اللاهوت المقارن

38- الدينونة العامة



38- الدينونة العامة

38- الدينونة العامة

يعتقد
أخوتنا الكاثوليك بدينونة خاصة بعد الموت مباشرة:

وهي
غير الدينونة العامة التي بعد قيامة الأجساد.. فيرون أن الإنسان بعد موته مباشرة
يقف أمام لينال الحكم: إما أن يكون شريراً فيذهب مباشرة إلى جهنم، أو يكون باراً
فيذهب إلى المطهر، لتتطهر نفسه، ويكفر عن خطيته ويوفي ديونه.. ولكننا نقول إنه:

 

مقالات ذات صلة

لم
يذكر الكتاب سوي الدينونة العامة. وسنحاول أن نفحصها معاً لنرى على أي شئ تدل:

 

يشرح
الرب خير الدينونة فيقول:


ومتى جاء إبن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه [أي في مجيئه الثاني]،
فحينئذ يجلس على كرسى مجده، ويجتمعه أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض، كما
يميز الراعى الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن اليسار. ثم يقول
الملك للذين معه: تعالوا إلى يا مباركي أبى، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس
العالم، لأنى جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتمونى.. فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يارب
متى رأيناك جائعاً فاطعمناك؟ أو عطشاناً فسقيناك.. فيجيب الملك ويقول لهم: الحق
أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتى الصغار فبي فعلتم”..

 


ثم يقول للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس
وملائكته” (متى25: 41).

 

·
وعبارة ” اذهبوا إلى النار المعدة لإبليس، معناها أنهم لم يكونوا قد ذهبوا
إليها بعد”. لأنه من غير المعقول أن يكونوا قد ذهبوا إلى هذه النار بعد
الدينونة الخاصة، ثم يخرجهم الرب منها يوم القيامة ليختلطوا بالأبرار. ثم يفرزهم
عنهم، ويوقفهم عن يساره، ويعود فيقول لهم ” اذهبوا إلى النار.. “؟!

 

·
نلاحظ أيضاً أنه بدأ يقول لهم حيثيات حكمة: “لأنى جعت فلم تطعمونى، عطشت فلم
تسقونى. كنت غريباً فلم تأو ونى.. إلخ ” حينئذ يجيبونه هم أيضاً قائلين
“يارب متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو عرياناً أو مريضاً أو
محبوساً، ولم نخدمك؟ ” فيجيبهم قائلاً: الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه
بأحد هؤلاء الأصاغر، فبى لم تفعلوا” (متى25: 42- 45).

 

هنا
نرى لوناً من المحاكمة، وحواراً وفرصة للدفاع عن النفس.

 

ثم
ينفذ الحكم بعد ذلك ” فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي، والأبرار إلى حياة أبدية.
(متى25: 46). ومعنى هذا أنه لم تكن محاكمة من قبل.. بدليل أن الأبرار ما كانوا
يعلمون، معنى حيثيات الحكم، بدليل أنهم سألوا الرب ” متى يارب رأيناك..؟
والرب بدأ هنا (بعد القيامة) يشرح لهم ذنوبهم، وما كانوا قبلاً يفهمون..

 

فإذا
كان المضي إلى العذاب الأبدي، وإلى الحياة الأبدية، يكون بعد القيامة والفرز
والمحاكمة، فكيف يقال إنه بعد الموت مباشرة، في دينونة خاصة؟!

 

2-
وكون الدينونة تكون بعد القيامة واضح من قول الرب:

 


تأتى ساعة، فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى
قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة” (يو5: 28، 29).

 

إذن
هنا قيامة عامة، ولا يذهبون إلى الحياة أو إلى الدينونة إلا بعدها..

 

بعد
أن تتحد الأرواح بالأجساد التي تخرج من القبور، ويقف الإنسان كله أمام الله..
وهناك شاهد آخر على هذا وهو:

 

3-
يقول الرب ” فإن ابن الإنسان سوف يأتى في مجده أبيه مع ملائكته. وحينئذ يجازى
كل واحد بحسب عمله” (متى16: 27).

 

وعبارة
” حينئذ يجازى ” معناها أنه لم يجازهم من قبل، وإنما حينئذ، حينما يأتى
في مجد أبيه مع ملائكته.

 

4-
هذه المجازاة في المجيء، هي جزء من قانون الإيمان النيقاوى:

 

وهو
قانون الإيمان تؤمن به جميع الكنائس، وفيه نقول عن المجئ الثاني للسيد المسيح: “يأتى
في مجده ليدين الأحياء والأموات”.

 

5-
نفس المعنى نراه في تفسير الرب لمثل الزوان، إذ يقول:

 


الحقل هو العالم، والزارع الجيد هو بنو الملكوت، والزوان هو بنو الشرير والحصاد هو
إنقضاء العالم. والحصادون هم الملائكة”.

 


هذا يكون في إنقضاء العالم، يرسل أبن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع
المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. (متى13: 38- 41).أي أن هذه
الدينونة تكون عند إنقضاء العالم. والأشرار يطرحون في أتون النار في أنقضاء العالم،
وليس بعد الموت مباشرة.. وكلمة ” يجمعون ” معناها يأتون بهم من كل مكان..
وماذا عن الأبرار؟ ينابع الرب شرحه فيقول: “حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في
ملكوت أبيهم. من له أذان للسمع فليسمع”. وعبارة حينئذ، أي في ذلك الوقت، في
إنقضاء العالم، في الدينونة العامة، وليس بعد الموت مباشرة.. “ومن له أذنان
للسمع فليسمع”.

 

وعبارة
حينئذ، أي في ذلك الوقت، في إنقضاء العالم، في الدينونة العامة، وليس بعد الموت
مباشرة.. “ومن له أذنان للسمع فليسمع”.

 

6-
يشبه هذا ما ورد في رسالة يهوذا الرسول:

 


وتنبأ عن هؤلاء أيضاً أخنوخ السابع من آدم قائلاً: هوذا قد جاء الرب في ربوات
قديسيه.. ليصنع دينونة على الجميع.. ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم..
وعلى جميع الكلمات الصعبة.. إلخ” (يه 14: 15). إذن هؤلاء لم يكونوا قد عوقبوا
قبلاً، وإنما سيعاقبون حينما يأتى الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع..
على هؤلاء الفجار وعلى غيرهم..

 

7-
ومن الآيات الواضحة في هذا المجال قول بولس الرسول: “لأنه لابد أننا جميعاً
أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيراً كان أم
شراً” (2كو5: 10).

 

فلا
يمكن أن تقف الروح وحدها، لكي تنال جزاء ما كان بالجسد، خيراً كان أم شراً.

 

إذن
لابد من الوقف أمام كرسى المسيح، بعد أن تتحد الروح بالجسد. وعبارة ” أننا
جميعاً، تعنى الدينونة العامة. وهنا نود أن نقول بعض ملاحظات عما يسمونه (الدينونة
الخاصة):

 

8-
ما لزوم الدينونة العامة، بعد الدينونة الخاصة؟

 

إن
كان الخاطئ- في الدينونة الخاصة- قد صفى حسابه، وأخذ عقابه أو ثوابه، فما لزوم
الدينونة العامة بالنسبة إليه؟!

 

مادام
الإنسان قد وقف الله ونال دينونته، البار ذهب إلى السماء، والشرير ذهب إلى جهنم،
وأنتهى الأمر.. فما لزوم الدينونة العامة إذن؟ وما هدفها؟ وما قيمتها؟ وما تأثيرها
على تلك النفوس؟.. ولكن تكون لها قيمة، إن كانت هي الدينونة الوحيدة التي يتقرر
فيها مصير الإنسان.

 

9-
ومن الآيات الواضحة في الدينونة، ما ورد في سفر الرؤيا:

 


ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض، والجالس عليه الذي من وجهه هربت الأرض والسماء ولم
يوجد لهما موضع ” [هذا عن نهاية العالم طبعاً] ” ورأيت الأموات صغاراً
وكباراً واقفين أمام الله. وأنفتحت أسفار، وأنفتحت سفر آخر هو سفر الحياة. ودين
الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. وسلم البحر الأموات الذين فيه،
وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيها. ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وطرح الموت
والهاوية في بحيرة النار.. (رؤ20: 11- 15) كيف توجد دينونة قبل أن يقف كل الأموات
أمام الله، وقبل أن يسلم البحر والهاوية الأموات الذين فيهما؟! وقيل أن تفتح
الأسفار وتكشف الأعمال؟

 

10-
والقديس بولس الرسول يتكلم عن الدينونة في المجيء الثاني واستعلان ربنا يسوع
المسيح، فيقول: “إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقاً،
وأباكم الذين تتضايقون راحة معنا، عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته،
في نار لهيب، معطياً نقمة للذين لا يعرفون الله.. الذين سيعاقبون بهلاك أبدي”
(2تس1: 6- 9). فكيف نقول إن الدينونة تكون بعد الموت مباشرة، على الرغم من كل هذه
الآيات الصريحة؟!

 

11-
وأيضاً لا يتفق العقاب بعد الموت مباشرة، مع قول بولس الرسول “.. ولكنك من
أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تدخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله
العادلة سيجازى كل واحد بحسب أعماله” (رو2: 5، 6).

 

وهنا
يتكلم عن المجازاة في يوم الغضب، يوم الدينونة.

 

12-
وأيضاً هذه الدينونة التي بعد الموت، ويكافأ فيها الأبرار، كما يعذب الأشرار، لا
تتفق مع كلام الكتاب عن الأكاليل حيث يقول القديس بطرس الرسول للرعاة ”
صائرين أمثلة للرعية. ومتى ظهر رئيس الرعاة، تنالون اكليل المجد الذي لا
يبلى” (1بط5: 3، 4). وكذلك قول الرسول عن إكليل البر الموهوب له. قال
“وأخيراً وضع لي إكليل البر، الذي لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل، وليس
لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً” (2تى4: 8).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى