وتوهم في عقله المقدرة
على فهم الله نفسه فتحول بعقله عن الخليقة إلى خالقها وأخذ يحكم عقله في خالقه
محاولاً تفهمه. ولكن هيهات للعقل البشرى المخلوق المحدود أن يفهم الله خالقه الغير
المحدود. وإلا، فهلم امتحن طاقة العقل في فهم الله بمحاولة تفهم، لا ذات الله في
وحدانية لاهوته وتثليث أقانيمه، بل فقط في شيء من متعلقاته تعالى كمكان أو زمان
وجوده مثلاً، لنرى أقادر عقلنا البشرى على تفهم الله أم عاجز؟

إنه من
المسلَّم به بداهة أن الله غير محدود ومن ثم فلابد وأن تكون دائرة وجوده، إن جاز
التعبير، غير محدودة أيضاً. فكر معنا إذاً في هذا ولنمتحن طاقة العقل في فهمه.
ولكننا نخشى أن تخسر عقولنا قبل أن نفهم شيئاً لأننا لن نصل إلى نهاية فنعود بلا
فهم لمكان وجود الله. فكيف إذن يمكننا أن نفهم الله نفسه الذي يحوى كل مكان ولا
يحده مكان؟ لذلك قيل في التوراة للإنسان
أ
إلى عمق الله تتصل، أم إلى نهاية القدير تنتهي؟ هو أعلى من السماوات، فماذا عساك
أن تفعل؟ أعمق من الهاوية، فماذا تدرى؟ أطول من الأرض طوله، وأعرض من البحر
(أيوب 7:
11-9) وهكذا من جهة زمان وجود الله فلنرجع بعقولنا قبل أن يبدأ الزمن بملايين
ملايين السنين ولندخل بعقولنا إلى أعماق الأزل ولننطلق إلى الأزل السحيق ثم إلى ما
هو أبعد من ذلك في الأسبقية فلن نجد بداءة لزمان وجود الله. ثم لننطلق إلى الأبد
المديد ولنسر فيه بعقولنا ما شئنا إلى الأمام فلن نجد لمستقبل الله نهاية ولا
لأبديته حداً. لذلك قيل في التوراة
هوذا
الله عظيمٌ ولا نعرفه وعدد سنيه لا يُفحص
(أيوب 26:
36). فالأولى بنا، إذن، أن نردع عقولنا ونمنعها عن التوغل في ذات الله لئلا نخسرها
ونخسر الله ونخسر أنفسنا فقد قيل أيضاً في التوراة
القدير
لا ندركه
(أيوب 23: 37).

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى