اللاهوت الروحي

الباب الثاني



الباب الثاني

الباب
الثاني

جوهر
الخلاص

“صنع الرب خلاصاً عظيماً” (2صم12: 23).

الفصل الأول: مفهوم الخلاص.

مقالات ذات صلة

الفصل الثاني: دوافع الخلاص.

الفصل الثالث: طرق الخلاص.

الفصل الرابع: عمل الخلاص.

 

الفصل الأول

مفهوم الخلاص

أولاً:
إنقاذ من عقوبة الخطية.

ثانياً:
إنقاذ من سلطان الخطية.

ثالثاً:
إنقاذ من جسد الخطية.

في
بساطة نستطيع أن نقول إن الخلاص معناه (الإنقاذ) فمثلا: (الخلاص من الغرق) هو
الإنقاذ من الغرق. (الخلاص من يد العدو) هو الإنقاذ من يده.. وبهذا المعني نفهم
خلاص المسيح لنا أنه:

 

أولاً: إنقاذ من عقوبة الخطية:

عندما
ترتكب إحدى الخطايا تتبكت وتتألم لأنك ترى شدة غضب الله، وتحس بأنك تستحق الموت
لأنك فعلت الشر في عيني الرب إلهك..

هذا
شعور سليم لأن “أجرة الخطية هي الموت” (رو23: 6).

 

فان
كان هذا شعورك فأنت تستطيع أن تفهم معنى الخلاص، فالخلاص هو إنقاذك من قصاص الخطية
ودينونتها، أو بمعنى أوضح إنقاذ من عقدة الشعور بالذنب. “لأنه لا شئ من
الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب
الروح”. (رو1: 8).

 

فيسوع
بموته على الصليب قد وفى قصاص الخطية، قد احتمل في جسده عقوبة خطاياك ليطلقك أنت
بريئاً. “لأن الرب وضع عليه إثم جميعنا”. (اش6: 53). “والمسيح
أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا. البار من أجل الآثمة لكي يقربنا إلى
الله”. (1يو18: 3). ولهذا فان “دم يسوع المسيح ابنه يطهر من كل
خطية”. (1يو7: 1).

 

فان
كنت حزيناً على خطاياك مرتجفاً من العذاب الذي تستحقه ارفع نظرك إلى المعلق على
خشبة الصليب نيابة عنك، فتحمل العذاب عوضاً عنك، ومات هو بدلا منك، فترتاح نفسك
ويصير لك سلام مع الله. “متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح..
بالإيمان بدمه” (رو25: 3). “إذ قد تبررنا ولا تنسى أنك علي هذا الإيمان
قد قبلت المعمودية بالإيمان وصرت عضواً في الكنيسة لنا سلام مع الله بربنا يسوع
المسيح” (رو1: 5).

 

هل
تثق وتؤمن في كفاية دم المسيح المسفوك عنك ليوفى دينك؟ أم أنك تظل حزينا مرتجفا من
العقاب غير واثق في تبرير الرب لك بدمه. “ونحن متبررين الآن بدمه نخلص به من
الغضب”. (رو9: 5).

إنك
إن لم تثق في ذلك فانك تنقص من قيمة دم المسيح وعمله الكفاري على الصليب!!.

 

ولكن
هل معنى هذا أنك تتمادى في خطاياك وشرورك على حساب دم المسيح؟ كلا..

أريدك
أن تلاحظ جيداً أن الكتاب عندما قال: “إذاً لا شئ من الدينونة الآن على الذين
هم في المسيح يسوع” أكمل قائلا: “السالكين ليس حسب الجسد بل حسب
الروح”(رو1: 8).

 

والسيد
المسيح نفسه قال لمريض بيت حسدا بعد أن شفاه من مرض الجسد ومرض الخطية “ها
أنت قد برئت فلا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر”. (يو14: 5).

وبولس
الرسول يؤكد هذا القول بقوله: “فماذا نقول. أنبقى في الخطية لكي تكثر النعمة.
حاشا. نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها” (رو1: 6،2).

 

أرجو
أن هذا الأمر لا يحيرك كثيراً فان المقصود بالسلوك حسب الروح أن تكون اتجاهاتك
ورغبات قلبك هي أن تعيش مع الله وتسلك في الطريق المؤدى للحياة الأبدية، فان تعثرت
فيه وسقطت عن ضعف، يقيمك الرب ويغفر خطاياك ولا يحسب عليك خطية. وفي هذا قال يوحنا
الحبيب “يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند
الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا.. ليس لخطايانا فقط بل الخطايا كل
العالم أيضاً” (1يو1: 2،2).

وفال
أيضاً: “إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من
كل إثم” (1يو9: 1).

 

وأما
الحالة التي يحذر منها الكتاب هي أنك تعيش في حياة الإثم ولكن لإسكات صوت ضميرك عن
تأنيبك وصوت الروح القدس عن تبكيتك تقول أن الدم يطهر من كل خطية!!

 

وفي
هذا قال الرسول “إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل
الحق ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع
المسيح يطهرنا من كل خطية”. (1يو6: 1،7). فان لم تكن لك توبة صادقة لن تغفر
خطيتك. “إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون: . (لو3: 12). “فتوبوا
وارجعوا لتمحى خطاياكم”. (أع19: 3).

 

فعلى
هذا الإيمان تسرى فاعلية سر المعمودية وسر التوبة في الخلاص من قصاص الخطية.

 

ثانياً: إنقاذ من سلطان الخطية:

هذا
هو المعنى الثاني للخلاص أو بتعبير أدق الجانب الثاني للخلاص. فالإنقاذ من سلطان
الخطية ومحبتها لا يقل أهمية وقيمة عن الإنقاذ من قصاص الخطية وعقوبتها.

 

فلو
كان عمل المسيح قاصراً فقط على الإنقاذ من قصاص الخطية فحسب دون التحرير من
سلطانها لكان عملاً مبتوراً وحاشا أن يكون عمل الله ناقصا.

 

فما
قيمة تسديد ديون أحد السكيرين دون تحريره من سلطان الخمر، ربما كان هذا العمل
مدعاة له أن يتمادى في سكره وديونه متكلا على من يسددها له!! إن هذا العمل يضره
أكثر مما يفيده، لهذا وجب على من يسدد الديون أن يعمل على التحرير من سلطان الكيوف
والخطية.

وشكراً
لله بيسوع المسيح ربنا الذي قيل عنه “فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام
الذين يتقدمون به إلى الله.. إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم”. (عب25:).

 

فيسوع
لم يسدد الدين فحسب بل قد وهبنا روحه الذي يحررنا من سلطان الخطية ومحبتها
والعبودية لها.

 

هو
ذا بولس الرسول يتكلم عن خبرته في هذا الأمر، فبعد أن كان يصرخ متأوها. “أرى
ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في
أعضائي.. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت”. (رو23: 7،24).
نراه بعد ما حصل على اختبار التحرر من سلطان الخطية يقول “إن ناموس روح
الحياة في المسيح قد أعتقني من ناموس الخطية والموت”. (رو2: 8).

 

ويلاحظ
أن هذه النعمة تالية لنعمة الخلاص من دينونة الخطية إذ في الآية السابقة مباشرة
لهذه الآية يقول الرسول “إذا لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح
يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح”. (رو1: 8).

فلا
تكتفي يا مبارك بنعمة الخلاص من قصاص الخطية وعقوبتها بل اطلب بإيمان لتختبر
الخلاص من سلطان الخطية بقوة روح المسيح وجاهد جهاد الإيمان الحسن وامسك بالحياة
الأبدية.

 

إن
السر في هزيمتك المتوالية يا أخي هو أنك لم تعتمد على الروح القدس ليحررك من
عبودية الخطية.

 

وتسرى
فينا قوة المسيح في سرى الميرون والتناول، فعندما نثبت فيه نستطيع أن نجاهد جهاد
الإيمان الحسن. (1تى12: 6).

 

ثالثاً: إنقاذ من جسد الخطية:

هذا
هو النوع الثالث من مفاهيم الخلاص. فالمؤمن يظل طيلة أيام حياته في حرب طاحنة بينه
وبين رغبات جسد الخطية أو الإنسان العتيق الساكن فيه والذي يحاول إبليس أن يستثيره
بمغريات العالم وشهواته ليفقده الخلاص والنعيم. ولا يتوقع المؤمن راحة طالما هو في
الجسد. لذلك فهو ينتظر مجيء الرب يسوع من السماء ليخلصه من جسد الخطية (الإنسان
العتيق أو الطبيعة الفاسدة). لهذا فكمال خلاصنا هو بتغيير أجسادنا الترابية إلى أجسام
روحانية “يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحانياً_ يوجد جسم حيواني ويوجد جسم
روحاني. لكن ليس الروحاني أولا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني.. وكما لبسنا صورة
الترابي سنلبس أيضاً صورة السماوي” (1كو44: 15،49).

 

وأيضاً
يقول معلمنا بولس الرسول ” فان سيرتنا نحن هي في السموات التي منها ننتظر
مخلصنا هو الرب يسوع المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد
مجده”. (فى20: 3،21).

 

وهذا
النوع الأخير من الخلاص نناله بظهور شخص ربنا المبارك يسوع المسيح. ” أيها
الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون
مثله لأننا سنراه كما هو” (يو2: 3).

فكمال
خلاصنا يا أخي هو بظهور ربنا في مجده فيقوم الأموات ويلبسون الجسد الروحاني
والأحياء الباقون على الأرض يتغيرون من الصورة الترابية إلى الصورة الروحانية في
لحظة.. في طرفة عين.”هو ذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا

ولكننا
كلنا نتغير في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير.. فانه سيبوق فيقام الأموات عدمي
فساد ونحن نتغير”. (1كو51: 15،52). ” آمين تعال أيها الرب يسوع “.
(رؤ20: 22).

 

وقد
وضح القديس أوغسطينوس هذا المفهوم بكل جلاء إذ قال: “إذا سألني أحد عما إذا كنا
قد خلصنا بالمعمودية؟ فأنا لا أستطيع أن أنكر ذلك إذ يقول الرسول “خلصنا بغسل
الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس ” (تى5: 3). ولكن إن سألني عما إذا كنا قد
خلصنا تماما من كل ناحية بواسطة المعمودية؟ أجيب بأن الأمر ليس كذلك. فقد قال نفس
الرسول “لأننا بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء لأن ما ينظره أحد
كيف يرجوه أيضاً. ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر”.
(رو24: 8،25).

 

ثم
يعود القديس أوغسطينوس موضحاً فيقول: (لأن المعمودية تغسل كل الخطايا عامة..
ولكنها لا تنزع الضعف البشري الذي يظل يقاومه المتجدد في جهاده الحسن). فهو يوضح
هنا الجانب الأول والثاني من “الخلاص من قصاص الخطية وسلطان الخطية”.

 

وفي
الفقرة الآتية يوضح أيضاً الجانب الثالث من الخلاص فيقول “ولكن هذا الضعف
الذي نقاومه بين سقطة وقيام حتى الموت..سينتهي بتجديد آخر قال عنه الرب: “في
التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم على أثنى عشر كرسياً”
(مت28: 19). فيسمى الرب القيامة الأخيرة تجديداً وقد سماها بولس الرسول (تبنى
وفداء) إذ قال “نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضاً نئن في أنفسنا
متوقعين التبني فداء أجسادنا” (رو3: 8).

 

ثم
يتساءل القديس أوغسطينوس قائلا: “ألم نتجدد؟ ألم نحصل على التبني والفداء
بالمعمودية المقدسة؟ نعم ولكن يوجد أيضاً تجديد وتبني وفداء يجب أن نتوقعه
بالصبر”. ويجمل القول: “لهذا فخلاص الإنسان قد حدث فعلا في المعمودية..
ولكن ثمة خلاص آخر سوف يحصل عليه المؤمن (في المجيء الثاني) وبهذا الخلاص لا
يستطيع أن يخطئ.”

(N. & P. Frs 1st. Ser. Vol 5 P.
404
)

 

الفصل الثاني

دوافع الخلاص

أولاً:
المحبة

ثانياً:
الرحمة

قد
عرفنا في معرص حديثنا عن سر الخلقة أن دوافع الخلقة تركزت في محبة الله ومسرته
بإيجاد آدم ليتمتع بخيراته في الجنة التي غرسها له.

وهكذا
أيضاً يا عزيزي فان خلاص الله للإنسان ليرده إلى رتبته الأولي ويعيده إلى فردوس
النعيم هو عمل من أعمال المحبة والرحمة:

 

أولاً:
المحبة:

ويوضح
لنا ذلك رسول المحبة يوحنا الحبيب بقوله: “بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله
قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا
الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا”.(1يو9: 4،10).

 

فتأمل
يا أخي قوله: في هذا هي المحبة ليس أننا أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه
كفارة لخطايانا. فوضح بهذا دوافع الخلاص العميق وكأنه يردد قول السيد المسيح
“هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل
تكون له الحياة الأبدية”,(يو16: 3).

 

ولا
تستطيع يا أخي أن تدرك معنى كلمة (هكذا) المذكورة في هذه الآية ويعنى بها السيد
المسيح (بهذا المقدار) إلا إذا لمست صورة الحب الإلهي للبشرية كما رسمها بريشته
الشاعرية حزقيال النبي في:

 

أنشودة
الحب الإلهي:

“أما
ميلادك يوم ولدت لم تقطع سرتك، ولم تغسلي بالماء للتنظيف، ولم تملحي تمليحاً، ولم
تقمطي تقميطاً، ولم تشفق عليك عين لتصنع لك واحدة من هذه لترق لك. بل طرحت على وجه
الحقل بكراهة نفسك يوم ولدت.

فمررت
بك ورأيتك مدوسة بدمك، فقلت لك بدمك عيشي..

مررت
بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب فبسطت ذيلي عليك، وسترت عورتك، وحلفت لك، ودخلت معك
في عهد بقول السيد الرب، فصرت لي. فحممتك بالماء، وغسلت عنك دماءك، ومسحتك بالزيت،
وألبستك مطرزة، ونعلتك بالتخس وأزرتك بالكتان، وكسوتك بزاً، وحليتك بالحلي، فوضعت
إسورة في يدك، وطوقاً في عنقك، ووضعت خزامة في أنفك وأقراطا في أذنيك، وتاج جمال
على رأسك،.. وأكلت السميز.. وجملت جدا جدا فصلحت لمملكة.

 

وخرج
لك اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد
الرب” (حز4: 16-14).

 

هذه
هي أنشودة الحب الإلهي كما رأيت، فتأمل مقدار هذه المحبة: من هي تلك النفس التي
أحبها الله؟ هي نفس مطروحة على وجه الحقل! لم تغسل من دماء الولادة ولم تعطف عليها
عين!! عجباً ما معنى هذا؟ هل توجد مثل هذه القساوة في قلب أي أم أو أي أب؟! اللهم
إلا إذا كانت هذه النفس المطروحة على وجه الحقل هي (لقيطة)!

 

نعم..
وبالرغم من هذا يقول السيد الرب: مررت بك فوجدت زمنك زمن الحب!! أي حب هذا؟ وماذا
فيها يحب؟ هل تحبها يارب من أجل نجاستها؟ إنها ملوثة بدماء الخطية والدنس.. فكيف
تحبها؟!

 

ربما
يا أخي إذا مررت بلقيط اشمأزت نفسك، وربما أبلغت الشرطة لضبط الجريمة. أما معاملة
الله فهي تختلف عن ذلك تماماً..

آه
يا عزيزي.. يا من بالاثم صورت وبالخطية حبل بك.. إن الرب يمر ويراك في دنسك
ونجاستك.. ولا يقف ليحاكمك ويقتص منك.. وإنما يبسط ذيله ويسترك، ويدخل معك في عهد
مقدس فتصير له.. انظر ماذا يفعل معك الرب.

يحممك
بالماء ويغسل دماءك.. إذ يطهرك بغسل الماء والكلمة (في المعمودية).

يمسحك
بالزيت.. مسحة الروح القدس (الميرون).

يلبسك
مطرزة.. فيكسوك ثوب البر.

يحلييك
بالحلي.. أي مواهب الروح القدس.

وتاج
جمال على رأسك.. أي يتوجك بخوذة الخلاص.

وأكلت
السميز.. سر التناول من جسد الرب ودمه.

 

هل
عرفت إذن يا أخي مقدار هذا الحب الإلهي؟.

هكذا
أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة
الأبدية.

 

وما
أجمل ما كتبه القديس يوحنا ذهبي الفم: “إنه من المستحيل أن يتخير أحد الموت
لأجل رجل بار، ولكن انظروا إلى محبة السيد الذي لم يمت لأجل الأبرار بل لأجل
الأثمة والأعداء”.

 

ثانياً:
الرحمة

وهي
شعاع المحبة الذي يحمل نور الخلاص. إذ يقول معلمنا بولس الرسول “لا بأعمال في
بر عملناه نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا” (تى5: 3).

 

فتأمل
هذا القول: بمقتضى رحمته خلصنا، فإذ تطلع الرب إلى نهاية الإنسان التعيسة في جهنم
الأبدية تحرك قلبه بالشفقة والرحمة، فأرسل ابنه الحبيب لينقذنا مما هو عتيد أن
يصير للأثمة.

 

هذا
هو عمل الرحمة الغنية كما قال بولس الرسول “الله الذي هو غنى في الرحمة من
أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح”.
(أف4: 2).

 

عزيزي
ألا ترفع قلبك الآن صارخا قائلا: “لكني اتكل على غنى رحمتك ومحبتك
للبشرية..اللهم اغفر لي أنا الخاطئ وارحمني” (من الأجبية).

 

قل
له “الآن اتكل على غنى رأفتك التي لا تفرغ، فلا تتخل عن قلب خاشع مفتقر
لرحمتك” (من الأجبية).

 

اشكر
الله على غنى رحمته ومحبته التي بها عاملنا، فقبلنا إليه وغسلنا من خطايانا
وأعتقنا من كل إثم.

 

الفصل الثالث

طرق الخلاص

” وعلمنا طرق الخلاص” (القداس الباسيلى)

أولاً: دم المسيح

ثانياً: روح المسيح

ثالثاً: ظهور المسيح

يقول
القديس باسيليوس في قداسه “وعلمنا طرق الخلاص”. في حين أن القديس كيرلس
يقول في قداسه “ادخلهم جميعاً إلى طريق خلاصك”.

ولأول
وهلة يظهر أن هناك اختلافا بين قول القديسين فأحدهما يقول “طرق الخلاص”
والآخر يقول “طريق الخلاص”. فهل يوجد أكثر من طريق واحد للخلاص ذاك الذي
كتب عنه “ليس بأخذ غيره الخلاص لأنه ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين
الناس به ينبغي أن نخلص” (أع12: 4).

في
الواقع لا يوجد اختلاف بين القولين فالقديس كيرلس يتكلم عن الطريق الأوحد للخلاص
وهو شخص الرب يسوع المبارك والقديس باسليوس يتكلم عن وسائل هذا الخلاص المبارك.
مكتملة في شخص المسيح وهي:

 

أولاً:
دم المسيح:

إن
دم المسيح هو الوسيلة الوحيدة للخلاص من عقوبة الخطية أي الموت الأبدي. “أجرة
الخطية هي موت” (رو23: 6). لأنه “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة”
(عب22: 9).

 

فقدم
المسيح دمه على الصليب للتكفير عن خطايانا.. وللتبرير من جرمها.. والتطهير من
أدناسها.

 

فتأمل
يا أخي قيمة هذا الدم وعمله في الخلاص كما يشهد الكتاب نفسه. “متبررين مجاناً
بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره
من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله” (روو24: 3،25).

الذي
فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا (أف7: 1، كو14: 1).

 

ولكن
الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا فبالأولي كثيراً ونحن
متبررين الآن بدمه نخلص به من الغضب. (رو8: 5،9).

يسوع
المسيح..أجبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه. (رؤ5: 1).

 

من
فضلك اقرأ هذه الآيات مرة ثانية ببطء وتفهم وقف عند كلمات: متبررين، كفارة، الصفح
عن الخطايا، الفداء، غفران الخطايا، نخلص من الغضب، غسلنا من خطايانا.. لأن هذا هو
عمل دم المسيح المهرق على خشبة العار لفدائك “إنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة
أو ذهب من سيرتكم الباطلة بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح.
(1بط18: 1-19).

 

هل
أدركت إذن يا مبارك عمل دم المسيح لك؟

أنا
أخشى أن يكون إدراكك عقلياً دون أن تؤمن به بقلبك وتثق فيه ثقة كاملة.. ولعل
الأمثلة الآتية تحرك شغاف قلبك لتقبل عمل الدم بإيمان ثابت غير مرتاب وغير ناقص:

 

1-
أرى الدم وأعبر:

عندما
كان بنو إسرائيل في أرض العبودية في مصر، تحت سلطان فرعون، صرخوا إلى الرب إلههم
ليخلصهم من يد فرعون الذي مرر حياتهم بعبودية مرة.

فاستجاب
لهم الرب وأرسل موسى لينقذهم. فمد الرب يده وضرب المصريين ضربات مرعبة كانت أشدها
هولاً الضربة الأخيرة وهي قتل كل ابن بكر في بيت المصريين.

ولكي
تنجو بيوت الإسرائيليين من هذه الضربة أمرهم الرب أن يذبحوا خروفا في كل بيت
ويرشوا من دمه على باب المنزل (على العتبة العليا والقائمتين) حتى إذا مر الملاك
المهلك ويرى الدم لا يهلك أبكار هذا البيت “ويكون لكم الدم علامة على البيوت
التي أنتم فيها. فأرى الدم وأعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض
مصر”. (خر13: 12).

هذه
الحادثة يا أخي هي رمز لدم المسيح الذي إذا رشت به قلوبنا لا تكون علينا ضربة
للهلاك “نحن متبررين الآن بدمه نخلص به من الغضب”. (رو9: 5).

 

2-
ويدخل بدمه فيكفر:

رسم
الرب لبنى إسرائيل في العهد القديم وسيلة الفداء وطريق الخلاص أنه بالدم، فأمر كل
من يخطئ أن يقدم ذبيحة ويرش دمها على المذبح فيكفر عن خطاياه.

ويرسم
لهم يوما يقام فيه احتفال كبير ويدعى يوم الكفارة العظيم وفيه يتقدم رئيس الكهنة
ويذبح تيس الخطية.. ويدخل بدمه إلى داخل.. فيكفر عن القدس من نجاسات بنى إسرائيل
ومن سيئاتهم مع كل خطاياهم..

ويأخذ
من دم الثور ومن دم التيس ويجعل على قرون المذبح مستديراً وينضح عليه من الدم.
(لا15: 16،19).

كان
هذا كله رمزاً إلى دم المسيح الذي كتب عنه بولس الرسول “ليس بدم تيوس وعجول
بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى القداس فوجد فداء أبدياً”. (عب12: 9).

هذا
هو الفداء الأبدي الذي صنعه يسوع البار لنا بدمه.

 

3-
من أجلك بذلت دمى:

يحكى
في الأدب الصيني عن حاكم أمر وزيره بأن يصنع له ناقوساً يكون من الفخامة بحيث يسمع
رنينه على بعد مئات الأميال. وأمره أن يقوى صوته بالنحاس وأن يعمقه بالذهب ويحليه
بالفضة، وأن يعلقه في وسط العاصمة. فجمع الوزير الصناع المهرة وأخذوا في صهر
المعادن ولكن ما أشد خيبتهم عندما صبوا المزيج فانفصلت المعادن بعضها عن بعض. ومع
ذلك أمر الوزير بإعداد المزيج مرة ثانية إذ باءت محاولتهم بالفشل. فلما علم الحاكم
استشاط غضباً وتوعد الوزير بالإعدام إن لم تنجح المحاولة الثالثة.

 

وكان
للوزير ابنة وحيدة، عندما سمعت ذلك انفطر قلبها حزناً على مصير أبيها. فجابت
البلدان تسأل عن حل لهذه المشكلة. فتقابلت مع أحد الشيوخ المحنكين فقال لها: لن
يقترن الذهب بالنحاس، ولن يعانق الحديد الفضة ما لم يصهر معها لحم عذراء، وما لم
تمتزج المعادن بدمها. وفي يوم المحاولة الثالثة والأخيرة لصب الناقوس، جلست الفتاة
بجوار صهريج المعادن المنصهرة. وما أن هم الوزير ليصدر الأوامر للصناع ببدء الصب
حتى قذفت الفتاة بنفسها في جحيم المعادن الملتهبة ليمتزج بها لحمها ودمها. وكانت
كلماتها الأخيرة: “من أجلك يا أبى بذلت دمى”.

 

فما
أن رأى الوزير ابنته الوحيدة تلقى بنفسها حتى هم بأن يلحق بها لولا أن المحيطين به
قد امسكوه..

وعلق
الناقوس في وسط العاصمة فكان كلما ارتفع صوته دوى في آذان الجميع بكلمات الفتاة
الأخيرة..

 

عزيزي
إن غضب الله معلن من السماء على البشرية التي فشلت في صنع إنسان جديد طاهر قديس..
وأين له الطهارة إن لم يمتزج بدم ابن الله القدوس الذي بذل ذاته على الصليب ليهرق
دمه فيختلط بطبيعتنا البشرية المتنافرة فيوفق بينها.. “من يأكل جسدي ويشرب
دمى يثبت في وأنا فيه”.(يو56: 6).

هو
ذا ناقوس الكنيسة معلق في منارتها تحت الصليب ليعلن صوت الفادى: من أجلك بذلت دمى
“ونحن بعد خطاه مات المسيح لأجلنا”.(رو8: 5).

 

4-
ثياب مغسلة في الدم:

لعلك
قد عرفت يا أخي أن دم المسيح هو الوسيلة الوحيدة للخلاص من قصاص الخطية وعقوبتها،
ولعلك اغتسلت في هذا الدم فابيضت ثيابك من أدناس الخطية لتستحق أن تقف أمام العرش
الإلهي.

تأمل
ما كتبه يوحنا الرائي في هذا الصدد:

 

“بعد
هذا نظرت وإذا جمع كثير لم يستطيع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب
والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيدهم سعف
النخيل. وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف..
وأجاب واحد من الشيوخ قائلا لي: هؤلاء المتسربلين بالثياب البيض من هم؟ ومن أين
أتوا؟

فقلت
له: يا سيد أنت تعلم.

 

فقال
لي: هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم في دم الخروف. من أجل
ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهاراً وليلا في هيكله والجالس على العرش يحل
فوقهم”.(رؤ9: 7
15).

 

إن
ثوب البر الذي تلبسه يا أخي كثيراً ما يتسخ أثناء اجتيازك في الضيقة العظيمة
بأدناس الخطية، ولا توجد وسيلة أخرى تغسل هذه الادناس إلا دم المسيح “الذي
أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه” (رؤ5: 1).

 

كم
أخشى يا أخي أن تعتبر حديثي هذا عن الدم من قبيل الحديث عن حادثة تاريخية انقضى
عليها حوالي ألفي عام.. دون أن تكون قد اتخذته رسالة حية لك الآن لتثق لا بعقلك بل
بقلبك في عمل هذا الدم لك شخصياً.

أقول
لك بصراحة تامة أنك إن لم تثق في عمل هذا الدم بأنه سدد كل ديونك وكفر عن كل آثامك
وبرأك من كل الجرائم والخطايا التي ارتكبتها، فلا تكون قد استفدت من الدم شيئاً
على الإطلاق، بل ستظل تعانى من رعب المخاوف وكآبة الحزن وقلق اليأس، لا في هذا
الدهر فقط بل في الآتي ولا تكون قد انتفعت شيئاً من خلاص يسوع المقدم لك مجاناً.

أناشدك
يا عزيزي المبارك أن تنتفع بمواعيد الرب هذه:

 

إذا
لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل
حسب الروح.(رو1: 8).

متبررين
مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح.(رو24: 3).

 

لأني
أكون صفوحاً عن آثامهم ولا أذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد. (عب12: 8).

ماذا
تريد إذن يا أخي بعد كل هذه الطمأنينة وهذا الصفح، أليس من الجهل أن تظل حاملا ثقل
خطاياك وأنت في المسيح يسوع؟!.

 

قصة:

كان
أحد الأثرياء في عربته عندما أبصر امرأة تنوء تحت ثقل (قفة) كانت تحملها فوق
رأسها. فأشفق عليها وأذن لها أن تركب العربة ليوصلها إلى المكان الذي تريد أن تذهب
إليه، فركبت، وانطلقت العربة.. وفي الطريق التفت الثرى إلى الخلف ولشد ما كانت
دهشته عندما رأى المسكينة وهي داخل العربة لا زالت تحمل (القفة) فوق رأسها!!.

أليس
هذا هو حالك أيها المسكين؟ فبالرغم من أنك في المسيح يسوع، إلا أنك تستكثر عليه
أنه يستطيع أن يحمل عنك خطاياك فتظل مثقلا بها نفسك.

إذن
ماذا تكون قيمة قوله “تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا
أريحكم”؟!

ليتك
تثق في قوله “أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها”.
(أش25: 43).

إن
فاعلية الدم يا أخي تسرى إلي كل مؤمن خلال سرى المعمودية والتوبة فليتك تمارسهما
بإيمان.

 

ثانياً:
روح المسيح:

كان
الطريق الأول من طرق الخلاص هو دم المسيح للتبرير وهوذا الطريق الثاني للخلاص وهو
روح المسيح للتحرير من سلطان الخطية.

 

معلمنا
بولس الرسول يقول: “ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس
الخطية والموت” (رو2: 8). ويقصد بقوله “روح الحياة في المسيح يسوع”
أي الروح القدس. فقوة الروح القدس تحرر من سلطان الخطية.

هب
أن مائة رجل أخذوا يدفعون طائرة إلى العلاء فهل ينجحون في محاولاتهم لجعلها تحلق
في الجو؟ كلا. فكلما ارتفعت الطائرة سقطت على الأرض بفعل الجاذبية الأرضية، وربما
تهشمت أيضاً. ولكن عندما يدخل المهندس الطيار إلى مكان القيادة ويدير أزراراً
معينة تندفع الطائرة في قوة جبارة لتحطيم قانون الجاذبية الأرضية وتتغلب عليه
وتحلق في جو السماء.

هكذا
الحال معك يا مبارك فبدون قوة الروح القدس لن تتحرر من جاذبية الخطية، فإذ قد حصلت
على سكناه في داخلك بالميرون عليك أن تضرمه بواسطة النعمة حتى ينطلق فيك قوة جبارة
تحررك.

 

ثالثاً:
ظهور المسيح:

هذا
هو الطريق الثالث من طرق الخلاص وبه يتم تغير الأجساد الترابية إلى أجساد روحانية
لتكون على صورة جسد مجده. ويتم ذلك بواسطة شخص الرب يسوع ذاته عند ظهوره الثاني في
مجده “فان سيرتنا نحن هي في السموات التي منها ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع
المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة مجده” (فى20: 3،21).

وعلى
هذا الرجاء يا أخي نحن نعيش ونرقد أيضاً. بل ومن أجل هذا الرجاء نطهر أنفسنا كما
قال الرسول: ” أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون،
ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو، وكل من عنده هذا الرجاء به
يظهر نفسه كما هو طاهر”.(1يو2: 3،3).

 

هل
تنتظر مجيء الرب يسوع من السماء يا أخي بفرح واشتياق؟ لقد أوصانا الرسول قائلا
“سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر
محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن
تكونوا؟ في سيرة مقدسة وتقوى، منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب.. بحسب وعده
ننتظر سموات جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البر”.(2بط10: 3
13).

فهل
أنت منتظر وطالب سرعة مجيء يوم الرب؟ ليعطك الرب حياة السهر والانتظار لتتمتع
بخلاص الرب التام والتمتع بأمجاد السماء وبروعة الوجود مع الرب في كل حين. آمين.

 

الفصل الرابع

عمل الخلاص

أولاً: التبرير من قصاص الخطية

ثانياً: التحرير من سلطان الخطية

ثالثاً: التغير من جسد الخطية

لقد
نلنا بالخلاص المبارك الذي صنعه الرب لنا بدمه ويكمله لنا بروحه وسيتممه لنا
بظهوره بركات عديدة تضمها ثلاث تغيرات هي: التبرير، التحرير، التغيير.

 

أولاً: التبرير من قصاص الخطية:

ومعنى
التبرير هو التبرئة من قصاص الخطية وعقوبتها. وقد تم لنا ذلك بواسطة دم المسيح
المسفوك على عود الصليب “متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح..
بالإيمان بدمه” (رو25: 3). ويعود الرسول فيقول “ونحن متبررون الآن بدمه
نخلص به من الغضب”. (رو9: 5).

فهل
تثق يا أخي أن المسيح قد برأك بسفك دمه عنك؟ إن كنت تؤمن بذلك فقد صار لك سلام مع
الله “فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله”. (رو1: 5).

أليس
علي هذا الإيمان قد قبلنا سر المعمودية؟ وأليس علي أساسه نمارس سر التوبة طيلة
أيام حياتنا؟

 

1-
عمل التبرير:

والتبرير
يا أخي المبارك يشمل: التكفير والتطهير.

 

(أ)
التكفير

“متبررين
مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه
لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله”.(رو24: 3،25).

وللتكفير
معنيان:

 

المعنى
الأول هو التعويض عما اقترفناه من جرم استرضاء لعدالة الله الآب التي توجب موت
الخاطئ.(رو23: 6).

وفي
هذه الحالة يسمى التكفير (فداء) فالمسيح قدم نفسه كفارة أي فدية بموته بدلا منا
“ولكن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا”.(رو8:
5).

المعنى
الثاني هو ستر خطايانا بثوب بر المسيح وهذا هو المعنى الأصلي لكلمة (كفر)
بالعبرية، وفي هذه الحالة يسمى التكفير (غفران) وكلمة (غفر) هي نفس كلمة كفر
العبرية أي ستر..

 (The
International standard Encyclopedia Vol 11P. 1132.)

 

فالمسيح
بموته على الصليب ألبسنا ثوب الخلاص المنسوج بدمه ليستر خطايانا حتى إذا تطلع
إلينا الآب لا يرى خطايانا بل يرى ابنه الحبيب يكسونا كرداء “تبتهج نفسي
بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص كساني رداء البر”. (أش10: 61).

أخي
هل تثق إذن وتتكل في طمأنينة على هذا العمل الكفارى العظيم؟

 

(ب)
التطهير

“دم
يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية” (1يو7: 1). ومعنى التطهير هنا هو
التنظيف أي الغسيل وهذا يتم أيضاً بواسطة دم المسيح “يسوع المسيح أحبنا وقد
غسلنا من خطايانا بدمه” (رؤ5: 1)

 

فالمسيح
يا أخي لا يكتفي بأن يستر خطيتك فحسب بل هو يسترها حتى يغسلها “فبسطت ذيلي
عليك وسترت عورتك.. فحممتك بالماء وغسلت عنك دماءك”.(حز8: 16-9).

شكراً
للرب – هذا يا أخي عمل التبرير: تكفير وتطهير.

 

2-
ثمر التبرير:

أما
ثمر التبرير فهو: مصالحة ومسامحة.

 

(أ)
مصالحة

أيوب
قديماً يصرخ قائل: “ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا” (أي33: 9).
ولكننا قد وجدناه إذ يقول بولس الرسول “إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم
لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم” (2كو19: 5).

فإن
الخطية يا أخي صنعت عداوة بينك وبين الله، واحتاج الأمر إلى مصالح. فالمسيح إذ كفر
عن خطايانا وغسلنا من آثامنا تقدم ليصالحنا مع الله أبيه “لأن فيه سر أن يحل
كل الملء وأن يصالح به الكل لنفسه عاملا الصالح بدم صليبه.. وأنتم الذين كنتم قبلا
أجنبيين وأعداء في الفكر في الأعمال الشريرة قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت
ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه” (كو19: 1-22).

لا
تخف إذن يا أخي من الله فالمسيح قد صالحك معه بموته.

 

(ب)
مسامحة

“إذ
كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا”.
(كو13: 2).

إن
التبرير يا أخي مبنى على أساس المسامحة، فشكراً لله الذي سامحنا وصفح عن خطايانا
التي فعلناها بإرادة أو بغير إرادة.. بمعرفة أو بغير معرفة، كل الخطايا السالفة
“الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا
السالفة” (رو25: 3).

 

هل
تستكثر خطاياك على المسيح؟ فالله قد سامحك عنها أفلا تقبل هذا الخلاص الإلهي
“أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل اسمي وخطاياك لا أذكرها” (أش25: 43).
“قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك. ارجع إلى لأني فديتك” (أش22: 44).
“هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج وإن كانت حمراء
كالدودي تصير كالصوف” (أش18: 1).

أناشدك
يا أخي أن تعود فتقرأ هذه الوعود وتضع خطاياك تحت الدم، وليتك تنشد قائلا:

رش
قلبي بدماك طهرني بالتمام

كرسني
لرضاك واملأ القلب سلام

وليتك
تذهب إلى أب اعترافك لتقر بخطاياك أمامه كوكيل الله ليقرأ لك حِلاً بحسب سلطان
المسيح المُعطى للكهنوت “من غفرتم خطاياه تُفغر له” (يو23: 20).

 

ثانياً:
التحرير من سلطان الخطية:

عرفنا
فيما سبق أن عمل الخلاص يشمل التبرير من عقوبة الخطية بدم المسيح وسترى الآن عملا
آخر من أعمال الخلاص هو: التحرير من سلطان الخطية بروح المسيح. “لأن ناموس
روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت”.(رو2: 8).

 

1-
عمل التحرير:

ويتم
تحريرك من سلطان الخطية بواسطة عمليتين يقوم بهما الروح القدس وهما: (أ) التجديد،
(ب) والتأييد.

 

(أ)
التجديد:

“لا
بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح
القدس”.(تى5: 3). فالتجديد هو من عمل الروح القدس. وهو على نوعين:

النوع
الأول
تجديد الطبيعة:
“إن كان أحد في المسيح يسوع فهو خليقة جديدة.. الأشياء العتيقة قد مضت هو ذا
الكل قد صار جديداً”. (2كو17: 5).

ويتم
بالولادة من الروح القدس “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن
يدخل ملكوت الله”. (يو5: 3) هذا هو ما يتم في سر المعمودية المقدس.

 

والمولود
من الله يتحرر من سلطان الخطية ولا يقوى عليه إبليس “كل من ولد من الله لا
يخطئ بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه”. (1يو18: 5).

حقيقة
يا أخي أنك قد وُلدت من الروح في المعمودية ولكن لم تتحرر بعد من سلطان الخطية بل
ما زلت مستعبداً لها فما السبب؟.

السبب
هو أنك تُحزن الروح القدس الساكن فيك. (أف30: 4). وتطفئه. (أف19: 5). بل تقاومه.
(أع51: 7).

 

فكيف
يستطيع أن يعمل على تحريرك؟.. سلم له قيادة حياتك فيعتقك من سلطان الخطية
والموت.(رو2: 8).

 

النوع
الثاني
تجديد الذهن:
“إن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور..
وتتجددوا بروح ذهنكم.. وتلبسوا الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة
الحق”. (أف22: 4-24).

 

ففي
تجديد الذهن خلع لتصرفات الإنسان العتيق أي تحرير من سلطانه ولبس للإنسان الجديد
الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه. (كو9: 3). فيغيرنا الروح إلى تلك الصورة عينها
من مجد إلى مجد “حيث روح الرب هناك حرية، ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه
مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب
الروح”. (2كو17: 3،18).

 

فتجديد
الذهن هو عملية تحريره من كل سلطان لينتقل من مجد إلى مجد وليختبر إرادة الرب
“تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية
الكاملة”. (رو2: 12).

 

(ب)
التأييد:

“يعطيكم
بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن”. (أف16: 3). الله
يعلم إننا ضعفاء إزاء قوى الشر المحاربة ضدنا (العالم، الشيطان، الجسد) من أجل ذلك
أيدنا بالقوة بروحه “ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم”. (أع8: 1).

فهل
يا عزيزي قد قبلت روح القوة؟ أم أنك لم تسمع أنه يوجد روح قدس؟! وهل علاقتك بالروح
القدس هي مجرد معرفة سطحية لا تتعدى العقل؟ ليتك تختبر قوة الروح القدس في حياتك
يا أخي. اطلب تأخذ لأن “الآب الذي في السموات يعطى الروح القدس للذين
يسألونه”. (13: 11).

هذا
يا مبارك عمل التحرير (تجديد وتأييد).

 

2-
ثمر التحرير:

أما
ثماره فهي:

(أ)
تبنى، (ب) وتقديس.

 

(أ)
التبني

إن
الروح القدس بواسطة تجديد طبيعتنا وولادتنا منه يصيرنا أولاد الله ” أخذتم
روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب. الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد
الله”. (رو15: 8،16). وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي
المؤمنون باسمه الذين ولدوا ليس من دم.. بل من الله”. (يو1: 3،2).

أخي
هل تدرك معنى أنك ابن الله؟ “إذا لست بعد عبداً بل إبناً”. (غل7: 4).
ليعطيك الرب أن تفهم مقامك عند الله.

 

(ب)
التقديس:

“إله
السلام يقدسكم بالتمام” (1تس23: 5).

للتقديس
معنيان: المعنى الأول: تطهير أو تنقية.

فإن
كان التجديد هو التنقية في بدايتها فالتقديس هو التنقية في تمامها وكما أن التجديد
يتم بفعل الروح القدس، فالتقديس أيضاً هو نتيجة حتمية لعمل الروح “تقدستم..
بروح إلهنا”. (1كو11: 6). ويمكنك أن تحصل على هذه النعمة بواسطة الإيمان.
“طهر بالإيمان قلوبهم”. (أع9: 15).

 

هل
تثق في قدرة المسيح أنه يستطيع أن يطهرك بروحه؟ ليتك تتقدم إليه وتقول مع الأبرص
“يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني” لتسمع قول الرب “أريد فاطهر”
فنحصل على ما حصل عليه “وللوقت طهر من برصه”. (مت 2: 8،3).

 

وبعد
أن ننال التطهير بالإيمان لا بد وأن ننمو في حياة القداسة “مكملين القداسة في
خوف الله”. (2كو1: 7). وكلمة (مكملين) هنا في الأصل اليوناني تفيد التمرين أي
التدريب في جهاد روحي طيلة أيام حياتنا، فالتطهير الداخلي الذي أتمه الروح القدس
في حياتك ينمو باستمرار بممارسته في الحياة الروحية. فالطفل المريض إذا شفى من
مرضه وتمتع بصحة جيدة، يحتاج أن ينمو ليصل إلى مرحلة الرجولة. هكذا فالخاطئ إذ
يشفى من مرض الخطية يحتاج أن ينمو ليصل إلى قياس قامة ملء المسيح (اف13: 4).

 

المعنى
الثاني للتقديس هو: التكريس أو التخصيص.

إذ
يتجدد الإنسان يصبح هيكلا لسكنى الروح القدس “أنكم هيكل الله ورح الله يسكن
فيكم”. (1كو16: 3).

 

وإذ
يصبح الإنسان هيكلا للروح لا يكون ملكا لنفسه بل لله “أنكم لستم لأنفسكم
لأنكم قد اشتريتم بثمن”. (1كو19: 6).

 

في
التجديد الرب أعطاك ذاته. وفي التكريس تعطى الرب ذاتك.

هل
تعتبر أنك غير حر التصرف في ذاتك لأنك لست ملكا لنفسك وعليك أن تستشير من اشتراك
بدمه في كل تصرف تريد أن تفعله. وترضى روح الله الساكن فيك في كل شئ؟.

 

ثالثا: التغيير من جسد الخطية:

عرفت
أن عمل الخلاص يشمل التبرير من قصاص الخطية بواسطة دم المسيح وأيضاً التحرر من
سلطان الخطية بواسطة روح المسيح، وسترى الآن الجانب الثالث من عمل الخلاص وهو:

تغيير
جسد الخطية بواسطة ظهور المسيح.

 

“إن
سيرتنا نحن هي في السموات التي منها ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع الذي سيغير شكل جسد
تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده”. (فى20: 3،21).

هذا
التغيير يا أخي هو تبديل الجسد الترابي الحيواني المولود بالخطية ليصير جسداً
نورانياً سماوياً روحانياً “يزرع جسما حيوانياً ويقام جسما روحانياً.. وكما
لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضاً صورة السماوي”. (1كو44: 15-49).

 وللتغيير
يا أخي ثمرة فريدة هي:

التمجيد:

 

هكذا
قيامة الأموات. يزرع في فساد ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان ويقام في مجد”.
(1كو42: 15،43). لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم.. والذين سبق فعينهم فهؤلاء
دعاهم أيضاً والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضاً، والذين بررهم فهؤلاء مجدهم
أيضاً”. (رو29: 8،30).

 

أي
مجد تريد أن تتمتع به في الأبدية؟ أتطمع في أكاليل المجد؟ أم تبهرك أنوار المدينة؟
أم تستهويك الثياب البيض؟

 

أخي
إن المجد الذي أنتظره هو شرف رؤية حبيبي من خلصني، الذي وإن كنت لا أراه الآن
ولكنني أؤمن به فأبتهج بفرح لا ينطق به ومجيد، فكم وكم يكون فرحى عندما أراه وجها
لوجه، عندما لا أنظره في مرآة ولا أبصره في لغز.

هذا
هو اللقاء الذي أتوقعه في كل لحظة.. والأمل الذي أحيا لأجله.. والرجاء الذي أرقبه
بلهفة.. آمين تعال أيها الرب يسوع.

 

خلاصة

لعلك
لاحظت يا أخي أن عظمة الخلاص تدور حول ثلاث نقاط أساسية تناولها الروح في هذه
الرسالة من ثلاث زوايا مختلفة حتى تتضح لك جيداً وتنفذ من فكرك إلى قلبك وهي:

التبرير،
والتحرير، والتغيير إلى الجسد النوراني.

وإزاء
هذه النعمة الغنية.. لا يسعنا إلا أن نقدم الشكر لإلهنا على عطيته التي لا يعبر
عنها.

*
* *

نعم
لك الشكر يا مخلصي لأنك وفيت ديوني ودفعت كل الثمن. لك الشكر لأنك تعلم مقدار
احتياجي إليك في حياتي الحاضرة، لذلك ضمنت لي خلاصاً من سلطان الخطية بروحك الأمين.
حقاً إني بدونك لا أستطيع المقاومة والتغلب. لكن شكراً لك يا من تقودنا كل يوم في
موكب نصرتك في المسيح يسوع ربنا.

ولك
الشكر لأجل الرجاء المبارك في الخلاص المتوقع والأخير حين مجيئك لتحررنا من جسد
الخطية وتتنازل بأن تشركنا معك في المجد.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى