اللاهوت الروحي

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل
الرابع

إشارة
الصليب

29-
لماذا نستخدم نحن إشارة الصليب؟

الصليب
حامل لشخص المسيح:

مقالات ذات صلة

الصليب
ليس هو مجرد علامة أو اشارة بل هو أعمق من ذلك بكثير، فهو يحمل صفة شخصية ملازمة
للمسيح. كما يعّرفه الملاك لمريم المجدلية ومريم الأخرى: “فإنى أعلم انكما
تطلبان يسوع المصلوب” (مت28: 5).

وكما
يقول معلمنا بولس الرسول: “ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة
ولليونانيين جهالة. ” (1كو1: 23).

اذن
فعملية الصلب لم تكن حادثاً وانتهى بل هى حادثة استعدت لها كل الأزمنة السابقة
وحملتها كل الأجيال اللاحقة مثل باب حى مفتوح للخلاص والعبور الى الملكوت المعد.

ولا
زال المصلوب يحمل في يديه ورجليه جروح الصليب حتى هذه الساعة. ويوضح لنا سفر
الرؤيا ذلك: “ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفى وسط الشيوخ
خروف قائم كأنه مذبوح.. ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ
وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف. قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح أن
يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة.” (رؤ5: 6،11،
12)

فاذا
كان المصلوب لازال دمه يقطر فالصليب لازال قائماً يعمل بقوة الدم المسفوك عليه!
” عاملاً الصلح بدم صليبه” (كو1: 20).

 

30-
رسالة الصليب

*
ماذا يعنى السيد المسيح له المجد بأن نحمل صليبه ونسير وراه؟

من
شروط التلمذة الحقيقية للسيد المسيح هو حمل الصليب ونسير في إثره، وفى ذلك معانى
روحية عميقة:

{1}
بذل النفس: “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من
يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16).

{2}
أعظم الحب: “ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه. ”
(يو15: 13).

{3}
تتميم ارادة الله حتى الموت: “إن شئت أن تجيز عنى هذه الكأس. ولكن لتكن لا
إرادتى بل إرادتك.” (لو22: 42).

{4}
احتمال الخزى: “ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور
الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى فجلس في يمين عرش الله.” (عب12:
2).

{5}
احتمال التعيير: “وبذلك أيضاً كان اللصان اللذان صُلبا معه يعيرانه”
(مت27: 44).

{6}
احتمال الآلام: “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته” (فى3:
10).

{7}
الاجتهاد الى آخر نسمة: ” فلما أخذ يسوع الخل قال قد أُكِمْلَ. ونكس رأسه
وأسلم الروح ” (يو19: 30).

{8}
آخر درجة للطاعة: “وإذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت
الصليب.” (فى2: 8).

{9}
قتل روح العداوة: ” ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً
العداوة به.” (أف 2: 16).

{10}
العمل للصلح حتى الدم: ” وأن يصالح به الكل لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه
بواسطته سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات.” (كو1: 20).

{11}
التحرر من سلطان الخطية: “عالمين هذا أن انساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد
الخطية كى لا نعود نستعبد أيضاً للخطية.” (رو6: 6).

{12}
دفع الدين وتمزيق الحجة: ” إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضداً
لنا وقد رفعه من الوسط مُسمراً إياه بالصليب.” (كو2: 14).

{13}
شركة موت وحياة مع المسيح: “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا
فىّ.” (غل2: 20)

{14}
افتخار: “وأما من جهتى فحاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به
قد صُلب العالم لى وأنا للعالم.” (غل6: 14)

{15}
افتضاح الشيطان: “إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه
(فى الصليب)” (كو2: 15).

وحينما
نؤمن بهذه المبادئ ونعمل بها فنحن نحمل الصليب بحق وندعى مع القديسين ” لابسى
الصليب “، وهذه الكلمة تعنى الحهاد في السير خلف المسيح حاملين لفضائل
الصليب.

 

31-
لمحة تاريخية عن استخدام إشارة الصليب في العبادة

اشارة
الصليب تقليد كنسى قديم جداً يبتدئ بابتداء الإنجيل حيث يشير اليه معلمنا متى
البشير في انجيله قائلاً: “وحينئذ تظهر علامة ابن الانسان في السماء.”
(مت24: 30). فيذكر هنا معلمنا متى الانجيلى البشير أن الصليب هو علامة ابن
الانسان.

وأول
اشارة بعد الانجيل نجدها فى سنة150 ميلادية.

[1]
في قول للعلامة ترتليان:

(في
جميع اسفارنا وتحركاتنا، عندما ندخل وعندما نخرج، عندما نلبس ملابسنا وعندما
نخلعها، في الحمام وعلى المائدة، عندما نشعل مصابيحنا وعندما نطفئها لننام، في
جلوسنا وفى كل أعمالنا نرشم أنفسنا بعلامة الصليب).

[2]
ثم نسمع عنها في قول لوليوس أفريكانوس {160 –240م }:

(وحينئذ
نرفع أيدينا ونرشم جبهتنا بعلامة الصليب).

[3]
ونجدها في تعاليم امبروسيوس {339 –397 ميلادية):

(وعلينا
حينما نستيقظ أن نشكر المسيح ونبدأ نتمم أعمالنا اليومية بقوة الصليب).

القديس
امبروسيوس.

[4]
كيرلس الأورشليمي [315 –386ميلادية) للموعوظين يقول:

(فلا
نخزى اذن أن نعترف بالمسيح مصلوباً، بل ليت اشارة الصليب تكون ختماً نصنعه بشجاعة
بأصابعنا على جبهتنا وعلى كل شئ، على الخبز وعلى كأس الشرب، في مجيئنا وذهابنا،
قبل نومنا وعند يقظتنا، وفى الطريق وفى البيت).

[5]
يوحنا ذهبى الفم: [347 –407ميلادية):

(ان
اشارة الصليب التي كانت قبلاً فزعاً لكل الناس الآن يعشقها ويتبارى في اقتناءها كل
واحد، حتى صارت في كل مكان بين الحكام والعامة، بين الرجال والنساء، بين المتزوجين
والعذارى بين المخطوبين وغير المخطوبين، لا يكف الناس عن رسمها في كل موضع كريم
ومكرم، ويحملونها منقوشة على جباههم كأنها علامة ظفر على ساريه، نراها كل يوم على
المائدة المقدسة، نراها عند رسامة الكهنة، نراها تتألق فوق جسد المسيح وقت التناول
السرى. وفى كل مكان يُحتفل بها في البيوت، في الأسواق، في الصحارى، في الطرق، على
الجبال في مغائر الرهبان، على التلال في البحار، على المراكب، في الجزر، في المخدع
على الملابس، في الأروقة (المدارس]، في المجتمعات، على الأوانى الذهبية، على
الأوانى الفضية، على الؤلؤ، في الرسومات على الحوائط، على أجساد الذين مسهم
الشيطان، في الحرب، فى السلام، في الليل، في النهار في الذين يبتهجون، في جماعات
النساك، وهكذا يتبارى الجميع في اقتناء هذه العطية العجيبة كنعمة لا ينطق بها).

[6]
القديس اغسطينوس {354 – 430 ميلادية }:

(من
أجل هذا فالرب نفسه يثبت قوة الصليب على جبهتنا حتى أن العلامة التي كانت للخزى
تصير للافتخار).

 

32-
أقوال الآباء عن إشارة الصليب

[1]
أعطانا السيد المسيح الهنا الصليب سلاحاً نافذاً ينفذ في النار والهواء والماء
والأرض ولايحجبه شئ أويعترض قوته عارض.

فهو
قوة الله التي لا تقاوم. تهرب من صورته الشياطين حينما يرسم به عليها! الصليب هو
قوة المسيح للخلاص والملائكة يخضعون لقوته ويتبعونه حيثما شاهدوا رسمه ليعينوا
الملتجئ إليه ولا تحصل تخلية لمن حمل الصليب إلا للذى ضعفت أمانته فيه البابا
اثناسيوس الرسولى

[2]
بدلاً من أن تحمل سلاحاً أو شيئاً يحميك، احمل الصليب واطبع صورته على اعضائك
وقلبك. وارسم به ذاتك لا بتحريك اليد فقط بل ليكن برسم الذهن والفكر أيضاً. ارسمه
في كل مناسبة:

في
دخولك وخروجك، في جلوسك وقيامك، في نومك وفى عملك، ارسمه باسم الآب والابن والروح
القدس.

مارآفرآم
السريانى

[3]
لا تخجل يا أخى من علامة الصليب فهو ينبوع الشجاعة والبركات وفيه نحيا مخلوقين
خلقة جديدة في المسيح..ألبسه وافتخر به كتاج

يوحنا
ذهبى الفم

[4]
يقول الآباء أن الذي يرسم ذاته بعلامة الصليب في عجلة بلا اهتمام أو ترتيب، فان
الشياطين تفرح به.أما الذي في روية وثبات يرسم ذاته بالصليب من رأسه الى صدره ثم
من كتفه الأيسر إلى الأيمن فهذا تحل عليه قوة الصليب وتفرح به الملائكة.

[5]
إن الاهمال في تأدية رسم الصليب أمر ربما ندان عليه. فان سم الصليب اعتراف بيسوع
المسيح مصلوباً، وايمان بالآلام

التي
عاناها فوق الصليب. أنه اعتراف وذكرى لعمل الرب ومكتوب في ارميا (48: 10)ملعون من
يعمل عمل الرب برخاوة ”

[6]
ان في اشارة الصليب كل روح الايمان المسيحى:


فيه اعتراف بالثالوث الآب والابن والروح القدس.


فيه اعتراف بوحدانية الله كإله واحد.


فيه اعتراف بتجسد الابن وحلوله في بطن العذراء.


فيه اعتراف بقوة عملية الفداء التي تمت على الصليب بانتقالنا من الشمال الى
اليمين.

اذن
فيليق بنا أن يكون رسمنا للصليب فيه حرارة الإيمان.

الأب
يوحنا من كرونستادت

[7]
نحن نكرم الصليب ونطلب قوته المحيية في صلواتنا قبل أن نطلب معونة القديسين أو
شفاعتهم. وذلك لأن الصليب هو علامة ابن الانسان ورسم تجسده وآلامه لخلاصنا. فعلى
الصليب قدم السيد المسيح نفسه ذبيحة لله الآب من أجل خطايانا لكل من يؤمن به. لذلك
صارت علامة الصليب هى الاشارة المشتركة بين جميع المؤمنين كرمز للخلاص والمحبة
المشتركة.

[8]
فلنكرم الصليب المقدس الذى أعطينا أن نغلب به العدو اللئيم ونرشم به على جباهنا
وقلوبنا وسائر أعضائنا لنطرد به الشيطان.

الصليب
علامة الرب وخاتمه الذى صار الخلاص لآدم وذريته من أسر ابليس عدونا.

الصليب
هو موضوع فخرنا في هذه الحياة وهو علامة ايماننا، كما قال بولس الرسول” وأما
من جهتى فحاشا لى أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لى
وأنا للعالم” (غل6: 14)

كذلك
لا نستحى من الصليب لأنه مكتوب أن ” كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أما
عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” (1كو1: 18)

بالصليب
غلب قسطنطين الملك البار اعداءه وارتفع شأنه لما أظهر الرب له علامة الصليب مضيئة
في السماء قائلاً له: ” بهذه العلامة تغلب اعداءك”. فغلب، وصار الصليب
قوة الملوك وعزاءهم ونصرتهم. يضعونه فوق تيجانهم لكى يباركهم ويؤيدهم وينصرهم.

[9]
الصليب هو قوة المجاهدين وسلاحهم فقد أوصاهم الرب قائلاً:


ان اراد أحد يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى” (مت16: 24).

[10]
ان كانت الحية النحاسية قد أبطلت سم الحيات في العهد القديم فكم بالحرى صليب ربنا
يسوع المسيح، الذي رفع عليه، لا حية نحاسية بل رب المجد وسكب دمه على الصليب ليصير
لنا بالدم الحياة وبالصليب النصرة.

القديس
كيرلس الأورشليمي

[11]
ان الشياطين توجه هجماتنا المنظورة الى الجبناء فارسموا أنفسكم بعلامة الصليب
بشجاعة ودعوا هؤلاء يسخرون من ذواتهم أما أنتم فتحصنوا بعلامة الصليب.

[12]
حيث وجدت اشارة الصليب ضعف السحر وتلاشت قوة العرافة أنبا أنطونيوس الكبير

[13]
قدم الأنبا أنطونيوس بعض المرضى المعذبين من الأرواح النجسة الى بعض فلاسفة
الهراطقة قائلاً لهم: هل تستطيعون تطهيرهم بالحجج أو بأى فن أو سحر تختارون داعين
أصنامكم؟

وإلا
كفوا عن منازعتنا إن عجزتم وعندئذ ترون قوة صليب المسيح.

قال
هذا ودعا المسيح ورشم المرضى ثلاث مرات بعلامة الصليب وفى الحال قام الرجال أصحاء
وعقلهم سليم وقدموا الشكر للرب في نفس اللحظة.

سيرة
أنبا أنطونيوس لاثناسيوس الرسولى

[14]
حينما ترشم ذاتك بعلامة الصليب، اذكر دائماً أنك تستطيع بقوته أن تصلب شهواتك
وخطاياك على خشبة المخلص ” هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (يو1:
29). عالماً أن في الصليب قوة اخماد الشهوة وابطال سلطان الخطية برحمة المصلوب
عليه.

[15]
حينما ترفع نظرك الى خشبة الصليب المعلقة فوق الهيكل، اذكر مقدار الحب الذي أحبنا
به الله حتى بذل ابنه الحبيب لكى لا يهلك كل من يؤمن به.

فأينما
وجد الصليب وجدت المحبة، لأنه هو علامة الحب الذي غلب الموت وقهر الهاوية واستهان
بالخزى والعار والألم!

فاذا
رأيت الكنيسة مزدانة بصلبان كثيرة فهذا علامة امتلائها بالحب الكثير نحو جميع
أولادها.

[16]
حينما يباركك الكاهن أو الاسقف ويرشمك بالصليب المقدس، افرح واقبل ذلك كبركة من
السيد المسيح. طوبى لمن قبل رسم الصليب على رأسه بايمان.


فيجعلون اسمى على بنى اسرائيل وأنا اباركهم”.(عدد6: 27).

[17]
ان الشياطين ترتعب من منظر الصليب وحتى من مجرد الاشارة به باليد. لأن السيد
المسيح له المجد ظفر بالشيطان وكل قواته ورئاساته على الصليب، وجردهم من رئاستهم
وفضحهم علناً فصارت علامة الصليب تذكيراً لهم بالفضيحة واشارة الىالعذاب المزمع أن
يطرحوا فيه.

الأب
يوحنا من كرونستادت

[18]
ان الشياطين اذا رأت المسيحيين سيما الرهبان مجدين بابتهاج ومتقدمين، فانها
تهاجمهم أولاً بالتجربة ووضع الصعاب لعرقلة طريقهم محاولة أن تنفث فيهم الأفكار
الشريرة. ولكن لا مبرر للخوف من اغراءاتها لأن هجومها يرتد خائباً في الحال
بالصلاة والصوم.. سيما ان كان المرء قد سبق فحصن نفسه بالايمان وعلامة الصليب.

[19]
اذا مدحت الشياطين نسككم ودعتكم مباركين فلا تصغوا إليها ولا تكن لكم معاملات
معها. بل بالأحرى ارشموا ذواتكم وبيوتكم بعلامة الصليب، وصلوا تجدوها قد انقشعت.
لأنها في غاية الجبن وتخشى جداً علامة صليب الرب. لأن الرب قد جردها بالحق وأشهرها
جهاراً على الصليب. (كو2: 15).

[20]
جاء بعض الحكماء اليونانيين وطلبوا من القديس الانبا أنطونيوس ان يشرح لهم سبب
الإيمان بالمسيح. ولكنهم حاولوا أن يحاجّْوه بصدد الكرازة بالصليب الالهى قاصدين
الاستهزاء بالصليب.

فوقف
انطونيوس قليلاً واشفق على جهلهم ثم خاطبهم بواسطة مترجم قائلاً: ان ما اخترناه هو
الاعتراف بالصليب علامة الشجاعة واحتقار الموت أما أنتم فقد اخترتم شهوات الخلاعة.

أيهما
أفضل عمل الصليب وقت الجهاد ضد مؤامرة الأشرار دون مخافة الموت مهما أتى فى أى وضع
من أوضاعه، أم الالتجاء الى آلهة الأحجار؟!

ما
الذي وجد في الصليب حتى يستحق الهزء؟

بل
الصليب هو علامة الغلبة والنصرة على الأعداء. في كل وقت اذا حملناه بالايمان.

من
سيرة الأنبا أنطونيوس بقلم اثناسيوس الرسولى

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى