اللاهوت الطقسي

الباب الأول: روعة الطقس



الباب الأول: روعة الطقس

الباب
الأول: روعة الطقس

الفصل
الأول: معنى الطقس وقوته

 أولاً:
معنى الطقس

1-
طقس: كلمة يونانية (تاكسيس) ومعناها ترتيب أو نظام.

2-
الطقس الكنسى: هو كل ما يتعلق بتنظيم الكنيسة من حيث بناؤها وأدواتها ورتبها
الكهنوتية وممارسة أسرارها وصلواتها وتسابيحها وأعيادها.

3-
لما استراحت الكنيسة من الإضطهادات الرومانية التى استمرت نحو ثلاثة قرون أخذت
ترتقى بالطقوس إلى أن وصلت إلى أسمى درجة من النظام والكمال وثبت أسلوب الطقس
الممارس بروعة ودقة حتى الآن.

 

 ثانياً:
قوة الطقس

+
تنبع من أن المسيح له المجد مارسه بنفسه ووضعه وسلمه لتلاميذه وتناقله التلاميذ
حتى وصل إلينا الآن.

1-
المسيح له المجد مارسه:

+
إذ وضع نفسه نائباً عن البشرية وممثلاً للإنسان سار فى طريق الناموس ليتمم كل
فرائضه وطقوسه.

أ-
خضع للختان (لو 21: 2).

ب-
فى اليوم الأربعين قدموه للهيكل حسب شريعة التطهير (لو 22: 2).

ج-
كل سبت كان يذهب إلى الهيكل (لو 16: 4).

د-
خضع للمعمودية ليتمم كل بر (مت 15: 3).

ه-
إحتفل بكل الأعياد منها عيد الفصح (لو 41: 2)، وعيد المظال (يو 14: 7) وعيد
التجديد (يو 22: 10)… الخ.

و-
عندما شفى الأبرص أمره أن يرى نفسه للكاهن لإتمام الشريعة الطقسية (مت 4: 8)

ز-
وضع سر الإفخارستيا فى (لو 19: 22-20).

 

2-
بولس ينفذ نفس الطقس فى كرازته وتمسك بما تسلمه هو شخصياً من الرب “لأننى
تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً…” (1كو 23: 11).

 

+
لأنى لم أقبله من عند إنسان ولا علمته بل بإعلان يسوع المسيح (غلا 12: 1).

+
“وأما الأمور الباقية (الطقس ونظام الخدمة). فعندما أجئ أرتبها (أضع
طقسها)” (1كو 34: 11).

 

3-
مار مرقس الرسول نفذ هذا الطقس وسلمه لمدرسة الإسكندرية.. وعلمائها سلموها للأباء
أثناسيوس وكيرلس وديسقورس وهكذا حتى وصل إلينا نحن الآن كما هو بدون تغيير.

 

الفصل
الثانى: كيف نحصل على الطقس؟

1-
من الكتاب المقدس.

2-
من التقليد.

أ-
“إن الفرق بين المؤمنين والهراطقة هو أن الهراطقة يطلبون البراهين المكتوبة
(الكتاب المقدس) ويرفضون تسليم الأباء غير المكتوب كأنه بلا قيمة”.

القديس
باسيليوس

 

ب-
ومعلمنا بولس الرسول عندما قال لأهل كورنثوس: “وأما الأمور الباقية فعندما
أجئ أرتبها” (1كو 34: 11) فالترجمة الصحيحة للكلمة (أرتبها) كما جاءت فى
اليونانية أطقسها أو أضع لها طقوسها.

 

ج-
فأثبتوا إذاً أيها الإخوة وتمسكوا بالتقاليد الذى تعلمتموها سواء بالكلام أم
برسالتنا (2تس 15: 2).

 

الفصل
الثالث: فائدة الطقس وروعته

أولاً:
الطقس يجعلنا نحيا الأبدية على الأرض

1-
هل تذوقت طعم الأبدية من قبل؟

 +
هل رأيت جمال وروعة الأبدية؟

2-
أنظر إلى سفر الرؤيا… ستجد فيه وصف لجمال وروعة الأبدية!

 

 +
وهذا تجده بالضبط فى طقس القداس الإلهى!

3-
الذى يدخل الكنيسة وقت القداس.

أ-
يجد أمامه هناك على المذبح خروف قائم وكأنه مذبوح (جسد ودم الرب يسوع على المذبح).

ب-
وحول المذبح الأربعة الحيوانات غير المتجسدين (الأربعة شمامسة حول المذبح).

ج-
ويرى فى الخارج صفوف الملائكة (خورس الشمامسة)

د-
ثم يرى جمهور القديسين (أيقونات القديسين).

ه-
ويرى أحد الأربعة والعشرين قسيساً (الكاهن) وهو يبخر بالمجمرة بخوراً (هو صلوات
القديسين).. الخ.

إنه
حقاً منظر سماوى فيه كانت الكنيسة (بطقس قداسها) قطعة منتشلة من السماء.. فنعيش
السماء ونحيا القيامة ونحن هنا مازلنا على الأرض.

4-
آباؤنا تمتعوا بهذه الحياة فقالوا عنها:

أ-
“كنيسة الله هى السماء” القديس أغسطينوس

ب-
“الكنيسة هى عطية الله للعالم” القديس إيريناؤس

ج-
“بالطقس لا يعود الرب بعد خارجاً عنا بل فينا” أحد الأباء

د-
يليق بنا أن نخرج من هذا الموضع (الكنيسة) نحمل ما يليق به كإناس هابطين من السماء
عينها… “علموا الذين فى الخارج أنكم كنتم مع صفوف السمائيين”.

القديس
ذهبى الفم

ه-
“الديانة إن خلت من الطقوس خلت من أصبع الله”.

أحد
الأباء

5-
وأنت يا حبيب المسيح.. هل تمتعت بهذه الأبدية..!

+
قد تقف فى القداس جسد فقط وعقلك ومشاعرك وعواطفك فى الخارج مشغولة باهتمامات كثيرة…

+
قف وحاسب نفسك إنها أقدس ساعة فى الوجود… أن المسيح حاضر بنفسه على المذبح… لا
تتركه مثل يعقوب أب الأباء بل جاهد معه وقل له لن أتركك إن لم تباركنى… فرصة
تحكى له كل همومك وآلامك… فرصة تطلب إحتياجاتك… فرصة ترفع قلبك حيث المسيح
جالس… فرصة تمناها أباء وأبرار كثيرين ولم يحصلوا عليها… لا تترك القداس إلا
وأنت أخذت المسيح فى قلبك…!

 

 ثانياً:
الطقس يجعلنا نعيش العصر الرسولى

+
فى دالاس فى الولايات المتحدة سنة 1971 كان القمص تادرس يعقوب يقوم بتعميد طفل…
وكان يحضر الطقس أحد الرعاة الأجانب… وبعد إنتهاء الطقس قال الراعى الأجنبى
لأبينا: يا بخت هذا الطفل… فقال له أبونا لماذا؟ فرد الراعى الأجنبى إن طقس
معموديتكم جعلنى أعيش العصر الرسولى (أى عصر الرسل بطرس وبولس ومرقس). فيابخت
أطفال كنيستكم الأرثوذكسية الذين يعيشون عصر المسيح والرسل.. إنها شهادة يا أحبائى
عن أن طقوس كنيستنا هى هى طقوس عصر المسيح والرسل… إنه فخر لنا وبركة رائعة.

1-
كنيستنا الأرثوذكسية هى كنيسة رسولية تقليدية حافظت على ما تسلمته من عقائد ونظم
وطقوس عذبة وجميلة نقلته عبر الأجيال إلى أبنائها سليماً وغير منقوص… فقد قيل
عنها أنها شجرة الزيتون اللذيذة.

 

2-
تقول المؤرخة الإنجليزية بُتشر “أما الكنيسة القبطية المصرية التى هكذا أسسها
القديس مارمرقس فقد حافظت إلى الآن على نظامها وطقوسها الأصلية أكثر مما حافظت
عليه أية كنيسة أخرى من عهد مؤسسها إلى هذا اليوم. فهى إذاً أقل الكنائس إختلافا
عما كانت عليه حين نشأتها فالكنيسة المصرية لم تزل باقية لليوم ولم تختلف فى شئ عن
الكنيسة الأصلية بل هى رسم جوهرها وصورة مجدها.

 

3-
ويقول الأرشيدياكون الجرنون الإنجليزى: “إن الكنيسة القبطية هى الكنيسة التى
أسسها وأنشأها مار مرقس الإنجيلى وطقوسها وترتيباتها لم يطرأ عليها التغيير الذى
طرأ على سائر الكنائس المسيحية… تتمسك هذه الكنيسة المحترمة بتعاليم ثلاثة مجامع
وقد دل رفضها لما عداها على متانة شرفها وحبها للوظيفة والأمانة الدينية”.

“إذا
شئت أن ترى الكنيسة الرسولية التى كانت فى القرون الأولى فلا تجد صورتها واضحة
وجلية إلا فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية”.

حبيب
جرجس مدير الكلية الإكليريكية

 

ثالثاً:
الطقس أعظم كارز بالكتاب المقدس

1-
الطقس ما هو إلا تمثيل حركى للكتاب المقدس.

2-
تستطيع أن تقرأ معظم الكتاب المقدس فى طقس الكنيسة بطريقة واضحة ورائعة… لذلك
فالطقس أعظم كارز بالكتاب المقدس.

3-
ستأخذ مثال ذلك فى هذا الكتاب وهو طقس القداس الإلهى… ستجد كل حركاته من الكتاب
المقدس.

 

 رابعاً:
الطقس يحافظ على العقيدة

1-
الطقوس تحفظ العقيدة وتنقلها إلى الأجيال المتتالية فى سهولة ويسر.

2-
الطقوس هى خزانة الديانة التى تصونها من التغيير والتحريف.

3-
الطقوس تشبه مياه جارية فى أنهار العقيدة لتروى شجرة الإيمان المسلم من القديسين.

4-
الطقوس تشبه قوالب مصبوب فيها الإيمان والعقيدة صباً محكماً.

 “لقد
استطاعت الكنيسة على مدى تاريخها الطويل أن تصيغ كل ما تعتقده فى صورة طقوس إما فى
نصوص ليتورجية أو فى ترتيبات طقسية.. حتى أنه يمكنك من خلال الطقس فقط أن تكتشف كل
العقيدة واللاهوت والمناهج النسكية.. فلا يوجد طقس بدون خلفية عقيدية ولا توجد
عقيدة بدون صياغة طقسية” الأنبا رافائيل

ومن
أمثلة ذلك:

1-
طقس رشم الصليب: يشير إلى عقيدة التثليث والتوحيد والتجسد والفداء.

2-
الشورية: تشير إلى بطن العذراء والتجسد واتحاد اللاهوت بالناسوت فى بطن العذراء
والتثليث والتوحيد والسماء.

3-
فتح ستر الهيكل: يرمز إلى فتح باب السماء… وهكذا أمثلة لا حصر لها ولا يكفى لها
مجلدات لنوضح العقيدة الموجودة فى الطقس.

 

 خامساً:
الطقوس توحد الكنيسة

1-
إذا دخلت كنيسة أرثوذكسية فى موزمبيق أو فى الكويت أو فى أوربا أو… ستجدها هى هى
الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر بطقسها وصلواتها وإن اختلفت اللغة أحياناً.

2-
فالطقس يجعل الكنيسة واحدة فى صلواتها وعباداتها.

 

 سادساً:
الطقس يطبع فى النفس أثراً لا يمحى

+
يُحكى عن أحد المرتلين الأنقياء أنه مرض مرضاً شديداً ولما جاء الطبيب للكشف عليه
قرر أنه لن يبقى حياً حتى الصباح وفى الصباح جاء الطبيب وكله شعور أنه لن يزور
مريضاً بل سيعزى فى متوفى ويكتب له تصريح الدفن واشتدت دهشته حينما رأى المرتل
صحيحاً معافى ولما سأله عن السبب أجابه: لما شعرت بوطأة المرض وبعجز الوسائل
البشرية فى شفائى سلمت الأمر لله وقبل أن أنام قلت مجمع القديسين متشفعاً بهم
راجياً صلواتهم عنى وبعد أن نمت شعرت أن الحجرة قد امتلأت عن أخرها من هؤلاء
الروحانيين قائمين حول سريرى ومعهم ملاك رفرف علىَّ بأجنحته الجميلة فانتزع منى
المرض وقمت معافى فمجد الطبيب الله وكل الحاضرين وأعطوا الإكرام لقديسيه. الطقس
يقوم بتقريب الحقائق الروحية العالية إلى العقول والأفهام البشرية بحيث يمكن أن
تنفذ إلى النفس الإنسانية وتطبع أثراً لا يمحى.

 

سابعاً:
الطقوس تتيح للإنسان (جسد – روح) أن يشترك فى العبادة

1-
الإنسان مكون من روح وجسد ولذلك يعبد الله بكليهما.

2-
يقول داود النبى: “قلبى ولحمى يهتفان بالإله الحى” (مز 2: 84) يقول بولس
الرسول “بسبب هذا أحنى ركبتى” (أف 14: 3) فالروح تعبد الله باطنياً
والجسد يعبده ظاهرياً.

3-
الأمور المحسوسة أبعد أثر من الكلمة المسموعة.

4-
الإلهيات لا يمكن إعلانها للبشر إلا تحت أشياء محسوسة.

5-
بها تنشغل الحواس بدلاً من شرود الفكر بعيداً فى أمور عالمية.

6-
استخدام الحواس على النحو التالى:

+
حاسة النظر: مثل النظر إلى الهيكل وجسد الرب ودمه والأيقونات.

+
حاسة السمع: المواعظ والتعاليم والإرشادات.

+
حاسة التذوق: نتذوق تعاليم الرب “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب” (مز 8:
34). نتذوق جسد الرب ودمه لنتذكر خلاصه الأبدى.

+
حاسة اللمس: نلمس الأيقونات وستر الهيكل ونلمس يد الكاهن.

+
حاسة الشم: نشتم رائحة البخور.

نسبح
الرب حتى يصعد تسبيحنا كرائحة بخور أمام الله.

7-
إستخدام الجسد على النحو التالى:

+
هامة الرأس: يستعملها للسجود والخضوع أمام الله وهيكله المقدس وخدامه الأطهار.

+
الأيادى: ترفع للصلاة وتقديم الصدقات.

+
الأرجل: للإسراع إلى بيت الله.

 

 ثامناً:
الطقس يحافظ على النظام

إلهنا
إله نظام وإله ترتيب ونجد ذلك: فى العهد القديم على سبيل المثال:

أ-
إبراهيم بنى مذبحاً (تك 7: 12) ويعقوب كذلك (تك 20: 33).

ب-
جعل الله الكهنوت محصوراً فى سبط لاوى.

ج-
جعل الكهنة محصورين فى بنى هارون.

د-
جعل للعبادة مكاناً خاصاً لها (الخيمة – الهيكل).

وفى
العهد الجديد أيضاً:

أ-
فى توزيع الخبز والسمك اشترط الرب وجود النظام (لو 14: 9 – 17).

ب-
يقول معلمنا بولس فى (1كو 34: 11) “وأما الأمور الباقية فعندما أجئ أرتبها
” والترجمة الصحيحة لكلمة (أرتبها) كما جاءت فى اليونانية أطقسها أو أضع لها
طقوسها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى