اللاهوت الروحي

نظرة القديسين إلى الاستشهاد



نظرة القديسين إلى الاستشهاد

نظرة
القديسين إلى الاستشهاد

مقالة
بعنوان ” نظرة القديسين إلي الاستشهاد ” للمتنيح الأ
نبا
غريغوريوس

عن
عظة ألقيت صباح الأحد 23 نوفمبر 1979‏م

نشرت
فى جريدة وطنى بتاريخ الأحد 13/8/2006م السنة 48 العدد 2329.

مقالات ذات صلة

إكرام
القديسين والشهداء فى المسيحية

إننا
حين نكرم القديسين لا نكرمهم في ذواتهم، ‏ولكننا نكرم الفضيلة فيهم، ‏إننا نكرمهم
لا من أجلهم ولكن من أجل اسم المسيح الذي بذلوا حياتهم من أجله، ‏فإن كان مارمينا
وإن كان غيره من القديسين المبرزين فليسوا في ذواتهم شيئ إلا أنهم خدام لسيد
السادات‏. ‏إنهم لايصنعون شيئ لأجل نفوسهم وإنما عاشوا حياة فيه ضنك كثير وفيه تعب
وإرهاق، ‏دخلوا من الباب الضيق واحتملوا آلام كثيرة واضطهادات متنوعة وتركوا
الطريق السهل، ‏طريق الكرامة والمجد، ‏أخلوا أنفسهم من بهاء الحياة ومن زخرفه،
‏طرحوا جانب كرامة العالم والألقاب والمناصب وقنعوا بالمسيح وحده، ‏فكان نصيبهم
نصيب المسيح علي الأرض. “إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم”، ‏اضطهدوا
المسيح وعاش في الأرض مضطهدا، ‏ظلم وحكم عليه ظلم وهكذا كل الذين يختارون طريق
المسيح يضعون في قلوبهم أنهم لايتوقعون مجدا من العالم، ‏حتي المناصب يتركونها
ويطرحونها أرضا، ‏وكل الإغراءات وكل المزايا التي تعرض عليهم لكي ينكروا اسم
المسيح يحتقرونها ويضعونها جانبا، ‏بل يدوسونها بأقدامهم من أجل اسم سيدهم‏.‏

 

اسمعوا
بولس الرسول‏ يقول تبكون وتكسرون قلبي إني مستعد ليس فقط أن أربط من أجل المسيح
ولكن أن أموت من أجله، ‏إن نفسي ليست ثمينة عندي، ‏حتي أتمم بفرح سعيي والخدمة
التي قبلتها من الرب يسوع نفسي ليست ثمينة عندي، هؤلاء هم الذين وضعوا رؤوسهم علي
كف أيديهم، ‏من أجل الحق الذي خدموه ولول أنهم يؤمنون بالله ويؤمنون بالحياة
الأخري، ‏لما كانت تكون عندهم الشجاعة التي يقومون بها علي احتقار أباطيل العالم‏.
وعلي طرح المزايا والمناصب المعروضة عليهم، ‏وعلي احتمال الآلام والاضطهادات
والضيقات التي يتوعدونهم بها‏.‏ إن عيونهم كانت شاخصة وقلوبهم متطلعة إلي الله
الذي يرونه بقلوبهم ويحسبونه في حياتهم وفي حياة العالم، وكما قال الرسول بولس إني
عالم بمن آمنت، ‏وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم.‏

 

عالم
بمن آمنت، ‏سمح لنفسه بان يعترف بهذ الأمر، ‏بأنه عالم، ‏ليس هذ غرور بالعلم،
وإنما نتيجة خبرته ونتيجة علاقته الوطيدة الوثيقة بيسوع المسيح، ‏وإيمانه اليقيني
بالله يسوع المسيح وبقدرته وبلاهوته وبجلاله ومجده وأنه سيد الكون وحافظه، ‏ليس
إيمانه ضعيف ولا رخيص ولا عن جهل ولا عن غباوة، ‏أن عالم بمن آمنت وموقن، ‏موقن
وهذه أعلي درجات المعرفة أن يصل الإنسان إلي الإيقان، ‏إلي الثقة التي ليست بعدها
ثقة، ‏أن موقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم‏.‏

 

سبب
الأستشهاد فى المسيحية

إذن
الذين وضعوا نفوسهم من أجل اسم المسيح، ‏الذين استشهدوا في زمن الضيقة لم يستشهدوا
يأسا من الحياة، ‏لم يستشهدوا تحت ضرورة وإنما استشهدوا لأنهم يعلمون علم اليقين
من يستشهدون من أجله، ‏وأنه يستحق أن يستشهد الإنسان من أجله، ‏استشهدوا لا عن يأس
ولا عن ضيق ولا عن محبة في الموت ويأس من الحياة حاشا، ‏لأن الذي عرف الله يحب
الحياة، ‏ولا يكرهه، ‏لأن المسيح كم قال في الإنجيل: أن أتيت لتكون لكم حياة ولكي
يكون لكم أفضل، أنا أتيت لكي تكون لكم حياة ولكي تكون لكم هذه الحياة أفضل، ‏الذين
عرفوا الله يعيشون في الدنيا في سعادة روحية، ‏وفي سلام مع أنفسهم ومع الآخرين،
‏ولا يتمنون الموت يأس من الحياة ومن ضيقه، ‏إنما إذ تمنوا الموت فإنما طمعا لحياة
أفضل، ‏لكن المؤمنون لايضيقون بالحياة الدنيا، ‏ولا يشعرون أبدا بأن هذه الحياة لا
تستحق أن يحيا ‏الإنسان‏ ‏من‏ ‏أجله، ‏إن‏ ‏الذي‏ ‏يحب‏ ‏الله‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏يحب‏
‏الكون‏ ‏ويحب‏ ‏الحياة‏ ‏أيضا، ‏ولكنه‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏المسيح‏ ‏يستغني‏ ‏عن‏ ‏هذه‏
‏الحياة‏ ‏في‏ ‏سبيل‏ ‏المسيح‏ ‏وفي‏ ‏سبيل‏ ‏كلمته، ‏فالمسيحي‏ ‏الحقيقي‏ ‏يقول‏
‏ما‏ ‏قاله‏ ‏الرسول‏: ‏إن‏ ‏نفسي‏ ‏ليست‏ ‏ثمينة‏ ‏عندي، ‏حتي‏ ‏أتمم‏ ‏بفرح‏
‏سعيي: أتمم‏ ‏بفرح‏ ‏لا بضيق‏ ‏ولا‏ ‏بألم‏ ‏ولا‏ ‏علي‏ ‏الرغم‏ ‏مني، ‏إنما‏
‏أتمم‏ ‏بفرح‏ ‏سعيي، ‏فأنا‏ ‏في‏ ‏الحياة‏ ‏أقوم‏ ‏بواجبي‏ ‏بفرح، ‏في‏ ‏الحياة‏
‏الحاضرة‏ ‏أحيا‏ ‏في‏ ‏الدنيا‏ ‏فرحا‏ ‏بالرب افرحوا‏ ‏في‏ ‏الرب‏ ‏كل‏ ‏حين
نقول‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏لماذا؟ لأن‏ ‏هناك‏ ‏بعض‏ ‏الناس‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏المسيحيين‏
‏عندما‏ ‏يقرأون‏ ‏عن‏ ‏الشهداء‏ ‏يقولون‏ ‏أنهم‏ ‏كانوا‏ ‏متضايقين‏ ‏من‏
‏الدنيا‏ ‏ومتعبون‏ ‏وكانوا‏ ‏ينتحرون، ‏هذا‏ ‏تأويل‏ ‏بعض‏ ‏الكتاب، ‏وبعض‏ ‏من‏
‏غير‏ ‏المسيحيين‏ ‏لحركة‏ ‏الاضطهاد‏ ‏والاستشهاد‏ ‏المسيحي، ‏يرون‏ ‏أن‏
‏الاستشهاد‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏أنواع‏ ‏الانتحار‏!!‏ نقول‏ ‏لا‏..‏لا‏.. ‏إن‏
‏المسيحيين‏ ‏الذين‏ ‏استشهدوا‏ ‏لم‏ ‏يستشهدوا‏ ‏بصدد‏ ‏ضيقهم‏ ‏من‏ ‏الحياة‏
‏ولا‏ ‏يأسا‏ ‏من‏ ‏الحياة، ‏لأن‏ ‏المسيحي‏ ‏الحقيقي‏ ‏يعيش‏ ‏في‏ ‏الدنيا‏ ‏سعيدا‏
‏بعلاقته‏ ‏بالله، ‏لأن‏ ‏الدين‏ ‏يدخل‏ ‏إلي‏ ‏قلبه‏ ‏السعادة‏ ‏ويدخل‏ ‏إلي‏
‏قلبه‏ ‏الفرح، ‏وإذا‏ ‏كان‏ ‏هناك‏ ‏مسيحي‏ ‏لايعيش‏ ‏سعيدا‏ ‏نفسيا‏ ‏في‏
‏الدنيا‏ ‏ففي‏ ‏الواقع‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يستفد‏ ‏من‏ ‏الدين‏ ‏شيئا‏.‏

 

يوحنا‏
‏ذهبي‏ ‏الفم‏ ‏عندما‏ ‏أرادوا‏ ‏أن‏ ‏ينفوه‏ ‏إلي‏ ‏خارج‏ ‏حدود‏ ‏إيبارشيته‏
‏قال‏ ‏لهم‏: ‏إين‏ ‏تذهبوا‏ ‏بي؟ إلي‏ ‏أي‏ ‏مكان‏ ‏أذهب؟ قالوا‏: ‏إلي‏ ‏بلد‏
‏بعيد‏ ‏وبعيد‏ ‏جد، ‏إلي‏ ‏مكان‏ ‏قاحل، ‏قال‏: ‏لا يهمني‏، ‏أنا‏ ‏أسأل‏ ‏سؤالا:
‏ ‏هل‏ ‏هناك‏ ‏الله؟ قالوا‏ ‏له‏: ‏الله‏ ‏موجود‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏مكان، ‏قال‏ ‏إذن‏
‏كل‏ ‏مكان‏ ‏بالنسبة‏ ‏لي‏ ‏سواء، ‏أنا‏ ‏سعيد‏ ‏بربي‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏المكان‏
‏وسعيد‏ ‏به‏ ‏في‏ ‏أي‏ ‏مكان‏ ‏آخر، ‏هذا‏ ‏لا يزعجني‏ ‏هذا‏ ‏لا يقلقني‏ ‏ما
دام‏ ‏الله‏ ‏معي، ‏ومادمت‏ ‏أنا‏ ‏مع‏ ‏الله‏ ‏فأنا‏ ‏سعيد‏ ‏ولا يعنيني‏ ‏المكان‏
‏الذي‏ ‏أكون‏ ‏فيه‏.‏

 

هذه‏
هى ‏نظرة‏ ‏القديسين‏ ‏إلي‏ ‏الاستشهاد

هذه‏
‏روح‏ ‏الإنسان‏ ‏المسيحي‏ ‏الذي‏ ‏يعيش‏ ‏في‏ ‏الدنيا‏ ‏غير‏ ‏متبرم‏ ‏ولا‏
‏متضايق‏ ‏ولا‏ ‏يائس‏ ‏ولا يتمني‏ ‏الموت‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الخلاص‏ ‏من‏ ‏الحياة‏
‏الضيقة، ‏ولكنه‏ ‏يعيش‏ ‏في‏ ‏حياته‏ ‏يحس‏ ‏أن‏ ‏الحياة‏ ‏تستحق‏ ‏أن‏ ‏يعيش‏
‏الإنسان‏ ‏من‏ ‏أجله، ‏لأنه‏ ‏يحيا‏ ‏في‏ ‏الدنيا‏ ‏ليستعد‏ ‏إلي‏ ‏حياة‏ ‏أخري‏
‏له‏ ‏هدف‏ ‏في‏ ‏حياته، ‏وله‏ ‏أمل، ‏والأمل‏ ‏واضح‏ ‏والهدف‏ ‏واضح‏ ‏وهو‏ ‏لا
يتخلف‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏الهدف‏ ‏الواضح‏.‏ إذن‏ ‏الشهداء‏ ‏حينما‏ ‏استشهدوا‏ ‏لم‏
‏يكن‏ ‏استشهادهم‏ ‏عن‏ ‏ضيق‏ ‏في‏ ‏الحياة‏ ‏ولا‏ ‏عن‏ ‏تبرم، ‏ولا‏ ‏عن‏ ‏رغبة‏
‏حقيقية‏ ‏في‏ ‏الموت‏ ‏في‏ ‏ذاته‏ ‏ليتخلصوا‏ ‏من‏ ‏الحياة، ‏كما‏ ‏يحدث‏
‏للإنسان‏ ‏المنتحر، ‏حاش، ‏إن‏ ‏تفسه‏ ‏ثمينة‏ ‏ومن‏ ‏أجل‏ ‏أن‏ ‏نفسه‏ ‏ثمينة‏
‏يسع‏ ‏لخلاص‏ ‏نفسه‏ ‏ولكنه‏ ‏إذا‏ ‏رأي‏ ‏أن‏ ‏خلاصه‏ ‏يقتضي‏ ‏أن‏ ‏يقدم‏
‏حياته‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏المسيح‏ ‏لا‏ ‏يتأخر‏ ‏نفسي‏ ‏ليست‏ ‏ثمينة‏ ‏عندي‏ ‏حتي‏
‏أتمم‏ ‏بفرح‏ ‏سعيي‏ ‏والخدمة‏ ‏التي‏ ‏قبلتها‏ ‏من‏ ‏الرب‏ ‏يسوع نفسه‏ ‏ثمينة‏
‏في‏ ‏ذاته، ‏ومن‏ ‏أجلها‏ ‏يسعي‏ ‏لكي‏ ‏يخلص‏ ‏به، ‏ولكن‏ ‏ليست‏ ‏ثمينة‏
‏بإزاء‏ ‏رسالته‏ ‏وبإزاء‏ ‏الهدف‏ ‏الذي‏ ‏يحيا‏ ‏المسيحي‏ ‏من‏ ‏أجله‏ ‏في‏
‏هذه‏ ‏الحياة‏ ‏متطلعا‏ ‏إلي‏ ‏الأبدية‏ ‏متطلعا‏ ‏إلي‏ ‏الآخرةمتطلعا‏ ‏إلي‏
‏جعالة‏ ‏الله‏ ‏العلي، ‏أنا‏ ‏موقن‏ ‏أنه‏ ‏قادر‏ ‏أن‏ ‏يحفظ‏ ‏وديعتي‏ ‏إلي‏
‏ذلك‏ ‏اليوم‏.

 

ولذلك‏
‏فإن‏ ‏مارمينا‏ ‏وغيره‏ ‏من‏ ‏الشهداء‏ ‏كانوا‏ ‏يعذبون‏ ‏في‏ ‏أجسادهم‏ ‏تحرق‏
‏أجسادهم، ‏تقطع‏ ‏أعضاؤهم‏ ‏والناس‏ ‏من‏ ‏حولهم‏ ‏يتعجبون‏ ‏لأنهم‏ ‏لا يرون‏
‏علي‏ ‏وجوه‏ ‏هؤلاء‏ ‏الشهداء‏ ‏علامة‏ ‏ضيق‏ ‏أو‏ ‏ألم، ‏لدرجة‏ ‏أن‏ ‏نيرون‏
‏مرة‏ ‏قال‏: ‏ تبا‏ ‏لهؤلاء‏ ‏الأوغال، ‏كيف‏ ‏يقابلون‏ ‏الموت‏ ‏بالابتسامة؟!!
‏كان‏ ‏الأمر‏ ‏بالنسبة‏ ‏له‏ ‏عجبا‏ ‏كيف‏ ‏يقابل‏ ‏المسيحيون‏ ‏الشهداء‏ ‏الموت‏
‏بابتسامة، ‏لم‏ ‏يعرف‏ ‏نيرون، ‏ولا يعرف‏ ‏أهل‏ ‏العالم‏ ‏السعادة‏ ‏التي‏
‏يعيش‏ ‏فيها‏ ‏السعداء‏ ‏والشهداء‏ ‏في‏ ‏بواطنهم، ‏في‏ ‏اللحظة‏ ‏التي‏ ‏تقع‏
‏عليهم‏ ‏الضربات‏ ‏والإهانات‏ ‏والشتائم، ‏هناك‏ ‏لذة‏ ‏روحية، ‏لذة‏ ‏عقلية،
‏هناك‏ ‏شخوص‏ ‏إلي‏ ‏السماء‏ ‏ينسيهم‏ ‏الآلام‏ ‏التي‏ ‏من‏ ‏حولهم، ‏ويخفف‏
‏عنهم‏ ‏لأن‏ ‏عقولهم‏ ‏مركزة‏ ‏في‏ ‏السماء، ‏لأن‏ ‏قلوبهم‏ ‏مرتفعة‏ ‏إلي‏ ‏فوق،
‏لأنهم‏ ‏في‏ ‏عالم‏ ‏الروح‏ ‏لا يشعرون‏ ‏أهم‏ ‏في‏ ‏الجسد‏ ‏أم‏ ‏خارج‏
‏الجسد‏.‏

 

أحد‏
‏الشهداء‏ ‏حينما‏ ‏قيدوه‏ ‏بالسلاسل‏ ‏انحني‏ ‏يقبل‏ ‏السلاسل، ‏وهذا‏ ‏يريكم‏
‏نظرة‏ ‏الشهداء‏ ‏إلي‏ ‏الاستشهاد‏ ‏نظرة‏ ‏سعيدة، ‏يقبل‏ ‏السلاسل‏ ‏التي‏
‏يقيد‏ ‏بها‏ ‏كأنها‏ ‏قطع‏ ‏من‏ ‏ذهب‏ ‏توضع‏ ‏في‏ ‏معصميه‏ ‏أو‏ ‏توضع‏ ‏في‏
‏رجليه، ‏لا ينظر‏ ‏إليها‏ ‏علي‏ ‏أنها‏ ‏قيود‏ ‏وسلاسل، ‏إنما‏ ‏يتطلع‏ ‏إليها‏
‏علي‏ ‏أنها‏ ‏بركة‏ ‏أنعم‏ ‏بها‏ ‏عليه‏ ‏حتي‏ ‏يكون‏ ‏للمسيح‏ ‏شهيد، ‏وحتي‏
‏يترتب‏ ‏علي‏ ‏إيمانه‏ ‏وصبره‏ ‏واستشهاده‏ ‏إيمان‏ ‏الكثيرين‏ ‏من‏ ‏الآخرين‏
‏المحيطين‏ ‏به، ‏وبهذا‏ ‏يكون‏ ‏كارزا‏ ‏باسم‏ ‏سيده، ‏كارزا‏ ‏بصمته‏ ‏كارزا‏
‏باحتماله‏ ‏وصبره‏ ‏وآلامه‏.‏

 

كيف‏
‏يبرز‏ الرب ‏إيمان‏ ‏الشهداء؟‏!! يمجدون بفضيلتهم فى الأرض والسماء

هذه‏
‏نظرة‏ ‏القديسين‏ ‏إلي‏ ‏الاستشهاد، ‏وهنا‏ ‏واحد‏ ‏يسأل‏ ‏ويقول‏: ‏ ولماذا‏
‏يتركهم‏ ‏الله؟ كلما‏ ‏نري‏ ‏ضيقا‏ ‏في‏ ‏المجتمع‏ ‏كلما‏ ‏نري‏ ‏ضيقا‏ ‏في‏
‏الكنيسة‏ ‏نقول‏ ‏لماذا‏ ‏الله‏ ‏يسمح‏ ‏بذلك؟ لماذا‏ ‏الله‏ ‏يترك‏ ‏الاضطهاد‏
‏يقع‏ ‏علي‏ ‏الكنيسة؟ لماذا؟ هذا‏ ‏سؤال‏ ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏نسأله، ‏وكثيرا‏ ‏ما
نسمع‏ ‏الشعب‏ ‏يردده، ‏الله‏ ‏لم‏ ‏يترك، ‏إنما‏ ‏هذا‏ ‏الترك‏ ‏إلي‏ ‏حين،
‏ليري‏ ‏الله‏ ‏ماذا‏ ‏يصنع‏ ‏الثابتون‏ ‏علي‏ ‏الإيمان، ‏إنه‏ ‏يعطي‏ ‏فرصة‏
‏ليظهر‏ ‏إيمان‏ ‏المؤمنين، ‏يعطي‏ ‏فرصة‏ ‏ليظهر‏ ‏الصبر‏ ‏والاحتمال‏ ‏والحب‏
‏الذي‏ ‏يبرز‏ ‏في‏ ‏صبر‏ ‏القديسين‏ ‏وفي‏ ‏استشهادهم، ‏لولا‏ ‏أن‏ ‏الله‏
‏يتركهم‏ ‏إلي‏ ‏حين‏ ‏ويعطي‏ ‏فرصة‏ ‏للمضطهدين‏ ‏أن‏ ‏يضهطدوا، ‏كيف‏ ‏يبرز‏
‏إيمان‏ ‏الشهداء‏!!‏ لو‏ ‏لم‏ ‏يعطي‏ ‏الله‏ ‏فرصة‏ ‏لأيوب‏ ‏حتي‏ ‏تقع‏ ‏عليه‏
‏الآلام، ‏هل‏ ‏كنا‏ ‏نحن‏ ‏نعلم‏ ‏الآن‏ ‏بصبر‏ ‏أيوب‏!! ‏ومدي‏ ‏الصبر‏ ‏الذي‏
‏أظهره‏ ‏أيوب‏ ‏في‏ ‏حياته‏!! ‏لو‏ ‏كان‏ ‏الله‏ ‏تدخل‏ ‏في‏ ‏بدء‏ ‏الأمر‏ ‏لما‏
‏كان‏ ‏أعطي‏ ‏أيوب‏ ‏فرصة‏ ‏ليظهر‏ ‏صبره‏ ‏واحتماله‏.‏

 

إذا‏
‏كان‏ ‏الله‏ ‏يسمح‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏الأوقات‏ ‏للكنيسة‏ ‏أن‏ ‏تضطهد، ‏ولشعبه‏ ‏أن‏
‏يعامل‏ ‏المعاملة‏ ‏المؤلمة‏ ‏كذلك‏ ‏يعطي‏ ‏فرصة‏ ‏لهذا‏ ‏الشعب‏ ‏أن‏ ‏يظهر‏
‏حبه‏ ‏وأن‏ ‏يظهر‏ ‏إيمانه‏ ‏وأن‏ ‏يظهر‏ ‏مدي‏ ‏تمسكه‏ ‏به‏.‏

 

الله‏
‏حينما‏ ‏امتحن‏ ‏إبراهيم‏ ‏وقال‏ ‏له‏ ‏قدم‏ ‏ابنك‏ ‏اسحق‏ ‏ذبيحة‏ ‏علي‏ ‏أحد‏
‏الجبال‏ ‏الذي‏ ‏أعلمك‏ ‏به، ‏وقام‏ ‏إبراهيم‏ ‏مبكرا‏ ‏وأسرج‏ ‏دابته، ‏ومشي‏
‏الطريق‏ ‏الطويل‏ ‏وصعد‏ ‏إلي‏ ‏الجبل‏ ‏العالي، ‏وصنع‏ ‏مذبحا‏ ‏ورتب‏ ‏علي‏
‏المذبح‏ ‏الحطب‏ ‏وربط‏ ‏ابنه‏ ‏اسحق‏ ‏علي‏ ‏المذبح‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الطريق‏
‏الطويل‏ ‏الذي‏ ‏عاناه‏ ‏إبراهيم، ‏وعاناه‏ ‏معه‏ ‏اسحق، ‏هل‏ ‏كان‏ ‏الله‏
‏غافلا؟ كان‏ ‏الله‏ ‏يري، ‏ولكن‏ ‏الله‏ ‏تركه‏ ‏ليظهر‏ ‏إبراهيم‏ ‏إيمانه،
‏وليظهر‏ ‏إسحق‏ ‏طاعته‏ ‏وفي‏ ‏اللحظة‏ ‏المناسبة‏ ‏قال‏ ‏له‏ ‏ارفع‏ ‏يدك‏ ‏إني‏
‏علمت‏ ‏أنك‏ ‏لم‏ ‏تمنع‏ ‏ابنك‏ ‏وحيدك‏ ‏إسحق‏ ‏عني‏ ‏لذلك‏ ‏بالبركة‏ ‏أباركك‏
‏وبالكثرة‏ ‏أكثر‏ ‏نسلك‏ ‏فلا‏ ‏تظنوا‏ ‏أبدا‏ ‏أن‏ ‏الله‏ ‏إذ‏ ‏يترك‏ ‏الشدائد‏
‏أن‏ ‏تحل‏ ‏علي‏ ‏كنيسته، ‏أن‏ ‏الله‏ ‏غافل‏ ‏عنها‏ ‏أو‏ ‏أن‏ ‏الله‏ ‏تخلي‏
‏عنها‏ ‏أبد، ‏إنما‏ ‏هي‏ ‏فرصة‏ ‏من‏ ‏قبله‏ ‏تعالي‏ ‏يتيحها‏ ‏ليظهر‏ ‏فيها‏
‏إيمان‏ ‏المؤمنين‏ ‏ويظهر‏ ‏صبرهم‏ ‏وتظهر‏ ‏محبتهم‏ ‏ويظهر‏ ‏مدي‏ ‏استمساكهم‏
‏وبهذا‏ ‏يستحقون‏ ‏المكافأة‏ ‏ويستحقون‏ ‏الجزاء‏ ‏الأخروي‏ ‏وبهذا‏ ‏أيضا‏
‏يضربون‏ ‏للناس‏ ‏من‏ ‏بعدهم‏ ‏المثل‏ ‏والقدوة‏ ‏والعبرة، ‏ليتعلم‏ ‏الناس‏ ‏من‏
‏ورائهم‏ ‏ويعرفوا‏ ‏مدي‏ ‏محبة‏ ‏هؤلاء‏ ‏لله، ‏ثم‏ ‏يتمثلون‏ ‏بهم‏ ‏ويقتدون‏
‏بهم‏ ‏ويحتذون‏ ‏بهم، ‏وهكذا‏ ‏صار‏ ‏لنا‏ ‏تاريخ‏ ‏وصار‏ ‏تاريخ‏ ‏الشهداء‏
‏مجيدا‏ ‏عظيم، ‏نعتز‏ ‏به‏ ‏ونفخر‏ ‏علي‏ ‏الأيام‏ ‏أن‏ ‏هؤلاء‏ ‏احتملوا‏ ‏من‏
‏أجل‏ ‏المسيح‏ ‏وصبروا‏ ‏من‏ ‏أجله، ‏وأبرزوا‏ ‏إيمانهم‏ ‏به‏ ‏فيكون‏ ‏لنا‏
‏نحن‏ ‏الأبناء‏ ‏فخر‏ ‏بهؤلاء‏ ‏الآباء‏ ‏فخر‏ ‏البنين‏ ‏آباؤهم، ‏ونحن‏ ‏فخرنا‏
‏في‏ ‏جيلنا‏ ‏بالآباء‏ ‏الذين‏ ‏سبقونا‏ ‏والذين‏ ‏أظهروا‏ ‏صبرا‏ ‏واحتمالا‏.‏

 

إن‏
‏مارمينا‏ ‏العجايبي‏ ‏وقد‏ ‏كان‏ ‏شابا‏ ‏صغيرا‏ ‏حينما‏ ‏استشهد‏ ‏لم‏ ‏يكن‏
‏يتعدي‏ ‏الثالثة‏ ‏والعشرين‏ ‏من‏ ‏عمره‏ ‏أو‏ ‏ربما‏ ‏أقل، ‏في‏ ‏هذه‏ ‏السن‏
‏المبكرة‏ ‏وبعد‏ ‏أن‏ ‏صار‏ ‏مار مينا‏ ‏واليا‏ ‏وحاكما‏ ‏حل‏ ‏محل‏ ‏أبيه،
‏لكنه‏ ‏لما‏ ‏رأي‏ ‏أن‏ ‏اسم‏ ‏المسيحي‏ ‏مضطهد، ‏وأن‏ ‏دقلديانوس‏ ‏قد‏ ‏كفر‏
‏بالمسيح، ‏وأنه‏ ‏أراد‏ ‏أن‏ ‏يضطهد‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏يؤمن‏ ‏باسم‏ ‏المسيح، ‏لم‏
‏يقبل‏ ‏مارمينا‏ ‏علي‏ ‏نفسه‏ ‏وهو‏ ‏وإل‏ ‏أن‏ ‏يبقي‏ ‏هكذا‏ ‏مخفيا‏ ‏نفسه،
‏ولايعلم‏ ‏الإمبراطور‏ ‏بأمره، ‏فأراد‏ ‏أن‏ ‏يعلن‏ ‏إيمانه‏ ‏بالمسيح‏ ‏وينادي‏
‏نفسه‏ ‏مسيحي، ‏ولاينكر‏ ‏اسم‏ ‏سيده‏ ‏ولايختبيء‏ ‏تحت‏ ‏إغراء‏ ‏بأنه‏ ‏حاكم‏
‏أو‏ ‏وال، ‏ولا‏ ‏حتي‏ ‏بقبول‏ ‏الإغراءات‏ ‏التي‏ ‏عرضها‏ ‏الإمبراطور‏ ‏عليه‏
‏حتي‏ ‏ينكر‏ ‏اسم‏ ‏المسيح‏ ‏فرفضها‏ ‏جميع، ‏طرحها‏ ‏أرض، ‏احتقرها‏ ‏بأباطيل‏
‏العالم، ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏لهذه‏ ‏المراكز‏ ‏ولا‏ ‏المناصب‏ ‏إغراء‏ ‏ولا‏ ‏جمال‏ ‏ولا‏
‏لذة‏ ‏بالنسبة‏ ‏له، ‏لأنه‏ ‏في‏ ‏باطنة‏ ‏عابد‏ ‏لربه‏ ‏عابد‏ ‏لسيده‏ ‏ويعلم‏
‏كرامته، ‏لذلك‏ ‏أبي‏ ‏مارمين، ‏أبي‏ ‏كل‏ ‏الإغراءات‏ ‏وكل‏ ‏المناصب‏ ‏وكل‏
‏الوعود‏ ‏التي‏ ‏وعد‏ ‏بها‏ ‏في‏ ‏سبيل‏ ‏أن‏ ‏ينكر‏ ‏المسيح، ‏أبي‏ ‏كل‏ ‏هذا‏
‏وذهب‏ ‏متعبدا‏ ‏وطرح‏ ‏ملابس‏ ‏الجندية‏ ‏ليعلن‏ ‏تمرده‏ ‏علي‏ ‏الإمبراطور،
‏وليعلن‏ ‏تبعيته‏ ‏لملك‏ ‏آخر‏ ‏يسوع‏ ‏المسيح، ‏ولابد‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏يدفع‏ ‏الثمن،
‏ودفع‏ ‏الثمن‏ ‏غاليا‏ ‏من‏ ‏دمه، ‏ولكن‏ ‏نفسه‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏ثمينة‏ ‏عنده‏ ‏حتي‏
‏يتمم‏ ‏بفرح‏ ‏سعيه‏ ‏والخدمة‏ ‏التي‏ ‏قبلها‏ ‏من‏ ‏الرب‏ ‏يسوع‏.‏

 

هذا‏
‏الشاب‏ ‏يقف‏ ‏أمامنا‏ ‏مثلا‏ ‏للشباب، ‏يقف‏ ‏صامتا‏ ‏معلما‏ ‏بصمته‏ ‏وبعمله،
‏يقف‏ ‏ليدين‏ ‏أصحاب‏ ‏المراكز‏ ‏والمناصب‏ ‏الذين‏ ‏يبيعون‏ ‏المسيح‏ ‏من‏ ‏أجل‏
‏منصب‏ ‏أو‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏كرامة‏ ‏أو‏ ‏ليتفادوا‏ ‏اضطهادات‏ ‏تقع‏ ‏عليهم‏ ‏من‏
‏أجل‏ ‏المسيح، ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏الصغير‏ ‏يقف‏ ‏ليدين‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏تحدثه‏ ‏نفسه‏
‏بأن‏ ‏ينكر‏ ‏سيده‏ ‏أو‏ ‏يتنكر‏ ‏له، ‏أو‏ ‏يجبن‏ ‏لسبب‏ ‏أو‏ ‏لآخر‏ ‏عن‏ ‏أن‏
‏يعلن‏ ‏تبعيته‏ ‏للمسيح‏ ‏أنه‏ ‏نصراني، ‏نحن‏ ‏في‏ ‏أيامنا‏ ‏هذه‏ ‏وفي‏
‏الأيام‏ ‏المقبلة‏ ‏نحتاج‏ ‏إلي‏ ‏طراز‏ ‏مارمينا‏ ‏وإلي‏ ‏طراز‏ ‏الشهداء،
‏أيام‏ ‏ستأتي‏ ‏يمتحن‏ ‏فيها‏ ‏إيماننا‏ ‏بالمسيح‏.‏نحن‏ ‏مقبلون‏ ‏علي‏ ‏زمن،
‏نحن‏ ‏في‏ ‏الأيام‏ ‏الأخيرة، ‏وهناك‏ ‏وسائط‏ ‏ووسائل‏ ‏متنوعة‏ ‏يتحدون‏ ‏بها‏
‏المسيح، ‏المسيح‏ ‏الآن‏ ‏في‏ ‏مركز‏ ‏التحدي‏ ‏بصور‏ ‏مختلفة‏ ‏سواء‏ ‏كنتم‏
‏تشعرون‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏تشعرون، ‏الشيطان‏ ‏يسخر‏ ‏كل‏ ‏قواته‏ ‏وسوف‏ ‏تتفاقم‏ ‏هذه‏
‏الشدائد‏ ‏لتحدي‏ ‏المسيح‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يأتي‏ ‏في‏ ‏مجيئه‏ ‏الثاني‏.‏

 

فأنتم‏
‏الآن‏ ‏أيها‏ ‏الأقباط‏ ‏أمامكم‏ ‏فرصة‏ ‏لتتنبهو، ‏ولتعلموا‏ ‏أنه‏ ‏سيمتحن‏
‏إيمانكم‏ ‏ويمتحن‏ ‏صبركم‏ ‏وستمتحن‏ ‏محبتكم‏ ‏لربكم‏ ‏وتبعيتكم‏ ‏للمسيح‏
‏الإله‏.‏اتخذوا‏ ‏من‏ ‏مارمينا، ‏ولنتخذ‏ ‏من‏ ‏سائر‏ ‏الشهداء‏ ‏الذين‏ ‏قبلوا‏
‏التحدي، ‏ولو‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏سعادتهم‏ ‏المادية، ‏ولو‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏المناصب‏
‏والمراكز‏ ‏والمال‏ ‏والكرامة‏ ‏البشرية‏ ‏لكن‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏اسم‏ ‏المسيح‏
‏احتملو، ‏والمسيح‏ ‏لاينسي‏ ‏تعبكم، ‏ليس‏ ‏بظالم، ‏كل‏ ‏من‏ ‏أنكره‏ ‏سينكره‏
‏المسيح‏ ‏في‏ ‏مجيئه‏ ‏الثاني، ‏وكل‏ ‏من‏ ‏يعترف‏ ‏به‏ ‏سيعترف‏ ‏به‏ ‏في‏
‏مجيئه‏ ‏الثاني‏ ‏حينما‏ ‏يأتي‏ ‏ليدين‏ ‏الأحياء‏ ‏والأموات‏.‏

نعمة‏
‏ربنا‏ ‏يسوع‏ ‏المسيح‏ ‏تشملنا‏ ‏جميعا‏ ‏وله‏ ‏الإكرام‏ ‏والمجد‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏
‏آمين‏.‏

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى