اللاهوت الطقسي

43- ملامح الوحدة بين المؤمنين والله وبين المؤمنين وبعضهم

 

43- ملامح
الوحدة بين المؤمنين والله وبين المؤمنين وبعضهم

 

1- وحدة الهدف:

 

لاشك أن الهدف الواحد لكل جماعة المؤمنين هو
عماد هذه الوحدة وأساسها فالكل يجتمع لأجل الثبات فى المسيح “من يأكل جسدى
ويشرب دمى يثبت فىَّ وأنا فيه.. وكذلك يقول القديس إيريناؤس: “إذ نحن نقدم ما
له نعلن على الدوام تبعيتنا واتحادنا بالجسد والروح”.. فالهدف الواحد الذى هو
تبعية الله وكذا الاتحاد به ومعه يشغل كل المؤمنين لذا يقول القديس أغسطينوس
“كل من يفصل نفسه عن الكنيسة ولا يجتمع مع الجماعة وقت تقديم الذبيحة فهو
يحسب مذنباً” بل يقول ذهبى الفم: “من لا يشترك فى الأسرار إنما يجلس فى
وقاحة”..

 

 

2- وحدة المصالحة والسلام مع الجميع:

 

يقول الكتاب المقدس: “إن قدمت قربانك على
المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شئ عليك فاترك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح
مع أخيك وحينئذ تعالى وقدم قربانك” (إنجيل متى 5: 23 – 24) فإن كانت هذه هى
الوصية المطلوب تنفيذها لتكون تقدمة القربان مقبولة لدى الله فبالأحرى يتطلب
التناول من القربان أن نكون فى حالة صلح وسلام مع الله ومع أنفسنا ومع الآخرين..
فالقلب الذى سيحل فيه رب المجد يجب أن يكون قلباً نظيفاً خالياً من شوائب البغضة والخصام
والضغينة تجاه الآخرين.. لذلك يقول الكاهن: “اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن
نقبل بعضنا بعضاً بقبلة مقدسة لكى ننال بغير انطراح فى الحكم من موهبتك غير
المائتة السمائية بالمسيح يسوع ربنا”.. وكان قديماً بعد غسل الكاهن يديه
وخروج الموعوظين وقبل بدء قداس المؤمنين كان الشماس يصيح للشعب قائلاً: “ولا
يدع أحد فى قلبه لأحد وجداً (أحياناً تذكر “دغلاً” أى حقد أو بغضة أو
خصام) ولا يقف أحد هنا برياء كونوا قديسين مستقيمين إلى الرب ولنقف بخوف
ورعدة” (رسل 1 – 52).. وهنا يقول القديس يعقوب السروجى: الملائكة يحجبون
وجوههم لئلا ينظروا إليه والطين الحقير يكشف وجهه حين ينظر فيه”..

 

 

3- وحدة القراءات والفكر الواحد:

 

تقدم ليتورجية القداس الفكر الواحد والذى يكون
ملمح من ملامح الوحدة لكل جماعة المؤمنين إذ لا تكف الكنيسة فى الليتورجية عن
الصلاة لعريسها لكيما يلهمنا خلال القراءات والعظات إعلاناً رسولياً للخلاص..
بطريقة مثمرة.. فالكنيسة إذ تختفى فى الرب يسوع لكى يعلن من خلالها الإنجيل الحى
للجميع.. ويلاحظ كل يوم وجود خط روحى قاسم مشترك بين قراءات اليوم.. إذ تتفق
القراءات جميعاً فى إعلان شخص مخلصنا يسوع وعمله الخلاصى ومركزه فى حياتنا ولكن
بطريقة منظمة فأحياناً تقدم الليتورجية قراءات يومية احتفالاً بشهيد أو قديس فى
أيام التقويم العادية وأحياناً تحدثنا عن التجسد أو الصليب أو القيامة أو الصعود
أو المجئ الثانى وأحياناً عن حياة الفضيلة من خلال القدوة والقديسين وأحياناً تقدم
لنا حياة السيد المسيح وكذا خدمته ومعجزاته وتعاليمه اللازمة لكل نفس فالكل يشغله
الفكر الواحد الذى يربط كل الأذهان فى وحدة واحدة. يقول القديس إيريناؤس
“بالرغم من انتشار الكنيسة فى كل المسكونة لكنها تعمل باجتهاد كأنها تسكن فى
بيت واحد وبالإجماع تؤمن بهذه الأمور الإيمانية كأن لها روح واحد وقلب واحد!! إنها
تعلن هذه الأمور والتى تكرز بها وتنادى كما لو كانت تتحدث بفم واحد”..

 

 

4- وحدة الألحان والنغمات الليتورجية..

 

إن اللحن الواحد والنغمات المتناسقة سمة مميزة
لحياة التسبيح فى الليتورجيات بصفة عامة وليتورجية القداس بصفة خاصة إذ أنها تمثل
عامل هام لتوحيد الكنيسة كلها وجعلها جسماً واحداً مترابط الحركة والأداء علاوة
على بركة إثارة الحمية والغيرة المقدسة الروحية والحماس فى صفوف العابدين والألحان
والنغمات التى تصاحب التسبيح فى هذا الطقس يعطى ملمح الوحدانية بكل ما يحمل من
هزات وأوزان وطرائق هى تراث حى قبلته الكنيسة بطريقة راسخة عبر الأجيال من أجل
أمانة التقليد ووحدانية الروح..

 

 

وكذا فإن الجماعة فى الكنيسة تطلب أن يضم الله
أصواتهم مع أصوات الملائكة فى التسبيح كما يقبل الله أن يضمهم مع السمائيين.

 

 

5- ليتورجية سماوية ملائكية قوية: (احسبنا مع
القوات السمائية)

 

لاشك أن من ملامح وحدانية المؤمنين انضمام
الطغمات السمائية لهم إذ تحضر الطغمات الملائكية بل يشترك العلويين مع المؤمنين فى
وحدة واحدة والصلاة فى الجماعة هى أكثر قوة وهى فرحة لا يعبر عنها يقول أحد
الآباء: “تنضم القوات الملائكية إلى جماعات المؤمنين إلى حيث تحل قوة ربنا
ومخلصنا نفسه وحيث يجتمع الكل حتى الذين رحلوا..”.

 

 

ويقول القديس يعقوب السروجى: “يصرخ
الملائكة كالبعيدين مبارك هو ويأكل البشر كالقريبين من مائدة”. إنها مشاركة
من القوات والطغمات السمائية فى حقل العروس.. ويقول القديس ذهبى الفم: تأمل من
يشترك معك؟! فإن هذا يكفى لجعلك تسهر.. أذكر أنك وأنت فى الجسد مرتبط به صرت أهلاً
أن تحتفل مع القوات المتجسدة لسيد واحد للجميع بل أن القديس ذهبى الفم يتوسل
بقوله: أتوسل إليكم: انظروا إنها مائدة ملوكية قد أعدت لنا!! الملائكة تحدمها
والملك جالس بنفسه فهل تقفوا متثابئين؟! ففى هذه الليتورجية يشترك العلويين هنا
لذلك نقول فى القداس الإلهى: “وكل الجمع غير المحصى الذى للقوات
السمائية” يقول القديس ذهبى الفم: “كما أن الإنسان يقطع أغصان شجر الزيتون
ويلوح بها أمام الملوك ليذكرهم بهذا العطف والمحبة هكذا تقدم الملائكة فى هذه
اللحظة جسد الرب ذاته عوض أغصان الزيتون ويتضرعون إلى الرب من أجل جنس البشر
وكأنهم يرددون قائلين نصلى إليك من أجل الذين حسبتهم أهلاً لحبك فوهبتهم
حياتك”..

 

 

بل أنه فى القداس الغريغورى نصلى ونقول:
“لأنك أقمت على الأرض تسبيح السيرافيم.. اقبل منا نحن أيضاً أصواتنا مع غير
المرئيين إحسبنا مع القوات السمائية.. ولنقل نحن أيضاً مع أولئك إذ قد طرحنا عنا
كل خواطر الأفكار الشريرة نصرخ بما يرسله أولئك بأصوات لا تسكت وأفواه لا تفتر ونبارك
عظمتك”.. (القداس الغريغورى).

 

 

لاشك أن كل هذه الملامح إنما تعبر عن وحدانية
المؤمنين فى ليتورجية القداس الإلهى..

 

 

وأخيراً ليكن لنا جميعاً ونحن متحدين معاً
كمؤمنين فى وحدة كاملة مع الله ومع أنفسنا ومع بعضنا البعض أن نقول مع القديس
أغسطينوس دائماً: أريد أن أمد فمى إلى الينبوع الذى لا يعرف الجفاف إليه سبيلاً
(جسدك ودمك الأقدسين).

 

 

الإفخارستيا (الجسد والدم) ووحدة المؤمنين:

 

لماذا حمل واحد وكأس واحد: يقول القديس
اغناطيوس: “كونوا متمسكين بالإفخارستيا الواحدة فإن جسد ربنا يسوع المسيح
واحد ويكون لكم كأس واحدة توحدنا بدمه”.

 

 

لماذا اختار الرب الخبز والخمر كمادتين للسر؟
تقول الدسقولية:

 

“إن السيد المسيح الذى هو رأس جسده الكنيسة
يضمنا فى جسده كما تضم الخبزة حبات كثيرة من القمح وأيضاً يضم العصير حبات كثيرة
من العنب”.. أما القديس كبريانوس فيقول: “عندما دعا الرب الخبز (الذى هو
حصيلة اتحاد كثير من حبات الحنطة) جسده أشار إلى شعبه الذى حمله إذ صاروا فى
وحدة.. وعندما دعى بالخمر (الذى هو حصيلة كثير من حبات العنب) دمه عنى بهذا قطيعه
الذى يرتبط معاً بامتزاج الجموع فى وحدة معاً”..

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى