بدع وهرطقات

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل
الرابع

الكنيسة
الأولى وإيمانها بلاهوت المسيح

 

زعم
دان براون وبقية نقاد المسيحية والكتاب المقدس، من لادينيين وملحدين ومسلمين، أن
الكنيسة المسيحية الأولى لم تكن تؤمن بلاهوت المسيح!! وأن هذه العقيدة، عقيدة
لاهوت المسيح، لم تثبت في الكنيسة المسيحية إلا في مجمع نيقية بتأثير من الملك
قسطنطين، وأن المسيح لم يكن أكثر من مجرد نبي فان فيقول في الفصل الثامن والخمسين:
” فأن الكنيسة كانت بحاجة لإقناع العالم بأن النبي الفاني يسوع المسيح كان
كائناً إلهياً. ولهذا فان أي انجيل من الأناجيل كان يتضمن في طياته وصفاً لمظاهر
إنسانية فانية من حياة المسيح, كان يجب حذفه من الإنجيل الذي جمع في عهد قسطنطين
“!!

 وهذا
الزعم والذي رد عليه المئات من الكتاب في الغرب، هو زعم باطل. فجميع المظاهر التي
تخص إنسانية المسيح موجودة كما هي في الإنجيل بأوجهه الأربعة. كما أن موضوع لاهوت
المسيح موثق بصورة غير قابلة للجدل والشك في العهد الجديد تفصيلاً وكذلك في الكتب
الأبوكريفية، وامتلأت به كتابات الآباء في القرنين السابقين لقسطنطين ومجمع نيقية.
وسنركز هنا فقط على ما جاء في كتب الآباء في القرن الثاني فقط، بل وقبل ظهور
قسطنطين بكثير.

 وهؤلاء
الآباء آمنوا بنفس إيمان الرسل، الذي تسلموه منهم، وتكلموا عن الرب يسوع المسيح،
عن لاهوته وكيفية تجسده، بنفس أسلوب الرسل وبساطته. وقاموا بدور حاسم في الرد على
الأبيونيين، الذين قالوا أن المسيح إنسان فقط ولكنه ارتقى وسما وصار إلهاً
بالتبني!! ثم زعموا أنه الملاك ميخائيل ورب كل خليقة!!

والغنوسيين
الذين ركزوا فقط على لاهوته وقالوا أن المسيح إله وقد نزل من السماء وظهر على
الأرض في شبه وهيئة وشكل الإنسان في الظاهر فقط!! وقد كان أولئك وهؤلاء من خارج
دائرة الكنيسة، والإعلان الإلهي، ولم يتعلموا على أيدي تلاميذ المسيح ورسله ولم
يتسلموا التعليم الصحيح منهم، ولم يشكلوا خطورة تذكر على إيمان الكنيسة في المسيح.
ومن ثم فقد شرح هؤلاء الآباء لاهوت المسيح وناسوته بدقة وبساطة، كالإله المتجسد،
مؤكدين على أنه هو الإله الذي لا بداية له ولا نهاية، والذي كان غير مرئي ولكنه
ظهر في الجسد الذي أتخذه من مريم العذراء.

 ”
لقد كان الفكر اللاهوتي – في فترة ما قبل نيقية – مركزاً على التعليم بأن المسيح
هو الله المتجسد، والفادي للعالم. وكان هذا التعليم هو الأساس لكل العقائد
المتعلقة بالتجديد بالمعمودية، بل وكان مطبوعا على الحياة العامة، فكان دستور عبادة
الكنيسة الأولى. فلم يكن الأمر مجرد تأكيد الآباء على لاهوت المسيح في مواجهة
الهراطقة، ولكن كما يقول ” شاف ” المؤرخ الكنسي كان هذا الإيمان يُعلن
في العبادة اليومية والأسبوعية وفي الاحتفال بالعماد، وفي العشاء الرباني، وفي
الأعياد السنوية، ولا سيما في عيد القيامة. وقد وجد هذا الإيمان مكانه في الصلوات
والتسابيح … وكانت الترانيم التي يكتبها الأخوة تشهد بأن المسيح هو ” كلمة
الله “، وكانوا يؤكدون على ألوهيته، وقد دفع كثيرون من المؤمنين حياتهم ثمناً
لشهادتهم بأن المسيح هو ابن الله … فهم يرون أن المسيح سابق للوجود، فقد كان هو
فكر الآب أو عقله الناطق “(1).

 

(1)
جاء في كتاب الدياديكية أو تعاليم الرسل الأثنى عشر (كتب حوالي سنة 100م)
أن المسيح هو ابن الله وهو الرب الذي سيأتي على السحاب ومعه الملائكة القديسون (7:
16)، وكانوا يعمدون المؤمنين الجدد على اسم الثالوث الأقدس ” وبعد أن تعلّموا
كل ما سبق عمدوا كما يأتي ” باسم الآب والابن والروح القدس بماء جار
“(1: 7)، كما قال الرب يسوع المسيح لتلاميذه ” وعمدوهم باسم الأب
والابن والروح القدس
” (مت18: 28).

 

(2)
وجاء في رسالة برنابا (من 90 – 100م تقريبا)، قوله ” يا أخوتي إذا كان
السيد قد احتمل أن يتألم من أجل نفوسنا وهو رب المسكونة وله قال الرب
” لنصنعن الإنسان على صورتنا ومثالنا ” فكيف قبل أن يتألم على أيدي
الناس، فتعلموا أن الأنبياء بالنعمة التي أعطوها من عنده تنبئوا عنه. ولكي
يبطل الموت ويبرهن القيامة من الأموات ظهر بالجسد وأحتمل الآلام ” (5:
4،6)، ثم يضيف الكاتب ” لو لم يأت بالجسد لما استطاع البشر أن ينظروا
خلاصهم. إذا كانوا لا يستطيعون أن ينظروا إلى الشمس التي هي من أعمال يديه فهل
يمكنهم أن يحدقوا إليه لو كان قد جاءهم بغير الجسد.
إذا كان ابن الله قد
أتى بالجسد
فلأنه أراد أن يضع حدا لخطيئة أولئك الذين اضطهدوا أنبياءه ”
(10: 4،11).

 ثم
يشرح التجسد بأكثر دقة وتفصيل فيقول ” للمرة الثانية يظهر يسوع لا كابن للبشر
بل كابن لله ظهر بشكل جسدي وبما أنه سيقال أن المسيح هو ابن داود فأن داود
يسرع ويتنبأ قائلا ” قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا
لقدميك “. خوفا من أن يسيء الخطاة فهم بنوة يسوع … فهل رأيتم كيف يعطيه
داود اسم
الرب لا اسم الابن؟ ” (10: 12،11)((2).

 

(3)
ويقول القديس أكليمندس الروماني (30 -110م)، كما يقول عنه يوسابيوس القيصري في
تاريخه، أسقفا لروما ومساعداً للقديس بولس، وقال عنه القديس جيروم سكرتير بابا
روما (343 – 420م) ؛ ” هذا هو الذي كتب عنه الرسول بولس في الرسالة إلى فيلبي
“(3)، وقال عنه القديس بولس الرسول انه جاهد معه في نشر الإنجيل (في3: 4)،
والذي تعرف على الكثيرين من الرسل وتعلم منهم، يقول عنه القديس إيريناؤس أسقف ليون
(120 -202م) ” أسس الرسل الطوباويون الكنيسة (كنيسة روما) وبنوها وسلموا
الأسقفية للينوس … ثم خلفه اناكليتوس، وبعده الثالث من الرسل صارت الأسقفية
لأكليمندس. هذا الرجل رأى الرسل الطوباويين وتحدث معهم وكانت كرازتهم لا تزال
تدوي في أذنيه وتقاليدهم ماثلة أمام عينيه
. ولم يكن هو وحده في هذا لأنه كان
يوجد الكثيرون الباقون من الذين تسلموا التعليم من الرسل “(4). كما قال عنه
العلامة أوريجانوس (185 -230 -254) ” أكليمندس الذي رأى الرسل حقاً
“(5). عن لاهوت المسيح بنفس أسلوب وطريقة القديس بولس:

أن المسيح
أخفى عظمته الإلهية وجاء متضعا ” أن صولجان جلال الله، الرب يسوع المسيح،
لم يأت متسربلا بجلال عظمته
– كما كان في استطاعته – بل جاء متواضعا كما تنبأ
عنه الروح القدس ” (ف 16).

وينقل نفس
ما جاء في بداية الرسالة إلى العبرانيين ” الذي هو بهاء مجده، صار أعظم من
الملائكة
بمقدار ما ورث أفضل منهم. فقد كتب ” الصانع ملائكته أرواحا
وخدامه لهيب نار. ويقول الرب عن ابنه ” أنت ابني أنا اليوم ولدتك
ويقول له أيضا ” اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت قدميك ”
(ف36).

كما يشير
إلى ملكوته السماوي فيقول ” كل الأجيال من آدم إلى يومنا هذا قد عبرت، أما
المتكلمون في الحب بالنعمة الإلهية فيجلسون في مجالس القديسين ويظهرون عند إعلان
ملكوت المسيح
” (ف50).

وأشار إلى
عقيدة الثالوث، الآب والابن والروح القدس بأسلوب الرسل دون أن يقصد أي شرح، لأن
هذا الموضوع لم يكن قد أثير بعد، فيقول ” أليس لنا إله واحد، ومسيح واحد،
وروح نعمة واحد
سُكب علينا ” (ف46)، ” حيّ هو الله، حيّ
هو يسوع
المسيح ربنا، وحيّ هو الروح القدس ” (ف58).

ويصف
المسيح بابن الله الحبيب والوحيد ” ابنه الحبيب يسوع المسيح … بيسوع المسيح
ابنك الوحيد … أنك أنت هو الله ويسوع المسيح هو ابنك “(ف59).

ويختم
رسالته بنفس أسلوب الرسل ” نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم ومع جميع
الذين دعاهم لله في كل موضع بالمسيح الذي له ومعه المجد والكرامة والسلطان
والعظمة والعرش الأبدي
من جبل إلى جيل، آمين “.

 

(4)
ويشرح القديس أغناطيوس (35 – 107م)، الذي كان أسقفاً لإنطاكية وتلميذاً للقديس
بطرس الرسول، وقال عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري ” أغناطيوس الذي اختير
أسقفاً خلفاً لبطرس، والذي لا تزال شهرته ذائعة بين الكثيرين “(6)، إيمان
الكنيسة في عصره، فيوضح كيف أن الرب يسوع المسيح هو الله ولكنه، ظهر في الجسد،
تجسد وصار إنسانا حقيقيا، هو الإله المتجسد ” أنه المسيح المصلوب هو الإله
المتجسد “:

فيقول في
مقدمة رسالته إلى الرومان ” تحية لا شائبة فيها في يسوع المسيح إلهنا
“. ويقول في نفس الرسالة أيضا ” وإلهنا يسوع المسيح عاد إلى حضن
أبيه وبذلك صار يتجلى لنا بمزيد من الوضوح ” (ف 30: 3). ويقول في رسالته إلى
أفسس ” أنه حال فينا ونحن هياكله وهو إلهنا الساكن فينا ” (أفسس
15: 3).

وفي رسالته
إلى روما ” وإلهنا كلنا يسوع المسيح ” (روما53: 3)، وفي رسالته
إلى سميرنا ” المسيح إلهنا ” (سميرنا 1: 107). ويختم رسالته إلى
بوليكاربوس بقوله ” وداعا في إلهنا يسوع المسيح ” (بوليكاربوس1:
1).

ويقول أيضا
أنه الله الذي تجسد وصار إنسانا: ” لقد صار الله إنسانا لتجديد الحياة
الأبدية ” (أفسس3: 19). ووصفه بالإله المتجسد فيقول ” لأن إلهنا يسوع
المسيح
قد حبلت به مريم حسب تدبير الله ” (أفسس2: 18). كما يصف الدم الذي
سفكه المسيح بأنه دم الله فيقول ” وقد أكملت عمل الأخوة حتى النهاية بدم
الله
” (أفسس1: 1). وأن آلامه هي الآم الله ” دعوني أفتدي بآلام
إلهي
” (روما 6: 3).

ويؤكد على
حقيقة تجسده وكمال ناسوته فيقول: ” أشكر يسوع المسيح الإله … الذي
ولد حقا من نسل داود حسب الجسد ” (ازمير1).


ويؤكد
على حقيقة كونه إلهاً وإنساناً في آن واحد ” يوجد طبيب واحد هو في الوقت نفسه
جسد وروح (إنسان وإله)، مولود وغير مولود، الله صار جسدا، حياة حقيقية في
الموت، من مريم ومن الله، في البدء كان قابلا للألم وأصبح الآن غير قابل
للألم، هو يسوع المسيح ربنا ” (أفسس8: 2)، وأيضا ” إيمان واحد بيسوع
المسيح الذي من نسل داود حسب الجسد ؛ ابن الإنسان وابن الله
(أفسس20: 2)، وأيضا ” يسوع المسيح الكائن قبل الدهور مع الآب وقد ظهر في
ملء الزمان
” (مغنيسيا 6: 1). وأيضا ” وليكن نظرك على من لا يتغير
أي ذاك الذي يعلو الزمان ولا يرى وقد صار مرئيا لأجلنا، لا يلمس ولا يتألم ولكنه
قد صار ملموسا ومتألما وأحتمل كل شيء لأجلنا ” (بوليكاربوس 3: 2).

 وهكذا
قدم لنا يسوع المسيح في لاهوته وناسوته، كالإله المتجسد، بصورة دقيقة ومتطابقة مع
الكتاب المقدس تماما. وكان في أقواله هذه الرد الكافي والحاسم على كل من
الأبيونيين والغنوسيين.

(5)
ويقول القديس بوليكاربوس أسقف أزمير (65- 155م)، والذي كان تلميذاً للقديس يوحنا
الرسول وبعض الرسل الذين أقاموه أسقفاً على أزمير بآسيا الصغرى، كما يقول إيريناؤس
أسقف ليون والمؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري(7) والقديس جيروم(8)، والذي استلم
التقليد الرسولي من الرسل. في رسالته القصيرة التي كتبها (فيما بين 108 – 110م)،
” من لا يعترف بأن يسوع قد جاء في الجسد فهو ضد المسيح ” (ف 7:
7). وهذا نفس ما قاله القديس يوحنا والذي رد به، بالروح، على الأبيونية والغنوسية
معا.

 وكان
هذا هو نفس إيمان رسل المسيح وتلاميذه والذي كان معروفا عنهم في القرن الأول
الميلادي سواء من الوثنيين أو اليهود. فقد كتب بليني في رسالة له للإمبراطور
تراجان ” أن المسيحيين يعبدون المسيح كالله أو ابن الله “(9).

 وأيضا
” عادة يجتمع المسيحيون قبيل الفجر في يوم محدد لإكرام المسيح إلههم
بالترانيم “(10).

 

(6)
يوستينوس الشهيد (100 إلى 165م): عاش يوستينوس الشهيد في بداية القرن الثاني، وكرس
حياته للدفاع عن المسيحية وكان أول المدافعين عنها، وقد بقى لنا من كتاباته دفاعان
عن المسيحية وجههما للإمبراطور الروماني أنطونيوس بيوس (138 – 161م) والسانتوس
الروماني(11)، وحوار مع الفيلسوف اليهودي فيلو والذي شرح فيه التسليم الرسولي،
المسلم من رسل المسيح للكنيسة، فيقول ” لأنه كما آمن إبراهيم بصوت الله وحسب
له ذلك برا، ونحن بنفس الطريقة آمنا بصوت الله الذي تحدث لنا بواسطة رسل المسيح
وأعلن لنا بواسطة الأنبياء حتى الموت لأن إيماننا تبرأ بكل ما في العالم “
(12)،
ويقول عنه الدارسون أنه يصف تكرارا التقليد كما تسلمه عن المسيح(13).

 وقد
تكلم عن المسيح باعتباره كلمة الله الذي كان موجودا قبل كل خليقة وهو نفسه الله
الذي ظهر للآباء البطاركة في العهد القديم وكلمهم باعتباره إله إبراهيم واسحق
ويعقوب، وأنه ابن الله الوحيد الذي من ذات الله وغير المنفصل عنه مثلما لا ينفصل
نور الشمس عن الشمس، والذي صار إنسانا بولادته من عذراء وتألم في عهد بيلاطس
البنطي لأجل خلاصنا. ومن أقواله، على سبيل المثال:


مكتوب في مذكرات رسله (أي الأناجيل) أنه ابن الله، ولأننا ندعوه الابن، فقد
أدركنا أنه ولد من الآب قبل كل الخلائق بقوته وإرادته … وصار إنسانا من العذراء

لكي يدمر العصيان الذي نتج بسبب الحية “(14).


تعلمنا أن الخبز والخمر كانا جسد ودم يسوع الذي صار جسداً “(15).


يسوع المسيح هو الابن الوحيد المولود من الله لكونه كلمته (
Logos – λογος) وبكره وصار جسدا بحسب إرادته “(16).


نعبد ونحب الكلمة (
Logos – λογος) الذي من الله غير المولود وغير المنطوق به، فقد صار بشراً لأجلنا
“(17).


الكلمة (
 Logos – λογος) ذاته الذي اتخذ شكلاً وصار بشراً ودعي يسوع المسيح “(18).

” قال
يسوع وليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا الآب إلا الابن، ومن أراد الابن يعلن له،
لأن اليهود لم يعرفوا من هو الآب ولا من هو الابن … والآن نقول، كما قلنا سابقا،
كلمة الله هو ابنه “(19).

 وفي
حواره الطويل مع تريفو الفيلسوف اليهودي يؤكد له أن الله والرب الذي ظهر للآباء
البطاركة هو ابن الله نفسه، الرب يسوع المسيح، فيقول ” تبين الأسماء المختلفة
للمسيح، بحسب الطبيعتين أنه، هو الله الذي ظهر للآباء، وقد دعي مرة بملاك
المشورة العظيم (ملا 1: 3)، ودعي إنساناً في حزقيال، ومثل ابن إنسان في دانيال،
وولد في اشعياء، ودعاه داود مسيح وإله ومعبودهو الله ابن الله
الغير مولود وغير المنطوق به، لأن موسى يقول الآتي في مكان ما في الخروج ” تكلم
الرب لموسى وقال له أنا الرب، أنا ظهرت لإبراهيم وأسحق ويعقوب بأني إلههم وأما
اسمي فلم اكشف لهم، وقطعت عهدي معهم ” (خر3: 6). ويقول أيضا أن إنساناً صارع
مع يعقوب، ويؤكد أنه الله، رؤيا الله، فقد قال يعقوب ” نظرت الله وجها لوجه
ونجيت نفسي ” (تك24: 32-30)، ومكتوب أنه دعا اسم المكان الذي صارعه فيه وظهر
له وباركه فيه وجه الله ” فنيئيل ” … ودعي بالكلمة لأنه
يحمل الأخبار من الآب للبشر ولكنه غير منقسم أو منفصل عن الآب أبدا كما يقال أن
نور الشمس الذي على الأرض غير منقسم وغير منفصل عن الشمس في السماء … أنه مولود من
الآب بقوته وإرادته ولكن دون انفصال
“(20).

وقال عن
ناسوته ” دعا يسوع نفسه ابن الإنسان أما بسبب ولادته من خلال عذراء أو لأنه
جاء من نسل داود والبطاركة “(21).

 

(7)
إيريناؤس (120-202م) أسقف ليون:

 كان
إيريناؤس أسقف ليون بفرنسا حاليا أحد الذين تتلمذوا على أيدي تلاميذ الرسل، خاصة
القديس بوليكاربوس، كما أكد هو نفسه، كما بينا أعلاه، وخلفائهم، ويضيف القديس
جيروم ” من المؤكد أنه كان تلميذا لبوليكاربوس “(22). وكان حلقة وصل بين
الآباء الرسوليين تلاميذ الرسل ومن جاءوا بعده. وقد كتب مجموعة من الكتب ” ضد
الهراطقة ” دافع فيها عن المسيحية وأسفارها المقدسة ورد على هرطقة الغنوسيين
وهرطقة الأبيونيين وشرح الإيمان المسيحي في عصره كما تسلمه من تلاميذ الرسل ”
الإيمان المسلم مرة للقديسين ” (يه3). وأكد من خلال آيات الكتاب المقدس أن
الرب يسوع المسيح هو ابن الله الوحيد، الله الابن، وكلمته وحكمته وقوته، الموجود
مع الآب، في ذات الآب، بلا بداية، الذي خلق به كل شيء في الكون. كما أكد على حقيقة
تجسده، اتخاذه جسدا، وكان من أوائل آباء الكنيسة الذين استخدموا تعبير ”
التجسد –
sarkosis، σαρκσις أو ensarkosis، ενσαρκοσς“، أي اتخذ جسدا من تعبير القديس يوحنا ” والكلمة صار
جسدا –
και ό λογος
σαρκς εγενετο
– kai ho logos sarx egeneto “(23). وأن المسيح بتجسده اتخذ الطبيعة الإنسانية
الكاملة: ” فهذا ما صار إليه كلمة الله متخذا لنفسه صنعة يديه وعلى هذا
الأساس أعترف بنفسه كابن الإنسان
“(24). وفيما يلي بعض من أقوله:

تسلمت
الكنيسة … من الرسل ومن تلاميذهم هذا الإيمان
[ فهي تؤمن ] بإله واحد الآب
القدير خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، وبيسوع المسيح الواحد، ابن الله
الذي تجسد لأجل خلاصنا
“(25).

صار
الله إنسانا
والرب نفسه خلصنا معطيا لنا علامة العذراء “(26).

كلمة
الله ربنا يسوع المسيح الذي صار إنسانا
بين البشر في الأيام الأخيرة ليوحد
النهاية في البداية، أي الله بالإنسان “(27).

 لأجل
خلاصنا،

يسوع المسيح ربنا “(28).

” كان
الكلمة موجودا في البدء مع الله، وبه خلق كل شيء وكان دائما موجودا مع الجنس
البشري، وحديثا جدا، في لحظة معينة من الآب، اتحد مع صنعة يديه وبه صار
إنسانا خاضعا للألم “(29).

 وقد
شرح القديس إيريناؤس التجسد ووحدة شخص المسيح الواحد، من خلال حديثه عن حلول الروح
القدس على العذراء وولادة عمانوئيل الذي هو الله معنا منها، في مجمل رده على
الغنوسيين ” ولد ابن الله من عذراء، وهو نفسه المسيح المخلص الذي تنبأ عنه
الأنبياء، ليس كما يقول هؤلاء الناس (أي الغنوسيين) أن يسوع هو الذي ولد من مريم
ولكن المسيح هو الذي نزل من فوق “. ثم يقول أن متى لم يقل ” أما ولادة
يسوع فكانت هكذا ” (مت18: 1) إنما قال ” أما ولادة يسوع المسيح فكانت
هكذا “، ” وهو عمانوئيل لئلا نتخيل أنه مجرد إنسان: لأنه ليس من
مشيئة جسد ولا من مشيئة إنسان، بل بإرادة الله صار الكلمة جسدا. ويجب أن لا نتخيل
أن يسوع واحد والمسيح آخر، ولكن يجب أن نعرف أنهما نفس الواحد
“(30).

كما رد على
الأبيونيين قائلا ” وباطل أيضا الأبيونيين الذين لم يقبلوا الإيمان لنفوسهم
في اتحاد الله والإنسان … ولم يريدوا أن يفهموا أن الروح القدس حل على
العذراء وأن قوة العلي ظللتها، ولذا فالذي ولد هو قدوس وابن الله العلي أبو الكل، ونتج
التجسد
“(31).

ومثل
أغناطيوس الإنطاكي الذي شرح كيفية قبول المسيح للحدود البشرية ” من لا
يتغير، أي ذاك الذي يعلو الزمان والمكان ولا يرى ولكن صار مرئيا لأجلنا، لا يلمس
ولا يتألم ولكنه صار ملموسا ومتألما وأحتمل كل شيء لأجلنا
“، فقال أن
الرب يسوع المسيح من أجلنا قبل الحدود الجسدية والإنسانية، الذي كان غير مرئي صار
مرئيا، غير المتألم صار متألما لأجلنا، غير المدرك صار مدركا، لأجلنا(32).

 وهكذا
يتضح لنا بكل جلاء وبوضوح تام أن الكنيسة الأولى كانت تؤمن بلاهوت المسيح، منذ
فجرها الباكر، وليس كما يزعم نقاد المسيح بلا برهان أو دليل.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى