اللاهوت الروحي

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

الروح القدس في العهدين

مقالات ذات صلة

13- الروح القدس في العهد القديم

إن المعرفة الواسعة التى أخدناها في العهد
الجديد عن الروح القدس ولاهوته وصفاته وعمله، لا تعني أن الروح القدس ولاهوته
وصفاته وعمله، لا تعني أن الروح القدس خاص فقط بالعهد الجديد، أو أن علاقة البشر
به بدأت منذ حلوله يوم عيد البندكستى (العنصرة).. إنما الروح القدس، روح الله
القدوس موجود منذ الأزل وللبشر علاقة به في العهد القديم أيضاً.. وسنورد هنا بعض
معلومات عنه في العهد القديم، وفي فترة ما بين العهدين:

 

1 منذ بدء الخليقة، وفي أول اصحاح من سفر التكوين،
يقول الكتاب:

” روح الله يرف على وجه المياه” (تك1:
2).

 

2 وقد اشترك الروح في عملية الخلق، إذ يقول
المزمور ” ترسل روحك فتخلق، وتجدد وجة الأرض” (مز104: 30).

 

3 وروح لله هو الذي تكلم من أفواه الأنبياء.

كما تقول عنه في قانون الإيمان “الناطق في
الأنبياء”. وكما يقول القديس بطرس الرسول ” لم تأت نبوءة قط بمشيئة
إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (2بط1: 21). ويقول
القديس بولس الرسول ” حسن كلم الروح القدس آباءنا باشعياء النبى
قائلاً..” (أع28: 25). وحزقيال النبى يتكلم كثيراً عن تحريك الرب له، وعن وحى
الرب إليه (حز2: 2) (حز37: 1) (حز8: 3). ما أجمل قول نحميا، وهو يتذكر عمل روح
الرب مع شعبه في إرشادهم عن طريق الوحى فيقول ” وأعطيتهم روحك الصالح،
لتعليمهم” (نح9: 20).

 

4 مقاومة اليهود للأنبياء كانت مقاومة للروح
القدس:

وهكذا وبخهم القديس اسطفانوس رئيس الشمامسة
قائلاً ” أنتم. أي الأنبياء لم يضطهده آباءكم؟!” (أع7: 51، 52).

 

5 “قال الرب لزربابل ومن معه على فم حجي
النبى ” تشدد يا زربابل.. وتشددوا يا جميع شعب الأرض.. فإنى معكم يقول رب
الجنود، حسب الكلام الذي كلمتكم به عند خروجكم من مصر، وروحى قائم في وسطكم”
(حج2: 4، 5). إذن روح الله كان قائماً في وسطهم، سواء أحسوا بهذا أم لا. وهو الذي
كان يقودهم ويقويهم ويشجعهم في غربتهم.

 

6 قال الرب لموسى النبى أن يجمع سبعين شيخاً لكى
يساعدوه في الخدمة. ثم يقول الكتاب “فنزل الرب في سحابة وتكلم معه. وأخذ من
الروح الذي عليه، وجعل على السبعين رجلاً الشيوخ. فلما حل عليهم الروح
تنباوا” (عد11: 24، 25).

 

إذن روح الرب كان على موسى، وانتقل من موسى إلى
الشيوخ، فحل عليهم روح الرب فتنبأوا.

 

ويحكى الكتاب أيضاً عن رجلين آخرين بقيا في
المحلة إسم الواحد ألداد، وإسم الاخر ميداد. ” فحل عليهما روح الرب.. فتنبآ
في المحلة” (عد 11: 26). وهنا يبدو أن روح الرب قد عمل في كثيرون، ومنحهم
موهبة النبوة، ولو لوقت محدود. أما الشيوخ فاستمر فيهم روح الرب ليمنحهم الحكمة في
القيادة.

 

7 قال الرب لموسى النبى ” خذ يشوع بن نون
رجلاً فيه روح. وضع يدك عليه.. واجعل من هبيتك عليه، لكى يسمع له كل جماعة بنى
اسرائيل” (عد27: 18). وهنا نرى أن سشوع بن نون كان فيه روح الرب، ولكنه احتاج
لوضع يد موسى لكى ينال من الروح موهبة القيادة وطاعة الشعب له..

 

8 نسمع أيضاً أن روح الرب يحل على بعض الحرفين
ليعطيهم حكمة في الصناعة الخاصة بالكنيسة والكهنوت.

 

مثال ذلك بصلئيل الذي أمتلأ من روح الله بالحكمة
والفهم لعمل كل ما يلزم لخيمة الاجتماع (خر31: 3). وكذلك حكماء القلوب الذين ملأهم
الرب من روح الحكمة لكى يصنعوا ثياب الكهنوت لهرون (خر28: 3).

 

9 سمعنا أيضاً عن شمشون الجبار، وكان نذيراً
للرب من بطن أمه (قض13: 5)، وقد بشر ملاك الله بولادته. هذا قيل عنه إن الرب باركه
” وابتدأ روح الرب يحركه في محله دان..” (قض13: 25) وقيل أكثر من مرة إن
روح الرب حل عليه (قض4: 6، 19) (قض15: 14).

 

10 كذلك حل روح الرب على شاول الملك لما مسحه
صموئيل النبى ” وأعطاه الله قلباً آخر “. ولما حل عليه روح الرب تنبأ،
حتى تعجب جميع الذين عرفوه ن قبل وقالوا: ” أشاول أيضاً بن الأنبياء؟!”
(1صم10: 9 11).

 

12 وبنفس الوضع حل روح الرب على الصبى داود، لما
مسحه صموئيل النبى ملكاً على إسرائيل. وقال الكتاب في ذلك ” فأخذ صموئيل قرن
الدهن، ومسحه في وسط أخوته. وحل روح الرب على داود من الآن فصاعداً” (1صم16:
13) وقال داود للرب في المزمور ” روحك الصالح هدينى” (مز143: 10).

 

14- دهن المسحة المقدسة

13 هذه المسحة المقدسة، التى كان يحل بها روح
الرب، وكان يمسح بها الكهنة والملوك والأنبياء (خر30: 30) (لا8: 30) (1مل19: 15).

 

وتجلت مسحة هرون الكهنة في سفر المزامير:

إذ يقول المرتل ” هوذا ما أحسن وما أجمل أن
يسكن الأخوة معاً، مثل دهن الطيب الكائن على الرأس، النازل على اللحية لحية هرون،
النازل إلى طرف قميصه “.. (مز133).

 

استخدمت المسحة المقدسة في مسح بيت الله ولعلنا
نجد أصداء لهذا الأمر في تدشين يعقوب أبى الآباء لأول بيت لله في التاريخ (تك28:
10 19). وهكذا كان يمسح بيت الرب.كل مذابحه، فتتقدس بروح الرب وتتكرس لخدمته.
(لا8: 10، 11).

 

14 نلاحظ هنا أن الله كان يعطى الروح القدس عن
طريق أولاده وبطقس وضعه هو لهم.

فموسى النبى يأخذ الروح مباشرة من الله، ثم
يمنحه لهرون وبنيه، عن طريق المسحه التى من وضع الله نفسه. كان ممكناً لله أن يمنح
الكهنوت لهرون وبنيه، بروحه القدوس، مباشرة. ولكنه لم يشأ ذلك، وإنما أراد أن يكون
ذلك عن طريق عبده موسى الذي جعله أميناً على كل بيته، وفماً إلى فم يتكلم معه
(عد12: 7، 8).

 

وكان ممكناً أن يمنح الله الروح القدس لداود
مباشرة.

ولكنه شاء أن يكون ذلك عن طريق عبده صموئيل،
وبواسطة المسحة المقدسة التى هي من وضع الله نفسه. علينا إذن من هذا الأمر، أن
نفهم طريقة الله في التعامل مع البشر، وخطة الله في اتخاذ وكلاء له من البشر،
يأتمنهم على الأمور المختصة بملكوته.

 

كذلك نلاحظ أمراً هاماً جداً في إقامة السبعين
شيخاً.

لم يمنحهم الله الروح من عنده مباشرة. إنما أخذ
من الروح الذي على موسى وجعله عليهم، فحل عليهم الروح (عد11: 24). وأنا أقف
متعجباً أمام عبارة ” أخذ الرب الروح الذي على موسى “. إنه وكيله، ويريد
أن الشيوخ يعترفون بمصدره الإلهى.

 

18 ولعله بهذه المسحات الثلاث قد مسح السيد
المسيح.

مسح من روح ملكاً وكاهناً ونبياً. فهو الذى قيل
عنه في سفر اشعياء النبى ” روح السيد الرب على. لأنه الرب مسحنى لأبشر
المساكين. ارسلنى لأعصب منكسرى القلوب..” (اش61: 1). وهو الذي قصده الرب
بقوله “.. مختارى الذي سرت به نفسى. وضعت روحى عليه، فيخرج الحق للأمم. لا
يصيح.. ولا يسمع أحد في الشوارع صوته..” (اش42: 1، 2).

 

وقد شرح القديس بطرس الرسول هذه المسحه بقوله:

” يسوع الذي من الناصرة، كيف مسحه الله
بالروح القدس والقوة” (أع10: 38).

إنه هذا الذى مسح بزيت البهجة أفضل من رفقائه
(عب1: 9) تحقيقاً لنفس هذه النبوة التى وردت في المزمور (مز44).

وكانت المسحه وقت العماد، حين حل الروح عليه.

وبهذه المسحه دعى إسمه مسيحه أزليه، كانت في فكر
الله منذ الأزل. ولذلك قال في سفر الأمثال ” منذ الأزل مسحت، منذ البدء”
(أم8: 23).

 

إن علاقة السيد المسيح بالروح القدس علاقة
مزدوجة:

احداهما علاقة أقنومية أزليه، هو في الروح
القدس، والروح القدس فيه منذ الأزل. إنه روحه. وعلاقة مسحه للخدمة في وقت العماد،
والتى اشير إليها في (اش61: 1). وسنشرح هذا الأمر عند حديثنا عن الزيت كرمز للروح
القدس.

 

16 كان روح الرب في العهد القديم يحل على أفراد.

كما حل على الأنبياء، وعلى بعض الملوك فتنبأوا،
وعلى السبعين شيخاً وغيرهم فتنبأوا. وحل على البعض فأعطاهم مواهب، كما أعطي شمشون
قوة خارقة. وكما أعطى بصالئيل حكمة ومعرفة في صنع كل ما يحتضن خيمة الاجتماع.. إلا
أنه لم يكن عاماً كحلوله في العهد الجيد يصير جميع المؤمنين هياكل للروح القدس،
وهو يسكن فيهم.

 

17 وعن هذا الحلول العام، وردت نبوءة في العهد
القديم.

مثل قول الرب في سفر حزقيال النبى ” وانزع
قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم. واجعل روحى في داخلكم. واجعلكم تسلكون في
فرائضى” (حز36: 26 / 27). وكذلك النبوءة التى وردت في سفر يويل النبى وتحققت
في يوم الخمسين (يوء2: 28). ولكن لعل الجميع في العهد القديم لم يكونوا مستحقين
لحلول روح الله فيهم بصفه عامة، لا نحرافهم عن الإيمان، ولقسوة قلوبهم، ووقوعهم
أحياناً في الوثنية.

 

18 وكان روح الرب في العهد القديم، يفرق أحياناً
من يحل عليهم:

+ وهذا واضح في قصة شاول الملك الذى رفضه الرب،
وقال عنه الكتاب ” وذهب روح الرب من عند شاول، وبغته روح ردئ من قبل
الرب” (1صم16: 4). هذه المفارقة يشابهها قول داود في المزمور ” روحك
القدوس لا تنزعه منى” (مز50).

 

19 وكان الروح القدس في العهد القديم، يقود
أحياناً بعض الملوك الأمميين، لصالح شعبه.

ونذكر من بين هؤلاء ثلاثة من ملوك فارس: كورش
وداريوس وأرتحشستا، وما فعلوه من أجل إعادة بناء بيت الله وبناء سور أورشليم مما
ورد في سفر عزرا ونحميا ” ففي بدء السنة الأولى لكورش ملك فارس ” نبه
الرب روح كورش ملك فارس” (عز1: 1)، فإمر ببناء بيت الله في أورشليم، وأعاد
آنيه بيت الرب التى أخرجها نبوخذ نصر من أورشليم (عز1: 7)، مع الإنفاق على كل هذا.
وهكذا فعل داريوس الملك (عز6: 3 12). وكذلك فعل أرتحشستا الملك في خطابه إلى عزرا
الكاهن (عز7: 11 25).

 

15- فترة ما بين العهدين

كانت فترة عمل عميق من الروح القدس، وبخاصة في
الأحداث التى عاصرت البشارة والتجسد. وسنخلصها في النقاط الآتية:

 

1 أهم عمل للروح القدس، كان عمله في التجسد
الإلهى:

فقد قيل عن القديسة مريم العذراء إنها
“وجدت حبلى من الروح القدس” (متى1: 18). وكان جبرائيل الملاك قد بشرها
قائلاً ” الروح القدس يحل عليك، وقوة العلى تظللك. فذلك أيضاً القدوس المولود
منك يدعي أبن الله” (لو1: 35). وعندما راودت الأفكار يوسف النجار من جهة حبل
مريم، وقال له ملاك الرب ” الذى حبل به فيها، هو من الروح القدس” (متى1:
20). الروح القدس ساعد على تكوين جسد المسيح في بطن العذراء بدون زرع بشر، لذلك
نقول في القداس الإلهى عن السيد المسيح الرب ” الذى من الروح القدس ومن مريم
العذراء، تجسد وتأنس “. ونقول في قانون الإيمان ” نزل من السماء، وتجسد
من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس “. والروح القدس أيضاً قدس مستودع
السيدة العذراء أثناء الحبل الإلهى، حتى أن المولود منها لا يرث شيئاً من الخطية
الجدية الأصلية.

 

2 قال ملاك الرب لزكريا في البشارة بميلاد يوحنا
المعمدان:

ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس” (لو1:
15).

ولعل هذه أول إشارة في الإنجيل عن الامتلاء من
الروح القدس. ولعله بسبب امتلاء يوحنا بالروح القدس وهو في بطن أمه، أن أمه قالت
للقديسة العذراء لما زارتها “هوذا حين صار صوت سلامك في أذنى، ارتكض الجنين
بابتهاج في بطني” (لو1: 44). ارتكض بابتهاج، لأنه أحس بالروح وهو جنين، أنه
أمام جنين آخر في بطن العذراء هو المسيح، فإبتهج بلقائه، وارتكض متحركاً لهذا
اللقاء..!

 

3 امتلاء أليصابات من الروح القدس:

لما دخلت القديسة العذراء بيت زكريا، سلمت على
زوجة أليصابات. وهنا يقول الكتاب ” فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض
الجنين في بطنها، وامتلأت اليصابات من الروح القدس” (لو1: 41)).. ترى أية قوة
روحية كانت في هذا السلام؟!

 

4 امتلاء زكريا الكاهن من الروح القدس:

بعد ولادة يوحنا المعمدان، انفتح فم زكريا أبيه
وتكلم وبارك الرب “وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً..”
(لو1: 64 67). وهنا نرى أسرة بأكملها تمتلئ كلها من الروح القدس: الأب، والأم
والإبن وهو جنين. ومع الأب موهبة النبوة، ومع الأم موهبة الكشف الروحى الذى عرفت
به أن مريم هي أم الرب، وأنها آمنت “أن يتم ما قيل لها من قبل الرب”
(لو1: 43 45).

 

5 عمل الروح القدس في سمعان الشيخ:

يقول افنجيل المقدس إن ” الروح القدس كان
عليه ” وكان ” قد أوحي إليه بالروح القدس “إنه لا يرى الموت قبل أن
يرى مسيح الرب. وإنه أتى “بالروح” إلى الهيكل (لو3: 25 27). ولذلك أمكنه
بالروح أن يتعرف على المسيح وهو طفل، ويتنبأ نبوءات بشأنه..

ولا شك أن حنة النبية كانت بنفس الوضع في
تسبيحها وكلامها عن الرب (لو2 ك 38).

 

6 الروح القدس قبيل العماد وأثناءه:

حل الروح القدس على السيد المسيح بهيئة حمامة
(لو3: 22) (متى3: 16). والروح القدس هو أيضاً الذى أرشد يوحنا المعمدان إلى معرفة
المسيح. وهو نفسه قال ” وأنا لم أكن أعرفه. لكن الذى أرسلنى لأعمد بالماء،
ذاك قال لي: الذى ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو الذى يعتمد بالروح
القدس” (يو1: 23).

 

16- أهمية حلول الروح القدس في كنيسة الرسل

حلول الروح القدس كان بدء عمل الكنيسة المسيحية.

لقد بدأ السيد المسيح في تكوين الكنيسة حينما
اختار الرسل الأثنى عشر وأرسلهم (متى10: 1 16). ثم أختار سبعين آخرون وأرسلهم
(لو10: 1 20)، مع مجموعات متفرقة من أحبائة وتلاميذه هنا وهناك. ولكنه على الرغم
من اختيار الرسل لم يسمح لهم بأن يبدأوا الكرازة إلا بعد حلول الروح القدس عليهم.
فكان ذلك الحدث العظيم هو نقطة التحول العظيم في بدء الكرازة على أوسع نطاق.

 

فالروح القدس هو الذى منح القوة اللازمة للعمل
الكرازى.

كان ارسال الروح القدس هو وعد من الرب”
(يو14: 26) (يو15: 26) (يو16: 7). ولكنه مع ذلك قال لهم “ها أنا أرسل إليكم
موعد أبى. فأقيموا في مدينة أورشليم، حتى تلبسوا قوة من الأعالى” (لو24: 49).
فمن أين تأتيهم تلك القوة؟ قال لهم عن هذا “لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح
القدس عليكم. وحينئذ تكوون لى شهوداً وفي كل اليهودية والسارة وإلى أقصى
الأرض” (أع1: 8)..

 

كان روح الله لازماً جداً لهم، وبدونه لا
يعملون:

وسنرى كيف عمل الروح القدس معهم في الكرازة
والتعليم. فانتظروا حسب أمر الرب. وكل أعدادهم السابق للخدمة على مدي أكثر من ثلاث
سنوات، لم يكن يغنيهم عن الروح القدس وعمله وبهم. ولعل هذه الأيام العشرة التى
أنتظروها كانت أيام صلاة ورجئ واستعداداً من القلب للعمل المقبل..

 

الروح القدس يعمل في الخدام. وهو الذى يعينهم:

هو الذى حل على الرسل في يوم الخمسين، ولم
يبدأوا خدمتهم إلا بعد حلوله عليهم. وكان الامتلاء من الروح القدس شرطاً للخدمة،
ليس فقط لدرجة الرسولية، إنما حتى للشمامسة إذ قال الرسول للشعب حينما أرادوا
سيامة الشمامسة ” انتخبوا أيها الرجال الاخوة سبعة رجال منكم مشهوداً لهم
ومملوئين من الروح القدس والحكمة، فنقيهم على هذه الحاجة” (أع6: 3). وكان
الروح القدس هو الذى يدعو ويختار الخدام، كما قال “افرزوا لي برنابا وشاول
للعمل الذى دعوتهما لإليه” (أع13: 2) وهذان بعد وضع الأيدى عليهما، قيل أنهما
” أرسلا من الروح القدس” (أع13: 4). وقد قال القديس بولس الرسول لأساقفة
أفسس “احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس فيها
أساقفة” (أع20: 28).

 

والروح القدس كان هو الذى يحرك الخدام:

ففي قصة عماد الخصى الذى كان يقرأ نبوءة اشعياء
في مركبته ” قال الروح لفيلبس: نقدم ورافق هذه المركبة” (أع8: 28، 29).

وفي قصة عماد كرنيليوس لما وصل رجاله إلى بطرس
” قال له الروح: هوذا ثلاثة رجال يطلبونك. قم وانزل واذهب معهم غير مرتاب في
شئ. لأنى أنا قد أرسلتهم” (أع 10: 19، 20). وفي خدمة بولس وسيلا ومن معهم
” منعهم الروح أن يتكلموا بالكلمة في آسيا. فلما أتوا إلى ميسيا، حاولوا أن
يذهبوا إلى بيثينية فلم يدعهم الروح” (اع16: 6، 7). وأخيراً دعاهم لتبشير مكدونية..
وفي رؤيا يوحنا يقول ” فمضى إلى جبل عظيم عال، ورأيت المدينة العظيمة
أورشليم..” (رؤ21: 10). والقديس بولس الرسول يقول ” والآن ها أنا اذهب
إلى أورشليم إلى مقيداً بالروح، لا أعلم ماذا يصادفني هناك” (أع20: 21، 22).
وفي العهد القديم قيل عن شمشون ” وابتدأ روح الرب يحركه في محله دان”
(قض13: 25).

 

17- كيف حلَّ الروح القدس؟

1 حل الروح القدس عليهم بهيئة ألسنة من نار.
وكان نتيجة ذلك أن “امتلأ الجميع من الروح القدس” (أع2: 4). وصاروا
يتكلمون بألسنة كل الشعوب المجتمعة في ذلك اليوم العظيم (حوالى 15 شعباً) متحدثين
بعظائم الله (أع2: 9 11). وألقى بطرس كلمة، كانت نتيجتها أن نخس السامعون في
قلوبهم، وقبلوا الكلام بفرح، واعتمد في ذلك اليوم ثلاثة الآف نفس (أع2: 37، 41).

 

2 ولكنهم فيما بعد كانوا يمنحون الروح القدس
بوضع اليد. كما حدث لأهل السامرة، أذ يقول الكتاب إن الرسل أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا
” اللذين لما نزلا، صليا لأجلهم لكى يقبلوا الروح القدس ” ” حينئذ
وضعا الأيادى عليهم، فقبلوا الروح القدس” (أع8: 15، 17). وكما حدث أيضاً لأهل
أفسس، إذ يقول سفر أعمال الرسل “فلما وضع بولس يديه عليهم، حل الروح القدس
عليهم، فطفقوا يتكلمون بألسنة ويتنبأون” (أع19: 6).

 

3 ثم صار منح الروح القدس بالمسحة المقدسة.

ولذلك لم تكن هناك فرصة لوضعه أيدى الرسل، بعد
أنتشار المسيحية في بلاد عديدة. لذلك استخدمت المسحة التى هي حالياً الميرون
المقدس. وقد أشار القديس يوحنا الرسول إلى هذه المسحه فقال ” وأما أنتم فلكم
مسحة من القدوس..” (1يو12: 20) وأيضاً ” وأما أنتم فالمسحة التى
أخذتموها منه ثابته فيكم..” (1يو2: 27) [ أنظر أيضاً 2كو1: 31 ].

 

4 أما الكهنوت فقد أخذه الرسل بالنفخة المقدسة.

إذ أن السيد المسيح نفخ في وجوههم “وقال
لهم: اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتمم خطاياه
أمسكت” (يو20: 22، 23). فالروح القدس الذى فيهم كان يغفر الخطايا أو ممسكها.
عن طريقهم. على أن الرسل كانوا فيما بعد يمنحون الروح القدس في سر الكهنوت بوضع
اليد. ونذكر في ذلك قول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس اسقف أفسس ”
أذكرك أن تضرم أيضاً موهبة الله التى فيك بوضع يدي” (2تى1: 6). وقال له عن
رسامته للآخرين ” لا تضع يدك على أحد بالعجلة. ولا تشترك في خطايا
الآخرين” (1تى5: 22). وهكذا نرى في إرسالية وشاول إنهم “صاموا حينئذ
وصلوا. ووضعوا عليهما الأيادى. فهذان إذ أرسلا من الروح القدس انحدرا إلى
سلوكية..” (أع13: 3، 4). فبوضع الأيدي أرسلاً من الروح القدس. وفي سيامة
الشمامسة السبعة نفس الوضع “أقاموها أمام الرسل. فصلوا ووضعوا عليهم
الأيادي” (أع6: 6).

 

+ وهكذا نرى أن وضع اليد كان مصحوباً بصلوات
معينة، هي حالياً طقس السيامة.

كما نرى أن الروح القدس قد حل على التلاميذ من
الله مباشرة، إذ ليس هناك من هو أعلى منهم يمنحهم إياه. ولكن بعد أن صار الرسل
“وكلاء سرائر الله” (1كو4: 1)..

 

صار وكلاء الله هؤلاء هم الذين يمنحون الروح
القدس.

بوضع أيديهم وصلواتهم، كما في إقامة الأساقفة
والقسوس والشمامسة، أو بوضع اليد أولاً ثم استخدام المسحة، كما في منح الروح لعامة
المؤمنين. وبهذا صار الروح الذى فيهم، ينتقل منهم إلى غيرهم بالطريقة التى
ذكرناها..

 

حالياً نحن نمارس سر الميرون المقدس أو سر
المسحة المقدسة بعد العماد.

وفي طقس هذا السر نرشم الطفل بالميرون في مواضع
كثيرة من جسده، وأيضاً نضع اليد على رأسه وننفخ في وجهه ونقول له “اقبل الروح
القدس..” وبالنسبة إلى السيدات الكبار أن يضع الأسقف يده على المرأة بالصلوات
لتقبل الروح القدس. ويرشم الأجزاء الظاهرة من جسدها..

 

وكان الروح هو الذى يتكلم على أفواه الخدام:

وفي ذلك قال السيد المسيح للتلاميذ حينما أرسلهم
“.. لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم” (مت10: 20).
وقال القديس بطرس الرسول ” لم تأت نبوءة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله
القديسون مسوقين من الروح القدس” (2بط1: 21). لذلك نقول في الإيمان عن الروح
القدس: ” الناطق في الأنبياء “. وقيل عن الرسل في يوم الخمسين ”
وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى، كما أعطاهم الروح أن ينطقوا” (أع2: 4). وقد
تنبأ أغابيوس عن بولس الرسول بدأهل بقوله ” هذا يقوله الروح القدس..”
(أع21: 11). وقال القديس بولس الرسول ” لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله،
التى نتكلم بها أيضاً، لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية، بل بما يعمله الروح
القدس” (1كو2: 12، 13).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى