اللاهوت الروحي

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل
الثاني

تبدأ
وتستمر

6-
البدء.. نبدأ ونستمر

المهم
أن يبدأ الإنسان الطريق، يبدأ علاقة مع الله. كثيرون لم يبدءوا. حياتهم في غربة عن
الله. يعيشون حياة علمانية بحته، وقد شغلتهم أمور العالم المادية، أو شهوات الجسد،
أو مسئوليات الحياة المتنوعة. ولم يعرفوا طريقهم بعد إلى الروحيات، ولم يفكروا في
ذلك مجرد تفكير. أنهم في متاهة، أو في دوامة، أو عفوية، لم يخطر على بالهم
الاهتمام بأبديتهم.

مقالات ذات صلة

 

فإن
بدأوا يهتمون بالأبدية، تكون هذه نقطة تحول أساسية.

تختلف
أسباب البدء من شخص لآخر: ربما أحدهم تأثر بعظة، أو قد نقطة البدء هي رد فعل لحادث
أو كارثة، أو مرض أحد الأحباء، أو قد تكون نقطة البدء هي رد فعل لحادث أو كارثة،
أو مرض، أو موت أحد الأحباء
.. أو أي عمل من أعمال النعمة أيقظ ضميره
وحول فكره إلى الله.

 

 أو
ربما شخص روحي، فكر في علاقة جادة مع الله، في مناسبة معينة
..

جلس
مع نفسه مثلاً في مناسبة بدء عام جديد، أو في استقباله سنة جديدة من سني حياته، أو
في أية مناسبة تاريخية في حياته
.. وأراد أن يبدأ خطأ روحياً جديداً،
وعلاقة مع الله أكثر جدية وفاعلية
..

 

البدء
إذن يمكن أن يحدث، بافتقاد من عمل النعمة.

وقد
يكون الإنسان فيه، في حماس شديد، وفي حرارة روحية، وفي عزم وتصميم. وقد يستمر على
هذا أياماً، وقد تطول الفترة، ثم يفتر، أو يرجع إلى الوراء، ولا يكمل ما بدأ به
.. وتبرد
محبته الأولي (رؤ2: 4).

إذن
ليس المهم فقط أن يبدأ، بل بالأكثر أن يستمر.

 

7-
المهم أن تستمر

هناك
أشخاص يعترفون ويتناولون. وفي يوم التناول يكونون في حالة روحية ممتازة. وقد بدأوا
من جديد حياة التوبة، في قوة وحماس. ولكنهم للأسف لا يستمرون، بل تمر الأيام، وإذ
بهم قد رجعوا إلى حالتهم القديمة، فيما قبل التوبة!

 

المشكلة
إذن هي مشكلة الاستمرار في التوبة.

ما
أسعل أن يحيا إنسان في حياة القداسة لمدة يوم كامل. ولكنه لا يستمر!

وقد
يبدأ شخص تدريباً روحياً. يقول مثلاً ” سأدرب نفسي على الصمت حتى أتفادي
أخطاء اللسان “
.. ويصمت يوماً أو يومين، ولا يخطئ بلسانه. ولكنه
لا يمكنه أن يستمر في التدريب
..

 

حسن
أن تكون هناك بداية طيبة. إنما المهم أن تستمر.

خذوا
مثالاً: القديس بطرس الرسول. في وقت من الأوقات كان يشتعل حماساً لأجل الرب، وهو
يقول ” وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك.. ولو اضطررت أن أموت معك، لا
أنكرك” (متى26: 29، 31)
.. كلام جميل. وفعلاً سار مع الرب، وتحمس
وقطع أذن العبد (متى26: 51)
.. ولكن هذا الحماس لم يستمر فعاد وأنكر
وسب ولعن وقال: لا أعرف الرجل (متى26: 74).

 

مثال
آخر: الإنسان الذي ينذر نذراً.

أثناء
النذر، يفعل ذلك بكل عاطفته، ويكون مستعداً تماماً للوفاء
.. ولكنه لا
يلبث فيما بعد أن يراجع فكره، وإما أن يتأخر في الوفاء بالنذر، أو يشعر به ثقيلاً
عليه، أو يتفاوض إن كان يمكن أن يغيره
..!

 

كذلك
كل من يتعهد عهوداً أمام الرب
..

وبخاصة
في بدء الحماس الروحي والحرارة الروحية، أو في بدء التوبة، أو في بدء التداريب
الروحية. ولكن الحماس لا يستمر. واسأل في ذلك الذين في وقت من الأوقات تعهدوا
بأمور كانت فوق مستواهم
.. ومنهم من نذر البتولية، ومن نذر الرهبنة،
ومن تعهد إن ماتت زوجته، لا يأخذ غيرها
.. إنه حماس لا يستمر..

 

كان
الأولى أن يقدم إلى الله كرغبة أو صلاة، وليس كتعهد أو نذر
..!

وكثير
ما نخطئ ثم نقول: إن الله قد قبل توبة اوغسطينوس وموسى الأسود ومريم القبطية
وبيلاجيا
..! هذا صحيح.
ولكن النصف الثاني من الحقيقة أن كل هؤلاء حينما تابوا، لم يرجعوا إلى الخطية مرة
أخري، بل استمروا في توبتهم، وظلوا يرتفعون كل يوم درجة جديدة في سلم الفضيلة فهل
أتت كذلك في توبتك؟

 

كذلك
في الخدمة. كم من أناس بدءوا ولم يستمروا.

فكم
من أناس كانوا أسماء لامعة في الخدمة، والآن لا وجود لهم إطلاقاً. جرفهم العالم
بمشاغله وأصبح لا يشغل ذهنهم حالياً سوى الوظيفة بولس الرسول للخدام:

 


كونوا راسخين، غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس
باطلاً في الرب” (1كو15: 58).

 

وما
نقوله عن الخدمة، نقوله أيضاً عن التوبة
..

كم
من أناس قدموا توبة بحرارة ودموع، وبعهود ونذورات. وكانت بداية طيبة أسوا ونسوا كل
مشاعرهم الأولى. أما قديسو التوبة الجبابرة، أمثال اغسطينوس وموسي الأسود وبيلاجية
ومريم القبطية، فقد كانت التوبة نقطة حاسمة في حياتهم تحولوا بها إلى حياة الطهارة
ونموا إلى حياة القداسة في طريق الكمال.

 

8-
نهاية السيرة

من
أجل هذا يقول لنا الكتاب عن قديسى الله:


انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم” (عب13: 7).

المهم
إذن في نهاية السيرة، وليس في بدايتها.

وهكذا
نحن في السنكسار نحتفل بأيام نياحتهم أو استشهادهم. وفي صلوات المجمع في القداس
الإلهي، نذكر أولئك ” الذين كملوا في الايمان”.

 

إن
ديماس كان أحد أعمدة الكنيسة في بداية خدمته. وكان يذكره القديس بولس الرسول ضمن
مساعديه القديسين مرقس، ولوقا، واسترخس. ولكنه لم يكمل المسيرة. لم يستمر. بل
أنتهت حياته بعبارة مؤسفة جداً، قال فيها الرسول:

 


ديماس تركني، لأنه أحب العالم الحاضر” (2تى4: 10).

ولم
يكن ديماس وحده
.. بل كثيرون
آخرون بدأوا الخدمة مع القديس بولس، وكان يمتدحهم. ولكنهم لم يستمروا. وقال عنهم
الرسول أخيراً ” لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مراراً، والآن أذكرهم أيضاً
باكياً، وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك
.. الذين
يفتكرون في الأرضيات” (في3: 18، 19). إذن لا تفتخر بأنك بدأت، بل استمر لكي
تكمل. لا تكن مثل ذلك الشخص الذي يبدأ طريقة مع الله فيقول لكل أحد ” قد خلصت
” وينسى أنه ينبغي أن يكمل حياته في الايمان، مستمعاً إلى قول الرسول:

 


تمموا خلاصكم بخوف ورعده” (في2: 12).

إن
نوالك نعمة الخلاص بالإيمان والمعمودية، لا يمنع إطلاقاً أن الطريق لا يزال طويلاً
أمامك، تستمر فيه بالجهاد والتوبة والعمل الصالح وممارسات الأسرار المقدسة وكل وسائط
النعمة، واضعاً أمامك قول القديس بولس الرسول.

 

 ”
من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط” (1كو10: 12).

وأيضاً
قوله ” لا تستكبر بل خف” (رو11: 20). لذلك تواضع فقد قال الكتاب عن
الخطية إنها ” طرحت كثيرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء” (أم7: 26). وقيل
أيضاً ” اصحوا واسهروا، لأن أبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمساً من يبتلعه
هو” (1بط5: 8). حسن أن تسلك كما يليق. ولكن ينبغي أن تستمر لكي تخلص في يوم
الرب. واذكر أن القديس بولس وبخ أهل غلاطية قائلاً:

 


أبعد ما ابتدأتم بالروح، تكملون الآن بالجسد؟!” (غل3: 3).

 إذن
الذين بدأوا بالروح، يجب أن يستمروا في طريقهم الروحي، ولا يكملوا بالجسد.

 

9-
اختبر الحروب

لا
يكفي أن تخطو خطوة واحدة في الطريق الروحي، لأن الخطوة الواحدة لا توصلك إلى الهدف.
ومن جهة أخرى لا تأخذ بها الخبرة الروحية. فالمفروض أنك تختبر حروب الشياطين
ومعاكساتهم وحيلهم.

 

من
الجائز إن الله لا يسمح للشيطان بأن يحاربك، في أول الطريق، لئلا تيأس
..

وحتى
إن سمح له الله بأن يحاربك، لاختبار صدق نيتك، فإنه يجعل الحروب خفيفة، لأن الله
يشفق على ضعف المبتدئين
.. ولكن كلما يسير الإنسان في طريق الروح،
فإن الحروب تشتد عليه شيئاً فشيئاً بسبب حسد الشياطين وبسماح من الله الذي يجعل
نعمته تكثر لتحمي المؤمن من هجماتهم وتعينه في جهاده
..

 

لذلك
فالاستمرار في الطريق يكسب الإنسان الاتضاع بالإضافة إلى الخبرة.

لأنه
كلما يختبر حروب الشياطين العنيفة، يشعر بضعفه أمام الحروب، فيتضع وقد يسقط
أحياناً ويقوم، فيتدرب على الصلاة التى تقيمه، ويشعر أيضاً بشفقته على الذين
يسقطون. كما أنه يتدرب على الصبر والاحتمال، كلما يثبت في طريقه الروحي ويستمر على
الرغم من كل ضغطات العدو. ويتذكر قول السيد المسيح لتلاميذه:

 


أنتم الذين معي في تجاربي” (لو22: 28).

 

نعم
إنهم ثبتوا، كالبيت المبنى على الصخر، هبت عليه الرياح والأمطار والسيول محاولة أن
تجرفه، فلم تستطع، لأنه كان صامداً مبنياً على الصخر، مستمراً في صموده. وبعكس ذلك
كان البيت المبني على الرمل، إذ لم يكن له أساس، لم يستمر في بقائه وسقط
..

ومثال
ذلك أيضاً: الزرع الذي لم يكن له أصل، فجف (متى13: 6).

 

10-
ليس له أصل

مثل
إنسان يبدأ الطريق الروحي، ويظهر قليلاً، ثم ينزوي ويبعد، كالنبات الذي ظهر على
وجه الأرض، وإذا لم يكن له أصل جف
..

فما
معنى عبارة ” وإذا لم يكن له أصل “؟

مثالها
إنسان أقدم إلى الحياة الروحية نتيجة هزة معينة، أو تأثر مؤقت بحادث أو بعظة، أو
بقراءة معيني، أو نتيجة لمشكلة حاقت، فقال يا رب “إن أنقذتني سأتبعك كل
حياتي”. وأنقذه الله، فتبعه ولكن إلى حين
.. وإذ لم يكن
له أصل جف. فما هو الأصل؟

 

الأصل
هو حياة الايمان العميقة. وحياة الحب الحقيقية.

هو
العلاقة الشخصية مع الله، والعشرة، والمعرفة. وليست مجرد الممارسات الخارجية التي
لا تنبع من القلب. فالإنسان الذي حياته مجرد ممارسات بدون حب، لا يمكن أن يستمر
.. فتاة مثلاً،
سمعت عظة عن الحشمة والأزياء والزينة، فتأثرت وبدأت تغير مظهرها الخارجي. ولكنها
من الداخل لم تتغير. لم تدخل إلى قلبها محبة الله فتغيره. لم تتأسس في داخلها
العفة الحقيقية، والزهد في العماليات، والسعي إلى الأبدية. وهكذا قد تستمر مدة في
مظهر الحشمة، ولكنها لا تستمر
.. وإذ ليس لها أصل تجف.. أو شاب يقص
شعره الطويل، متأثراً بما من تدريبات روحية في بداية عام جديد. وليس عن اقتناع
داخلي بتفاهة هذا المظهر، وببناء الرجولة على أسس سليمة
.. هذا الشاب
قد يبقى هكذا فترة. ثم يطول شعره، فلا يجد دافعاً لتقصيره وينتظر إلى بدابة عام
جديد آخر، أو مناسبة روحية أخري.

 

وهكذا
يصبح التدين عند أمثال هؤلاء، تدين مناسبات.

ليس
له أصل قوي، وليس نابعاً من القلب عن إيمان وحب، وإنما هو مجرد تأثرات وقتيه،
وانفعالات تزول بعد حين
.. فهي مثل بيت مبنى على الرمل، بدون أساس.

 

إذن
لكي يثبت الإنسان، لابد من أسس روحية توضع داخل القلب وترسخ فيه.

 

ولهذا
فإن الروحيات لا تأتي ولا تستمر، نتيجة لأوامر واجبة الطاعة من أب أو أم أو مرشد
أو رئيس. إنها تحتاج إلى تكوين علاقة روحية مع الله، علاقة تبدأ داخل القلب،
أساسها الايمان بحياة الروح، وبأهمية الأبدية، وبوجوب تكوين علاقة حب مع الله، حب
ثابت وليس مجرد مظاهر أو ممارسات.

إنها
تبدأ بإصلاح الذات من الداخل.

 

11-
الإصلاح الداخلي

إنسان
مثلاً دائماً يغضب، ويثور، ويعلو صوته، ويسئ إلى غيره، ويفقد أعصابه. يقول لنفسه
وهو نادم ” لابد أن أدرب نفسي على ترك الغضب “. ويبدأ التدريب بالفعل،
ولكنه لا يستمر ” إذ ليس له أصل”. فكيف إذن يتخلص من الغضب، بطريقة يبحث
فيها عن الأصل، ويصلحه؟

 

علية
أن يبحث عن أصول هذه الخطية في داخله، ويعالجه.

ربما
يكون سبب الغضب كبرياء داخلية لا تحتمل كلمة معارضة أو كلمة توجيه أو نقد. ربما
يكون السبب حبه للكرامة والمديح، أو رغبته في تنفيذ رأيه أياً كان أو تنفيذ رغباته.
أو قد يكون سبب غضبة كراهية لإنسان ما أصبح لا يحتمل منه كلمة
.. أياً كان
السبب، عليه أن يعالجه أولاً. وحينئذ يمكنه أن ينجح في تداريبه
..

 

إذن
علينا باصلاح الأسباب، وليس مجرد الأغراض.

مريض
ارتفعت درجة حرارته، أيمكنك معالجته بكمادات ثلج، أو بأسبرين
Asprin؟! أم يجب البحث عن السبب الذي أدي إلى ارتفاع درجة الحرارة
ومعالجته
..؟ ربما كان
السبب التهابا في اللوز، أو بؤرة صديدية في أحد أعضائه، أو حمى. يحتاج الأمر إلى
علاج داخلي، لا تصلح معه المحاولات الخارجية للتخلص من الأعراض
..

 

لا
يكن إصلاحكم لأنفسكم مجرد إصلاح خارجي، للمظاهر
..

إنما
اصلحوا القلب من الداخل. اصلحوا الأسباب الحقيقية التى تنبع منها الخطية. وحينئذ
يمكن لتوبتكم أن تستمر، ويمكن أن تستمر، ويمكن للممارساتكم الروحية أن تستمر، لأن
لها أصلاً ثابتاً داخل القلب
.. وهكذا قال الرب لملاك كنيسة أفسس ”
اذكر من أين سقطت، وتب” (رؤ2: 5). ولذلك فإن الأبرار سقطوا، يقومون بسرعة.

 

داود
سقط، ولكنه قام بسرعة، وبقوة، لأن الأصل من الداخل سليم. وبطرس انكر المسيح، ولكنه
بكي بكاءاً مراً وتاب، وذلك لأن الأصل سليم، القلب من الداخل فيه محبة للرب (يو21:
16). الأخطاء بالنسبة إلى هؤلاء القديسين كانت أخطاء عارضة. أما القلب فهو طاهر من
الداخل. ولذلك يمكننا أن نقول عن أخطائهم إنها:

 

كانت
خطايا ضعف، وليست أخطاء خيانة للرب.

وكان
هذا هو الفارق الأساسي بين خطية بطرس وخطية يهوذا. بطرس أخطأ عن ضعف. ويهوذا أخطأ
عن خيانة. والذي يخطئ عن ضعف، يقوم بسرعة، كما قيل ” الصديق يسقط سبع مرات في
اليوم ويقوم” (أم24: 16).

 

إن
محبتك لله، هي التى تجعلك تتوب وتستمر في التوبة.

أما
محبتك للخطية، فإنها تجعلك مهما تبت ترجع إلى الخطية مرة أخري وتستمر فيها. إذن
سبب الاستمرار هنا أو هناك، إنما راجع إلى قلبك وإلى أين يتجه
..

 

فالذي
يجعل الصديقين يقومون، هو القلب الحب لله. وبسبب هذا القلب، مهما سقطوا، فإنهم
” يجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور
.. يمشون ولا
يعيون” (اش40: 31).

 

عمقوا
جذوركم في الحياة مع الله، مدوها إلى أسفل، قبل أن ترفعوا الجزوع والفروع إلى أعلى.

لأن
العمق الداخلي هو الذي يسند الارتفاع إلى فوق. مثل راهب يدخل الرهبنة حديثاً. يلح
على أب اعترافه لكي يسمح له بأصوام طويلة، بمئات المطانيات، بطقس شديد في الوحدة
والصمت
.. فيقول له
أبوه الروحي: انتظر يا أبني حتى نهتم بالداخل

 

أولاً:
نضع أساساً من التواضع والوداعة واللطف في معاملة الناس، والمحبة الحقيقية من نحو
الله. وعلى هذا الأساس نبني
..

اهتم
إذن بحياتك كيف تبنيها من الداخل، قبل أن تبنيها من الخارج.

تبنيها
بالعمق، قبل أن تبنيها بالارتفاع.

تبنيها
بتصحيح الدوافع، قبل أن تبنيها بتغير المظاهر.

لا
يكفي فقط أن تترك الخطية، إنما بالأكثر ابحث عن أسبابها وتخلص من هذه الأسباب، حتى
لا تقع مرة أخري. فبهذا يمكنك إن تبت أن تستمر في التوبة. فهكذا قال السيد المسيح
” اذكر من أين سقطت وتب” (رؤ2: 5). انزع الأشواك التي تحيط بك، حتى إذا
زرعك يستمر نموه، ولا تخنقه الأشواك.

 

ادخل
إلى أعماقك، ونظف وصحح كل ما فيها
..

كثيرون
يبدأون حياتهم الروحية بالتغصب، وبالضغط على أرادتهم، واجبار النفس أن تسلك في
الطريق الروحي. ونحن لا ننتقد هذا، فهو لون من الجهاد الروحي اللازم.

ولكن
لماذا التغصب؟ لأن المحبة غير موجودة
..

أنت
تغصب نفسك على عمل الفضيلة، لأن محبة الفضيلة ليست موجودة في قلبك. فإن وصلت إلى
هذه المحبة، لا يبقى بعد تغصب، بل تمارس الفضيلة بطريقة تلقائية بدون جهاد. ويمكنك
أن تستمر فيها بدون خوف من السقوط

 

وأساس
هذه المحبة، هو إلى نريد أن نضعه في القلب، لأنه صمام الأمن
..

إن
العربة التي يكون محركها سليماً، تسير من تلقاء ذاتها، لا تحتاج إلى أناس يدفعونها
بأيديهم إلى الأمام. إنما داخلها (موتورها) يحركها
.. نصيحتي أن
تهتم بداخلك، لكي تحيا حياة روحية مستمرة. وإن لم تستطع أن تصل إلى المحبة، اجعل
مخافة الله أمام عينيك، وقل مثلما كان يقول إيليا النبي ” حي هو رب الجنود
الذي أنا واقف أمامه” (1مل18: 15). وكلما تحارب بخطية، قل لنفسك كما قال يوسف
الصديق ” كيف أعمل هذا الشر العظيم أخطئ إلى الله؟” (تك39: 9).

 

ولا
تكن حياتك الروحية هي مجرد حياة مناسبات.

إن
كان أسبوع نهضة روحية في الكنيسة، تنهض روحك خلاله، ثم تنجو بعد ذلك. إن كانت هناك
مناسبة روحية مثل عيد رأس سنة، أو يوم تناول، أو قداس عيد سيدي، ترتفع رو حياتك
ثابتة
..! لا يليق
أن تكون الأمور هكذا. إنما اجعل إيمانك الداخلي بالحياة مع الله، هو الذي يدفعك
باستمرار، في كل يوم، وكل ساعة
..

وكلما
تبدأ صفحة بيضاء، احرص أن تحتفظ ببياضها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى