اللاهوت المقارن

سر التوبة والاعتراف



سر التوبة والاعتراف

سر
التوبة والاعتراف

(33)
ما هو تعريف سر التوبة، وما هي أسماؤه، ومن الذي أسسه ومنحه؟

ج:
1 – تعريف سر التوبة والاعتراف:

 هو
سر مقدس به يرجع الخاطئ إلى الله ويتصالح معه تعالي، بإعترافه بخطاياه أما كاهن
الله ليحصل منه على حل بالسلطان المعطي من الرب يسوع، وبه ينال تجديده وغفران
خطاياه.

2
– أسماؤه: حلاً للخطايا – اعترافاً – مصالحة – ميناء ثانية بعد الغرق – معمودية
ثانية – تجديد الذهن.

3
– تاسيسه: موسسه هو الرب يسوع له المجد.

أ
– فقد وعد به:

أولاً:
عندما قال لبطرس ” واعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون
مربوطاً في السموات وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات ” (مت16: 19).

وثانياً:
عندما أعطي الكنيسة سلطان الحل والربط بقوله لتلاميذه ” وإن لم يسمع من
الكنيسة فليكن عندك كالوثنى والعشار. الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون
مربوطاً في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء ” (مت8: 17
و18).

ب
– وأسسه:

 بعد
قيامته عندما ظهر للتلاميذ وقال لهم ” سلام لكم. كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا.
ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن
أمسكتم خطاياه أمسكت ” (يو10: 21 – 23).

ج
– ثم منحه للرسل والكنيسة:

 وهذا
يتضح من كل النصوص الإلهية السابقة حيث أن الرب بكلامه عن هذا السر وتأسيسه منح في
نفس الوقت تلاميذه وخلفائهم سلطاناً أن يحلوا الخطايا ويربطوها، وأن يتركوها
ويمسكوها بقوة روح الله القدوس. وأن يعلنوا غفران الخطايا للبشر المؤمنين
المعترفين بخطاياهم والتائبين عنها.

 

(34)
ما هي شروط التوبة؟

ج:
شروط التوبة هي:

 1
– انسحاق القلب وندامته علي الخطايا السالفة.

 2
– عزم ثابت على إصلاح السيرة.

 3
– إيمان وطيد بالمسيح يسوع ورجاء في تحننه.

 4
– اعتراف شفوي بالخطايا والإقرار بها أمام الكاهن (الأب الروحى).

 

(35)
ما هو الاعتراف؟ وما هي أهميته والأدلة عليه؟

ج:
(1) سر التوبة والاعتراف:

عبارة
عن أمرين:

اولاً:
التوبة: بمعنى الندم والانسحاق وتدبير النية، وإصلاح السيرة، والعزم الثابت،
والإيمان الوطيد، والرجوع إلى النفس، ثم الرجوع إلى الله.

ثانياً:
الاعتراف:

أ
– والاعتراف في اللغة هو الإقرار بالشئ والتصريح به علناً.

ب
– وفي الإصطلاح الكنسي هو:

إقرار
الخاطئ بخطاياه أمام كاهن الله إقراراً مصحوباً بالندامة والتأسف والعزم الثابت
على ترك الخطايا وعدم الجوع إليها، لينال منه الحل بالسلطان المعطي له من الله..

ج
– فالاعتراف جزء من سر التوبة: التوبة أولاً.. ثم الإعتراف أمام الكاهن..

د
– ففي سر التوبة والاعتراف:

1
– يقدم المؤمن توبة صادقة.. فيها يرجع على نفسه.. ويرجع إلى مخلصة وفادية..

2
– ثم يأتى إلى الكاهن مقراً ومعترفاً بخطياه، عازماً على عدم العودة إليها مرة
أخرى..

3
– فينال بالحل غفران الخطايا.. وسلامة مع نفسه.. وسلامة مع الله.. وانعتاقه من
عقاب الخطية وينله الرجاء بالحياة الأبدية. ” أنظر في كل ذلك مثل الإبن الضال
” (لو15: 11 – 33)

(2)
وجوب الإعتراف أو الأدلة عليه:

أولاً:
من الطبيعة:

 فالإنسان
في كل أدوار الحياة يحتاج على من يواسيه في أموره، يشكو همه وأتعابه وما يضايق
نفسه إلى صديق أو حبيب له، طلباً لمشورة أو تنفيساً لكرب، أو تخفيضاً لألم، أو
مشاطرة له فيما يشعر به.

ثانياً:
من العهد القديم:

أ
– قال القديس غريغوريوس والقديس أغسطينوس:

أن
الله تعالي سأل الأول والمرأة الأولى قبل أن يحكم عليهما لما خالفا ناموسه، وذلك
ليقدم لهما سبباً للإقرار بذنبهما. فينالا الغفران باعترافهم الذليل الوضيع، وهكذا
قل عن سؤال الله لقايين “. أين هابيل أخوك ” فلو أنه اعترف بذنبه وتاب
واستغفر لنال الصفح من الله.

ب
– وفي شريعة موسى كان الاعتراف جزءاً ضرورياً من توبة الخاطئ حسب قول الرب:

1
– ” إذا أخطأ أحد.. يقر بما قد أخطا به ويأتى إلى الرب بذبيحة إثمه.. فيكم
عنده من خطيته “. (لا5: 1 – 6).

2
– “.. لكن إن أقراوا بذنوبهم.. أذكر ميثاقى مع باقى يعقوب ” (لا26: 39 –
45).

3
– “.. إذا عمل رجل أو امرأة شيئاً من جميع خطايا الأنسان وخان خيانة بالرب
فقد أذنبت تلك النفس. فلتقر بخطيتها التي عملت ” (عد5: 6 و7).

4
– ” وتأتى إلى الكاهن الذي يكون في تلك اليام وتقول له أعترف اليوم للرب غلهك
” (تث26: 3)

ج
– وقال يشوع ابن نون لعاخان بن كرمي:

 ”
اعترف للرب واخبرنى ” (يش7: 19).

د
– كما أعترف داود الملك أمم ناثان النبى:


قد أخطأت إلى الرب.. فقال ناثن لداود. الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك. لا تموت
” (2صم12: 13)

ه
– ولذلك قال سليمان الحكيم:


من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم ” (أم28: 23).

انظر
أيضاً:

(1مل8:
38، نح1: 6، 9: 2، أش38: 17، 59: 12، أر 14: 10، دا 0: 4 و20، أى 31: 23).

ثالثاً:
من التقليد اليهودي:

فإن
الخاطئ يلزمه أن يوضح في الاعتراف جميع اعماله، وكان الاعتراف عند بني إسرائيل يقرن
مع الذبيحة وصلاة الكاهن عن الخطية.

وقال
الربى ابن عزرا:


إن الاعتراف لازم وأنهم عندما يقدمون الذبيحة إذا لم يتوجعوا ويعترفوا إعترافاً
مبيناً الخطايا لا تكون للذبائح قوة وفائدة لهم “.

رابعاً:
من مناداة يوحنا المعمدان وبشارته بالتوبة، (فترة ما بين العهدين):

إذ
أنه لما جاء يوحنا المعمدان منادياً بالتوبة والإستعداد لإقتراب ملكوت الله، جاء
إليه كثيرون ” واعتمد منه في الأردن معترفين بخطاياهم ” (مت3: 5).

خامساً:
من العهد الجديد:

أ
– (أع19: 18) ” وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقربين ومخبرين بأفعالهم
“.

ب
– (يع5: 14 – 16) ” اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات وصلوا بعضكم لأجل بعض لكي
تشفوا.

ج
– (1يو1: 8 – 10)” إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا
ويطهرنا من كل إثم “.

سادساً:
من التقليد الكنسي:

أ
شهادة أباء الكنيسة أمثال: القديس ديوناسيوس الأريوباغى، والقديس إكليمنضوس
الرومانى، والعلامة ترتليانوس، وو العلامة أوريجانوس، والقديس أثناسيوس الرسولي،
والقديس كيرلس الأورشليمى.. الذين شهدوا شهادة حقة بأن الاعتراف كان جارياً في
أيامهم، وكان قاعدتة من قواعد إيمان الكنيسة.

ب
– شهادة الكتب الطقسية: الخاصة بالنظم والترتيبات الكنسية كما أباء الكنيسة بإرشاد
الروح القدس وإستناداً علي الأقوال الإلهية.

سابعاً:
شهادة التاريخ الكنسي:

أ
فإن التاريخ الكنسي يشهد بإن الاعتراف كان جارياً علي وجهين:

أحدهما
علني، والآخر سري

وعلي
كلا الوجهين كان غفران الخطايا يعطي من الكهنة وحدهم الذين لهم السلطان من الله
والحق في التصريح به. ومع الزمن تنازلت الكنيسة عن الاعتراف العلني رفقاً بأبنائها
وحصرته في الاعتراف السري (أنظر اعترافات أوغسطينوس).

ب
– وقد شهد يوسابيوس المؤرخ الكنسي للاعتراف.

ج
– وأثبت ذلك المؤرخ البروتستانتى في تاريخه (ل1 قرن 1 قسم 2 فصل 4).

ثامناً:
شهادة الاتفاق العام:

الكنائس
التقليدية شرقاً وغرباً فضلاً عن إفتراقها واختلافها في أمور كثيرة تتفق على صحة
هذا التعليم.(الاعتراف والإقرار بالخطايا مع التوبة والندم أمام الكاهن) وأنه
تسليم رسولي وتعليم إلهي وتقليد أبائي.

تاسعاً:
شهادة الذين أنكروه علينا،” وفي نفس الوقت الذين استحسنوه:

أ
– قال لوثيروس في كتابة (سبي بابل):


إن الاعتراف السري يعجبنى كثيراً وهو نافع لبل لازم “.

ب
– وقال كلفن في كتابه (الرسومات ك3 رأس 2).


من كان ضميرة معرقلاً في شئ جني من الاعتراف احسن ثمرة ”

ج
– وفي قانون الإيمان الذي سنة البروتستانت في أغوسطا قالوا:


إن الاعتراف في الكنائس لم يبطل عندنا ”

د
– وجاء في كتاب الصلوات العامة في الكنيسة الأسقفية عارضة:


إن كان أحد غير قادر أن يطمئن بأله بهذه الوسيلة فليأت إلى أحد خدام كلمة الله..
ثم يفحصة القس هل تاب حقاً عن خطاياه.. وهنا يحث المريض علي الإقرار بخطاياه
إقراراً خصوصياً إن لم يكن شعر بأن ضميره قلق لأمر باهظ وبعد الإقرار يحله القس
علي هذا الوجه.. ” (ص279).

ه
– وجاء في كتاب (نظام التعليم في علم اللاهوت القويم الجزء الأول ص 117)


إن الكنائس الوثرية والأسقفية تستحسن الاعتراف السري للراعى في بعض الأحوال “.

و
– هذا وإن بعض الطوائف البروتستانتية يمارسون الاعتراف العلنى في أجتماعتهم العامة.

 

(36)
ما هي الخطايا التي يشملها سر التوبة والاعتراف؟ وما هى الخطايا التي لا تغفر؟

ج:

1
– ليست خطية بلا مغفرة إلا التى بلا توبة:

أ
– فلا توجد خطية مهما كانت ثقلية ألا وهي قابلة للغفران والمسامحة، متى تقدمتها
توبة صحيحة واعتراف بندامة وإيمان تام بالمسيح ورجاء باستحقاقه:

 (مت9:
13، 18: 11، أ8: 22، 2كو2: 6 – 8).

ب
– ” وهو لا يشاء ان يهلك أناس بل أن يقبل الجميع على التوبة ” (2بط3: 9).

ج
– وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الأب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا ويطهرنا
من كل إثم ” (1يو1: 7 – 9)

2
– التجديف علي الروح القدس وعدم الغفران:

أ
– ” وأما التجديف علي الروح القدس فلن يغفر للناس.. وأما من قال على الروح
القدس فلن يغفر له لا في هذا العلم ولا في الآتى ” (مت12: 31 و32). (من أقوال
السيد المسيح له المجد).

ب
– والمراد من التجديف علي الروح القدس المقاومة لحقيقة الله الظاهرة والسقوط في
الكفر التام، ونسبة معجزات المسيح إلى الشيطان.

ج
– وفي إيضاح ذلك قال قداسة البابا شنودة الثالث في الإجابة عن السؤال رقم 13 من
كتاب سنوات مع أسئلة الناس – الجزء الأول ما نصه (بتصرف):

1
– التجديف على الروح القدس، هو الرفض الكامل الدائم لكل عمل للروح القدس في القلب،
رفض يستمر مدى الحياة.

2
– لا توجد خطية بلا مغفرة، ألا التى بلا توبة (لو13: 5).

3
– ولا يستطيع احد أن يعمل عملاً روحياً، بدون شركة الروح القدس (2كو13: 14)

4
– والذى يرفض الروح إذن: لا يتوب، ولا يأتى بثمر روحي.

5
– ماذا إن رفض الإنسان كل عمل للروح؟ ثم عاد وقبل وتاب؟

نقول
إن توبته وقبوله للروح، ولو في آخر العمر، يدلان على أن روح الله مازال يعمل فيه
ويتفاده للتوبة.

إذن
لم يكن رفضه للروح رفضاً كاملاً دائماً مدى الحياة. فحالة كهذه ليست هي تجديفاً
على الروح القدس، حسب التعريف الذى ذكرناه.

6
– إن الوقوع في خطية لا تغفر، عبارة عن حرب من حروب الشيطان.

7
– الله مستعد دائماً أن يغفر، ولا يوجد شئ يمنع مغفرته مطلقاً.

ولكن
المهم أن يتوب الإنسان ليستحق المغفرة..

3
– ويقول القديس يوحنا الرسول:

 ”
إن رأى احد أخاه يخطئ خطية ليست للموت يطلب فيعطيه حياة للذين يخطئون ليس للموت.
توجد خطية للموت. ليس لأجل هذا أقول أن يطلب. كل إثم هو خطية. وتوجد خطية ليست
للموت “. (1يو5: 16 و17).

أ
– والمقصود بالخطية التى للموت: هو رفض الحياة الأبدية التى أتي بها المسيح له
المجد، وعناد القلب القاسي الذي لم يبق قادرا على قبول الحق.

ب
– وهي مثل خطة التجديف علي الروح القدس، لأن الذي به وحده يمكن الخاطئ أن يرجع إلى
الله لينال المغفرة منه.

ج
– وتشبه خطية المرتدين التي أشار عليها القديس بولس الرسول في (عب6: 4 – 6) لأنهم
قد رفضوا كفارة المسيح.. ولم يتركوا خطاياهم ولم يتوبوا عن شرهم..

4
– فعلي ذلك طالما يرجي من الخاطئ توبة وندامة ويقر ويعترف بخطاياه.. مؤمنا بالفداء
والرجاء في المسيح..فلا تكون خطية التجديف علي الروح القدس.. ولا تكون الخطية
مميتة.. ولكن متي صمت صوت ضميرة وتأصل في قلبه بغض شيطاني ضد نعمة التي قد ذاقها،
وصارت حالته شبيهه بحالة الشيطان وحالة يهوذا الإسخريوطى..

ولم
يبق له رجاء التوبة..

حينئذ
تكون خطيته تجديفاً علي الروح القدس، ولا يمكن أن يحصل علي غفران للحالة الشنيعة
التى وصل إليها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى