اللاهوت الروحي

الفصل الثامن



الفصل الثامن

الفصل
الثامن

المظاهر
الخارجية

68-
مهاجمة المظاهر الخارجية في العهدين

لقد
هاجم السيد المسيح محبة المظاهر الخارجية. وذلك في توبيخة الكتبة والفريسيين
المرائين،” لأنكم- الكتبة والفريسيون المراؤون- تنقون خارج الكأس والصحفة،
وهما من داخل مملآن اختطافا ودعارة”. وقال لهم أيضاً: “ويل لكم لأنكم
تشبهون قبوراً مبيضة تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل
نجاسة” (مت23 ك 25، 27).

مقالات ذات صلة

 

ونفس
الوضع كان في العهد القديم.

إذ
أنه لم يقبل المظاهر الدينية من اليهود، كالاحتفالات بأوائل الشهور والأصوام
والصلوات والبخور والذبائح، مع عدم نقاوة القلب..!

 

فقيل
في سفر إشعياء: “لماذا لي كثرة ذبائحكم- يقول الرب-.. لا تعودوا تأتون بتقدمه
باطلة. البخور هو مكرهة لي.. رؤس شهوركم وأعيادكم أبغضتها نفسي. صارت على ثقلاً.
مللت حملها. فحين تبسطون أيديكم، أستر عيني عنكم. وإن أكثرتم الصلاة، لا أسمع..
أيديكم ملآنة دماً” (إش1: 11- 15).

 

إن
الله يهمه القلب قبل كل شئ، وليس المظاهر الخارجية.

 

ولذلك
فإنه قال،” فوق كل تحفظ قلبك، لن منه مخارج الحياة” (أم4: 23) وقال
أيضاً: “يا ابني اعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي” (أم23: 26).

 

فالفضائل
التي لا تنبع من القلب ومن الحب، مرفوضة من الله..

 

لأن
الله لا يحب المظاهر الخارجية. إنه يريد حقيقة الإنسان من الداخل. يريد مشاعره
وعواطفه ومحبته، وليس مجرد عمل خارجي لا قيمة له.

 

الصلاة
من قلب نقي، أو من قلب منسحق، هي صلاة مقبولة. أما صلاة الأشرار فمرفوضة.

 

لهذا
قبل الله صلاة العشار، ولم يقبل صلاة الفريسي الممزوجة بالكبرياء والافتخار وإدانة
الآخرين. كذلك لم يقبل صلوات هؤلاء الذين قال لهم: “أيديكم ملآنة دماً”
(إش1: 15) كما أن الكتاب قال في وضوح: “ذبيحة الأشرار مكرهة للرب” (أم15:
8)” ذبيحة الشرير مكرهة، فكم بالحري حين يقدمها بغش” (أم21: 27). وقال
أيضاً: “من يحول أذنه عن سماع الشريعة، فصلاته أيضاً مكرهة” (أم28: 9).

لذلك
ينبغي التركيز على النقاوة الداخلية، التى هي المصدر الحقيقي لكل نقاوة من الخارج.

 

69-
النقاوة الداخلية وليس الخارجية

أحياناً
بعض الوعاظ والخدام والمربين، يهتمون كل الاهتمام بالنقاوة الخارجية فقط، ويركزون
عليها.

فبالنسبة
إلى الفتاة مثلاً: يهتمون بمظهرها.. هل تتفق ملابسها وقواعد الحشمة؟ هل هي تسرف في
زيتنها؟ ويركزون عظاتهم على هذه السلبيات..

 

ويتركون
الباعث الداخلي الذي يكمن في القلب، وراء عدم الحشمة!

 

والمفروض
أن يكون التركيز على الداخل: على محبة الله، ومحبة الفضيلة، ونقاوة القلب. وإذا
صار القلب نقياً من الداخل، وتخلص من المشاعر التي تدفع الفتاة إلى التبرج في
زينتها، حينئذ هي نفسها، من تلقاء ذاتها ستتخلى عن كل هذه المظهريات.

 

إن
التوبيخ والعنف والضغط، ليست هي الأمور التي تصلح. ربما تقدم مجرد مظهر خارجي.
ويبقي القلب في الداخل كما هو، بنفس رغباته وشهواته. وربما يضاف إليه التذمر
والكبت والضيق.. أما إذا تنقي القلب ÷ فإنه حينئذ سينفذ كل تلك النصائح برضي
واستماع، وبدرجة أرقي من الناحية الروحية.

 

وبالمثل
مع الشاب الذي يطيل شعره، ويلبس ملابس غير لائقة به كشاب متدين..

 

يحتاج
أن يعرف ما هي معاني الرجولة؟ وما هي مظاهر قوة الشخصية؟ وكيف يمكنه أن يكتسب
احترام الاخرين؟ بالإضافة إلى نقاوة القلب. فإن اقتنع بكل هذا لابد سيترك كل تلك
الأخطاء بدون توبيخ، وبدون قهر..

 

ليس
المهم أن ننظف خارج الكأس، بينما الداخل كله نجاسة:

 

إن
الإصلاح من الداخل هو أكثر ثباتاً ورسوخاً في النفس: وبه ينصلح الإنسان بطريقة
حقيقية، ولا يكون واقعاً في تناقض ما بين داخلة وخارجه. كما أنه لا يكون تحت ضغط،
بحيث يتلمس ظروفاً للانفلات من هذا القهر الخارجي!!

 

فلنبحث
إذن عن الأسباب الداخلية التي تؤدى إلى الخطأ الخارجي، ونعالجها:

 

خذوا
الكذب مثلاً، كظاهرة:

 

الشخص
الذي يكذب، هل ستصلحه عظات عن الكذب؟ أو توبيخ له على كذبه؟ أم أن الأعمق تأثيراً
عليه واصلاحاً له، ههو البحث عن الأسباب التي تجعله يكذب: هل هي الخوف من إنكشاف
شئ؟ أو الرغبة في الحصول على منفعة معينة؟

 

أو
القصد من الكذب هو التباهي؟ أو التخلص من الإحراج؟ او السبب هو الخجل؟ أم هي قد
أصبحت عادة، بحيث يكذب بلا سبب؟ أم هو يكذب بقصد الفكاهة، أو بقصد الإغاظة؟ أو
التلذذ بالتهكم على الناس؟!!

 

نبحث
عن سبب الكذب، ونعالجه ونقنع صاحبه بعدم جدواه. ونقدم له حلولاً عملية للتخلص من
كذبه، أو بدائل لا خطأ فيها..

 

كالصمت
أحياناً، أو الهرب من الاجابة بطريقة ما، أو الرد على سؤال بسؤال، أو الاعتذار من
خطا بدلاً من تغطية بالكذب، وكذلك الاقتناع بخطأ التباهي، وخطأ التهكم على الناس.
مع الاقتناع أيضاً بكسب ثقة الناس واحترامهم بأسلوب الصدق.

 

وهكذا
نعالج الداخل، فيزول الخطأ الخارجي تلقائياً، كنتيجة طبيعية..

وبهذا
لا نهمل الخارج تماماً. وكيف ذلك؟ ولماذا؟

 

70-
لا نهمل نقاوة الخارج

ليس
الاهتمام بالداخل، معناه أننا لا نهتم بأعمالنا الخارجية..

فالمفروض
أن نكون قدوة. كما أن أخطاءنا الخارجية قد تعثر الآخرين.

وفي
هذا قال السيد الرب: ” فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة،
ويمجدوا أباكم الذي في السموات” (مت5: 16) وواضح من هذه الأية أن الغرض هو
تمجيد الله، وليس تمجيد الذات. وقيل أيضاً:

 


معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس” (رو12: 17).

 

لأنه
هكذا ينبغي أن يكون أولاد الله. وكما قال القديس يوحنا الحبيب: “كل من هو
مولود من الله لا يفعل خطية.. بهذا أولاد ظاهرون..” (1يو3: 9، 10) ومن جهة
العثرات، قال السيد الرب: “ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة” (مت18:
7).

 

فالمفروض
أن يسلك الإنسان من الخارج سلوكاً حسناً مع اعتبارين:

 

1-
أن يكون ذلك لتمجيد الله، وليس لتمجيد ذاته.

 

2-
إن يكون السلوك الخارجي طبيعياً، نابعاً من نقاوة القلب الداخلية.

 

وإن
كنت لم تصل بعد إلى نقاوة القلب الداخلية، فاغصِب نفسك على ذلك. حقاً أنه من فضلة
القلب يتكلم اللسان. فإن كانت مشاعر قلبك لم تنتق بعد من جهة بعض الناس، فليس معني
هذا أن تخطئ إليهم بلسانك، لكي يكون لسانك وقلبك في خط واحد! كلا. بل احترس بلسانك
حتى لا تخسرهم. ثم بعد ذلك عود قلبك أن يكون مثل لسانك في كلامه الطيب.

 

وهنا
يكون التغصب والرغبة في كسب الناس باحترامهم ومحبتهم، من الاعتبارات التي تضاف إلى
وجوب السلوك الخارجي الحسن.

 

ولا
يعتبر هذا لوناً من الرياء، إنما يكون في هذه الحالات لوناً من ضبط النفس. وضبط
النفس من الخارج لازم ومطلوب. ويدخل في نطاق التدريبات الروحية التي يصل بها
الإنسان إلى حياة النقاوة.

 

إذن
نظف الداخل ليتفق مع الوضع الخارجي السليم. ولا تهبط بالخارج إلى مستوي الداخل، إن
كان داخلك غير سليم..

 

المفروض
أن تكون نقياً من الداخل ومن الخارج، فحاول أن تصل إلى الأمرين معاً. وإن بدأت
بأحدهما، اكمل بالآخر أيضاً.

 

واحتراسك
الخارجي ممدوح. ولكن لا تكن مكتفياً به، بل أضف إليه النقاوة الداخلية. وليكن هذا
هو تدريبك في كل الفضائل.

 

71-
تداريب على الفضائل

خذ
مثالاً هو الصوم، من جهة السلوك الخارجي، والعمل الداخلي.

ليس
الصوم هو مجرد فضيلة خارجية خاصة بالجسد وحده. كأن يمتنع الجسد عن تناول ما يشتهيه
من الطعام، مع قهر نفسه على الانقطاع كليه عن الطعام فترة معينة، إنما ينبغي أيضاً
أن يمنع نفسه عن الأخطاء. ويتمشى منع النفس مع منع الجسد.

 

فإن
كان لم يصل إلى هذا المستوي الروحي في داخله فليس معني هذا أن يكسر صومه ويفطر!

 

وإلا
يكون قد انحل جسداً وروحاً! بل عليه أن يدرب قلبه من الداخل، ليتمشى مع صوم الجسد
من الخارج، ولو بالجهد وبالوقت وبالتدريب، إلى أن يصل بنعمة الرب. وبهذا يمكننا أن
نضع قاعدة روحية للتوازن بين المستويين الداخلي والخارجي، وهي هذا:

 

إن
كان أحد المستويين مرتفعاً، والآخر منخفضاً، فأرفع المنخفض إلى مستوي المرتفع.
ولكن لا تكتف مطلقاً بأن تسلك حسناً من الخارج. فالله ينظر إلى قلب. إنما جاهد
باستمرار أن تنقي قلبك، وأن يكون كل سلوكك الخارجي السليم مجرد تمهيد أو تدريب
للعمل الجوانى.

 

وكثيراً
ما تكون التنقية الخارجية وسيلة للتنقية الداخلية..

 

مثال
ذلك شاب، تحاربه في داخله أفكار شهوانية جسدية ومشاعر نجسه لا تتفق مع حياة العفة،
وربما تسبب له أحلاماً دنسة تتعبه.. أتراه يستطيع أن يسلك من الخارج هكذا، ليكون
خارجه تماماً كداخله؟! كلا بلا شك، وإ فإنه يضيع نفسه، ويضيف إلى خطايا الفكر
والقلب، خطايا العمل والحس والجسد!

 

مثل
هذا، عليه أن يحترس جداً من الخارج. وهذا الاحتراس الخارجي يساعده على النقاوة
الداخلية، مع عدم الاكتفاء بالحرص الخارجي..

 

لذلك
لا تيأس مطلقاً. ولا تقل: ما فائدة النقاوة الخارجية، إن كنت في داخلي دنساً؟! وما
فائدة عفة الجسد، إن كانت روحي زانية؟!

 

هذه
حرب من الشيطان ليوقعك في اليأس وفي الخطية.

 

إن
صمودك الخارجي يعني رفضك للخطية. أضف إليه صموداً آخر ضد الأفكار. وثق أن الله
لابد سيرسل نعمته لمعونتك..

 

ومن
أجل أمانتك من الخارج، سيعينك الله من الداخل، مادمت تطلبه وتستغيث به.

 

كن
أميناً في هذا القليل الذي هو الخارج، فيقيمك الله على الكثير الذي هو النقاوة
الداخلية.

 

ولكن
في نفس الوقت لا تهمل الوقت داخلك، فالله يريد القلب. جاهد في داخلك، أيضاً..

 

ادخل
في حرب الأفكار في الداخل، كما انتصرت في حرب الجسد والحواس من الخارج..

 

وسيتعاون
الأمران معاً. احترسك من الخارج، سيمنع عنك حروباً داخلية كثيرة. وعلى الأقل سوف
لا تحارب في ميدانين في وقت واحد. وحرصك الخارجي سيدخل عنصر الحصر في حياتك،
ويدربك على الحرص من الداخل أيضاً. ثم يضاف إليها معونة تأتيك من فوق، يرسلها الله
مكافأة على أمانتك..

 

إن
الأشخاص المبتدئين، قد يكتفون بالانتصار في الحروب الخارجية، لكنهم يتدرجون بعد
ذلك إلى الدخول في الحروب الداخلية وهي أصعب ولكنها أعمق جداً، وتوصل إلى نقاوة
القلب والفكر. وبذلك يصبح القلب مسكناً لله.

 

ونقاوة
القلب تعني رفضه للخطية وكراهيته لها. والوصول إلى ذلك يساعده تماماً في الانتصار
على الحروب الخارجية، إذ لم يعد لها سلطان عليه.

 

حتى
إن جاءته الخطية في حلم، وهو ليس في وعيه، يكون عقله الباطن متنبهاً لها تماماً،
ورافضاً لها. وهكذا لا يمكن أن يخطئ في أحلامه، لأن قلبه وعقله يرفضانها. وإن حدث
أن الخطية ضغطت عليه جداً في حم، بالحاح شديد للتنفيذ، لابد حينئذ سيسقط، لأن قلبه
يرفض أن يخطئ. وينطبق عليه قول الرسول:

 


ولا يستطيع أن يخطئ” (1يو3: 9). ويبرر الرسول ذلك بقوله: “لأن زرعه يثبت
فيه” ويقول عنه أيضاً أنه” يحفظ نفسه والشرير لا يمسه” (1يو5: 18).

 

هذا
من الناحية السلبية، من جهة الخطية. فماذا أيضاً من الناحية الإيجابية؟ نقول:

 

إذا
تنقي القلب، تكون كل أعماله الفاضلة دوافعها روحية، ومن أجل الله وحده..

 

72-
من أجل الله وليس الناس

وأيضاً
من أجل الله، وليس من أجل الذات.

فلا
يكون فعله للخير، من أجل أن تكبر ذاته في عينيه، أو من أجل أن تكبر ذاته في أعين
الناس.. وكلا الأمرين يدخلان في نطاق خطية المجد الباطل التي تدفع إلى خطية الرياء..
وما أد قول السيد المسح عن ذلك في حديثه عن الكتبة والفريسيين:

 


وكل أعمالهم يعملونها، لكي تنظرهم الناس” (مت23: 5).

 

وهنا
يدخلون في خطية محبة المظاهر الخارجية. ويكون الخير الذي يفعلونه ليس خيراً
حقيقياً، إذ قد امتزج بمحبة الذات، ومحبة المجد الباطل، ولا يكون هدفه نقياً. ليس
هدفه محبة الله، ولا محبة الخير، وليس مقصوداً لذاته، وليس صادراً عن طبيعة نقيه.
وهنا يسأل البعض:

 

هل
معني هذا أننا لا نفعل الخير أبداً أمام الناس؟ حتى لا ينظروننا وحتى لا يأتينا
مديح منهم بسبب ذلك!!

 

كلا
طبعاً، فالكتاب: ” معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس” (رو12: 17).

 

ومن
جهة المديح، كان الرسل والقديسون جميعاً يُقابَلون بمديح من الناس. ومازال المديح
يلاحقهم حتى بعد موتهم. ولم يكن في ذلك خطية. ومن غير المعقول أن يتوقف البار عن
عمل الخير تماماً، لكي ينجو من مديح الناس!!

 

إذن
كيف نوفِق بين كل هذا، وبين الوصايا الخاصة بعمل الخير في الخفاء!!

 

هوذا
الرب يقول: “متى صليت، فأدخل إلى مخدعك واغلق بابك، وصل إلى أبيك الذي في
الخفاء. وأبوك الذي يري في الخفاء. وأبوك الذي يرى في الخفاء، يجازيك علانية”
(مت6: 6)، وقوله أيضاً: “متى صنعت صدقة، فلا تعرف، شمالك ما تفعله
يمينك” (مت6: 3) وقوله أيضاً: “.. لكي لا تظهر للناس صائماً، بل لأبيك
الذي في الخفاء” (مت6: 18).

 

وللتوفيق
بين كل ذلك أقول لك:

 

1-
على قدر امكانك أعمل الخير في الخفاء.

 

ولكنك
في أحوالك كثيرة قد لا تستطيع. فأن أمام الناس تذهب إلى الكنيسة وتصلي، وتواظب على
الاجتماعات، ويرونك وأنت تتناول باستمرار، وتصوم كل الأصوام الكنيسة. وخدمتك
معروفة في الكنيسة، وربما عطاياك للفقراء تصير معروفة، مثل عطايا الأنبا إبرام
أسقف الفيوم، والأرخن إبراهيم الجوهري، والأنبا صرابامون أبو طرحة.

 

فما
هو الحل أمام هذه المعرفة؟

 

2-
ليست خطيئة أن يعرف الناس ما تفعله من خير، إنما الخطيئة هي أن يكون الهدف من عمل
الخير هو أن يراه الناس ويمدحوه..!!

 

وهذا
ما عناه السيد المسيح بقوله: “متى صنعت صدقه، فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل
المراؤون في المجامع وفي الأزقة، لكي يمجدوا من الناس” (مت6: 20).

 

وأيضاً
قوله: “فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع، لكي يظهروا
للناس” (مت6: 5). وأيضاً” فإنهم يغيرون وجوههم، لكي يظهروا للناس
صائمين” (مت6: 16).

 

واضح
هنا أن الهدف هو أن يظهروا للناس، ولكي يمجدوا من الناس.. هنا المظهرية، أو محبة
المظاهر الخارجية.

 

فإن
كنت تفعل الخير، وقلبك نقي من محبة المظاهر، وليس هدفك أن يراك الناس، بل تهرب من
هذا.. إذن لا يهمك مطلقاً أن يعرف الناس أنك فعلت ذلك.

 

3-
اهرب من معرفة الناس.. فإن عرفوا، لا تجعل ذلك يؤثر على قلبك. انسه ولا تهتم.

 

القديس
بولس الرسول قال عن خدمته وخدمة معاونية: “بصيت حسن، وصيت رديء”
“بمجد وهوان” (2كو6: 8). ولم يرتفع قلبه بالمجد ولا بالصيت الحسن.
والقديس مقاريوس الكبير قال: كن كالميت الذي لا يبالي بكرامة ولا بهوان.

 

4-
إن وصل المديح إلى أذنك، لا تدخله إلى قلبك. بل تذكر ضعفاتك وخطاياك، لكي تغطي
عليه.

 

5-
وهناك أمور تستطيع أن تخفيها حتى في أعمالك الظاهرة. فقد يعرف الناس أنك صائم،
ولكنك بقدر إمكانك تخفي عنهم درجة صومك، من جهة موعد انقطاعك والأصناف التى تأكلها.
فإن عرف البعض شيئاً منها، لا تجعل الكل يعرفون. وبالمثل في العطاء، قد يعرفون أنك
تعطي، ولا يعرفون كل ما تعطي..

 

وقد
يعرف البعض أنك تصلي، ولكنهم لا يعرفون حالة قلبك في الصلاة.

 

وقد
يعرف البعض أحياناً بالنسبة إلى الصلوات العامة، كصلوات الكهنة في القداسات.

 

ونصيحتي
في هذا الأمر أن ينسى الكاهن تماماً شعباً يسمعونه. ويركز فقط إنه قائم أمام الله،
وأنه يخاطب الله وحده سواء سمعه الناس أم لم يسمعوه..

 

فإن
جعل في ذهنه أن يعجب الناس بصلاته، يكون قد وقع في محبة المظاهر؟

 

ولا
تكون الصلاة هنا موجهة إلى الله، وإنما موجهة إلى الناس، من أجل الذات!

 

كذلك
إن قام الكاهن بأنشطة كثيرة ووضع في نفسه أن يعجب بها الناس، وليس أن يخدم بها
الملكوت.

 

وهنا
يكون قد وقع في المظهرية، ويزيد الأمور سوءاً، إن كانت مجرد أنشطة ومشروعات، ولا
نصيب للروح فيها..

 

وبعد،
يخيل إلى أننا لابد أن نلتقي حول هذا الموضوع مرة أخري لتكميله، إن أحبت نعمة الرب
وعشنا..

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى