بدع وهرطقات

معموديّة الأطفال



معموديّة الأطفال

معموديّة
الأطفال

يرفض
المعمدانيّون “معموديّة الأطفال” رفضاً كلّيّاً، ولا يعتبرونها معموديّة
حقيقيّة، أو نظاميّة. وهذا “خلفيّته اللاهوتيّة والأدبيّة”، عندهم، أنّ
“الله لم يأمر بها في كلمته”، وأنّ الأطفال، تالياً، “لا يمكنهم أن
يؤمنوا، أو يردّدوا، بأنفسهم، قانون الإيمان” (هيرشل هوبس، عقيدة
المعمدانيّين ورسالتهم، صفحة 173؛ روبرت أ. بايكر، سير المعمدانيّين في التاريخ،
صفحة 13 و26؛ فنلي م. جراهم، اللاهوت النظاميّ، صفحة 296- 299؛ الكلمة، العدد
الثامن، تشرين الثاني 2000، صفحة 9).

 

هذه
المقدّمة تختصر موقفاً غريباً ضمّنه المعمدانيّون عبارات شنيعة وإدانات مجحفة.
ومنها وصفهم معموديّة الأطفال بأنّها “ضلالة” (ج. م. كارول، تاريخ
الكنائس المعمدانيّة، صفحة 34). وأن “ليس بين اختراعات الوثنيّة والوهم
انحراف أكثر ضرراً وتجديفاً منها” (بايكر، م.ن.، صفحة 26). وأيضاً “أمّا
كنيسة اليوم فمدخلها جرن معموديّة الأطفال، يدخلها الناس عنوة ووراثة، دون أن
يذوقوا طعم التوبة والموت، وتالياً دون أن يعرفوا معنى القيامة” (الموقف
الكتابيّ، العدد 5).

 

سنهمل
الشناعة والإدانة، ونحاول، بهدوء، أن نبيّن الحقّ الذي كشفه الله. وهذا يفترض أن
نردّ على النقطتين الرئيستين لرفض المعمدانيّين معموديّة الأطفال. وأعني أن نبيّن،
أوّلاً، صحّة ما تقوله كلمة الله في هذا الشأن، وأن نجيب، تالياً، عن سؤال تفترضه
حجّتهم الثانيّة، وهو: هل من ضرورة واجبة تحتّم على الطفل الحديث الولادة أن يؤمن؟

 

في
النقطة الأولى، يعرف المعمدانيّون أنّ علماء كثيرين بيّنوا أنّ معموديّة الأطفال
لها ما يؤكّدها في تعليم الكتب، وأنّ عدم إجرائها هو الذي يحتاج إلى إثبات كتابيّ.
وهذا سنده أنّ الرسل الأوّلين آمنوا بأنّ “الوعد” هو للبالغين ولأولادهم
(أعمال 2: 39)، وأنّهم هم أنفسهم عمّدوا بعض العائلات (أعمال 16: 15- 33، 18: 8؛
1كورنثوس 1: 16). وإذا افترض المعمدانيّون أنّ هذه العائلات لم تكن تضمّ أطفالاً
صغاراً، فنرى أنّه افتراض مسقط لا تدعمه إلاّ ظنونهم. ولكن، إذا أرادوا ألاّ
يخالفوا المنطق، فيمكنهم أن يقفوا موقفاً حياديّاً، أي ألاّ ينفوا وجود أطفال ضمن هذه
العائلات، وألاّ يؤكّدوه. والحقّ يتطلّب أن نرى، مع الكثيرين، أنّ ما قاله الربّ:
“دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت السموات”
(متّى 19: 14)، وما قاله رسوله: “وأمّا (أولادكم) الآن فهم مقدّسون”
(1كورنثوس 7: 14)، يتعلّقان بمعموديّة الأطفال المبكرة. والمعمدانيّون يعرفون،
تالياً، أنّ وصيّة الربّ لتلاميذه: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم،
وعمّدوهم…” (متّى 28: 19)، لا يمكن تحقيقها تحقيقاً كاملاً إن أهمل
التلاميذ ما هو موجود في بيئتهم وشرائعها وقوانينها. ولا بدّ من أنّهم استلهموا تراثهم
الذي رسم أنّ العضويّة في شعب الله لا ينالها الذكور المولودون من أبوين يهوديّين
من دون أن يختنوا في اليوم الثامن لولادتهم (تكوين 17: 12؛ لاويين 12: 3). وهذا
يعني أنّ ثمّة وحدة بين الوالد والمولود في ظلّ العهد. وإن كان هذا ينطبق على
الختان، فإنّه، بالأولى، ينطبق على المعموديّة (كولوسي 2: 11- 12).

 

أمّا
في فحوى النقطة الثانية، فلا يخفى أنّ ما يفترضه المعمدانيّون لا يرد في أيّ موضع
من أسفار العهد الجديد جملةً. هم استخلصوا أنّ الله يطلب من البالغين أن يؤمنوا
ويتوبوا، قبل معموديّتهم، وأسقطوا الطلب على الأطفال. ولا بدّ من القول، في سياق
الردّ، إنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة لا تقيم المعموديّة للطفل خوفاً من أن يهلك قبل
أن يعتمد. أساس هذه المعموديّة أنّها طلب الله الذي خلّص العالم من دون أن يطلب
شيئاً من أحد. وإذا أقمناها، فلا نفرض الإيمان فرضاً، ولا نهدر المقدّسات. الله
المخلّص هو الذي قرّر. ونحن نطيعه. وما العرّاب إلاّ دليل على أنّ المعموديّة
تفترض أن يحيا المعمّد في إطار مستقيم. فإيمان العرّاب ليس بدلاً من إيمان الطفل
المرجوّ. وإذا رتّبت الكنيسة أن يتلو العرّاب، في خدمة معموديّة طفل، قانون
الإيمان، فهي لا تريد، بهذا، بدلاً. إيمان العرّاب ضرورة تفترضها الحياة المشتركة
التي تطلبها الكنيسة من المعمّدين جميعاً. ولا يجهل فاهم أنّ الإنسان يولد (أليست
المعمودية ولادة جديدة؟) ومن ثمّ يكبر، ويفهم، ويتعلّم. ولا أحد يتعلم أصول
الإيمان ما لم يلقّنه عالم ورع. العرّاب تطلبه الكنيسة مؤمناً ملتزماً، حتّى يساعد
الطفل (مع ذويه) على أن يحبّ الله الذي أحبّه أوّلاً (أليست معموديّة الطفل
تعبيراً عن أنّ الله أحبّ العالم أوّلاً؟)، ويبقى مخلصاً لمعموديّته، ويتقدّم في
حياة البرّ، ويقدر على ردّ كلّ تعليم غريب يحاول روّاده أن يوهموه بأنّه صحيح.

 

ثمّ
يعنينا أن نردّ على ادّعاء المعمدانيّين أنّهم لا يجدون “إشارة إلى تعميد طفل
واحد حتّى السنة 370 ميلاديّة” (ج. م. كارول، م.ن.، صفحة 33 و40). ويكفي،
لمحبّي الحقيقة، أن نذكر أنّ القدّيس بوليكاربس (+155) ردّ على الوالي، الذي طلب
منه أن يشتم المسيح ليطلق حرّيّته، بقوله: “ستّ وثمانون سنة وأنا أخدم
المسيح، فلم يسئ إليّ بشيء، فلماذا أشتم إلهي ومخلّصي؟” (استشهاد القدّيس
بوليكربوس 9: 2). ولا يمكن أن يعني هذا القول إلاّ أنّه قد تعمّد طفلاً. وأكّد
القدّيس إيرناوس أسقف ليون (القرن الثاني): “أنّ يسوع جاء ليخلّص، بنفسه،
الناس جميعاً. أقول جميعاً، أي الذين به يولدون لله من جديد (في المعموديّة)،
رضّعاً وأطفالاً وصبياناً وشبّاناً ورجالاً بالغين” (ضدّ الهرطقات 2-22-4؛
وأيضاً: 3-17-1). وفي مجموعته الطقسيّة الثمينة، كتب كاهن رومية هيبوليتس (+235):
“عند صياح الديك، يقترب طالبو العماد من المياه التي يجب أن تكون مياهاً
جارية ونقيّة. ثمّ يخلعون ملابسهم. ويعمّد الأطفال أوّلاً. وإذا استطاع هؤلاء أن
يجيبوا عن أنفسهم، فليكن، وإلاّ فليجب عنهم ذووهم، أو أحد أفراد أُسرتهم”
(التقليد الرسوليّ: 21). أمّا القدّيس قبريانوس القرطاجيّ (+285)، فقال: “إذا
كان المسنّون الذين سقطوا في خطايا كبيرة، وإذا كان الذين أخطأوا كثيراً تجاه الله
وعادوا فآمنوا، تمنح لهم مغرفة الخطايا، ولا يحرم أحدٌ المعموديّةَ والنعمة، فكيف
يمكن أن نمنع المعموديّة عن طفل حديث الولادة لم يخطئ (…). لذلك، أيّها الأخ العزيز،
كان رأينا، في المجمع، أنّه يجب ألاّ نمنع أحداً من المعموديّة ونعمة الله الرحيم
والمحبّ للجميع” (الرسالة إلى فيدوس 50: 5 و6). وهذا بعض ما يبيّن خطأ
ادّعائهم.

 

ليست
معموديّة الأطفال من “اختراعات الوثنيّة”، أو تدخل الناس، في الكنيسة،
“عنوة ووراثة”، ولا هي “ضلالة”. هذا رأي المعمدانيّين الذين
يؤسفنا رفضهم أن ينال “أولادهم الوعد”! معموديّة الأطفال هي التعبير
الصريح عن أنّ محبّة الله لا تميّز بين وجه ووجه، أو بين صغير وكبير. وهي البرهان
الساطع عن أنّ البالغين لا يقفون حائلاً دون نوال الصغار الخلاص الذي وهبه الله للعالم
مجّاناً.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى