اللاهوت الروحي

الفصل الثامن



الفصل الثامن

الفصل الثامن

شركة الروح القدس

48- شركة الروح القدس

وذلك لأن الروح القدس يعمل في الجميع. يعمل فينا
وبنا، ويبقى أن نعمل نحن معه. الروح القدس في سر المعمودية منحنا نعماً كثيرة،
منها التجديد والتبرير والولادة الجديدة.

ولكن نعم الروح القدس لم تسلبنا مطلقاً نعمة
الحرية:

فنحن أحرار تقبل الروح القدس فينا أو لا تقبل.
نقبل الشركة معه أو نرفض ذلك. وفي هذه النقطة بالذات يبدو الخلاف بين القديسين
والخطاة. الروح القدس يتقدم ليعمل في كليهما. والأبرار هم الذين يقبلون الشركة
معه، من أجل خلاصهم وخلاص الآخرين أيضاً.

 

وكل عمل يرون أن الروح القدس لا يشترك معهم فيه،
يرفضونه تماماً.

وهكذا لا يعملون أى عمل بمفهم، بل بشركة روح
الله معهم. كما نصلى في الكنيسة قائلين: اشترك في العمل مع عبيدك، في كل عمل صالح.
ونتيجة لهذا، تصبح حياتهم كلها حياة روحية: صلواتهم صلوات روحية، وخدمتهم خدمة
روحية، وحلهم للمشاكل يكون بحلول روحية، وتصرفاتهم روحية، وأهدافهم روحية، ومحبتهم
للآخرين محبة روحية. الروح القدس العامل فيهم يعطى كل أعمالهم طابعاً روحياً..

 

عليك إذن أن تراجع كل أعمالك وتفحصها، لترى هل
اشترك فيها معك روح الله القدوس.

 

وتقول للروح القدس في صلواتك: أنا يارب أريد أن
أعمل معك وتعمل معى. لا أريد أن أفارقك أو تفارقنى. الأعمال التى لا توافق عليها،
اعطنى القوة أن أرفضها وابعد عنها. ما الفائدة أن أكون هيكلاً للروح القدس، وأنا
لا اشترك مع الروح القدس في العمل.

 

حتى ونحن في حالة الخطية، نطلب الروح القدس لكى
يساعدنا على التوبة:

 

إنسان خاطئ يقول: أنا قررت أن أتوب. أنا عاهدت
الله أن أتوب.. حسنة يا أخى هي نيتك الطيبة.. ولكن الوصول إلى التوبة، لا يتم
بمجرد قراراتك وتعهداتك، ولا بمجرد ما تضعه لنفسك من تداريب روحية. وأنما توبتك
تأتى بعمل الروح القدس فيك. كما يقول الكتاب ” توبنى يارب فأتوب” (أر31:
18).

 

ولنضع أمامنا كمثال: صلوات داود النبى لأجل
التوبة:

 

ولنسمعه في المزمور الخمسين وهو يقول ”
انضح على بزوفاك فاطهر. واغسلنى فأبيض أكثر من الثلج “. ولم يقل أنا يارب سوف
أتوب، وأنما أنت الذى تطرنى وتغسلنى. وهكذا يقول أيضاً ” اغسلنى كثيراً من
إثمى، ومن خطيئتى تطهرنى. أنا عارف باثمى، وخطيتى أمامى فى كل حين. ولكن أنت يارب
الذى تغسلنى منها وتطهرنى. لأنى لا استطيع بضعفى أن أطهر منها. وعندما تسألنى
يارب: أتريد أن تطهر. أحببتك نعم ولكن..

 

الإرادة حاضرة عندى، ولكن أن أفعل الحسنى لست
أجد (رو7: 18).

 

فأنا ” أرى ناموساً آخر في أعضائى يحارب
ناموس ذهنى، ويسبينى إلى ناموس الخطية ” ” لأنى لست أفعل الصالح الذى
أريده. بل الشر الذى لست أريده، إياه أفعل ” ” ويحى أنا الإنسان
الشقى” (رو7: 23، 19). إذن إرادتى وحدها لا تكفى. وبدونك يا رب لا استطيع أن
أفعل شيئاً (يو15: 5).

 

إن لم ينشلنى روحك القدوس، فلن استطيع أن أتوب..

 

أنا يارب مثل ذلك المريض، الذى مرت عليه 38 سنة،
لا يجد إنساناً يحمله ليلقيه في البركة ليبرأ (يو5: 7). أو أنا مثل بطرس الذى لم
تمسك به يدك، لا يستطيع أن يمشى فوق الماء (مت14: 30). هدفى في التوبة هو أنت.
ووسيلتى في التوبة هي انت. روحك القدوس هو الذى يبكتنى على الخطية (يو16: 8). لأن
تبكيتى لنفسى أضعف من أن يقودنى إلى التوبة. تبكيت الروح القدس هو القوى والمؤثر.

 

وأيضاً روحك هو الرشد في الطريق الروحى.

هو الذى يستنير به ضميرى، وتقوى خطواتى. وإن لم
استرشد به سأضل. عيبنا الأول في حياتنا الروحية، أننا نعتمد على أنفسنا، وليس على
روح الله بينما الكتاب يقول ” وعلى فهمك لا تعتمد” (أم3: 5). نحن لا
نتوب، لأننا لم نطلب من روح الله معونة لتوبتنا. كذلك خدمتنا لا تنجح، إن لم يعمل
روح الله فيها. فالخدمة ليست مجرد حكمة بشرية، ونجاحها لا يتوقف على الذراع
البشري. إنما تنجح الخدمة إن كانت شركة مع الروح القدس. نذكر فيها باستمرار قول
المزمور:

 

إن لم يبن الرب البيت، فباطلاً تعب البناءون
(مز127: 1).

 

ولهذا في الكنيسة أيام الرسل، كان يشترط حتى في
الشماس أن يكون مملوءاً من الروح القدس (أع6: 3). لأن الروح القدس هو الذى في
خدمته، وليس مجرد مجهوده البشرى. ولهذا نجحت الخدمة تماماً لآن روح الله هو الذى
كان يعمل من خلال الخدام، الذين كانوا مجرد أو أدوات في يدية.

 

إذن من جهتنا، لابد أن نقبل روح الله، ونشترك
معه، وننمو في هذه الشركة ولكن إلى أي مدي؟

يقول الكتاب ” امتلئوا بالروح” (أف5:
18).

ويحكى لنا الكتاب أمثلة من حالات الآمتلاء
بالروح القدس، لعل من أشهرها بيت زكريا الكاهن: فقد امتلأت أليصابات زوجته بالروح
القدس (لو1: 41) وزكريا أيضاً امتلأ بالروح القدس (لو1: 67) وابنهما يوحنا من بطن
أمه امتلأ من الروح القدس (لو1: 15). وفي يوم الخمسين ” امتلأ الجميع من
الروح القدس (أع2: 4). وقيل عن المجتمعين للصلاة ” ولما صلوا تزعزع المكان
الذى كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس” (أع4: 31). ولما وقف
بطرس أمام رؤساء الكهنة، قيل عنه إنه ” إمتلأ من الروح القدس وقال
لهم..” (أع4: 8). كذلك اسطفانوس الشماس (أع7: 55). وشاول الطرسوسى (أع9: 17 ؛
13: 9). ونسمع يوحنا الحبيب في رؤياه يقول ” كنت في الروح في يوم الرب”
(رؤ1: 10). ولما رأى العرش الإلهى قال قبلها ” وللوقت صرت في الروح”
(رؤ4: 2).

 

إن كان مطلوباً منا أن نمتلئ بالروح، فالمفروض
أن نعد أنفسنا لذلك..

نسير في الخطوات الروحية التى تجعلنا مستحقين
لهذه النعمة. وتكون قلوبنا مستعدة في كل حين لعمل الروح فينا. وأول الخطوات أن
تكون لنا الحياة الروحية والسلوك بالروح. كما قال الرسول ” اسلكوا بالروح،
فلا تكلموا شهوة الجسد” (غل5: 16). وإن بدأنا بذلك، نستمر فيه. ولا نكون
كالغلاطيين الذين وبخهم الرسول قائلاً ” أبعد ما ابتدأتم بالروح تكلمون
بالجسد؟!” (غل3: 3). ثم ننمو في الحياة بالروح..

 

ونبعد عن كل ما يحزن روح الله، أو يطفئ الروح
فينا، ولا نقاوم الروح القدس..

 

وقد قال الرسول في كل ذلك ” لا تحزنوا روح
الله القدوس الذى به ختمتم” (أف4: 30). وقال ” لا تطفئوا الروح”
(1تس5: 19). وقد وبخ القديس اسطفانوس اليهود قائلاً “يا قساة القلب.. أنتم
دائماً تقاومون الروح القدس. كما كان أباؤكم، كذلك أنتم” (أع7: 51). الروح
القدس مستعد ان يعمل فينا. ولكننا نحزنه، حينما نرفض عمله، ونرفض الشركة معه،
وبهذا نسقط في الخطية. والروح القدس باستمرار يهبنا يدعونا دائماً إلى حياة
القداسة، ولكننا نقاوم عمله فينا وربما في الآخرين ايضاً.

 

إننا إن اشتركنا مع الروح القدس، نكون لذلك
نتائج واضحة في حياتنا.

لعل ابرزها ما قاله الرب في سفر حزقيال النبى
” اعطيكم قلباً جديداً، واجعل روحاً جديدة في داخلكم وانزع قلب الحجر من
لحمكم. وأعطيكم قلب لحم. واجعل روحى في داخلكم. واجعلكم تسلكون في فرائضى،
وتحفظظون أحكامى وتعلمون بها” (حز36: 26، 27). فهل تشعر في داخلك أن روح الله
قد غير حياتك ومشاعرك، واعطاك قلباً جديداً، ومنحك السهولة التى تسلك بها في
وصاياه وتحفظ احكامه..؟

 

· ومن علامات عمل الروح فينا، أن نكون ”
حارين في الروح” (رو12: 11).

لأن روح الله عندما يحل في الإنسان يشعله
بالحرارة، كما ألهب الرسل عندما حل عليهم في سوم الخمسين (أع2) على هيئة ألسنة من
نار. وتحول العالم المسيحى كله إلى شعله من نار، في الخدمة والكرازة، في الغيرة
والحماس، في المحبة التى شبهها الكتاب بالنار وقال ” إن مياهاً كثيرة لا
تستطيع أن تطفئها” (نش8: 7). إذا دخل روح الله في قلبك، ينطبق عليك قول
المزمور ” غيره بيتك أكلتنى ” (مز119). وتشمل الحرارة كل حياتك الروحية.
وإذا لم تشترك مع عمل الروح فيك، تصاب بالفتور. ولهذا يأمرنا الرسول قائلاً ”
لاتطفئوا الروح” (تس5: 19). أي احتفظوا بحرارة الروح دائماً فيكم. وكونوا
كذبيحة المحرقة، تشتعل فيها النار باستمرار، نار دائمة لا تطفأ” (لا6: 12،
13).

 

هل تسلمت من الروح القدس هذه النار المقدسة، وهل
توقدها باستمرار في قلبك؟

كما قيل عن ذبيحة المحرقة ” ويشعل عليها
الكاهن حطباً كل صباح..” (لا6: 12). هل تشعل محبة الله في قلبك بمزامير
وتسابيح وأغانى روحية، مترنماً ومرتلاً في قلبك للرب” (أف4: 19)، وبقراءات
روحية من النوع الذى يلهب مشاعرك الروحية؟

 

أنت هيكل لله، وينبغى أن تكون النار المقدسة في
الهيكل باستمرار:

السيدة العذراء شبهت بالمجمرة الذهبية، شورية
هارون، لن الروح القدس حل عليها كجمر نار.. فهل الروح القدس اشعل فحماتك السوداء،
فالتهبت وصاحت في فرح “أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم” (نش1: 5). إن
النار منحت الفحم توهجاً، فصار جمراً. ونسى طبيعتى السوداء إذ صار رغبة عالمية
خاطئة، وتصبح حاراً في روحياتك. وماذا أيضاً:

 

· روح الله هو روح القداسة. إن حل فيك، واشتركت
في العمل معه، يمنحك القداسة:

مادمت تنقاد بروح الله (رو8: 14)، ولا تحزن روح
الله بانحراف ارادتك عن توجيهة (أف4: 30)، فهل أنت تحيا حياة القداسة، التى بدونها
لا يعاين أحد الرب؟! أم أنت ترفض عمل روح الله فيك، وتقاوم الروح؟ وما نهاية
مقاومتك هذه؟ إن كنت بسكنى الروح القدس فيك، قد صرت هيكلاً لله، فاذكر قول المرتل
في المزمور ” بيتك تليق القداسة يا رب” (مز93: 5). واذكر قول الكتاب
” نظير القدوس الذى دعاكم، كونوا أنتم ايضاً قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب:
كونوا قديسين لأنى أنا قدوس” (1بط1: 15، 16).

 

· وإن اشتركت مع الروح القدس في العمل، ستكون
قوياً في كل شئ.

فهكذا وعد الرب تلاميذه القديسين قائلاً:
ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لى شهوداً” (أع1: 8).
والإنسان القوى ينتصر على كل فكر خاطئ، وعلى كل رغبة غير مقدسة. ويكون ايضاً قوياً
في خدمته، وقوياً في تاثيره على الاخرين. وتصبح القوة صفة مميزة لشخصيته في كل عمل
صالح. فهل تشعر بهذه القوة، قوة عمل الله فيك؟ إن كنت ضعيفاً في روحياتك، فاعلم
أنك لم تشترك مع روح الله..

 

وإن دخلت في شركة الروح، فهو يمنحك المحبة
الحقيقية.

هذه المحبة التى قال عنها الرسول “.. محبة
الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” (رو5: 5). وهكذا تحب الله
من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك” (مت22: 37). وتحل أيضاً قريبك كنفسك.
وبهذه المحبة الإلهية التى من الروح، ترتفع عن مستوى الخوف، وتثبت في الله، والله
فيك، لأن الله محبة (1يو4: 18، 16). وبروح الله العامل فيك، وبالمحبة التى سكبها
في قلبك، يمكنك أن تربح كثيرين للرب. وكل من يتعامل معك، يقول حقاً هذا الإنسان
فيه روح الله.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى