بدع وهرطقات

رفضهم للعقيدة القويمة



رفضهم للعقيدة القويمة

رفضهم
للعقيدة القويمة

يعترف
المعمدانيّون بأنّهم “لا يتّفقون” بعضهم مع بعض “في أدقّ
التفاصيل”، وأنّه ليس عندهم “عقيدة معمدانيّة”، أو “معتقد
معمدانيّ تاريخيّ”، أو “قانون إيمانيّ مكتوب”. “فتعابير من
هذا النوع توحي (إليهم) بوجود قانون إيمان صارم”، وهو “الأمر الذي
تجنّبه المعمدانيّون دائماً” (هيرشل هوبس، عقيدة المعمدانيّين ورسالتهم، صفحة
18 و75؛ فنلي م. جراهم، اللاهوت النظاميّ، صفحة 4؛ روبرت أ. بايكر، سير
المعمدانيّين في التاريخ، صفحة 49).

 

لا
يعني هذا أنّ المعمدانيّين يرفضون جميع قوانين الإيمان التي سنّت في التاريخ. فهم
يقرّون ببعضها، ومنه مثلاً: قانون الإيمان النيقاويّ، وقانون الإيمان الخليقدونيّ
(فنلي م. جراهم، م.ن.، صفحة 4، الموقف الكتابيّ، العدد 14). ويقرّون أيضاً ببيان
وسمنستر، 1648، وهو “موجز للعقيدة التي تعتنقها الكنيسة المشيخيّة، وهو،
بصورة خاصّة، مهمّ بالنسبة إلى المعمدانيّين، لأنّهم قد بنوا الكثير من عقيدتهم
عليه”. والمعروف أنّهم سنّوا، بأنفسهم، بيانات إيمان تخصّهم، ولو أنّهم
يعتنقونها، إجمالاً، ولا يقبلونها جميعاً. “ومن جملة بيانات الإيمان
المعمدانيّة: 1) بيان شليثم لسنة 1527، وهذه هي بنود الأنابابتست السويسريّين؛ 2)
بيان لندن الأوّل لسنة 1634؛ 3) بيان لندن الثاني لسنة 1677، يبيّن هذا البيان
تأثير بيان وسمنستر، لسنة 1648، المباشر؛ 4) بيان فيلدلفيا الذي هو بيان لندن
الثاني مع إضافة بندين في السنة 1743؛ 5) بيان نيوها مبشير، السنة 1833، الذي
يعتبر، بعامّة، ممثّلاً لمعتقدات المعمدانيّين” (فنلي م. جراهم، م.ن.، صفحة 4
و5). ويبقى أنّ ثمّة فرقاً أساسيّاً، برأيهم، “ما بين قانون وبيان
الإيمان”. “فالقانون تقرير يتميّز بالسلطة، ويجب قبوله. بينما بيان
الإيمان هو تقرير للمعتقدات العامّة المعتنقة دون سلطة أو انصياع له” (م.ن.،
صفحة 4؛ أنظر أيضاً هيرشل هوبس، م.ن.، صفحة 20).

مقالات ذات صلة

 

لن
نستعرض، في هذه السطور، أفكار بيانات إيمان المعمدانيّين المذكورة، ومدى تطابقها
مع التعليم القويم، أو عدمه. ولكنّنا سنحصر أنفسنا بالردّ على رفضهم العقيدة
القويمة التي سنّتها المجامع المقدّسة.

 

من
يقرأ كتابات المعمدانيّين لا يشكّ في أنّهم يقفون صفّاً واحداً، في كثير من
تعاليمهم، مع الذين دحضتهم الكنيسة في غير عصر. وهذا يثبته قولهم: “واجهت
المسيحيّة في القرون الأولى معضلات كثيرة في التعليم والإدارة. فعقدت مجامع عامّة
لبحثها وللبتّ، بواسطة الأصوات – رأي الأكثريّة – في أيّ هي الفئة ذات الرأي
الصحيح. ولكنّ التاريخ يبيّن عدم إصابة الكثير من المجامع في تقاريرها، وأنّ
الهرطقة حسبت مراراً الرأي المستقيم” (روبرت أ. بايكر، سير المعمدانيّين في
التاريخ، صفحة 24). وهذا، باختصار، يناقض الحقّ وبرّه الممدود في بركات التاريخ.
وحجّتهم، التي لا تخفى، يبيّنها قولهم إنّ العقيدة “حرّة من القوالب البشريّة
والأعراف الاجتماعيّة والتقاليد (أو التقليد الحيّ الذي هو مشكلتهم الكبرى)
والطقوس الدينيّة” (الموقف الكتابيّ، العدد 14). وما يوحي به هذا القول أنّ
الكنيسة، بسنّها العقيدة المستقيمة، خرجت على كلمة الله الظاهر حقّه في الكتب
المقدّسة. وهذا استنتاج عقيم يدعمه افتراء ظاهر. فمن قال إنّ الكنيسة، بإقرارها
(أو شرحها) العقيدة القويمة، اخترعت تعليماً جديداً. فآباء الكنيسة، الذين ينتقدهم
المعمدانيّون بعنف، كانت قاعدة دفاعهم عن الحقّ كلمة الله عينها. هم، أي الآباء،
حاولوا أن يصدّوا التعاليم الكاذبة في كلّ جيل. وبغيتهم الثابتة توضيح التعليم
القويم الذي خالفه (ويخالفه) المبتدعون. ولا يشكّ من يقرأ أعمال المجامع
المسكونيّة في أنّ التعليم الصحيح لم تكن قاعدته “أصوات رأي الأكثريّة”،
بل “اتّفاق الآباء”. فآباء المجامع كانوا يحلّلون التعاليم المخالفة،
على ضوء كلمة الله المبيّن معناها في التراث الحيّ، ويحكمون جميعهم، وليس
أكثريّتهم، على كلّ مخالفة، ليوضحوا حقّ الله. وما يؤكّد استقامتهم وأمانتهم لكلمة
الله، هو أنّ كلّ تعليم كانوا يحدّدونه، أو يوضحونه معاً، كانت توافق عليه المجامع
اللاحقة، ويقبله شعب الله.

 

لا
نعلم كيف يقبل المعمدانيّون، مثلاً، بقانون الإيمان النيقاويّ، وهو يحتوي على
تعبير “المساوي في الجوهر” الذي لم يرد حرفيّاً في العهد الجديد،
ويرفضون، في الوقت عينه، التقليد، أو التراث الحيّ، ويعتبرون أنّ “الهرطقة
حسبت مراراً الرأي القويم”، ليسيئوا إلى المجامع التي لا يوافقهم تعليمها؟
هذا تناقض يحتاج إلى مراجعة منهم. وكلّ مراجعة تفترض الإقرار بأنّ ما سنّته كنيسة
الله، في مجامعها المقدّسة، ملزم للخلاص. فالعقائد، ومنها أنّ مريم “والدة الإله”
(المجمع المسكونيّ الثالث، أفسس، العام 431) التي من لا يعتقد بها يفصل نفسه عن
الألوهة (القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ، الرسالة 101)؛ وأنّها “الدائمة
البتوليّة” (المجمع المسكونيّ الخامس، القسطنطينيّة، العام 553)؛ وأنّ إكرام
الأيقونات وذخائر القدّيسين الذي هو إكرام للربّ الذي لبس جسدنا، وقهر بموته الموت
(المجمع المسكونيّ السابع، نيقية، العام 787)، وغيرها، لا يصحّ إيمان، أو يستقيم
التزام، ما لم يتبنّاها تبنّياً كلّيّاً، ويحيا بموجبها. فالحياة القويمة أساسها
العقيدة القويمة التي سلّمت إلى القدّيسين تامّة (يهوذا 3).

 

كثيراً
من المنطق الحكيم يفترض تعليم العقيدة المسيحيّة وموافقة حقّها. وهذا لا يقبل أن
تقوم جماعة بعض أعضائها يوافق على هذا الأمر، وبعضهم الآخر لا يوافق. فهذا لا يليق
بالربّ وكلمته الحيّة ودمه المبذول، ولا يليق، تالياً، بجحافل المخلِصين الذين
دافعوا عن الإيمان بتعاليمهم ودمائهم، لتبقى الشهادة ناصعة وقادرة على أن تجذب
العالم إلى برّ الالتزام الواحد.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى