اللاهوت الروحي

الفصل العاشر



الفصل العاشر

الفصل العاشر

لا تطفئوا الروح القدس

مقالات ذات صلة

54- لا تطفئوا الروح

لاتطفئوا الروح [1تس 5: 9 ]

الروح القدس يعمل فينا، ويمنحنا حرارة روحية.
ولكنه لا يلغى حريتنا فلنا الحرية أن نحتفظ بهذه الحرارة، أو نطفئها.

الروح القدس لا يرغمنا على عمل الخير، إنما
يحثنا عليه ويرشدنا إليه. ويعمل معنا إن عملنا الخير.

 

وكلما نشترك مع الروح القدس، وتعمل أرواحنا معه،
تزداد حرارته في قلوبنا اشتعالاً، وتدفع الفكر والارادة، وينمو الإنسان بعد يوم في
حياة الروح. وتلتهب فينا محبة الله.. ولكننا عملياً لا نحتفظ بهذه الحرارة الروحية
على الدوام. فكثيراً ما تخف أو تنطفئ غي داخلنا.

نقص الحرارة الروحية، يتسبب عنه الفتور الروحى.

وضياع هذه الحرارة بالتمام، يسبب البرودة
الروحية.

وكلاهما خطر على حياة الإنسان وروحياته. وغالباً
ما تكون مقدمة للسقوط في الخطية إذ يقدمان الوسط الذى يمكن أن يعمل فيه الشيطان، بدون
مقاومة من إرادة الإنسان..

وانطفاء الحرارة الروحية، ينطبق عن معنيين هما:

 

1 انطفاء الشعلة المقدسة التى في روحك البشرية،
التى تميل بطبعها إلى الخير، إذ قد خلقت على صورة الله.

2 انطفاء عمل الروح القدس في قلبك، نتيجة لرفض
إرادتك أن تشترك معه..

ولاشك ان لا تطفاء الحرارة الروحية أسباباً
خارجية وأسباباً داخلية. فما هي؟

 

55- أسباب خارجية لإطفاء الروح

ليست كل الأسباب الخارجية يمكنها اطفاء الروح..

مهما كانت خطورتها، ومهما كانت ضاغطة..

ما لم تضعف أمامها الارادة وتستلم وتلقى
سلاحها.. إذن لابد أن الداخل قد ضعف..

وضعفه هو الذى أعطى قوة لهذه العوامل الخارجية..

ذلك لأن هناك عوامل خارجية تثير في القلب النقى
روح المقاومة، فتزداد حرارته رغبة في الانتصار.

وهكذا تكون الأسباب الخارجية قد أتت بنتيجة
عكسية لما يقصده الشيطان منها.

وأيضاً لأنه في وجود هذه الحروب الروحية من
الخارج، يزداد عمل النعمة من الداخل، والروح القدس يسند الإنسان وعن هذا الأمر قال
الرسول:

“حيث كثرت الخطية، إزدادت النعمة
جداً” (رو5: 20).

إذن السباب الخارجية، هى مجرد عامل مساعد

أما أن تكون البادئة، وتضغط وتلح، حتى تسبب
ضعفاً داخلياً يقبل تأثيرها، وأما أن تنتهز فرصة ضعف داخلى موجود عن طريقة أن تأتى
بنتيجة..

 

56- البيئة الخاطئة وإطفاء الروح

1 في مقدمة السباب الخارجية: البيئة الخاطئة،
والجو غير الروحى..

ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك، ما حدث للوط
البار في أرض سادوم، إذ قال عنه الكتاب ” إذ كان البار بالنظر والسمع وهو
ساكن بينهم يعذب يوماً فيوماً نفسه البارة بالأفعال الأثيمة” (2بط2: 8). بل
كان لابد أن يخرج هذا الرجل البار من تلك البيئة. وهكذا قال له الملاك:

” اهرب لحياتك.. ولا تقف في كل
الدائرة” (تك19: 17).

لقد فقط لوط حرارته الروحية في أرض سادوم. وكلماته
فقدت حرارتها وتأثيرها لذلك قيل عنه حينما دعا أصهاره إلى الخروج من سادوم، إنه
” كان كمازح في اعين أصهاره” (تك19: 24).

 

إن البيئة الشريرة قد لا تكتفى بإطفاء الروح، بل
قد يزداد تأثيرها وتستطيع أن “تفسد الأخلاق الجيدة” (1كو15: 33). وربما
تؤثر على الإيمان ذاته! وعلى كسر النذر!

 

يدخل في البيئة أيضاً وتأثيرها: ما يطفئ الروح
من داخل الأسرة، كما قيل ” إن أعداء الإنسان أهل بيته” (متى10: 36).
وكذلك الصداقات غير البريئة، ويعض الزملاء. وأيضاً تأثير أهل القراءات، وبعض وسائل
الاعلام، وكل تأثير يأتى من الخارج ويطفئ الروح..

 

ومن أبرز الأمثلة في ذلك: سليمان الحكيم وشمشون
الجبار.

 

· سليمان الذى تراءى له الله مرتين: في جبعون
وفي أورشليم (1مل8: 2). وأخذ من روح الله الحكمة. حتى أنه لم يكن مثله قبله، ولا
قام بعده نظيره” (1مل3: 12). هذا الحكيم لم يفقد حرارته الروحية، وإنما بالأكثر
” أمالت نساؤه قلبه.. وراء آلهة آخرى” (1مل11: 3، 4)..!!

 

· وشمشون الذى كان ” روح الرب يحركه”
(قض13: 25).. كسر نذره بالبيئة الخاطئة ومعاشرة دليلة. فكسر نذره، وانطفات حرارته
” والرب فارقه “.

” وفارقته قوته” (قض16: 19، 20).

لذلك كله، وبسبب خطورة البيئة الخاطئة على
الروح:

أمر الله بعدم مخالطة الأمم غير المؤمنة والنساء
الغريبات.

يدخل في البيئة وتأثيرها: ما يطفئ الروح من داخل
الأسرة، كما قيل ” إن أعداء الإنسان أهل بيته” (متى10: 36). وكذلك
الصداقات غير البريئة، وبعض الزملاء وأيضاً تأثير القراءات، وبعض وسائل الاعلام،
وكل تأثير من الخارج يطفئ الروح.

يضاف أيضاً إلى تأثير البيئة في اطفاء الروح:

2 تأثير المشاكل والأحداث والاهتامات:

 

57- تأثير المشاكل والأحداث في إطفاء الروح

كل إنسان في الدنيا، حياته معرضة للمشاكل
والأحداث. فهل بالضرورة يتعرض تبعاً لذلك إلى انطفاء حرارته الروحية؟ كلا بلا شك.
إذن أين يمكن الخطر الروحى؟

تتسبب المشاكل في إطفاء الحرارة الروحية، إذا ما
استقبطت الإنسان، واستولت على فكره ومشاعره.

 

أى أن المشكلة تستحوذ على اهتمامه، بحيث تشغل كل
وقته وكل تفكيره وكل احساساته. وهكذا قد لا يبقى له وقت للصلاة. وإن صلى يسرح فكرة
في المشكلة!! وهكذا يطفئ الروح وعمله فيه، لأنه غير متفرغ لأى عمل روحى. وقد
استولت المشكلة عليه بالتمام ايضاً إلى القلق والاضطراب والحيرة..!

 

اما الشخص الروحى، فإن المشاكل تعمق صلواته
بالأكثر، ولو من أجل حلها. فتزداد حرارته.

 

هو يطرح المر امام الله، ويتركه له ليحله. وبكل
إيمان وبكل حب، يثق أن الله سيحل الاشكالات.. وهكذا ينتصر على المشكلة بروح الصلاة
والإيمان، ولايسمح لها بأن تنتصر عليه.. ويبقى كما هو محتفظاً بحرارته. لايفكر في
المشاكل، لأنه واثق أن تنتصر عليه.. ويبقى كما هو، محتفضاً بحرارته. لا يفكر في
المشاكل، لأنه واثق أن سيعمل عملاً..

 

إذن ليست الخطورة في المشكلة، وإنما في الأسلوب
الذى نتعامل به مع المشكلة.

 

داود النبى كانت تحيط به المشاكل، فيسرع إلى
مزماره وإلى عوده، ويسكب نفسه في حرارة أمام الله، حتى في الوقت الذى كثر فيه
الذين يحزنونه، وقالوا له: ليس له خلاص بإلهة!! (مز3).. داود لم يفقد حرارته في
وقت الشدة، لأنه لم يكن ينحصر فيها، إنما كان يلجأ إلى أحكام الله وشهادته
وناموسه، يتأمل فيها. فترتاح نفسه، وتزداد حرارته. هوذا يقول:

” ضيق وشدة أدركانى. ووصاياك هي درسى”
(مز119).

ويقول في نفس هذا المزمور الكبير ” كادوا
يفنوننى على الأرض، أما أنا فلم أترك وصاياك ” ” اذكر لعبدك كلامك الى
جعلتنى عليه اتكل هذا الذى عزانى في مذلتى” “جلس الرؤساء وتقاولوا على.
أما عبدك فكأن يهتم بحقوقك، لأن شهادتك هي درسى”. بقى في تأملاته، ولم يهتم
بما يتقاول به الرؤساء عليه.. وفي شهادات الرب وفي كلماته يجد العزاء. وتزداد
عليه.. وفي شهادات الرب وفس كلماته، كان يجد العزاء. وتزداد روحه حرارة وحباً.

 

ليت كل المشاكل تدفعنا إلى الصلاة بكل حرارتها،
ولا تدفعنا إلى التفكير والقلق..

 

القديسون كانوا محاطين بمشاكل. لكنهم كانوا
محاطين بروح الله أيضاص، هو يحلها لهم ويعزيهم، لأنه هو الروح المعزى (يو14: 26).

 

إن الشيطان إذا رأى أن المشاكل تربنكا وتفقدنا
حرارتنا الروحية، فلا مانع عنده من أن يقدم لنا كل حين مشكلة جديدة ننشعل بها
ونتفرغ لها!! ولكنه لايفعل ذلك إذا وجد أن المشاكل تقودنا إلى الصلاة..

 

58- كلام الناس قد يُطفئ الروح

3 مما يطفئ الروح أيضاً، كثير من كلام الناس:

وبخاصة الأحاديث غير الروحية، والفكاهات
العابثة، وكلام اللهو، ومسك سيرة الناس، وما أشبه ذلك.. كل هذه الأنواع من الكلام
السائب غير المنبط، التى تتيه الإنسان عن أبديته وتشتت فكره وتبرد حرارته وتساعده
على الاشتراك في الخطأ، وتقلل حرصه وتدقيقه وكما قال الكتاب:

 

” كثرة الكلام لاتخلو من معصية”
(أم10: 19).

ولهذا قال أحد الآباء في بستان الرهبان: إذا أنت
مشيت مع إنسان صالح من قلايتك إلى الكنيسة، يقدمك عشر سنوات. وإذا مشيت مع إنسان
منحل يؤخرك خمسين سنة! ما أكثر ما يتحدث معك أحدهم، فتتركه وقد فقدت الكثير من
روحياتك، وتجد حرارتك قد انطفأت! وقد تخرج من القداس متغرباً، وفي حالة روحية،
فيقابلك أحد معارفك، ويفتح معك موضوعات متعددة، بعضها شائك جداً، فتدخل أفكار
ومشاعر إلى قلبك، تطفئ ما نلته في القداس من حرارة وتعزية. ولذلك حسناً كان القديس
مقاريوس الكبير، يقول للاخوة وهم خارجون من الكنيسة:

 

” فروا يا أخوة فروا “.. ثم يضع يده
على فمه ويقول ” من هذا فروا “..

حقاً ما أفيد أن يحضر إنسان القداس الإلهى، ثم
ينصرف مباشرة مستفيداً من النعمة التى قد نالها، وهارباً من اللقاءات التى تتم
خارج الكنيسة، فى فنائها أو على أبوابها.. هارباص من الأحاديث والاخبار والسير
والفكاهات والتعليقات.. التى تبرد حرارته.

إن الشيطان قد لايمنع الناس من الذهاب إلى
الكنيسة، بل ينتظرهم خارجها ليبدد ما جمعوه!

منعهم من دخول الكنيسة حرب مكشوفه من السهل أن
ينتصروا عليها. ولكنه ينتصينتظر خارجاً ويقول هلموا بنا نحكى. وفي حكاياته معهم
” يعمل لهم غسيل مخ “، يضيع به كل ما أخذوه من بركة، أو على الأقل يطفئ
حرارتهم. وهكذا كثيرون يذهبون إلى الكنائش، ويرجعون إلى بيوتهم بلا فائدة!

 

وما نقوله عن القداسات، نقوله أيضاً عن
الاعتراف.

تذهب إلى أب اعترافك، وأنت مر النفس بسبب
خطاياك، منسحق جداً، يعصرك الندم على ما فعلته. وتريد ان تأخذ عقوبات كنيسة تسحقك
بالأكثر، وتريد أن تمارس تدريبات تقدم حياتك وتنميها. وتخرج من عند أب اعترافك،
وأنت في هذه الحرارة الروحية، وفي الطريق يقابلك صديق ليحكى لك آخر الفكاهات التى
سمعها.. وتفقد حرارتك!! حقاً كما قال الحكيم في سفر الجامعة ” للبكاء وقت،
وللضحك وقت” (جا3: 4). واضح أن يوم الاعتراف ليس هو يوم الضحك..

 

59- الحروب الخارجية قد تُطفئ الروح

4 من الأسباب التى تطفئ الروح أحياناً: شدة
الحروب الروحية واستمرارها.

هناك حروب روحية تدعو إلى مزيد من الجهاد ومن
الصلاة، بحرارة شديدة للتغلب عليها.. ولكن هناك حروباً أخرى ضاغطة ومستمرة، وربما
فوق الاحتمال العادى. وهذه إن لم تؤد إلى السقوط في الخطية فعلى الأقل تبرد الحرارة..
وبخاصة حروب الفكر الحواس التى تستمر مدة طويلة.. ولكن الله من مراحمه لا يدع هذه
الحروب تسيطر، ويتدخل لإنقاذ عبيده..

 

تحدثنا عن الأسباب الخارجية لاطفاء الروح، ولاشك
أن هناك أسباباً أخرى عديدة. ثم أن هناك أسباباً داخلية تطفئ الروح من داخل قلب
الإنسان، أو في صميم حياته الخاصة فكره ومشاعره وشخصيته.. نود أن نتحدث عنها.

 

60- أسباب داخلية لإطفاء الروح

يمكن أن يدخل في هذا الموضوع كل الأسباب التى
تؤدى إلى الفتور الروحى:

ومن ضمن ذلك الكسل والتراخى والتهاون في كل عمل
روحى.

 

61- الكسل والتراخي قد يطفيء الروح

فالانسان الروحى يتميز بالجدية والحماس في كل
ممارسته الروحية، فإن بدأ يتكاسل عند الإنسان ربما يخترع له أسباباص يخترع لع
أسباباً كثيرة، ويجد له حججاً واعذاراً، وبالوقت قد يتحول إلى عادة أو إلى طبع.
وقد يأتى وقت يحاول ان يقوم فيه من كسله فلا يستطيع!

 

ومن ضمن علاج الكسل: التغصب.

فيغضب الإنسان على العمل الروحى، ويغضب نفسه على
ترك الكسل، حتى إن لم تكن له أية رغبة تدفعه إلى عمل مقدس.. لذلك يقول ماراسحق:
اغصب نفسك على صلاة الليل، وزدها مزاميراً. فإن كنت متعباً مثلاً بالنوم، لاتستسلم
للتعب وتنام بدون صلاة. بل أغضب نفسك أن تقف وتصلى. وأطل صلاتك.. وهكذا تغصب نفسك
على قراءة الكتب الروحية وعلى الصوم وعلى السهر..

 

وإذا دعاك الروح إلى أى عمل مقدس، فلا تتباطأ
ولا تؤجل فالتأجيل لون من الكسل ومن حب الجسد.

وهو يؤدى إلى اطفاء الروح، وإلى اطفاء اشتياق
القلب إلى الوجود في حضرة الله، وهو يمنع الروح من تناول غذاءها الذى يقويها.
ويدخل فيه أيضاً تأجيل التوبة، أو تأجيل الاعتراف والتناول. لقد التهب قلب فليكس
الوالى، لما تحدث القديس بولس عن البر والتعفف والدينونة. ولكنه أطفاء هذه الشعلة
المقدسة بتأجيله، وقوله اذهب الآن ومتى حصل لى وقت اتدعيك” (أع24: 25). بعكس
ذلك الابن الضال في توبته.. لما شعر بسوء حالته الرغبة، قال أقوم الآن واذهب إلى
أبى وفي الحال قام وذهب إلى أبيه ولم يطفئ حرارة الرغبة في التوبة بالتأجيل.
الراهب العمال الحار في الروح، إذا ضرب جرس نصف الكسل، ينهض بسرعة من فرشاة ويذهب
إلى الكنيسىة. فإن تكاسل أو تراخى، يعود إلى نومه.

 

لا تحاول أن تغطى كسلك بالاعذار والحجج.

بل حاول أن تنتصر على نفسك وأن تنتصر على هذه
الأعذار، وتثبت عدم جديتها. وخذ الحياة الروحية بنشاط وحرارة، ولاتطفئ الروح الذى
فيك.. وثق أنك إن تكاسلت، سيجد الشيطان فرصته، ويساعدك على مزيد من التهاون في
روحياتك. يمكن أن يقول لك: ما فائدة الصلاة وأنت متعب، وليست لديك رغبة. ولاشك
أنها ستخلو من الخشوع اللائق بالوجود في حضرة الله!

 

إن كسلك يشجع الشيطان على التدخل.

والكسل لاتصلح له المناقشة ولا الحوار، ولا
تقديم الاعذار، ولا يعالجه سوى أن تغصب نفسك على النشاط. حتى إن بدأت الصلاة بغير
رغبة، فستأتى الرغبة بعد لحظات. ولاشك أن النعمة سوف تفتقدك وتمنحك حرارة روحية.

 

كذلك لا تتراخ في طرد الأفكار الخاطئة.

إن تراخيت في طردها، ستقوى عليك وستزيد، وتأخذ
سلطاناً عليك بسبب تكاسلك، وبسبب ابقائك عليها. وأيضاً لأن عدم طردك لهذه الأفكار
بسرعة، إنما يحمل رغبة داخلية في الاسترسال مع الفكر بسبب خطية كامنة تتغذى
بالأفكار.. وأنت بالتباطؤ طرد الأفكار، إنما تطفئ الروح.

 

المفروض في الإنسان الحار بالروح، إن تكون له
حرارة في الاجابيات والسلبيات.

الحرارة في الايجابيات هي الحرارة في كل عمل
روحى يشترك فيه مع الروح القدس. والحرارة في مقاومة السلبيات، هي الحرارة في طرد
الآفكار الشريرة الخاطئة الغريبة، والحرارة في مقاومة الكسل والتراخى، وفي مقاومة
كل شهوة خاطئة.

 

62- التقصير في الصلوات يُطفئ الروح

ومن الأسباب التى تطفئ الروح أيضاً: التقصير في
الصلوات.

ما من إنسان وصل إلى الفتور الروحى، إلا ويكون
قد بدأ بإهمال لصلواته ومزاميره. فالصلاة تعمق الصلة بالله، وتسبب حرارة في القلب
من نحوه. لذلك لا تهمل صلواتك، حتى ولو كانت كلمة واحدة أو عبارة بسيطة.

 

فقد يحاربك الشيطان بأنه ليس لديك وقت. وهي حرب
مكشوفة ومعروفة.

الصلاة لا تحتاج إلى وقت، إنما إلى قلب. تحتاج
إلى قلب يشتاق إلى الحديث مع الله، ولو بكلمات قليلة لا تستغرق بعض الثوانى. ومحال
أن تقول أنك لا تملك هذه الثوانى. وثق أنك إن بدأت، ستجد النعمة تعمل فيك لكى تكمل
وتجد رغبة في قلبك أن تستمر وتتحول الثوانى إلى دقائق.

 

اهتم بصلوات النهار، وقت الانشغال ووقت الحروب
الروحية.

ارفع قلبك إلى الله، ولو عبارة واحدة، مثلما فعل
العشار (لو18: 13) ومثلما فعل اللص اليمين (لو23: 42). وستكون عبارة مقبولة، وتأتى
بثمر كثير. ولا تظن أن صلاتك لا تكون مقبولة، إلا إذا كانت طويلة! كلا، فهذه حرب
أخرى..

 

إن الله يريدك أن تتذكره، أثناء انشغالك بعملك
الدنيوى.

فلا تنساه أثناء العمل، وأثناء الاتصالات
والمشغوليات، ولا تكون في غربة عنه أثناء النهار، وقد ابعدتك عنه علاقات كثيرة!!
مجرد عبارة “يا رب” تقولها أثناء عملك، وأثناء مشيك في الطريق، وعند
تقابلك مع الناس.. وهذه العبارة وحدها، إن قلتها من قلبك، ستمنحك حرارة روحية. ولا
تستغرق وقتاً.. كم بالأكثر لو قلت عبارة أو عبارتين من صلواتك، أو مزموراً له
تأثير معين في قلبك وعواطفك..

 

أما غربتك عن الله، باهمالك للصلاة فإنها تطفئ
روحك

وإذا لم ينشغل عقلك بالله، سينشغل بأشياء أخرى،
لأنه لن يتوقف عن العمل. وهنا تدخل روحياتك في تعقيدات لا ندرى ما نتائجها..
فلماذا تترك عقلك في فراغ روحى؟ لم لا تشغله بشئ نافع، ولو يتأمل في آية تحبها، أو
بتأمل في فضيلة ما، أو في صفة من صفات الله الجميلة، فهذا الفكر الروحى، يشعل
قلبك. بينما الفراغ يؤذيك.

 

اعلم أن الفراغ الداخلى يعطى فرصة للحروب
الخارجية.

فيتعاون الداخل والخارج ضدك.. انصحك أن تحفظ بعض
الصلوات، أو بعض القطع من الأجبية، أو بعض آيات من الكتاب، وتردد كل هذا أو شيئاً
منه أثناء النهار.. وفي وقت الساعة الثالثة أو السادسة، ارفع قلبك ولو بصلاة قصيرة
مناسبة، لمجرد ثوان معدودة.. وتأمل ماذا ستكون النتيجة.

 

لا تجلس في الساعة الثالثة ككتلة مجمدة على كرسيك!!

ليس فيها أى حس روحى، أو اية حرارة. تأكد أن
الشيطان قد أسس شركة كبيرة منتجة للفريزرات، ليجمد فيها أرواح الناس وقلوبهم، أو
على الأقل يبردهم، خوفاً من الحرارة الروحية. فلا تعطه فرصة، وانشغل عنه بعمل روحى
داخلى.

هذا هو الفرق بين الراهب العمال والراهب البطال،
حسب تعبير البستان.

وليس المقصود بكلمة بطال أنه انسان ردئ. كلا. بل
أنه أبطل العمل الروحى داخله..

لا تقتصر إذن في عملك الروحى في كل وقت، لئلا
تنطفئ حرارة الروح فيك واعلم أن النار، إن لم تجد وقوداً، فلابد ستنطفئ ولو بعد
حين، لذلك:

اضف وقوداً باستمرار إلى النار المقدسة التى
وضعها الله في قلبك.

بالصلاة، بالتأمل، بالقراءة الروحية، بالالحان
والترانيم والتسبحة، وبالاجتماعات الروحية، بالذكريات المقدسة، بالعمل الداخلى،
بالفكر الصالح. وقل لنفسك: أنا إن أهملت إضافة هذا الوقود ستنطفئ حرارتى، وافتر أو
ابرد، وأضيع.. اعرف بالخبرة ما هي مصادر الحرارة بالنسبة إليك، ولا تبعد عنها
مطلقاً. وإن فترت في وقت ما، لا تنتظر على نفسك، بل اشعلها لتلتهب كما كانت..

 

اعط روحك غذاءها باستمرار.

في كل يوم، وكل وقت، وبكل ألوان الأغذية
الروحية. غذها بكل الوسائط الروحية. واجعل روحك أيضاً تتغذى بالفضيلة وبالحب
الإلهى، وبمداومة التفكير في الله وفي الأمور المقدسة. وبمعاشرة القديسين والتأثر
بقدرتهم الصالحة. ولا تقل ليس لدى وقت للروحيات.. فأنت تعطي وقتاً للتسليات
والتفيهات وللحديث مع الأصدقاء ولقراءة الجرائد والحوار حول الأخبار، بل تعط وقتاً
ربما لتفاهات عديدة. لماذا تحرم روحك إذن من غذائها؟!

 

63- الشهوات ومحبة العالم تُطفئ الروح

من الأمور الأخرى التى تطفئ الروح: الشهوات
ومحبة العالم والجسد.

كل شهوة جسدية، وكل شهوة خاطئة، وكل شهوة
عالمية.. يمكن أن تطفئ الروح داخلك.. شهوة الانتقام، وشهوة المال والقنية، وشهوة
الكرامة والمجد الباطل، وشهوة الزنا، وشهوة المديح، وشهوة المتع العالمية.. كلها
تطفئ الروح الذى لك، لأنها تنقلك إلى غربة بعيداً عن الله وعن الجو الروحى.

 

تذكر إذن قول الكتاب..

” محبة العالم عداوة لله” (يع4: 4).

وبخاصة إذا كانت الشهوة تنتقل من القلب، لكى
تشغل الفكر، وتلهب الحواس.. وتنتقل إلى الإرادة. وتحاول أن تعبر عن ذاتها
بالتنفيذ. ويشعر الإنسان ليس فقط بأن روحياته قد فترت أو أنطفأت، بل بالأكثر قد
سقط في الخطية فعلاً، وانفصل عن الله.. “.

عليك أن تبحث إذن: أية شهوة في قلبك قد أطفات روحك؟

وتحاول أن تقاوم شهواتك، وتجعل شهوة الروح تنتصر
على الجسد (غل5: 16، 17).

اصلح مسار الحب في قلبك، واجعله يتجه نحو الله
والسمائيات. وكما قال الرسول “غير ناظرين إلى الأشياء التى ترى، بل إلى التى
لا ترى. لأن التى ترى وقتية. أما التى لا ترى فأبدية” (2كو4: 18).

 

64- الانشغال باللهو يُطفئ الروح

مما يطفئ الروح أيضاً الانشغال باللهو.

اللهو الذى يشغل عواطفك ومشاعرك وحواسك ورغباتك،
وفى نفس الوقت يلهبك عن محبة الله، وعن العمل الروحى.

وينشغل وقتك، بل ويصير هو المتعة التى تريحك
وتبهجك وتسليك..

وهكذا تطفئ الروح، وبخاصة إن زادت عن حجها،
وأصبحت وسائل اللهو هذه، أو وسائل الترفيه، تشكل خطراً على روحياتك.

 

أسأل نفسك:

ما هو مقدار الوقت الذى تشله هذه الترفيهات في
حياتك؟

وما مقدار الوقت الذى تعطية لوسائط النعمة
والروحياتك؟

وهل أنت تحفظ ميزان التأثيرات في حياتك؟

أم أن كفة الترفهات في هذا الميزان هي الرجحة؟!

 

65- التعريج بين الفرقتين يُطفئ حرارة الروح

مما يطفئ حرارة الروح في قلبك أيضاً: التعريج
بين الفرقتين.

الأمر الذى حذر منه ايليا النبى (1مل18: 21).
ففي التعريج بين الأمور، لا يكون لك خط روحى ثابت تسير عليه. لك اشتياقات روحية،
ولك أيضاً طموحات عالمية. وأنت في الكنيسة عابد، وفى خارجها تسلك كالأمم. تصوم
الصوم في نسلك. وفى العيد وفي الأفطار تسلك غي تسيب، تفقد فيه كل ما ربحته نفسك
أثناء الصوم.

لك شخصيته مزدوجة، لاهي روحية خالصة، ولاهي
عالمية خالصة.

فما يشعلك اليوم، يمكن أن ينطفئ غداً، أو في نفس
اليوم، بعد حين. تعيش كالمراجيح. كما يقول المثل العامي “يوم في العالى، ويوم
في الواطى”!! تعلو وتهبط. تشرق وتغرب. تسقط وتقوم. ثم تسقط..

وهكذا بغير ثبات.. كل يوم بحال. وكل يوم في طريق
مختلف. يوماً في أورشليم، يوماً في غزة، كما كان يفعل شمشون. حدد منهجك في الحياة،
لتحفظ بحرارتك.

 

66- طياشة الحواس وطياشة الفكر تطفئ الروح

من الأسباب التى تطفئ الروح أيضاً طياشة الحواس،
وطياشة الفكر.

والمعروف أن الحواس هي أبواب للفكر. فإن طاشت
حواسك ستجمع لفكرك أخبارً وصوراً، مما يجلبه لها السمع والنظر.. فكيف غذن تحتفظ
بحرارتك لنفسك حروباً تتعبك اجتهد إذن أن تتدرب على حفظ الحواس وجمع الفكر، لكى
يتركز في الروحيات. لأنه إن كانت هناك طياشة في حواسك وفكرك، ستكون نتيجتها طياشة
في صلاتك. بل طياشة للفكر في غير وقت الصلاة أيضاً.. وكلها أسباب لاطفاء الروح.

 

67- أسباب أخرى تُطفئ حرارة الروح داخل القلوب

من الأسباب التى تطفئ الروح أيضاً: التحول
السريع من الانسحاق إلى الفرح.

مثال إنسان كان في الخطية وتاب، وانسحق قلبه
داخله، وبلل فراشة بدموعه. واقتنى من توبته وانسحاقه ودموعه حرارة في روحه.. يأتيه
إنسان ويدعوه إلى الفرح بالرب.. وفي هذا الانتقال السريع من الانسحاق إلى الفرح،
يفقد حرارته.. الفرح فضيله روحية. ولكنه إذا اطفأ حرارة التوبة، يكون قد استخدم في
غير وقته، وبغير حكمة. وينبغى أن تأخذ التوبة ما يلزمها من اتضاع وانسحاق وندم
ولوم للذات ودموع، لكى تكون مصدراً للحرارة الروحية.. حتى إذا فرح الإنسان، يفرح
بالرب الذى خلصه. ولايكون فرحه لوناً من اللامبالاة..

 

كذلك الاسراع من التوبة إلى الخدمة، يطفئ الروح.

ويفقد التوبة حرارتها، ويفقدها ثمارها الروحية،
التى تستمر في حياة الإنسان، وتمتد حياته، ولا تنسيه ضعفه وسقوطه.

 

يطفئ الروح أيضاً الانتقال من المستوى الروحى
إلى المستوى العقلانى.

 

بحيث يتحول الدين إلى الفكر وإلى فلسفة، وإلى
بحث وحوار. ويفقد المشاعر الروحية العميقة التى تلهب القلب بمحبة الله. ويتحول
الإنسان من عابد إلى عالم بل تتحول الروحيات إلى علم اسمه علم الروحيات له منهجه
ومقدماته ودراسته ومشاكله. وينشغل العقل وتقف الروح. فتنطفئ الحرارة..

 

مما يطفئ حرارة الروح أيضاً: مقاومة عمل الروح
القدس في قلبك.

أو على الأقل عدم الشركة معه، وعدم الاستجابة
له.. وهذا موضوع طويل لست أظن هذه السطور تتسع له.

 

68- حلول الروح القدس على الإنسان أقنومياً، وما
هو هذا الاتحاد الأقنومي؟

سؤال

هل يمكن أن يحل الروح القدس علينا حلولاً
أقنومياً
Hypostasis؟

وهل يمكن أن يتجدد بنا اتحاداً أقنومياً؟

وما هو هذا الاتحاد الأقنومى، ومع من يتم؟

الرد:

نحن نستخدم عبارة أقنوم في الحديث عن الأقاليم
الثلاثة، في الثالوث القدوس. وكل من هذه الأقانيم له الطبيعة الإلهية.

 

يوجد اتحاد بين الأقانيم الثلاثة.

كل أقنوم متحد بالآخر أزلياً، ودائماً بغير
انفصال. ويعبر عن هذا الاتحاد بالوحدة. وهي وحدة في اللاهوت وفى الجوهر وفي
الطبيعة. مثلما قيل عن الاقانيم الثلاثة ” وهؤلاء اللاثة هو واحد”
(1يو5: 7). ومثلما قال الابن “أنا والآب واحد” أى واحد في اللاهوت،
وواحد في الجوهر..

 

ونقول باتحاد اقنومى بين اللاهوت والناسوت في
طبيعة المسيح.

ولا نقول باتحاد اقنومى بين أى إنسان والروح
القدس، لأن هذا معناه اتحاد باللاهوت، وتصبح لهذا الإنسان صفات لاهوتية، ويمكنه أن
يعمل العمل الذى لايمكن أن يعمله إلا الله وحده اقنوماً بروح الله.

 

على أننا نستطيع أن نقول إن الروح القدس حل
حلولاً أقنومياً موقتاً على السيدة العذراء إلهى مزدوج.

أ ليصنع من أحشائها جسداً للسيد المسيح، ولذلك
قيل عن السيد المسيح، ولذلك قيل عن السيد المسيح “الذى من الروح القدس ومن
مريم العذراء تجسد وتأنس”.

 

ب وأيضاً لتقديس مستودعها، حتى أن المولود منها
لايرث الخطية الأصلية الجدية، فيمكنه كقدوس أن يتمم عملية الفداء، إذ يموت عن عن
خطية غيره.. وهكذا قال: الملاك المبشر للسيدة العذراء ” الروح القدس يحل
عليك، وقوة العلى تظللك. فلذلك أيضاً القدوس منك يدعى ابن الله” (لو1: 35).

 

والروح القدس بعد أن كون ناسوتاً من أحشاء
العذراء، اتحد اقنوم الابن بهذا الناسوت اتحاداً أقنوماً، منذ اللحظة الأولى للحبل
المقدس.

 

69- الفرق بين حلول الروح القدس على المسيح وقت
العماد وحلوله على التلاميذ

سؤال:

حل الروح القدس على السيد المسيح وقت العماد.
وحل على التلاميذ فما الفرق؟ وهل علاقة السيد المسيح بالروح القدس تشبه علاقة
الرسل به؟

الرد:

السيد المسيح من جهة لاهوته له علاقة ازلية
بالروح القدس، أضيف إليها مسحه بالروح القدس ملكاً وكاهناً ونبياً.

 

وهكذا ورد عنه في نبوءة اشعياء “روح السيد
المسيح الرب على، لأنه مسحنى” (أش61: 1) وقيل إنه مسح بزيت البهجة أفضل من
رفقائة (عب1: 9). وهذه العلاقة المزدوجة يوضحها سفر اللاويين في تقدمه الدقيق التى
ترمز إلى ناسوت المسيح فيقول عنها:

” ملتوته بزيت.. ومدهونه بزيت” (لا2:
4).

الصفة الأولى من جهة الأزلية، والثانية من جهة
مسحة للخدمة.

 

70- أنواع وضع اليد

سؤال: ما الفرق في وضع اليد بين حالة وحالة؟

الجواب:

كان هناك وضع اليد لنوال الروح القدس لجميع
المؤمنين.

مثلما حدث مع أهل السامرة (أع8: 17)، وأهل أفسس
(أع 19: 6). لما تم وضع اليد بواسطة الرسل، حل الروح القدس. وضع اليد هذا، حلت
محله المسحة المقدسة (1يو2: 20، 27)، وحالياً نستخدم زيت الميرون.

 

ويوجد وضع يد آخر لنوال الكهنوت.

مثل وضع اليد على تيموثاوس بولس الرسول (2تى1:
6)، ووضع اليد على برنابا وشاول (أع13: 3). كذلك وضع الأيدى على الشمامسة ليكونوا
من الاكليروس (أع6: 6). وتتوقف الدرجة هنا على نوع الصلاة، والنطق.

ويوجد وضع يد للشفاء.

كما في (لو4: 40).

ووضع يد أيضاً للبركة.. مثلما وضع يعقوب أبو
الآباء يديه على افرايم ومنسى وباركهما (تك28: 14 20).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى