اللاهوت الروحي

الفصل العاشر



الفصل العاشر

الفصل
العاشر

قساوة
القلب

80-
نوعان من القسوة

إن
قسوة القلب لها اتجاهان: قسوة نحو الله، وقسوة نحو الناس.

مقالات ذات صلة

القسوة
نحو الله، هي الرفض المستمر لله وإغلاق القلب أمامه، وعدم الانجذاب نحو إحسانات
الله ومحبته التي يظهرها لنا، ولا لقرعه على باب قلوبنا.

 

أما
القسوة نحو الناس، فمظهرها قسوة المعاملة: الكلمة القاسية، والنظرة القاسية،
والعقوبة القاسية والتوبيخ القاسي، وقد تكون القسوة على الجسد في تعذيبه، أو قد
تكون قسوة على النفس في إذلالها وسحقها والتشهير بها، والعنف في معاملتها.

 

والإنسان
الخاطئ يقع في الأمرين معاً.

وعكس
القسوة: الرحمة والحنو والعطف والإشفاق. وما أكثر كلام السيد المسيح عن الرحمة،
حتى إنه قال: ” طوبي للرحماء فإنهم يرحمون” (مت5: 7). وجعل الرحمة شرطاً
لدخول الملكوت (مت25: 35، 36) وقد حرم غني لعازر من الملكوت، لأنه لم يشفق على
لعازر (لو16: 21).

 

81-
موقف المسيح من القسوة

كان
يشفق على الزناة والخطاة، ويقبل دموع التائبين منهم، ويعاملهم بكل حنان، مثلما
دافع عن المرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل (يو8: 7).

 

ولكنه
في نفس الوقت، ما كان يقبل القساة مطلقاً، بل كان يوبخهم بشدة.

 

لقد
وبخ الكتبة والفريسيين المتشددين في الدين، لأنهم كانوا في تعليمهم” يحزمون
أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها
بأصبعهم” (مت23: 4). ولذلك قال لهم: “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون
المراؤون، لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون
الداخلين يدخلون ” (مت23: 13).

 

إن
القسوة كثيراً ما تكون مظهراً أو نتيجة لكبرياء القلب. لذلك كان الرب أيضاً ضد
المتكبرين. بل يقول الكتاب: “الرب يقاوم المستكبرين” (1بط5: 5 ؛ يع4: 6).

 

وهكذا
يدعو الله دائماً إلى الحنان والعطف. ويحذر القساة من أنهم سوف يلاقون نفس
المعاملة، ويعاملون بنفس الأسلوب. فيقول لهم: “بالكيل الذي به تكيلون يكال
لكم ويزاد” ويقول لهم أيضاً: “بالدينونة التي بها تدينون تدانون”
(مت7: 1، 2).

 

فليحترس
القساة إذن، وليخافوا على أنفسهم من قساوة أنفسهم.

 

إن
القساوة حرب شيطانية. ومن يتصف بها يشابه الشيطان في صفاته. لن القسوة من صفات
الله، بل الله رحين باستمرار، شفوق على الكل..

 

وليست
القسوة مكروهة من الله فقط، بل أيضاً من الأبرار أصحاب القلوب الرقيقة. وهكذا نري
أن يعقوب أباً الآباء يوبخ قسوة أبنيه شمعون ولاوى، فيقول عنهما:

 


ملعون غضبهما فإنه شديد، وسخطهما فإنه قاس” (تك49: 7).

 

إن
القلب الطيب قريب من الله. إنه مثل عجينة لينه في يد الله، يشكلها مثلما يشاء،
بعكس الأشرار الذين لهم قلوب صخرية صلبة قاسية، لا تخضع لعمل الله فيها ولا تستجيب
ولا تشكل.. ولذلك يحذرنا الرسول من هذه القسوة فيقول:

 


إن سمعتم صوته، فلا تقسو قلوبكم” (عب3: 8، 15 ؛ عب4: 7).

 

إن
الله ينظر إلى الخطية باستمرار على اعتبار أنها قساوة قلب، لأن القلوب الحساسة لا
تعاند الله مطلقاً، ولا تغلق أبوابها في وجهه. إنها حساسة لصوت الله ولدعوته،
سريعة الاستجابة له. تتأثر جداً بمعاملات الله وبعمل نعمته. وإن بعدت عنه نحن إلى
الرجوع بسرعة.

أقل
حادثة تؤثر فيها. وكل كلمة من الله تذيب قلبها وتعيده إليه.

 

وعكس
ذلك كان فرعون في قساوة قلبه، إذ كان لا يلين مطلقاً ولا يتوب مهما كانت الضربات
شديدة..!

 

القلب
القاسي إذن: توبته ليست سهلة، وتأثره بوسائط النعمة ضئيل جداً ووقتي وسريع الزوال،
بل قد لا يتأثر على الإطلاق..! وهذا يجعلنا ندرس موضوعاً هاماً وهو: صفات القلب
القاسي.

 

82-
صفات القلب القاسي

القلب
القاسي- من جهة تعامله مع اله- يعيش في جو من اللامبالاة. كلمة الله لا تترك
تأثيرها في قلبه. بل كما حدث مع أهل سادوم، لما كلمهم لوط وحذرهم من غضب
الله” كان كمازح في أعين أصهاره” (تك19: 14).. كلمة الله بالنسبة إلى
قلوب القساة مثل بذار وقع على صخر.

 

القاسي
القلب، ليس فقط لا يتأثر بكلام الروح، بل قد يسخر ويتهكم، ويرفض السماع!

 

ويرفض
المجال الذي تقال فيه كلمة الله وذلك إذا تقسي قلب إنسان من جهة الله، يبعد عن
الكنيسة والاجتماعات، ويبعد عن الكتاب المقدس وعن الصلاة، وعن كل الممارسات
الروحية. ولا تعود هذه الأمور تؤثر فيه كما كانت قبلاً..

 

تصبح
وصايا الله ثقيلة عليه، بينما الثقل هو في قلبه..

 

قلبه
قاس لا يتأثر بأي دافع روحي لا يتأثر بحنان الله، ولا بإنذاراته وعقوباته. ولا
يتأثر بالحوادث ولا بالأحداث، لا بالمرض ولا بالموت أحبائه ولا تؤثر فيه صلاة ولا
كلمة روحية. وإحسانات الله يقابلها بنكران للجميل أو ينسبها إلى أسباب بشرية
وينطبق عليه قول الرب:

 


بسطت يدي طول النهار إلى شعب معاند ومقاوم” (رو10: 21).

 

وهكذا
فإن قساوة القلب تقود إلى العناد والمقاومة. وربما شخص مخطئ تشرح له خطأة لمدة
ساعات طويلة، وكأنك لم تقل شيئاً هو مصر على موقفه، يرفض أن يعترف بالخطأ. القلب
صخري لا يستجيب..

 

ما
أصعب أن تتخلى النعمة عن مثل هذا الشخص، كما قال الرب: “فلسمتهم إلى قساوة
قلوبهم، ليسلكوا في مؤامرات أنفسهم” (مز81: 12).

 

أو
كما قيل: “أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا” (رو1: 28) لذلك أسلمهم
الله إلى أهوان الهوان (رو1: 26).

 

وهكذا
إذا استمرت قساوة القلب، تكون خطيرة جداً، لأنها تقود إلى التخلي من جانب الله،
والضياع من جهة الإنسان..

 

الإنسان
الحساس دموعه قريبه. أما القاسي، فيندر أن تبتل عيناه.

 

مهما
كانت الأسباب.. لأن الدموع دليل على رقة الشعور، والقاسي لا رقة في مشاعره، سواء
في تعامله مع الله أو مع الناس..

 

بل
على العكس، تقوده قساوة القلب إلى الحدة وإلى الغضب.

 

فالقاسي
تشتغل مشاعرة ضد الآخرين بسرعة، ويحتد، ويثور، ويهدد وينذر ولا يحتمل أن يمسه أحد
بكلمة. وفي نفس الوقت لا يراعي مشاعر الآخرين بجرح غيره بسهولة وفي لا مبالاة. ولا
مانع من أن يهين غيره ولا يشتمه. ولا يتأثر من جهة وقع الألفاظ عليه..

 

وهنا
يجمع القاسي القلب بين أمرين متناقصين: فيكون حساساً جداً من جهة المعاملة التي
يعامله بها الناس ولا إحساس من جهة وقع معاملته على الآخرين.

 

فهو
إذا وبخ غيره بحق أو بغير حق يكون كثير التوبيخ وعميقة. وإذا غضب على أحد، يكون
طويل الغضب وعنيفة.

 

في
قسوته لا يحتمل أحداً، ويريد أن يحتمله الكل، فلا يثورون لثورته بل يتقبلونها في
شعور بالاستحقاق لما ينالهم منه:

 

على
كل، القسوة منفرة، ومن يستسلم لحروب القسوة، يخسر الناس ويفشل في حياته الاجتماعية..

 

لذلك
احترسوا جميعاً من قساوة القلب” وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض” (أف4: 32)
وتذكروا أنه من ثمار الروح: “وداعة ولطف أناة” (غل5: 22).

 

ومن
ثمارها أيضاً المحبة والسلام..

 

مادام
الأمر هكذا، فلنعرف ما هي أسباب قساوة القلب لكي نتفاداها.

 

83-
محبة الخطية من أسباب قساوة القلب

من
جهة قساوة القلب الإنسان من نحو الله فإن أهم سبب هو محبة الخطية.

محبة
الخطية

إن
محبة الخطية تسبي القلب، فتجعله يتعلق بها، وينسي الله وكل ما يختص به، بل ينظر
إلى الله كعدو يريد أن يمنعه عن الخطية التي يحبها. وهكذا يتقسي قلبه من جهته.

 

ولعله
لهذا السبب قال الكتاب إن” محبة العالم عداوة لله” (يع4: 4).

 

الشاب
الغني لمما أحب المال، تقسي قلبه أمام المسيح، وتركه ومضي حزيناً (مت19: 22).
وامرأة لوط لما أحبت خيرات سادوم، تقسي قلبها حتى حينما كان الملاك ممسكاً بيدها
ولم تنظر إلى الله الذي أنقذها ومحبته لها بل نظرت إلى سادوم، فتحولت إلى عمود ملح
(تك19).

 

وأكثر
من الشاب الغني وامرأة سادوم، تقسي قلب فرعون، لما أحب سلطته من جهة وأحب أن ينتفع
بتسخير شعب بأكمله. لذلك لم يستفيد من كل المعجزات والضربات.

 

كذلك
فإن الوجوديين الملحدين الذين أن يتمتعوا بوجودهم بعيداً عن وصايا الله من أجل
محبتهم للعالم تقسي قلبهم حتى أنكروا وجود الله نفسه. وقال فيلسوفهم: [خير لي أن
الله لا يوجد، لكي أوجد أنا]!

 

ومحبة
الخطية أثرت على شمشون الجبار فنسي نذوره ونسي كرامته، وباح بسر قوته، إذ كان قد
تقسي القلب تجعل الإنسان يتمسك بالخطية ويؤجل التوبة وكلما يسمع صوت الرب في قلبه،
يطغي عليه صوت الخطية ومحبة العالم والجسد فتقسي القلب ويرفض عمل النعمة فيه..

 

84-
الصحبة الشريرة تقسي القلب

قد
يتقسى القلب أيضاً بسبب الصحبة الشريرة وتأثيرها على الإنسان.

ونضرب
مثلاً لذلك آخاب الملك ومدي تأثير زوجته إيزابل الشريرة عليه في تقسيه قلبه.

لقد
كان آخاب حزيناً لا يعرف كيفية الحصول على حقل نابوت اليزرعيلى واضطجع على سريره
ولم يأكل خبزاً (1مل21). ولكن إيزابل رسمت له الخطة كيف يلفق تهماً حول نابوت
اليزرعليى، وكيف يتمكن من قتله والحصول على حقله..

 

فتقسي
قلب آخاب، وقام من حزنه ويأسه، ونفذ الخطة وقتل نابوت.

 

ومن
تأثير الصحبه الشريرة في نقسيية القلب نصائح الشباب لرحبعام ابن سليمان في معاملة
الشعب الذي طلب تخفيف النير عنه..

 

كان
الشيوخ قد نصحوه بالهدوء واللين والحب في معاملة الشعب. وقالوا له: “إن صرت
اليوم عبداً لهذا الشعب، وخدمتهم واحببتهم وكلمتهم كلاماً حسناً، يكونون لك عبيداً
كل الأيام” (1مل12: 7).

 

ولكن
الشباب أدخلوا القساوة إلى قلبه، واقنعوه بأهمية السلطة والكرامة ووجوب خضوع الناس
له.

 

وقالوا
له: هكذا تخاطبهم قائلاً” إن خنصري اغلظ من متني بي. أبي أدبكم بالسياط، وأنا
أؤدبكم بالعقارب. أبي حملكم نيراً ثقيلاً. وأنا أزيد النير عليكم” (1مل12: 1،
11). ونفذ رحبعام نصيحة الشباب. بكل قوة وكانت النتيجة إنشقاق المملكة عنه.

 

ما
أسهل أن تقسي قلب أي شاب بأصدقاء يتأثر بهم، يدخلون في قلبه معاني جديدة عن القوة
والبطولة، أو عن الحرية، والحقوق التي يطلبها..

 

وهكذا
يثور على كل سلطة ورئاسة سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع بل قد يثور أيضاً على
النظام وعلى القانون ويري الرجولة في أن يفرض رأيه. وكثير من الشباب في بعض بلاد
الغرب يرفضون الخضوع لآبائهم حينما يكبرون، بحجة الحرية الشخصية.

 

ويعتبر
الشاب أن نصيحة والده له، هي مجرد رأي، قابل للصحة والخطأ يمكن أن يأخذ به أو لا
يأخذ!

 

وهكذا
يتقسى قلبه من جهة والده، وأيضاً من جهة أي أب روحي أو مرشد ويعتز برأيه، ويعتد
برأيه. ويصر على أنه صاحب القرار، مهما كان حدثاً أو قليل الخبرة في الحياة! إننا
نحتاج أن نربي أولادنا منذ طفولتهم المبكرة حتى لا تتلقفهم أفكار جديدة عليهم،
تتلفهم وتقسي قلوبهم.

 

نحتاج
أن نحصن أولادنا قبل أن تقسي قلوبهم أفكار تدفعهم إلى الجدل في البديهيان، ورفض كل
شئ لمجرد الرفض..

 

الأفكار
التي تصور لهم الطاعة ضعفاً والخضوع خنوعاً، والهدوء خوفاً وجنباً وفي تقسية
قلوبهم تقلب لهم كل الموازين فيفرحون بهذا إحساساً بالوجود والشخصية..

 

وإن
تكلمنا عن أثر الصحبة الشريرة في تقسية القلب، لا نقصد بهذه الصحبة مجرد أشخاص،
وإنما ايضاً الكتب والمطبوعات، وكل وسائل الأعلام، والوسائل السمعية والبصرية،
التي يجب أن نتأكد من سلامتها.

 

وما
نقوله عن الصغار، يمكن أن نقوله عن الكبار أيضاً: في محيط الأسرة مثلاً..

 

مثال
ذلك زوجة تقسي قلب زوجها على أولاده من زوجة سابقة. وتظل تصب في أذن ابنها المتزوج
أحاديث عن أخطاء زوجته، أو إهانات هذه الزوجة لها حتى تتغير معاملته لزوجته ويقسو
عليها..

 

فعلي
كل إنسان أن يكون حريصاً ولا يسمح للقسوة أن تزحف إليه من الآخرين ولا يصدق كل ما
يسمعه.

 

85-
الكبرياء وقساوة القلب

من
أسباب قساوة القلب أيضاً الكبرياء التي تدفع الإنسان إلى أن يبالغ في كرامته وعزة
نفسه، واحترام الناس، بأسلوب يجعله يقسو على كل شخص يشعر أنه يمس كرامته في شئ..

 

والكبرياء
تجعل القسوة تظهر في ملامحه وفي نظراته، وفي حدة صوته وفي نوعية ألفاظه، وطريقة
معاملاته.

 

86-
الطبع والوراثة قد يسببا قساوة القلب

وقد
تكون من أسباب القسوة طباع موروثة. وهنا قد يسأل البعض:

ما
ذنب إنسان ورث طبعاً قاسياً، بينما غيره قد ولد وديعاً، وليس في حاجة إلى بذل
مجهود لمقاومة قسوة فيه؟!

وهنا
نقول إن الطبع يمكن تغييره مهما كان مورثاً. والذي يبذل جهداً لتغيير طبعه تكون
مكافأته عند الله أكثر.

 

وأمامنا
مثال القديس موسي الأسود الذي تغيرت طباعه من القسوة الشريرة إلى العكس، وصار
وديعاً خدوماً محباً للآخرين.

 

هناك
أسباب أخري للقسوة ليس الآن مجالها، إنما ذكرنا ما سبق كمثال.. ونريد أن نختم
بكلمة بسيطة عن: معالجة القسوة.

 

87-
معالجة القسوة

يمكن
معالجتها بحياة التوبة كالقديس موسي الأسود. ويمكن أن يكون ذلك بمعاشرة الودعاء
والرحومين وما يتركونه في النفس من تأثير وقدوة حسنة.. يضاف إلى هذا قصص القديسين
الذين اشتهروا بالوداعة والطيبة والشفقة حسنة.. يضاف إلى هذا قصص القديسين الذين
اشتهروا بالوداعة والطيبة والشفقة على كل أحد. ويمكن أن يأخذ الإنسان درساً من
مضار كل مناسبة تقسي قلبه فيها.

 

كذلك
مما يساعد على رقة القلب الاتصال بالآم المجتمع، وخدمة المحتاجين والفقراء،
والمرضي والعجزة والمعوقين واليتامى والأرامل. وكذلك المساهمة في حل مشاكل الناس..
ومما يساعد على رقة المشاعر من الموسيقي الهادئة وعلاج لتوتر الأعصاب، مع الصلاة
أن يغير الله الطبع القاسي.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى