اللاهوت المقارن

181- لماذا تركتني؟



181- لماذا تركتني؟

181- لماذا تركتني؟

هذه
العبارة لها أكثر من معنى:

المعنى
الأول: لماذا تركتنى أيها الآب في هذا العذاب الجسدي، أو لماذا تركتني لأشرب كأس
الموت كحامل لعقوبة خطية الإنسان؟

 

والإجابة:
تركتك تتحمل هذه الآلام وتتجرع كأس الموت لأنك جعلت نفسك ذبيحة إثم وقالها في سفر
أشعياء: “ظُلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة
أمام جازيها فلم يفتح فاه” (أش53: 7).. ثم قال “إن جعل نفسه ذبيحة إثم..
وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين” (أش53: 10، 12) فالآب اشتم رائحة
الرضا والسرور في طاعة الابن الوحيد..

 

من
جانب العدل الإلهى، فقد استو في حقه، حيث كُتب عن الابن إنه “يدوس معصرة خمر
سخط وغضب الله القادر على كل شئ” (رؤ19: 15) باعتبار أنه ناب عن البشرية في
وفاء العدل الإلهى حقه، وإظهار قداسة الله وغضبه على الخطية.

 

أما
من الجانب الآخر فالآب كان مسروراً بما فعله الابن الوحيد. وقد قال قداسة البابا
شنودة الثالث -أطال الرب حياته- تشبيهاً بسيطاً جداً وهو: إذا ذهب ابن مع والده
عند طبيب الأسنان مثلاً، فأثناء تشغيل الحفار في ضروس الابن، والوالد ماسك بيد
ابنه، من الممكن أن يقول الابن لأبيه وهو يتألم: لماذا تتركنى هكذا يا أبى؟ يقول
له والده: أنا لم أتركك، بل إنى ممسك بك .. و في هذا يقصد الابن لماذا تركتنى لهذا
العذاب مثلما قالها السيد المسيح على الصليب..

 

المعنى
الثانى: أن السيد المسيح كان يلفت نظر اليهود وقياداتهم إلى ما ورد عنهم من نبوات
في المزمور الثانى والعشرين:

 

مزمور
22 به إشارات كثيرة إلى صلب السيد المسيح.. فعندما يقول “ثقبوا يدىّ ورجلىّ.
أحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىّ” (مز22: 16، 17) يتكلم عن اليهود
“كل الذين يروننى يستهزئون بى، يَفغرون الشفاه ويُنغِضون الرأس قائلين اتكّل
على الرب فليُنجِّه، لينقذه لأنه سُرَّ به.. فغروا علىّ أفواههم كأسدٍ مفترسٍ
مزمجرٍ” (مز22: 7، 8، 13).. فهو يقول لليهود انظروا ما يقوله المزمور 22 الذي
بدايته عبارة “إلهى إلهى لماذا تركتنى؟” فهو يتكلم عن أعمالكم الرديئة
حيث يقول “أحاطت بى ثيران كثيرة، أقوياء باشان اكتنفتنى. فغروا علىّ أفواههم
كأسدٍ مفترسٍ مزمجرٍ” (مز22: 12، 13) ولئلا يظن أحد من عبارة “أقوياء
باشان..” أن الأقوياء هم أناس أعزاء، أكمل قوله مباشرة في آية 16 وقال
“جماعة من الأشرار اكتنفتنى”..

 

فعندما
قال السيد المسيح على الصليب عبارة “إلهى إلهى لماذا تركتنى”؛ كان
يُذكِّر اليهود ورؤساء الكهنة بهذا المزمور وكأنه يقول لهم؛ انظروا ماذا يقول
المزمور عنكم وعن أعمالكم الرديئة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى