اللاهوت الروحي

الفصل الثاني عشر



الفصل الثاني عشر

الفصل
الثاني عشر

حرب
الكآبة | الاكتئاب

103-
الاكتئاب وحرب الكآبة

ما
هي الكآبة؟ ما مظاهرها، وما أسبابها؟ وما نتائجها، وما علاجها؟ هذا ما نود أن
نتحدث عنه اليوم، مفرقين بين الكآبة السقيمة، حرباً كانت أم مرضاً..

مقالات ذات صلة

الكآبة
المقدسة

الكآبة
الطبيعية

الكآبة
الخاطئة

الكآبة
المرضية

علاج
الكآبة

العلاج
النفسي للاكتئاب

العلاج
بالعقاقير

التدين
المريض

العلاج
الروحي للكآبة والاكتئاب

 

104-
الكآبة المقدسة

لاشك
أنه توجد كآبة مقدسة، تدفع إليها دوافع روحية، ويسلك فيها الإنسان بأسلوب روحي،
وتكون مؤقتة وليست منهج حياة..

1-
مثال ذلك نحميا
Nehemiah، الذي لما سمع أن أورشليم سورها منهدم، وأبوابها محروقة بالنار،
وشعبها في عار عظيم.. يقول: “فجلست وبكيت، ونمت أياماً وصليت..” (نح1: 4).
حتى أن الملك ارتحشستا لاحظ عليه ذلك وقال له: “ما هذه إلا كآبة قلب”
فأجابة نحميا: ” كيف لا يكمد وجهي والمدينة بيت مقابر آبائي خراب، وأبوابها
قد أكلتها النار” (نح2: 2، 3).

 

هذه
الكآبة دفعت نحميا إلى الصلاة والصوم، وإلى عمل إيجابي فعال أزل به أسباب قد
أكلتها النار” (نح2: 2، 3).

 

2-
ومثل نحميا كان عزرا الذي لما رأي أخطاء الشعب، اكتأب وصام وصلي، نجح في تطهير الشعب،
ولم تستمر كآبته (عز9، 10).

 

3-
ونقرأ في بستان الرهبان عن دموع الآباء القديسين، وعن تلك النصيحة المشهورة: [إجلس
في قلايتك وابك على خطاياك].

 

4-
نسمع أيضاً عن الكآبة التي تصحب التوبة والصوم، وتساعد على التواضع وانسحاق القلب.

 

ومن
أمثلتها ما ذكر عن الصوم في سفر يوئيل (يوء2: 12- 17). وما ذكر عن صوم أهل نينوى
وتذللهم أمام الله في المسوح والرماد (يون3). كذلك توبة داود وكيف كان يبلل فراشة
بدموعه (مز6).

 

كانت
كآبة الخطاة تتحول إلى توبة، وتنتهي بالفرح، وبعزاء داخلي في أعماق القلب، وتؤدي
إلى إصلاح السيرة كلها.

 

ولعل
هذا ما يقصده الكتاب بعبارة” بكآبه الوجه يصلح القلب” (جا7: 3).

 

ونسمع
أيضاً عن الكآبة في الخدمة مثل قول القديس بولس الرسول: “مكتئبين في كل شئ،
ولكن غير متضايقين” (2كو4: 8).

 

وهكذا
كانت الكآبة في الخدمة مصحوبة بالعزاء، كقول الرسول: “إن الله يعزينا في كل
ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في ضيقة” (2كو1: 4) ولعل من أروع
الأمثلة للكآبة المقدسة، أن السيد المسيح في البستان حزن واكتأب (مت26: 37، 38)
وكانت نفسه حزينة حتى الموت.

 

ومن
أمثلة هذا النوع أيضاً- مراثي إرمياء- وكثير منها نبوءات عن السيد المسيح. ومع ذلك
قال المسيح لتلاميذه:

 


لكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم” (يو16: 20).

 

من
كل هذا نري أن الكآبة المقدسة تكون لأسباب روحية، ومصحوبة بالعزاء وبالرجاء،
وتتحول أخيراً إلى فرح، وهي مؤقتة وليست صفة مستمرة.

 

105-
الكآبة الطبيعية

ومن
أمثلتها الحزن على وفاة عزيز كبكاء مريم ومرثا عند قبر لعازر.

ومن
أمثلة هذا النوع أيضاً- أيوب بعد وفاة أولاده، وبناته وخراب بيته، وضياع صحته.

وكذلك
بكاء يعقوب، لما سمع أن ابنه يوسف قد افترسه وحش رديء (تك37: 34).

هذا
حزن طبيعي، ننتقل منه إلى نوع آخر، هو الكآبة الخاطئة.

 

106-
الكآبة الخاطئة وأسبابها | أسباب الإكتئاب

هي
التي تحوي الخطية داخلها:

 

1-
مثل كآبة إنسان في قلبه شهوة خاطئة لم يستطيع أن يحققها.

 

مثال
هذا النوع كآبة آخاب الملك، لما رجع إلى بيته مكتئباً مغموماً، لأنه لم يستطع أن
يغتصب حقل نابوت اليزرعيلي (1مل21: 4)
Naboth the Jezreelite.
وقد قادته هذه الكآبة إلى القتل والظلم والكذب ليحقق شهوته.

 

2-
وهناك كآبة سببها الغيرة، والحسد..

 

مثالها
كآبة الابن الأكبر الذي رفض أن يدخل بيت أبيه ليشترك في الفرح بأخيه، قائلاً إن
أباه لم يعطه جدياً ليفرح مع أصدقائه، بينما ذبح لأخيه العجل المسمن (لو15: 28-
30).

 

ومثال
ذلك أيضاً كآبة أي إنسان يشعر أن غيره قد حصل على شئ، بينما هو أحق منه به.

 

3-
هناك كآبة أخري سببها الفشل.

 

بينما
الفشل لا يعالج بالكآبة، وإنما بمعرفة أسبابه، ومعالجة هذه الأسباب بطريقة إيجابية،
أما مجرد الكآبة، فإنها تضيف إلى الفشل مشكلة أخري تحتاج إلى حل.

 

وتزداد
الخطورة في مثل هذه الكآبة إذا كان سببها الفشل في ارتكاب خطية كفشل امنون أولاً
في الخطيئة مع ثامار (2صم13). وكفشل آخاب أولاً في اغتصاب حقل نابوت.. ومثل فشل أي
طالب في القدرة على الغش أثناء الامتحان، أو فشل إنسان في الانتقام لمقتل أحد
أقربائه. إنه فشل في ارتكاب خطية الاكتئاب عليه هو خطية أخري.

 

4-
وهناك كآبة سببها اليأس:

 

مثل
يأس عيسو، لما علم أن البركة قد انتقلت إلى أخية وانتهي الأمر، وقال له أبوه إسحق:
“ماذا أصنع لك يا ابني؟ قد جاء أخوك بمكر، وأخذ بركتك، أني قد جعلته سيداً
لك” فلما سمع عيسو كلام أبيه، صرخ صرخة عظيمة ومرة جداً (تك27: 33- 38). ورفع
صوته وبكي..

 

5-
وهناك كآبة إنسان ينحصر بالضيقات. ويبقي فيها حزيناً بلا رجاء.

 

وعلاجه
أن يقول لنفسه كما قال داود النبي: “لماذا أنت كئيبة يا نفسي؟ ولماذا
تحزنينني؟ توكلي على الله” (مز42: 11). لا تجمع المشاكل، وتكومها أمامك وتقف
حزيناً، بلا حل، بلا رجاء، بلا إتكال على الله، إذكر قول الكتاب:

 


لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم” (1تس4: 13).

 

إن
الكآبة التي بلا رجاء، هي كآبة خاطئة. حتى لو كانت بسبب طبيعي، كالبكاء على ميت،
أو بسبب روحي كالبكاء على خطية.

 

لذلك
إن أحاطت بك المشاكل، فرقها، ضع الله بينك وبينها، فتختفي ويظهر الله، بمعونته.

 

6-
هناك كآبة أخري سببها الحساسية الزائدة..

 

إذ
قد يوجد إنسان حساس جداً نحو كرامته، أو حساس جداً نحو حقوقه، يتضايق جداً لأي سبب،
أو لأقل سبب، أو بلا سبب، يريد معاملة خاصة، في منتهي الرقة، في منتهي الدقة، في
منتهي الحرص فإن لم يجدها، وطبعاً نادراً ما يجدها حينئذ يكتئب..

 

7-
وهكذا يأتي الاكتئاب أيضاً للذين لا يعيشون في الواقع بل يرفضونه، ولا يضعون له
سوي بديل خيالي لا يتحقق.

 

فهم
ثائرون على وضعهم، ولكنهم لا يحاولون تغييره بطريقة عملية، توصلهم إلى ما يريدون،
إنما يكتفون بالثورة، يبقون حيث هم في كآبة وفي سخط على كل شئ.

 

وإن
أتتهم لحظات سعادة تكون ببعض أحلام اليقظة التي يعيشون فيها في خيال يتمنونه، ثم
يستيقظون من أحلامهم وخيالاتهم، ليجدوا واقعهم كما هو، فيزدادوا سخطاً عليه،
وتزداد كآبتهم.

 

ونصيحتنا
لهؤلاء أن يكونوا واقعين فإما أن يعيشوا في قناعة تسعدهم، راضين بما عندهم بل
شاكرين أيضاً، وإما أن يعملوا على تغير الواقع عملياً، ولا يكتفون بالكآبة.

 

8-
وقد يأتي الاكتئاب بسبب ضيق الصدر وعدم الاحتمال..

 

الإنسان
الواسع الصدر والقلب يستطيع أن يمرر أشياء كثيرة تذوب في قلبه ولا يضيق بها، أما
الذين لا يحتملون، فلابد أن يصلوا إلى الكآبة.

 

كذلك
سعة الفكر تعالج الكآبة تعالج الكآبة.. فبدلاً من الاكتئاب، يفكر في حل.

 

الإنسان
الذكي، إذ أحاطت به مشكلة أو ضيقة. بدلاً من إرهاق أعصابة ونفسيتنه بالمشكلة
ومتاعبها.. يشغل ذهنه بإيجاد حل للخروج من المشكلة، فإن وجد الحل يبتهج، وتزول حدة
المشكلة، وإن لم يجد، يصبر، والذي لا يستطيع أن يصبر، لا شك أنه ضيق الصدر، وهذا
تزداد كآبته ويكون سببها قلة الحيلة.

 

9-
وقد تحدث الكآبة بسبب حرب خارجية من عدو الخير، دون ما سبب ظاهر..

 

يغرس
في النفس أسباباً للضيق ولو يخترعها، أو يكبر ويضخم في أسباب تافهة لا تدعو إلى
الكآبة، أو يحاول أن يلهو بالإنسان كلما يسعد بوضع، يعزيه بأوضاع أخري كأنها أفضل
مما هو فيه، فإن وصل إليها، يغريه بغيرها، أو بوضعه الأول.

 

ويوجده
في جو من التردد وعدم الثبات: يكون سبباً في الكآبة.

 

فمثلاً
إن كان راهب يعيش في الوحدة، يغريه بالخدمة وأكاليل الاشتراك في بناء الملكوت، وإن
كان يخدم، يغريه بالوحدة وحياة التأمل والسكون والصلاة الدائمة، ومتعة الوجود في
حضرة الله.. وهكذا لا يثبت على حال فيكتئب.

 

وهذا
يقودنا إلى سبب آخر للكآبة وهو الشك..

 

10-
الشك إذا استمر، يحطم النفس، ويجعلها في حالة كآبة وقلق.

 

سواء
كان شكاً في إخلاص صديق أو في أمانة زوجة وعفتها، أو كان شكاً في حفظ الله ومعونته،
أو شكاً في الإيمان.. أو قد يكون الشك في الطريق الذي يسلكه الإنسان أهو حسب
مشيئته الله أم لا؟ أو قد يكون شكاً في تدابير ضد الإنسان وهو لا يدري..

 

أفكار
الشك تخرج من العقل: لكي توجد عذاباً في النفس، وتقود إلى تصرفات تتناسب في الخطأ
مع هذه الشكوك وحدتها.

 

مثل
زوج يشك في عفة زوجته، فيغلق عليها الأبواب والنوافذ، ويتجسس عليها، ويسمح لنفسه
أن يفتش خطاباتها، وأدراجها، ويحقق معها في كل ما يشك فيه، ويجعل حياتها عذاباً..
وقد تكون بريئة كل البراءة..

يحاسبها
على كل ابتسامه، وعلى كل كلمة، وعلى كل لقاء، وعلى كل حركة.. حياته تصبح في جحيم،
وحياتهم تصبح في جحيم، وتكون للكآبة نتائج أخري خطيرة..

 

107-
الكآبة المرضية

إن
حرب الكآبة حرب معروفة، ومشهورة، على أننا نريد أن ننتقل إلى النوع الرابع منها
وهو الكآبة المرضية.

 

كما
أن الشك المسبب للكآبة، إذ تطور قد يتحول إلى مرض، كذلك الكآبة قد تتحول إلى مرض.

 

إذ
تضغط الأفكار فيها على الإنسان حتى تحطم كل معنوياته، وتزيل منه كل بشاشة.

 

فكر
الكآبة يلصق بالمريض ولا يفارقه.. يكون معه في جلوسه وفي مشيه في نومه وفي صحوه،
بأفكار سوداء كلها حزن وقلق وخوف، وصر كئيبة أمامه، بلا حل ولا رجاء.

 

كآبة
تضيع حياته، وروحياته، ونفسيته وعقله، باقتناع داخله أنه قد ضاع وانتهي..

 

1-
كإنسان يظن مثلاً أن خطيته لن تغفر وأنه وقع في التجديف على الروح القدس (مت12: 31).

 

وربما
يكون الشيطان هو الذي ألقي في ذهنه هذا الفكر، حتى يوقعه في الكآبة، ثم في اليأس،
على اعتبار أنه قد فقد أبديته، وأنه لا سبيل إلى الخلاص حسب تعليم الكتاب.

 

أو
قد يوصله إلى نفس الفكر ونفس الكآبة بأن يذكره بما قيل عن عيسو أنه:

 


لم يجد للتوبة مكاناً، مع أنه طلبها بدموع” (عب12: 17).

 

ويخفي
عنه كل الآيات الخاطئة بقبول الله للخطاة مثل قوله: “من يقبل إلى لا أخرجه
خارجاً” (يو6: 37). ومثل قول الرسول إن: “الله يريد أن جميع الناس
يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون ” (1تى2: 4). أو يضع أمامه تلك الآية:

 


وأعطيتها زماناً لكى تتوب عن زناها: ولم تتب” (رؤ2: 21). ويشعره الشيطان بأن
التوبة لها زمان محدد، وأن زمانه قد فات.

 

وهكذا
يقطع رجاءه من الخلاص، حسبما قال داود في المزمور: “كثيرون يقولون لنفسي ليس
له خلاص بإلهة” (مز3). يضع أمامه ما ورد في (عب6: 4- 8) ويدقق على عبارة: “لا
يمكن تجديدهم للتوبة”.

 

وهذه
هي طريقة الشيطان، قطع الرجاء، ليوقع في الكآبة واليأس.

 

وطبعاً
كل الآيات السابقة لها تفسير ومثل هذا الإنسان يحتاج إلى من يفهمه معني الكلمات،
ويكلمه عن محبة الله التي لا حدود لها، وإنه قبل اللص في آخر حياته دون أن يحدد له
زماناً..

 

وكآبة
اليائس ليست هي كآبة الوجه التي يصلح بها القلب (جا7: 3).

 

2-
وقد يكون سبب الكآبة المرضية هو عقدة الذنب.

 

كأن
يموت له أب أو ابن، فيشعر أنه السبب في موته، ويظل هذا الأمر يتعبه، ويجلب له
حزناً لا ينقطع.

 

ويظل
يقول: ربما أكون قد قصرت في حقه، ولولا تقصيري ما مات. ويظل الشيطان يذكره
بمناسبات للتقصير وإن قال له أحد إنك لم تقصر، وجلبت له الأطباء والدواء، يقول في
كآبته المرضية، ربما لو أحضرت له طبيباً أكثر شهرة، ما مات.. ربما لو سافر إلى
الخارج.. وهكذا تطوف به الأفكار وكلها كآبة.

 

3-
وربما سبب الكآبة هو مرض له، يظن أنه بلا شفاء..

 

أو
يتوقع له نتائج خطيرة يصورها له الوهم بأسلوب يتعب نفسيته..

 

وما
أكثر الأسباب التي تؤدئ إلى الكآبة المرضية، والتي تصيب الإنسان بحزن لا يتخلص منه،
ولا يعطي نفسه فرصة للشفاء منه.

 

108-
أعراض وعلاج الاكتئاب

والمريض
بالكآبة، قد يكون ساهماً باستمرار، كئيب الوجه، والملامح، وكثير البكاء، كثير
الشكوى، يائساً تطحنه الأفكار السوداء بلا رجاء.

 

يظن
أنه قد ضيع أبديته، أو ضيع نفسه ومستقبله، أو ضاعت صحته، أو أنه تسبب في ضياع غيره،
أو أن ما ينتظره أسوأ مما هو كائن..

 

وقد
تحاول أن تصحح له أفكاره فلا يقبل، وينظر إليك في يأس ثم يبكي، فهذا الذي تقوله،
قد سبق أن سمعه من ذهنه قبل ذلك، وظهر له أنه حل عديم الجدوى.

 

أو
قد يرفض الحديث جملة، إذ لا فائدة منه، ويشعر أن من يكلمونه لا يحسون به.

 

وهناك
نوع عكسي، يريد أن يحكي عن متاعبه، لكي يجد حلاً..

 

ومشكلة
هذا الشخص هي أنه إما لا يجد حلاً، فتزداد كآبته. أو يجد الشخص الذي يستريح إليه،
فيظل يتردد عليه كثيراً، وفي كل مرة يقضي ساعات في الكلام والحوار حتى يهبر منه
هذا الشخص المريح، فيتعبه هذا الهروب، ويري أنه يفقد القلب الذي أراحه، وفقدانه
يزيد كآبته.

 

ومن
جهة العلاج، هناك نوعان من المصابين بالكآبة..

 

أ-
نوع يرفض العزاء ويرفض التفاهم.

 

ب-
ونوع يتشبث بالفكر، كلما يخرجونه منه يعود إليه، وكلما يشفي يعود مرة أخري إلى مرض
كما كان، وربما أزيد..

 

ربما
تخطر عليه فكرة الانتحار..

 

لكي
يتخلص به من آلامه ومن حزنه فإما أن ينفذ الفكرة، أو يجدها هي أيضاً بلا فائدة،
وذلك إن كان يؤمن بالأبدية، أو لأنه يفضل الكآبة على الموت أو لأنه يحاول أن يحل
مشاكله عن طريق الخيال والفكر وأحلام اليقظة.

 

وعموماً
يكون للكآبة تأثيرها السيئ على صحته..

 

من
جهة إنهاك الأفكار، التي هي أيضاً تنهك الأعصاب، وأيضاً من جهة التعب النفسي
وتأثيره على الجسد.

 

وكذلك
من جهة فكرة واحدة محيطة به، لا يعرف كيف يخرج من حصارها له..

 

إنه
مرض يتعبه، ويتعب كل الذين حوله، ويتعب طبيبه، ويتعب مرشده الروحي.. ويحتار أب
الاعتراف كيف يتصرف معه.

إذن
ما هو العلاج؟

 

109-
الكآبة والاكتئاب ليس علاجاً لمشاكلك

إن
أول علاج لك هو أن تعتقد تماماً من أعماق قلبك أن الكآبة ليست علاجاً لمشاكلك.

 

تحدث
لك مشكلة، كما أن جميع الناس تحدث لهم مشاكل. فتسبب لك هذه المشكلة حزناً في قلبك
أو ضيقاً. وهذا أيضاً يحدث لجميع الناس.. ولكنك أنت بالذات تستمر معك الكآبة مدة
أطول مما يجب يلاحظ الكل أنها ليست كآبة طبيعية.

 

ويحاولون
أن يعزوك. أو أن يخففوا عنك. ولكنك بإصرار شديد ترفض أن تتعزي. فيسأم الناس من
الحديث معك ويتركونك. فتجلس في كآبة أكثر وفي انطواء..

 

وهنا
أسألك: هل استفدت شيئاً من كآبتك؟ هل عالجت مشكلتك؟ هل أراحتك نفسياً من الداخل..
أم تعبت بالأكثر؟! وهل أراحتك من جهة علاقتك بالناس. أم تعقدت علاقاتك بالأكثر؟!

 

لا
شك أنك خسرت بالكآبة. أكثر مما كنت تتوقع.

 

وأصبحت
كآبتك بسبب المشكلة، هي مشكلة أضخم من المشكلة التي اكتأبت بسببها!

 

وبقيت
المشكلة الأولي لم تحل.. مع إضافة مشكلة الكآبة إليها، ومع ما نتج عن ذلك من
انطواء، ومن سوء علاقة مع الناس وخسارة الجو الهادئ الذي كنت تعيش فيه. كما إنك
عرضت على الناس نقصاً ما كانوا يعرفونه فيك. وهو عدم احتمالك، وعجزك عن احتمال
المشاكل.. فلماذا هذا الإتلاف؟

 

كن
واقعياً. وفكر في حل مشاكلك ولا تركز على الاكتئاب. وإن لم تجد حلاً لمشكلتها،
انتظر الرب.. أو احتمل وعش في واقعك.

 

وإن
اكتأبت بحكم الطبيعة البشرية لا تجعل هذه الكآبة تطول، ولا تجعلها تستمر، ولا تكشف
نفسك هكذا قدام الناس. ولا تجعل الناس ينظرون إليك في إشفاق، أو في يأس من تغيير
حالتك.

 

حاول
أن تكون أقوي من المشكلة.

 

وإن
لم تستطيع، حولها إلى الله الذي هو أقوي من الكل، والذي كل شئ مستطاع عنده (مت19: 26)..
وبعد ذلك انسها في يدي الله. ولا تعد تفكر فيها.

 

هناك
مشاكل كثيرة، يمكن أن تحل بالإيمان، وبالتسليم، وبالصلاة..

 

ولكن
لا توجد مشكلة واحدة يمكن حلها بالكآبة. إذن عليك أن تؤمن بأن الله موجود، وأنه
لابد أن يتدخل وهو ضابط الكل، يري كل شيء، ولا تفوته ملاحظة شئ، وهو يعرف متاعبك
أكثر مما تعرفها، ويشفق عليك أكثر مما تشفق على نفسك.

 

ومادام
الله يهتم، فلا تحمل أنت هموماً على كتفيك. اترك الأمر لله.

 

هناك
مشاكل في إمكانك حلها.. وهناك مشاكل أخري حلها في تركها، أو حلها في نسيانها.
وربما تكون مشكلتك (التي تبدو لك بلا حل) هي من هذا النوع.

 

ولعلك
تقول: وكيف أنسي؟

 

كيف
أنسي المشكلة، وهي لاصقة بذهني أكثر من التصاق جلدي بلحمي؟ أفكر فيها كل حين، في
جلوسي، في مشيي، في وجودي وحدي، وفي وجودي مع الناس، لا أفكر إلا فيها وإن قرأت أسرح
فيها، ولا أتحدث في موضوع سواها. هى بالنسبة إلى كالنفس الداخل والخارج، أحسست أو
لم أحس..!!

 

110-
المشغولية كعلاج للاكتئاب

هنا،
أقدم لك حلاً عملياً وهو: المشغولية.

إشغل
نفسك باستمرار: واهرب من الفكر، من هذا الفكر الكئيب الذي فيك..

لابد
أن تقتنع أن مداومة التفكير في المشكلة تضرك من كل ناحية: تضرك جسدياً وعصبياً
ونفسياً، وترهقك، وتزيد المشكلة، وفي نفس الوقت لا وصول إلى حل..

 

إذن
اترك هذا التفكير المرضي.. وفي صراحة قل لنفسك: كفاني تعباً من هذا التفكير الذي
لم يفدني بشيء..

 

وإن
لم تستطيع، اشغل نفسك باستمرار. اشغل نفسك بأي شئ يبعد عنك الفكر المرهق.

 

ومن
هنا كان العمل المستمر مفيداً للذين يشكون من الكآبة، إلى أن يتعبوا من العمل،
فيناموا في راحة، وهكذا تستريح أعصابهم من إرهاق الفكر لها..

 

كما
أن العمل يشعر الإنسان أنه قادر على إنتاج شئ، أو قادر على تحمل مسئولية، فيريحه
هذا نفسياً. كما تريحه ثمار عمله. وفي خلال ذلك يكون قد بعد عن الفكر..

 

غير
أن البعض قد يرفضون العمل أو يهربون منه، لكي يخلو عقلهم مع الفكر..!

 

الفكر
المرضي أصبح للأسف الشديد يشكل أهمية كبري في نفوسهم، لا يستغنون عنها. فهم يريدون
أن يفكروا في المشكلة. يريدون أن يستمروا دائرين في هذه الدائرة.

 

المفرغة
التي لا توصل إلى حل..!

 

فإن
قبلوا العمل، تكون علامة صحية..

 

علامة
على أنهم قلبوا الاستغناء عن الفكر، ولو قليلاً، في فترة العمل.. وهذا حسن جداً..
مجرد قبولهم العمل، أمر مفيد، حتى لو كان ذلك تغصباً. وتزداد حالتهم تحسناً، كلما
قبلوا العمل برضي وبفرح ووجدوا فيه لذة..

 

وأحياناً
يكون رفضهم للعمل، بحجة أن أعصابهم مرهقة، وقدرتهم الجسدية لا تمكنهم من العمل..!

 

وهذه
الحجة قد تكون حقيقية عند البعض إلى حد ما.. وقد تكون وهمية عند البعض الآخر. أو
يكون وراءاها عامل نفساني.. مثل شخص كلما يعرض عليه العمل، يشعر بإعياء جسدي مفاجئ،
هو رد فعل لرغبته الداخلية في عدم العمل. على أية الحالات، يكون العمل حسب الطاقة،
وقد يكون أيضاً عن طريق التدرج، حسبما يقدر المكتئب، وحسبما يستجيب للعمل. ويحسن
عرض أعمال عليه، يختار منها ما يناسبه..

 

فإن
لم يقدر على العمل اليدوي، هناك أنواع أنشطة يمكن أن يقوم بها.. وهناك ألوان من
التسلية والترفيهات والقراءة قد تشغله.. وهناك علاج آخر هو الموسيقي.

 

111-
الموسيقى كعلاج للكآبة

لاشك
أن هناك أنواعاً من الموسيقي لها تأثير قوي على النفس، ويمكنها أن تريح وأن تهدئ،
وأن تبعد الإنسان عن جو الحزن والكآبة، وتنقله إلى أجواء أخري..

 

ويمكن
إختيار قطع الموسيقي المفيدة، التي لا تضر روحياً. وفي نفس الوقت يكون لها العمق
والتأثير، والقدرة على نقل المشاعر المتألمة، وفتح أبواب من الرجاء أمامها..

 

وهنا
أذكر أن ابنتنا الدكتورة نبيلة ميخائيل، قد نالت درجة الماجستير ودرجة الدكتوراه
في العلاج بالموسيقي ببحوث علمية نالت تقديرها من الجامعة ومن أوساط كثيرة..

 

ولا
أظن أن الإنسان المكتئب يرفض الموسيقى. والموسيقي ليس المقصود بها الغناء، فهناك
موسيقى عميقة لا يصاحبها غناء.

 

والموسيقى
الدينية ذات تأثير كبير في النفس. والمفروض طبعاً البعد عن الموسيقى الحزينة، التي
قد تبقي المريض في ألمه وحزنه وانطوائه.

 

إن
الموسيقى هي علاج للنفس من الداخل، علاج للمشاعر والأحاسيس.. وقد تكون أكثر
تأثيراً من العظات في كثير من الأحيان. ربما تشبهها في بعض الأوقات تراتيل وألحان
معينة.

 

على
أن البعض قد يلجأ إلى العلاج الكيمائي عن طريق العقاقير.

 

ولي
ملاحظة على هذا العلاج، مع مقارنته بالعلاج النفساني، ثم أيضاً بالعلاج الروحى.

 

112-
العلاج بالعقاقير والعلاج النفسي للاكتئاب

العلاج
بالعقاقير قد يكون مقبولاً، حينما يكون المريض في حالة عصيبة معينة، أو في حالة
نفسية لا تقبل التفاهم ولا الحوار، أو في حالة تصميم شديد على ما هو فيه..

 

فيعونه
العقاقير للتهدئة، وربما تهدأ أعصابه، وتصبح في حالة تسمح بالعلاج النفسي..

 

كأن
يكون هناك فكر يرهق المريض جداً.. ويضغط على أعصابه ونفسيته ضغطاً عنيفاً لا
يحتمله. بل قد يطرد عنه النوم طرداً من كثرة التفكير.. ولذلك فهو في حاجة ماسة إلى
فترة من الراحة، تهدأ فيها أعصابه وبالتتالي تهدأ نفسيته.. وهنا يعطونه العقاقير
كمسكنات أحياناً، أو لكي ينام ويستريح من الفكر.

 

وهنا
قد تبدو العقاقير ضرورة، وبخاصة للمريض الهائج، الذي يرفض الاعتراف بأنه مريض،
ويرفض العلاج.

 

نقول
هذا مع اعترافنا بأضرار كثير من العقاقير، وما تحدثه من تأثيرات أخري ضارة بالصحة..
ولكن في مثل تلك الحالات الصعبة، ربما لا يجد الطبيب علاجاً غيرها في ذلك الوقت.
ولكني أقول في صراحة.. لا يصح أن تكون العقاقير علاجاً دائماً، أو العلاج الوحيد.
ولكن العلاج النفسي في موضوع الكآبة أفضل منها بكثير، حينما يأتي موعده..

 

إن
المريض قد يأخذ المهدئات أو المسكنات أو المنومات، لكي يستريح من الفكر الذي يتعبه.
وقد يهدأ أو ينام، ثم يصحو أو يفيق، فيجد الفكر مازال أمامه، فيأخذ قدراً آخر من
العقاقير وتتكرر العملية..

 

وقد
لا يأتي العقار بنتيجة، فتزداد الكمية المعطاة، أو يعطونه عقاراً آخر حتى لا يعتاد
العقا الأول، أو عقاراً آخر أشد تأثيراً، أو يستبدل المسكن بمنوم. ومن كثرة
المنومات قد يترهل جسمه أو تضعف ذاكرته، أو يصبح في حالة (دروخة) مستمرة. ويستمر
الفكر المتعب معه.

 

وهنا
أحب أن أقول حقيقة هامة وهي:

 

إن
العقاقير ربما تكون لعلاج النتائج وليس لعلاج الأسباب.

 

والأسباب
هي الأفكار والمشاعر التي سببت الكآبة، وأيضاً أسباب هذه الأفكار وهذه المشاعر،
وأيضاً نوعية النفسية، ونوعية العقل والتفكير..

 

ما
علاقة العقاقير بكل هذا؟

 

وإن
عالجت العقاقير سبباً، ربما تتلف إلى جواره شيئاً آخر. فإن جعلت المريض ينسي الفكر
المرهق، ربما تؤثر على ذاكرته بوجه عام.

 

إن
أسباب الكآبة، قد يصلح لها العلاج النفساني بأسلوب أعمق والمشكلة أن العلاج
النفساني يحتاج إلى وقت..

 

المريض
يريد أن يفرع كل ما في داخله، ويحكي كل ما يتعبه. وقد يستمر ذلك بالساعات. والطبيب
ليس لديه وقت.. وبخاصة إذا ما تعود المريض هذه الإطالة وحكاية القصص التي لا تنتهي.
وهنا قد يسأم الطبيب ويشفق على وقته الخاص.

 

وسأم
الطبيب أو ملله، يجعله لا يستمع أكثر، فيتوقف العلاج النفسي.

 

ونحن
لا نلوم الطبيب، فقد يكون له عذره، وبخاصة إذا كان كلام المريض متكرراً، أو كان
يعيد نفس الكلام الذي تعب الطبيب معه في التعليق عليه. وقد يحتج الطبيب بأن تدليل
المري لا يفيده ويشجعه على إطالة الجلسة، أو يؤدي إلى وجود دالة بينه وبين الطبيب
فيطلبه باستمرار، وفي أوقات عمله مع آخرين. وفي أوقات راحته..

 

لاشك
أن العلاج النفسي يحتاج إلى وقت، وإلى صبر واحتمال، كما يحتاج أيضاً إلى حكمة،
ومعرفة بالنفس البشرية.

 

فقد
يري الطبيب أن شكوك المريض ليس سليمة، وأن ما يقدمه من أسباب لتعبه، هو كلام مبالغ
فيه، أو مجرد أوهام، أو الحقيقية عكس ذلك تماماً. ويشرح كل ذلك للشخص المكتئب، ومع
ذلك يبقي مصراً على فكره، بل ربما يشك أحياناً في الطبيب ذاته، وفي كفاءته وفي
إخلاصه! إنه مرض..

 

لقد
تحولت الكآبة من حرب داخلية أو حرب خارجية، إلى مرض..

 

وعلينا
أن نبحث كل ذلك، لندخل في علاجه. بل ونقدم نوعاً آخر من العلاج، هو العلاج الروحي.
وهنا لابد من التعرض لنقطة هامة هي: التدين المريض!

 

113-
التدين المريض والكآبة

والتدين
المريض له أسباب وأعراض عديدة.. ولكننا نركز على النقاط الآتية:

1-
الكآبة كمنهج روحي.

2-
الصرامة في معاملة النفس والآخرين.

3-
المثاليات التي هي فوق الطاقة.

 

كثيرون
من المرشدين الروحيين يركزون على عبارة: “بكآبة الوجه يصلح القلب” (جا7:
3)..

 

ويركزون
أيضاً على قول الآباء في بستان الرهبان: [ادخل إلى قلايتك، وابك على خطاياك].
ويعظون كثيراً عن الدموع وفوائدها. وكل هذا كلام روحي له فائدته وله وقته.

 

لكن
الكآبة قد تصلح لوقت، ولكنها لا تكون منهجاً دائماً للحياة.

 

وهؤلاء
المرشدون لا يتحدثون عن الفرح، بل ربما يعتبرونه ضد التوبة.. كما يعتبرون الضحك
علامة انحلال روحي!

 

وينسي
هؤلاء قول الكتاب: ” افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضاً افرحوا (في4: 4).
وقوله أيضاً إن ثمار الروح “محبة وفرح وسلام” (غل5: 22).

 

وقول
السيد المسيح: “أراكم فتفرح قلوبكم. ولا ينزع أحد فرحكم منكم” (يو16: 22).
وبنفس السفر الذي وردت فيه عبارة: “بكآبة الوجه يصلح القلب”، ورد فيه
أيضاً:

 

“للبكاء
وقت وللضحك وقت” (جا3: 4).

 

إن
التزمت الدائم، والحديث المستمر عن وجوب الكآبة، يغرسان الكآبة في أعماق النفس.
وربما يسلك البعض فيها بحكمة واتزان، بينما تتحول عند البعض الآخر إلى مرض!

 

ويصبح
كل شئ يدعو إلى الكآبة!

 

التوبة
تدعو إلى الكآبة، لأن داود النبي كان في كل ليلة يبل فراشة بدموعه والخدمة تدعو
إلى الكآبة، كما بكي نحميا على أورشليم، وكما بكي إرمياء في مراثيه، وكما قال داود
في مزاميره: ” الكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين تركوا ناموسك” (مز119).

 

التواضع
أيضاً لابد أن تصحبه الكآبة!

 

لئلا
الفرح يقوده إلى ارتفاع القلب!

 

والصلاة
أيضاً قد تكون شديدة! وتنظر إلى ملامح شخص من هؤلاء أثناء صلاته، فتجدها متجهمة
جداً متأزمة، يتعبك التطلع إليها!

 

حقاً
هناك كآبة روحية، ولكن معها عزاء. وهناك حزن مقدس، ولكن معه رجاء. والفرح بالرب
يختلط بكل تلك المشاعر.

 

أما
الذين يركزون على الكآبة وحدها بدون عزاء، بدون رجاء، بدون فرح بالرب وعمله،
فهؤلاء لم يفهموا المسيحية كما ينبغي، ولم يفهموا الإنجيل الذي هو” بشارة
مفرحة”.

 

هؤلاء
يقدمون للناس قدوة كئيبة.

 

بل
قد يهرب البعض ويخافون من التدين، لئلا يصيروا في هذه الصورة المحزنة، الدائمة
التجهم، التي لا تضحك مطلقاً، وقد فقدت البشاشة والابتسامة والوجه المضيء! وأصبحت
الروحيات عندها هي دموع لا تنقطع وصرامة لا تنفرج.

 

هؤلاء
ينبغي أن يفرقوا بين الدموع الروحية التي تؤول إلى فرح، وبين الدموع التي تحرق
النفس وتمزقها، وتدخلها في ظلمة محزنة!

 

هل
العلاقة مع الله حزن دائم بلا عزاء؟! وهل الله المحب الحنون لا يود أن يرانا إلا
باكين مكتئبين؟! وهل الله المحب الحنون لا يود أن يرانا إلا باكين مكتئبين؟! وهل
الكآبة التي تصلح القلب، تستمر كآبة بعد أن تصلحه؟!

 

أم
تعطي مكانها للفرح والعزاء؟

 

نقطة
أخري وهي المثاليات..

 

حسن
وواجب أن ندعو إلى المثاليات. ولكن يجوز أن يوصلنا هذا إلى الكآبة المستمرة، بحجة
أننا لم نصل بعد إلى الكمال المطلوب، ومازلنا في الموازين إلى فوق فطريق الكمال
طويل، والسلوك فيه يحتاج إلى جهاد وصبر.

 

ويليق
بنا أن نفرح بكل خطوة نخطوها في الطريق، وليس أن نحزن ونكتئب بسبب الخطوات الباقية
التي علينا أن خطوها فيما بعد..

 

ولا
تظن أن مثل هذا الفرح، فيه كبرياء أو ارتفاع قلب، لأنه فرح بالله الذي أعاننا،
وليس بقدرتنا ومجهودنا البشري.

 

وبدلاً
من أن نكتئب على ما ينقصنا نصلي لكي يعين الله ضعفنا ويكمل نقصاتنا.

إن
الكآبة لا تعالجنا، بل قد تعطلنا وقد يتخذها العدو لإلقائنا في اليأس..

هنا
ونتكلم عن العلاج الروحي.

 

114-
العلاج الروحي للكآبة

الإنسان
الروحي هو بعيد تماماً عن الكآبة المرضية. قد يكتئب أحياناً كآبة روحية أو طبيعة،
إلى حين.

 

أما
الكآبة المرضية، فعنده حصانة ضدها، مبنية أساساً على روحانية سليمة، نذكر من
خصائصها سبع فضائل هامة هي:

 

الإيمان
بالله وعمله، والرجاء، والقناعة أو التجرد، حياة الشكر، الفرح والبشاشة، الواقعية،
الصبر والاحتمال وسنحاول أن نتكلم بإيجاز عن كل من هذه الفضائل، وعلاقتها بعلاج
الكآبة، أو بالقوية منها.

 

115-
الإيمان كعلاج ووقاية ضد الاكتئاب

نحن
نؤمن أن الله ضابط للكل، يدبر هذا الكون، ويهتم بأودلاه، في محبة لهم، وعناية بهم،
قد نقشهم على كفه (إش49: 16) وشعره واحدة لا تسقط من رؤوسهم بدون إذنه (لو21: 18)
وإن سمح بضيقات تصيبهم، فلابد أن ذلك من أجل خير في المستقبل. وكما قال الكتاب:

 


إن كل الأشياء تعمل للخير للذين يحبون الله” (رو8: 28).

 

ولذلك
قال القديس يعقوب الرسول: “احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب
متنوعة” (يع1: 2).

 

إذن
التجارب والضيقات بالنسبة إلى المؤمن- تنشئ فرحاً لا حزناً، متذكراً قول الكتاب
إنه:

 


بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله” (أع14: 22).

 

وهو
بهذا يري أنه يدخل في شركة آلام المسيح (في3: 10) وينفذ وصيته في حمل الصليب، إذ
قال: “من لا يحمل صليبه ويتعبني فلا يستحقنى” (مت10: 38) وكذلك فهو ينفذ
وصيته في الدخول من الباب الضيق، لأنه” ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي
إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه” (مت7: 14).

 

لذلك
فالمؤمن الحقيقي لا يحزن إن صادفته مشاكل، بل على العكس يحزن إن كان طريقه خالياً
من الضيقات التي هي علامة من علامات الطريق. فهو إن عاش في راحة دائمة، يقول في شك:
لعلني أخطأت الطريق.

 

المؤمن
الحقيقي يفرح بالضيقات، كقول الرسول: “لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات
والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح” (2كو12: 10) ويشعر كلما أصابته ضيقة انه
يسير في طريق الرسل والآباء، والأنبياء الذين كانت حياتهم هكذا..

 

يفرح
بطريق أيوب ولعازر المسكين، لأن تعزيات كثيرة في انتظاره.

 

لذلك
فإن المؤمن الحقيقي يرفض أن يستوفى أجره على الأرض، أو أن ينال خيراته ههنا،
واضعاً آماله كلها في” المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله”
(عب11: 10).

 

ويحتمل
كل ذلك في فرح ورضي.

 

يحتاج
في كل ذلك أن يقرأ عن محبة الرب وحنوه وإشفاقه، مع أمثلة كثيرة عن معاملاته
لأولاده، كإشفاقه، على إيليا والأرملة أثناء المجاعة (1مل17) وإرساله ملاكاً
لدانيال سد أفواة الأسود، وإنقاذه للفتية في أتون النار.

 

وليقرأ
قصصاً في رعاية الله للآباء السواح والمتوحدين، وللشهداء والمعترفين، وقصصاً في
قبول الله للتائبين.

 

وإلى
جوار هذا الإيمان، فليكن هناك رجاء في عمل الله معه في المستقبل، وهنا نطرق نقطة
أخري وهي: الرجاء كعلاج للكآبة.

 

116-
الرجاء كعلاج للكآبة

ونقصد
بالرجاء النظرة المستبشرة من جهة المستقبل، وعدم الاستسلام لليأس مهما كانت الظروف
ضاغطة ومها كانت الحلة سيئة..

 

إن
الذي يعيش في الرجاء، لا تزعجه الضيقة الحاضرة، إنما يبهجه الحل القريب لهذه
الضيقة، وهكذا يكون الإنسان دائم التفاؤل،

 

واثقاً
تماماً أن كل خطأ لابد سيصحح، وكل باب مغلق لابد سينفتح.

 

طبيعي
أن اليأس يلد كآبة، والكآبة هي أيضاً تلد يأساً.

 

وكل
منهما يكون بالنسبة إلى الآخر سبباً ونتيجة، أما المؤمن الحقيقي فهو بعيد عن
كليهما.

 

بالرجاء
يري الحل قائماً أمامه، وبهذه الرؤية يفرح قلبه ويسر، وكما قال الرسول:


فرحين في الرجاء” (رو12: 12).

وفي
الفرح بالرجاء، وبالحل الآتي عن طريق الإيمان، يمكنه أن يصبر ويحتمل.

 

117-
الصبر كعلاج للكآبة

الذي
يريد حلاً سريعاً لمشاكله ما أسهل أن يقع في الكآبة كلما وجد الأيام تمر به
والحالة كما هي في ضيقها.

 

أما
الإنسان الواسع الصدر، فيعطي مدي زمنياً للمشكلة لكي تنحل.

 

ويكون
مستعداً للصبر ولو إلى سنوات طويلة، واثقاً بأن الرب سيأتي ولو في الهزيع الأخير
من الليل. ولا ينتظر وهو متضايق كئيب ومنحصر في نفسه، إنما وهو راضي القلب، في ثقة
كاملة بعمل الله.

 

يقول
لنفسه: لابد أن الرب أن الرب سيأتي ولا يهمني متى؟ إنما الذي يهمني هو ثقتي بمجيئه.

 

وهو
يري أن الوقت الذي يختاره الله، هو أفضل الأوقات، هو الوقت المناسب الذي تحدده
حكمة، وبرضاه حسن تدبيره الإلهي.. لهذا يقول المزمور:

 


انتظر الرب، تقو وليتشدد قلبك وانتظر الرب” (مز27: 14).

 

وتسأل
إلى متي فيجيبك: “انتظرت نفسي الرب من محرس الصبح حتى الليل” (مز130).
تقول: وإذا لم يكن عندي صبر؟ أقول لك: دع المشاكل تعلمك الصبر. وأيضاً فإن الإيمان
والرجاء يدربانك على الصبر.

وإن
لم تصبر، ستتعب نفسك وتكتئب..

الصبر
أفضل، وليكن صبراً في ثقة وفي يقين بعمل الرب..

 

118-
القناعة أو التجرد وعلاج الكآبة

ننتقل
إلى نقطة أخري في معالجة الكآبة وهي: القناعة أو التجرد.

 

فضيلة
التجرد تقضي على الكآبة تماماً.. لأن الذي تخلص من جميع الرغبات والشهوات، على أي
شئ سوف يكتئب؟.. أنه لن يجد مطلقاً سبباً يدعو إلى الاكتئاب؟ ولهذا نسمع في كل
قداس قول الكتاب:

 


لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم.. العالم يمضي، وشهوته معه”
(1يو2: 15، 17).

 

كل
أمور العالم زائلة، بما في ذلك الكرامة، والصيت والغني والسلطة.. فإن ضاع من إنسان
مؤمن شئ من هذا أو ما يشابهه، فلن يحزن بسببه أو يكتئب.. بل أن القديس بولس الرسول
يقول:

 


خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية” (في3: 8).

 

وطبيعي
أن الذي يحسب كل شئ نفاية، لن يكتئب بفقدان شئ، وكما قال القديس اغسطينوس: [جلست
على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أني لا أخاف شيئاً ولا أشتهي شيئاً]..

 

فإن
لم تكن عند الإنسان فضيلة التجرد فلتكن عنده على الأقل فضيلة القناعة.

 

فيكتفي
بما هو فيه، ولا يطلب ما هو أكثر، أو ما هو أفضل، إلا في حدود ما يسمح له الله به..لا
يرتئي فوق ما ينبغي.. بل يحيا” حسبما قسم الله له نصيباً من الإيمان”
(رو12: 3).

 

مثل
هذا الإنسان لا يمكن أن يكتئب بل يقول في رضي:

 

مادم
الله المحب يرضي لي بهذا الوضع، فأنا أيضاً راض به..

وبهذا
الشعور، لن يتخلص فقط من الكآبة، بل بالأكثر يصل إلى حياة الشكر..

 

 119-
حياة الشكر وقاية وعلاج ضد الكآبة

الإنسان
المتدرب على حياة الشكر لن يصاب إطلاقاً بالكآبة..

 

ولهذا
يقول لنا الرسول: ” شاكرين في كل حين، على كل شئ” (أف5: 20) ويقول لنا
الرسول: “افرحوا كل حين.. اشكروا في كل شئ” (1تس5: 16: 18).

 

وهكذا
تضع لنا الكنيسة صلاة الشكر في مقدمة كل صلاة، لا لكى نصليها فقط، بل لكي نحيا
حياة الشكر..

 

نشكر
الله عل كل حال، ومن أجل كل حال، وفي كل حال.. حتى في وفاة أي حبيب نبدأ الصلاة
عليه بالشكر.

 

وإن
كنا نشكر، فلماذا نكتئب؟

 

يقيناً
أن هناك من يصلي هذه الصلاة دون أن يحياها..

 

عود
نفسك إذن على حياة الشكر وفي كل ما يمر بك من أحداث، قل أشكرك يارب. لابد أن وراء
هذا خيراً، وإن كنت لا أعلم..

 

حتى
أن كان هناك شر، ستحوله أنت إلى خير: يا صانع الخيرات يا محب البشر..

 

الإنسان
الذي يحيا في الشكر، هو بلا شك إنسان مؤمن.. مؤمن بخيرته الله الإلهية، وهكذا
انحدر إلى الكآبة.. يكون إيمانه قد اهتز..

 

أما
الذي يشكر على كل شئ، فإنه ليس فقط يرتفع فوق مستوي الكآبة، وإنما أكثر من هذا يصل
إلى حياة الفرح.

 

120-
الفرح علاج ووقاية ضد الكآبة

المؤمن
الذي يحيا في حياة الفرح بالرب، لا تستطع الكآبة أن تصل إليه.

هو
فرحان لأنه وجد الرب. ومع الرب أصبح لا يريد شيئاً، ولا يكتئب بسبب شئ يكفيه الله

الذي
تعود حياة الفرح، يهرب بطبيعته من الكآبة وكل أسبابها.

وإن
صادف شيئاً متعباً، لا يفكر فيه كثيراً، ولا يفحص أعماقه المحزنة أنما يلقيه
جانباً، حتى لا يعكر فرحة الرب.

 

إنه
يري الكآبة حرباً من الشيطان، يحاول بها أن ينزع فرحه الإلهي منه ليلقيه في الحزن.

 

وهو
لا يستسلم لحرب الشيطان، بل يتمسك في إصرار بقول الرب لتلاميذه: “ولا ينزع
أحد فرحكم منكم” (يو16: 22).

 

لذلك
عيشوا في حياة الفرح، والبشاشة، وابعدوا عن التدين المريض الذي يدعوكم إلى الكآبة.

 

اجمعوا
آيات الكتاب التي تدعو إلى الفرح، احفظوها عن ظهر قلب، ورددوها بين الحين والآخر.
واسترجعوها في ذاكرتكم كلما أحاطت بكم الضيقات وكلما حاربتكم الكآبة.

 

وثقوا
أنكم بالفرح والبشاشة تقدمون مثالاً طيباً عن التدين السليم وثمره في القلب..

 

وهكذا
ينجذب الناس إلى الدين، الذي استطاع أن يجعل حياتكم سعيدة. أما التدين الذي يلقي
صاحبه، فإن الناس يخافونه ويهربون منه، لئلا يصيبهم منه ما أصاب غيرهم..

 

وحينما
أقول الفرح، لا أقصد الفرح العالمي، بل الفرح بالرب، وهو فرح أعمق وأصدق.

 

البشاشة
أيضاً، ليست هي ما في أهل العالم من انحلال أو استهتار، وإنما هي نور الفرح الإلهي،
والسلام الداخلي، والإيمان، يشع على الوجه فيبسط ملامحه، ويعلن أنه سعيد بالحياة
المقدسة التي يحياها..

 

والإنسان
البشوش دائماً يتعزى الناس بمنظره في وسط الضيقات، وهو كلما أحاطت به مشكلة،
يتركها خارج قلبه، ولا يسمح أن تدخل داخل قلبه..

 

هو
بعيد عن التعقيد، يأخذ كل المشاكل ببساطة قلب، وإن أحاطت به مشكلة، يعمل على حلها
بقدر ما يستطيع، ويقول أنا ألقيتها بجملتها على الله، ويستمر في فرحه.

 

121-
الواقعية وعلاج الكآبة

نقطة
أخري في علاج الكآبة وهي: الواقعية.

ونقصد
بها أن تعيس في الواقع وليس في الخيال، ولا في مثاليات خيالية..

لا
تتصور وضعاً خيالياً لتعيش فيه أو مثاليات خيالية ليعيش فيها غيرك فإن لم تجد هذا
ولا ذاك، تلقي بنفسك في الكآبة..

 

إن
مات لك حبيب أو إن فاتتك فرصة، أو إن فقدت شيئاً، أو إن أصابك مرض، عش في واقعك.

 

أعمل
ما عليك، واترك الباقي لله ولا تعش في كآبة، متخيلاً الوضع المثالي الذي كان ينبغي
أن تكون فيه، لنفرض أن إنساناً أصيب في حادث وبترت له ساق أو ذراع، أيحيا في كآبة
طول عمره أم أنه يرضي بواقعه، ويتأقلم حسب الوضع الذي هو فيه.

 

كذلك
لا تفترض مثالية خيالية في جميع الناس، ولا حتى في خدام الكنيسة، افترض الواقع،
أنهم بشر لئلا إذا صدمت بمثالية أحدهم، تتحطم وتتعب وتكتئب..

 

إن
أخطأ منهم أحد، صل من أجله، ولا تتعقد بسببه. إن الكتاب قد شرح لنا أخطاء رسل
وأنبياء وقديسين، وبقوا في حكم الله كما هم، على الرغم من أخطائهم.

 

أخطاء
الناس اعتبرها طبيعية، جزاءاً من طبيعة الإنسان المائلة، ولا تدعها تحطم نفسيتك.

 

كثير
من الناس يتعبون من معاملات الآخرين وأخطائهم، كما لو كانوا يفترضون في هؤلاء
الآخرين عصمة لا تخطئ، بينما العصمة هي لله وحده..

 

122-
علاج الكآبة داخل التدين

ننتقل
إلى نقطة أخري في علاج الكآبة وهي: علاج الكآبة داخل التدين.

ومن
أمثلة ذلك سوء الفهم لآيات يفهم منها أن خطاياه لا تغفر.

وهذه
الآيات تحتاج إلى فهم سليم إذا لم يستطيع أن يصل إليه، عليه أن يسأل العارفين، وإن
لم يقنعه أحدهم، يسأل غيره، ولكن لا يدفعه كل ذلك إلى الكآبة، ومن أمثلة هذه
الآيات:

 

1-
خطية التجديف على الروح القدس:

ربما
يصل إنسان إلى كآبة مرضية، شاعراً أنه هالك ولا رجاء فيه، لوقوعه في خطية التجديف
على الروح القدس وهذا نقول له:

 

إن
الذين أنكروا لاهوت الروح القدس لما تابوا قبلتهم الكنيسة.

 

فليس
التجديف هو أن يأتيك فكر رديء من جهة روح الله، أو أن تلفظ بكلمة إزدراء عليه..
فكل ذلك يمكن مغفرته، والخطية الوحيدة التي بلا مغفرة، هي التي بلا توبة.

 

والتجديف
على الروح القدس هو رفض مدي الحياة لكل عمل للروح القدس في قلبك. وبهذا لا تتوب،
لأن التوبة تأتي بعمل الروح.

 

ومع
عدم التوبة يكون عدم المغفرة. إما إن تبت ولو بعد عشرات السنين، لا يكون رفضك
السابق تجديفاً لأنه ليس مدي الحياة.

 

2-
مثال آخر يتعب البعض، وهو قول الكتاب عن عيسو إنه:

 


لم يجد للتوبة مكاناً، مع أنه طلبها بدموع” (عب12: 17).

 

وهذا
الأمر ليس عن خطية معينة، وإنما عن بيعه البكورية، وكان البكر سيأتي من نسله
المسيح، فأصبح المسيح سيأتي من نسل يعقوب الذي أخذ البكورية، ومن المحال أن يأتي
من نسل يعقوب وعيسو معاً.

 

هذا
هو الأمر الذي تاب عيسو عنه ولكن بعد فوتا الفرصة..

 

أما
كل توبة أخري، فلها مغفرة والسيد المسيح يقول: “من يقبل إلى لا أخرجه
خارجاً” (يو6: 37). فمتي أقلبت إليه تائباً لا يمكن أن يطرحك خارجاً، حسب
وعده الإلهي.

 

3-
ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض وتوصل إلى الكآبة..

 

التركيز
على ثقل الخطية وليس على محبة الله..

 

وقد
رد الله على ذلك بقوله: ” إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيض كالثلج” (إش1: 18).
وقد قال أحد الآباء إن كل خطايا البشر بالنسبة إلى حنان الله ورحمته، مثل قطعة من
الطين ألقيتها في المحيط..

 

لذلك
على الوعاظ والمرشدين إن وجدوا إنساناً على حافة اليأس، ألا يركزوا على بشاعة
الخطية، بل على حنان الله وإشفاقه ويضربون أمثلة من مغفرته للخاطئين..

 

4-
مما يجلب الكآبة أيضاً:

 

الحديث
عن الكمال الصعب الوصول إليه..

 

إلى
جوار الحديث عن الكمال، ينبغي الكلام عن أن الله يقبل كل عمل صغير مهما كان تافهاً،
كامتداحه كأس الماء البارد، وذهاب ملكه التيمن إلى سليمان وفلسي الأرملة.

 

كما
أن الكمال يصل إليه الإنسان بالتدريج.. والله يقبل كل خطوة..

 

5-
كذلك مما يدفع البعض إلى الكآبة محاولة تقليد دموع القديسين.

 

ومع
امتداح دموع التوبة والحب.. فإن القديسين كانت لهم بشاشة، واضحة في حياة القديس
أنطونيوس، والقديس سرابيون الكبير والقديس مقاريوس الاسكندري.

 

123-
التطرف في الحياة الروحية

وبعد،،،

نحن
ننصح الجميع بعدم التطرف في حياتهم الروحية،

ونقول
لهم:

هذا
العالم الحاضر لا يخلو من المتاعب فلنعش في واقعية،

وندرب
أنفسنا على الفرح مهما كانت ضيقاته.

ولا
نبالغ في حجم المشاكل ولا في صعوبة حلها، فلكل مشكلة حل.

وإن
وقع أحد في الكآبة، عليه أن يخرج منها، مهما كان سببها.

وترك
الكآبة في نفسه يتعبه وبمرضه ويعطل حياته الروحية،

ويعوق
حياته الروحية،

ويعوق
صلته بالمجتمع المحيط به.

وترك
النفس في الكآبة يتعبه ويمرضه فلا داع للبقاء فيها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى