اللاهوت المقارن

35- شركة آلام المسيح



35- شركة آلام المسيح

35- شركة آلام المسيح

يقول
القديس بولس الرسول “لأعرفه وقوة قيامته، وشركة آلامه، متشبهاً بموته”
(في3: 10). وورد في (في1: 29) لآته قد وهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط،
بل أيضاً أن تتألموا لأجله”.. وتتألموا لأجله، ليس معناها أن تتألموا في
المطهر. كلا طبعاً، وإنما:

 

تتألموا
من أجل البر. وتتألموا لأجل الخدمة والكرازة ونشر الملكوت.

 

والقديس
بطرس الرسول يقول ” إن تألمتم من أجل البر فطوباكم” (1بط3: 14). هنا
تألمتم من أجل البر، وليس من أجل الخطايا والتكفير عنها، ووفاء العدل الإلهى..
وبنفس المعنى يقول القديس بولس الرسول ” جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى
في المسيح يسوع يضطهدون” (2تى3: 12). هذه هي الآم من أجل المسيح..

 

آلام
الطريق الكرب والباب الضيق (متى7) والجهاد والتعب.

 

والقديس
بولس الرسول الذي قال عن الرب ” لأعرفه وقوة قيامته وشركة الآمه ” هو
نفسه شرح شركة الآلام هذه في (2كو11)، وكلها عن تعبه في نشر الكلمة، وما لاقاه في
سبيل ذلك من ضرب وجلد وسجن واضطهاد، وجوع وعطش، وبرد وعرى، بأسفار كثيرة، بميتات
مراراً كثيرة، بأخطار في البر والبحر، بأخطار من اليهود ومن الأمم ومن أخوة كذبة.

 

وكل
هذه الآلام لا علاقة لها مطلقاً بالمطهر، ولا بالتكفير عن الخطايا..

 

ولذلك
بعد أن قال “وهب لكم.. أن تتألموا لأجله”، قال بعدها مباشرة “إذ
لكم الجهاد عينه الذي رأيتموا في” (في1: 29، 30). هذا التعب في الجهاد، لأجل
نشر الملكوت، هو الشركة في آلام المسيح، التي قال عنها الرسول لأن السيد المسيح هو
الذي بدأ التعب لأجل الملكوت.. إنه ليس إطلاقاً شركة في التكفير. فالتكفير عمل
المسيح وحده. وليس هو عن آلام المطهر، لأن الرسول بعد قوله “إن كنا نتألم معه،
فلكي نتمجد أيضاً معه “، قال مباشرة:

 


فإنى أحسب أن الآم الزمان الحاضر، لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا”
(رو8: 17، 18).

 

إذن
هو يتكم عن الآم الزمان الحاضر، وليس عن آلام المطهر بعد الموت. هذا هو الألم
نشترك فيه مع المسيح. ليس مطلقاً آلام التكفير التي كانت على الصليب. حاشا.. أقرأ
أيضاً أمثلة أخرى لهذه الآلام في (2كو4)، (2كو6). يكفر الآن فقط أن نقتبس منها
قوله ” في كل شئ نظهر أنفسنا كخدام لله: في صبر كثير في شدائد في ضرورات، في
ضيقات في ضربات في سجون، في اضطرابات في أتعاب، في أسهار في أصوام..” (2كو6: 4،
5).

 

أما
آلام التكفير فاجتازها المسيح وحده وهو يقول ” قد دست المعصرة وحدى، ومن
الشعوب لم يكن معى أحد..” (اش63: 3).

 

هذا
هو الذي قاله الرب ” الآتى من آدم بثياب حمر ” اش63: 1). وكون عملية
الكفارة قد قام بها الله وحده، دون آية شركة معه من الإنسان، فهذا بلا شك يتفق مع
قول الكتاب “متبررين مجاناً بنعمته، بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه
الله كفارة..” (رو3: 24).

 

إن
قال أحد إن الإنسان يشترك مع الرب في عملية التكفير، فإنه يناقص عقيدة الخلاص
المجانى بالدم بالفداء.

 

فكلمة
(مجاناً) في (رو3: 24) معناها أن الإنسان لم يدفع أي ثمن م جانبه، لا إيماناً ولا
أعمالاً. تقول إذن وما قيمة الإيمان والأعمال والتوبة وممارسة الأسرار من جهة
الإنسان أليست اشتراكاً. أقول لك كلا إن ثمن الخلاص دفعه المسيح وحده.

 

أما
الإيمان والأعمال والتوبة والأسرار، فكلها لكي نستحق هذا الخلاص المجانى وهذه
الكفارة المجانية..

 

إن
الإيمان ثمناً للخلاص، ولا الأعمال هي الثمن، ولا الأسرار، ولا التوبة. إنما
الخلاص ثمنه دم المسيح وحده وهو يوهب مجاناً للمؤمنين التائبين المعمدين.. التوبة
فيها الآم: آلام الاعتراف، وكشف النفس، وتبكيت النفس، والخزى والعار وآلام الندم
والدموع ووخز الضمير.. وربما آلام تأديبات أيضاً. ولكن ليست هذه كلها تكفيراً عن
الخطايا، ولا اشتراكاً في التكفير. ولكن نفعل هذا لنصل إلى محبة الله ونقاوة القلب،
ونستحق بذلك الخلاص المجانى، الذي ثمنه الوحيد هو دم المسيح وكفارته.. هذا الخلاص
نلناه، لا بأعمال التوبة، ولا بالعقوبات والقصاصات.

 


لا بأعمال في بر عملناها، بل بمقتضى رحمته خلصنا، بغسل الميلاد الثاني وتجديد
الروح القدس، الذي سكبه علينا يسوع المسيح مخلصنا..” (تى3: 5، 6).

 

أما
اعتبار الإنسان شريكاً للمسيح في عمل الكفارة، فلا يمكن إطلاقاً أن تسنده آيه
واحدة من لأنجيل. ولا يجوز أن نفهم الشركة في الآلام فهماً خاطئاً. ونعتبرها شركة
في عملية التكفير عن الخطايا. فآلام المسيح لم تكن فقط آلاماً على الصليب من أجل
الفداء والكفارة، وإنما حياته كلها كانت سلسلة من الآلام، حتى قيل عنه إنه ”
رجل أوجاع ومختبر الحزن” (اش53: 3). والذي يدرس الكتاب جيداً، يعرف أن النار
التي تعرضت لها ذبيحة المحرقة حتى تحولت إلى رماد (لا6)، هي غير النار التي تخبر
بها تقدمه الدقيق (لا2). وليس الآن مجال شرح هذه الأمور البسيطة. وهكذا نحن نشترك
في الآم المسيح على الأرض، ولكن ليس آلام الفداء والكفارة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى