اللاهوت الدفاعي

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل الرابع

كيف وصل إلينا العهد القديم سالماً ومحفوظاً بكل دقة؟

 

السماء
والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول
” (مر13: 31).

 زعم
النقاد الماديين أن أسفار العهد القديم ما هي إلا أدب عبري نما بالتدريج مثل سائر
آداب الشعوب الأخرى، فكان في البداية شفويا ثم بدأت كتابته بالتدريج مع إضافات
أضافها المنقحين في القرون التالية. وزعموا أن التقسيم الثلاثي لأسفار العهد
القديم. والذي قسم الأسفار إلى ثلاثة أقسام: ” التوراة والأنبياء (نبييم)،
الأولين وهم يشوع والقضاة وصموئيل والملوك، ثم الأنبياء المتأخرين وهم إشعياء وإرمياءء
وحزقيال والأثنا عشر (المعروفين بالصغار)، والكتابات (كتوبييم)، أو الهاجيوجرافا
في اليونانية، والتي تضم أسفار المزامير والأمثال وأيوب ونشيد الإنشاد وراعوث
والمراثي والجامعة وأستير ودانيال وعزرا ونحميا وأخبار الأيام “.

 وزعموا أن
هذه الأسفار اكتملت كتابتها في الفترة من 400 ق م إلى 90م، وقالوا أن التوراة
اكتملت سنة 400 ق م، بل ويرى البعض أن التاريخ الملائم لذلك هو سنة 200 ق م، وأن
كتب الأنبياء اكتملت سنة 200 ق م ويرى بعضهم أن سفر زكريا كتب سنة 135ق م، وأن
الكتابات، أو كتب التقسيم الثالث تقررت قانونيتها في مؤتمر يامنيا سنة 90م، وزعموا
أن سفر دانيال كتب سنة 168ق م، وأن سفر المزامير أيضا لم يجمع كلية حتى سنة 168ق
م.

 كما زعموا
أيضا أن هذه الكتب لم ينظر إليها كأسفار مقدسة إلا متأخرا وقد اكتسبت هذه القداسة
بعد أن صارت كتبا قديمة أو لأنها كتبت بالفعل باللغة العبرية المقدسة!

 والسؤال
الآن: ما هي حقيقة هذه المزاعم التي زعمها هؤلاء النقاد الماديين ومن شايعهم؟

 والإجابة
يقدمها لنا العهد القديم نفسه وما كتبه علماء اليهود وتراثهم وتقليدهم عبر العصور،
وما أكده الرب يسوع المسيح وتلاميذه في العهد الجديد (والذي نشرحه تفصيليا في الفصل
التالي)، وما شهد به آباء الكنيسة في عصورها الأولى وفجرها الباكر، بحسب ما تسلمته
من الرب يسوع المسيح وتلاميذه ورسله وما عرفوه من تقاليد اليهود أنفسهم.

 

1 موسى النبي وتسليم التوراة:

 عندما
كتب موسى النبي التوراة أو الأسفار الخمسة سلمها للكهنة واللاويين الذين كانوا
يحفظون ما جاء بها قبل أن تكتب ووضعوها إلى جوار تابوت العهد في خيمة الاجتماع
وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب
ولجميع شيوخ إسرائيل ” وقال لهم ” خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب
تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدا عليكم
” (تث9: 31؛26). وكانت هي
أساس ومصدر التعليم والشريعة التي سار بمقتضاها بنو إسرائيل وحفظوا ما جاء بها
بناء على وصية الرب وموسى النبي لهم والتي تكررت أكثر من 75 مرة في أسفار الخروج
واللاويين والعدد والتثنية، كما حذرهم من أن يزيدوا عليها أو أن ينقصوا منها:

… لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم
به ولا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها

(تث 2: 4).

… فاحفظوا واعملوا لان ذلك حكمتكم
وفطنتكم أمام أعين الشعوب الذين يسمعون كل هذه الفرائض فيقولون هذا الشعب العظيم
إنما هو شعب حكيم وفطن
” (تث6: 4).

… إنما احترز واحفظ نفسك جدا لئلا تنسى
الأمور التي أبصرت عيناك ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك وعلمها أولادك وأولاد
أولادك
” (تث9: 4).

… فاحفظ الوصايا والفرائض والأحكام التي
آنا أوصيك اليوم لتعملها
” (تث11: 7).

…
وأوصى موسى وشيوخ إسرائيل الشعب قائلا احفظوا جميع الوصايا التي أنا أوصيكم بها
اليوم “
(تث1: 27).

… إذا
سمعت لصوت الرب إلهك لتحفظ وصاياه وفرائضه المكتوبة في سفر الشريعة هذا إذا رجعت
إلى الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك
” (تث10: 30).

 وتأمر
الشريعة كل ملك من بنى إسرائيل ” عندما يجلس على كرسي مملكته يكتب لنفسه
نسخة من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة اللاويين فتكون معه ويقرا فيها كل أيام
حياته لكي يتعلم أن يتقي الرب إلهه ويحفظ جميع كلمات هذه الشريعة وهذه الفرائض
ليعمل بها “
(تث18: 17،19).

2 يشوع بن نون يتسلم الشريعة من موسى ويسلمها
للشعب:

 يشوع
بن نون هو تلميذ موسى النبي وخادمه الذي تتلمذ على يديه والذي اختاره الله لقيادة
الشعب بعد موسى النبي وكان أول من سمع التوراة شفوياً وقبل أن تكتب وأول من رآها
وهى تكتب ” فقال الرب لموسى أكتب هذا تذكاراً في الكتاب وضعه في مسامع
يشوع
” (خر14: 17)، وبعد موت موسى النبي وتكليف الله ليشوع لقيادة الشعب
أوصاه الله بهذه الوصية قائلا ” إنما كن متشددا وتشجع جدا لكي تتحفظ للعمل
حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي لا تمل عنها يمينا ولا شمالا لكي تفلح
حيثما تذهب لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهارا وليلا لكي تتحفظ
للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه لانك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح “
(يش7:
1،8).

 وكانت
التوراة تقرأ بالكامل منذ أيام موسى النبي ويشوع بن نون على الشعب كله كبيره
وصغيره، إلى جانب القراءات العادية وتعليم الشيوخ والكهنة واللاويين وحفظ الشعب
لها، كل سبع سنوات في عيد المظال ” وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة
بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب ولجميع شيوخ إسرائيل وأمرهم موسى قائلا في نهاية
السبع السنين في ميعاد سنة الإبراء في عيد المظال حينما يجيء جميع إسرائيل لكي
يظهروا أمام الرب إلهك في المكان الذي يختاره تقرا هذه التوراة أمام كل إسرائيل في
مسامعهم. اجمع الشعب الرجال والنساء والأطفال والغريب الذي في أبوابك لكي يسمعوا
ويتعلموا أن يتقوا الرب إلهكم ويحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة

” (تث9: 31-12).

 ويقول
المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس معاصر تلاميذ المسيح (36 – 100م) كانت هذه
النواميس محفورة في أرواحهم ومحفوظة في ذاكرتهم وكان لها سلطان أعظم بينهم وهذا ما
نعرفه مما كان عليهم وذلك لما يكابدوه إذا كسروها
(1).

 وكانت
شريعة موسى النبي هي المحور الذي دارت حوله كل تعاليم الأنبياء الذين جاءوا بعد
ذلك، كما كانت النبوات عن المسيح الآتي هي روح نبوتهم ” فأن شهادة يسوع هي
روح النبوة
” (رؤ10: 19)، وكانت أسفار موسى الخمسة، التوراة، هي الكتاب
المقدس الأول لبنى إسرائيل في كل العصور. ففي سفر يشوع تكرر أسم موسى 15 مرة
للتعبير عن حفظ شريعة الله ووصاياه التي أعطاها لهم بيد موسى النبي:

…
وإنما احرصوا جدا أن تعملوا الوصية والشريعة التي أمركم بها موسى عبد

الرب
أن تحبوا الرب إلهكم وتسيروا في كل طرقه وتحفظوا وصاياه وتلصقوا به وتعبدوه بكل
قلبكم وبكل نفسكم ” (يش5: 22).

…
فتشددوا جدا لتحفظوا وتعملوا كل المكتوب في سفر شريعة موسى حتى لا تحيدوا
عنها يمينا أو شمالا ” (يش6: 32).

…
حينئذٍ بنى يشوع مذبحاً للرب … كما أمر موسى عبد الرب بني إسرائيل كما هو
مكتوب في سفر توراة موسى
مذبح حجارة صحيحة لم يرفع أحد عليها حديدا واصعدوا
عليه محرقات للرب وذبحوا ذبائح سلامة. وكتب هناك على الحجارة نسخة توراة موسى
التي كتبها أمام بني إسرائيل… وبعد ذلك قرا جميع كلام التوراة البركة واللعنة
حسب كل ما كتب في سفر التوراة. لم تكن كلمة من كل ما أمر به موسى لم يقراها يشوع

قدام كل جماعة إسرائيل … لم تكن كلمة من كل ما أمر به موسى لم يقراها يشوع
” (يش 30: 8-35).

 وفي
نهاية أيام حياته كتب يشوع بن نون
كل الوصايا التي أوصاه بها
الله في سفر ووضعهُ في نفس موضع التوراة إلى جوار تابوت العهد في خيمة الاجتماع
وكتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله ” (يش25: 24،26).

3 – القضاة، خلفاء يشوع إلى صموئيل النبي:

 بدأ عصر القضاة بوفاة يشوع بن نون وأنتهي بصموئيل النبي وكانت
أسفار موسى الخمسة وسفر يشوع محفوظة إلى جوار التابوت وفي متناول الكهنة واللاويين
والقضاة وبقية الشعب كما كانت محفوظة في ذاكرة القادة، وعند قراءة أسفار القضاة
وصموئيل نجد أن كل ما جاء في أسفار موسى ويشوع منعكس على حياة الشعب وفي تصرفاته
بل ومشار إليه ومقتبس منه في كل الفقرات والفصول.

4 – صموئيل النبي آخر القضاة وأول أنبياء
المملكة المتحدة:

 وقد تسلم
صموئيل ما سبق أن كُتب قبله وكتب (هو) بالروح القدس ما تسلمه من الله وضعه أيضاً
مع أسفار موسى الخمسة وسفر يشوع إلى جوار تابوت العهد في خيمة الاجتماع ”
فكلم صموئيل الشعب بقضاء المملكة وكتبه في السفر ووضعه أمام الرب ” (1صم25:
10). يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوسووضع السفر في خيمة الاجتماع ليكون
شهادة للأجيال التالية
(
Ant.6,4,6).

5 داود، الملك النبي والمرنم، وأنبياء
البلاط وأنبياء الهيكل:

 كان هناك عدد كبير من الأنبياء مثل صموئيل النبي
وناثان النبي وجاد النبي وبنى الأنبياء إلى جانب أنبياء الهيكل مثل آساف وهيمان
ويدوثون، وكانوا جميعهم لديهم نسخ من كل الأسفار المقدسة التي كانت موضوعة إلى
جوار تابوت العهد في خيمة الاجتماع مثل أسفار موسى الخمسة وسفر يشوع وما كان قد
كتبه صموئيل النبي، كما كانوا يصلون بالمزامير التي كتبها داود النبي والملك
بالروح القدس ” روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني ” (2صم 3: 23)
وكذلك التي كتبها أنبياء الهيكل، آساف وهيمان ويدوثون وبنو قورح بالروح القدس:
” وافرز داود … للخدمة بني آساف وهيمان ويدوثون المتنبئين بالعيدان
والرباب … بنو آساف تحت يد آساف المتنبئ بين يدي الملك … بنو يدوثون
… تحت يد أبيهم يدوثون المتنبئ بالعود لأجل الحمد والتسبيح للرببنو
هيمان رائي الملك بكلام الله لرفع القرن
… لأجل غناء بيت الرب بالصنوج
والرباب والعيدان لخدمة بيت الله تحت يد الملك وآساف ويدوثون وهيمان ” (1أى1:
25-6).

 وكانوا
يحفظون هذه المزامير عن ظهر قلب كما كانت مكتوبة وموضوعة في خيمة الاجتماع ثم في
الهيكل بعد ذلك. وكان هؤلاء الأنبياء جميعاً حافظين لناموس الرب وشريعته كما هو
مكتوب في توراة موسى النبي. فكان داود النبي والملك لديه نسخة من أسفار موسى
الخمسة حسب وصية الله في سفر التثنية وكان حافظاً للشريعة والناموس ؛ ” لكن في
ناموس الرب مسرته
وفي ناموسه يلهج نهارا وليلا ” (مز1: 2)، “
ناموس الرب كامل
يرد النفس شهادات الرب صادقة تصير الجاهل حكيما ” (مز7:
19). وكانت وصيته لأبنه سليمان هي ” احفظ شعائر الرب إلهك إذ تسير في طرقه
وتحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى لكي تفلح في كل
ما تفعل وحيثما توجهت
” (1مل3: 2).

6 وبعد أن بنى سليمان، الحكيم والنبي،
أيضاً الهيكل:

 وضع
تابوت العهد في محرابه الذي في وسط الهيكل (1مل19: 6؛4: 9)، وكانت جميع الأسفار
المقدسة التي كانت قد كتبت بالروح القدس سواء أسفار موسى الخمسة وسفر يسوع وما
كتبه صموئيل النبي والمزامير، التي كانت محفوظة ومستخدمة في العبادة، قد وضعت في
الهيكل.

 يقول ترجوم
يوناثان في تعليقه على قول موسى النبي ” خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه إلى
جانب تابوت العهد
” (تث26: 31) إن التوراة كانت توضع في غطاء إلى
جانب التابوت الأيمن كما وضعت مع التوراة أيضاً أسفار يشوع وصموئيل ومزامير داود
ومرتلي الهيكل. وظلت هذه الأسفار في الهيكل حتى دماره سنة 587 ق م

(2مل9: 25-11). وكانت آيات هذه الأسفار خاصة أسفار موسى الخمسة، التوراة، محفوظة
في قلب سليمان وكل الشعب فعند تكريس الهيكل قال سليمان للشعب ؛ ” مبارك الرب
الذي أعطى راحة لشعبه إسرائيل حسب كل ما تكلم به ولم تسقط كلمة واحدة من كل
كلامه الصالح الذي تكلم به عن يد موسى عبده
” (2مل56: 8).

 

7 الأسفار التاريخية:

 وهي
أسفار القضاة وراعوث وصموئيل والملوك وأخبار الأيام وعزرا ونحميا وأستير ؛ فقد كان
من ضمن مهمة الأنبياء في القديم كتابة وتدوين تاريخ بنى إسرائيل وأخبار ملوكهم
باعتباره تاريخ شعب الله في علاقته مع الله وفي علاقته مع الشعوب الأخرى، سواء في
قربه من الله أو في بعده أو انحرافه أو حتى ارتداده عن الله. ولأن شعب الله كان
يسير تحت حكم الله المباشر ويتحرك بتوجيهاته المباشرة من خلال الأنبياء منذ دعوة الله
لإبراهيم أن يترك أهله وعشيرته ” أذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك
إلى الأرض التي أريك فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم أسمك. وتكون بركة … وتتبارك
فيك جميع قبائل الأرض
” (تك1: 12-3) إلى خروج بنى إسرائيل من مصر تحت
قيادة موسى النبي وقيادة الله لهم في برية سيناء، ثم من خلال يشوع بن نون والقضاة
إلى صموئيل النبي وآخر القضاة وحتى جلوس أول ملك، ثم من خلال الأنبياء الذين كانوا
يحملون كلمة الله وتوجيهاته إلى الملوك والكهنة والقادة وبقية الشعب منذ صموئيل
النبي أعظم أنبيائهم بعد موسى النبي إلى ملاخي النبي قبل الميلاد بحوالي 400 سنة.

 كان داود
ملكاً ونبياً يتكلم الروح القدس بفمه وينطق على لسانه وكان الله يكلمه أيضاً عن
طريق أنبياء آخرين مثل ناثان النبي وجاد النبي ؛ “ فأرسل الرب ناثان ألي
داود
… فقال داود لناثان قد أخطأت ألي الرب فقال ناثان لداود الرب أيضا قد نقل
عنك خطيتك لا تموت ” (2صم1: 12،13)، ” كان كلام الرب ألي جاد النبي
رائي داود قائلا
” (2صم11: 24)، “ فصعد داود حسب كلام جاد كما
أمر الرب
” (2صم19: 24)، ” أوقف اللاويين في بيت الرب بصنوج ورباب
وعيدان حسب أمر داود وجاد رائي الملك وناثان النبي لان من قبل الرب الوصية عن
يد أنبيائه
” (2أى25: 29). وكان سليمان الملك حكيماً ونبياً أيضاً وكان
الله يكلمه عن طريق أنبياء آخرين مثل ناثان النبي وعدو الرائي.

 وقد كتب
هؤلاء الأنبياء تاريخ شعب الله وأخبار قضاته وملوكه وقادته ورسائل الملوك والقادة
من بعد يشوع وحتى عزرا ونحميا في سجلات مكتوبة خاصة بهم وفي حوليات كانت تحفظ في
قصور الملوك، وكانت هذه الحوليات التي كتبها هؤلاء الأنبياء في متناول الجميع
ومعروفة للجميع وكانت هي المصدر الأول لكتابة الأسفار التاريخية بيد الأنبياء
أنفسهم، الذين دونوها بالروح القدس، كشهود عيان ومعاصرين للأحداث ومحركين لها
باعتبارهم الناطقين بفم الله والمتحدثين باسمه والممثلين له والوسطاء بينه وبين
الملوك والقادة والشعب:

…
وأمور داود الملك الأولى والأخيرة هي مكتوبة في أخبار صموئيل الرائي
وأخبار
ناثان النبي وأخبار جاد الرائي
” (1أى29: 29).

… ” وبقية أمور سليمان الأولى والأخيرة أما هي
مكتوبة في أخبار ناثان النبي وفي نبوة آخيا الشيلوني وفي رؤى يعدو الرائي
على يربعام بن نباط “(2أى29: 9).

…
وأمور رحبعام الأولى والأخيرة أما هي مكتوبة في أخبار شمعيا النبي وعدو الرائي
” (2أى15: 12).

…
وبقية أمور يهوشافاط الأولى والأخيرة ها هي مكتوبة في أخبار ياهو بن حناني
المذكور في سفر ملوك إسرائيل
” (2أى34: 20).

…
وبقية أمور رحبعام وكل ما فعل أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك
يهوذا
” (1مل29: 14). ” وبقية أمور ابيام وكل ما عمل أما هي
مكتوبة في
سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا ” (1مل15: 7). ”
وبقية كل أمور أسا … أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا
” (1مل23: 15).

… ” واما
بقية أمور يربعام كيف حارب وكيف ملك فأنها مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك
إسرائيل
” (1مل19: 14). ” وبقية أمور ناداب وكل ما عمل أما هي مكتوبة
في سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل
” (1مل31: 15).

…
وبقية أمور حزقيا ومراحمه ها هي مكتوبة في رؤيا إشعياء بن اموص النبي في سفر
ملوك يهوذا وإسرائيل
” (2أى32: 32).

… ورثى
ارميا يوشيا
… وها هي مكتوبة في المراثي ” (2أى25: 35).

 وتتكرر مثل
هذه العبارات وبنفس النصوص السابقة عن كل بقية الملوك الآخرين في كل العصور وحتى
سبى بابل سنة 587 ق م. وهذا يوضح لنا أن كل ما جاء ودون في الأسفار المقدسة التي
كتبها الأنبياء بالروح القدس سواء كان مكتوباً أو محفوظاً شفاهه كان في متناول
الجميع. كما تؤكد لنا هذه الآيات كتابة الأنبياء للأسفار التاريخية كما يؤكد ذلك
التقليد القديم، فقد كتب صموئيل النبي الجزء الأول من السفر المعروف باسمه ثم أكمل
كل من ناثان النبي وجاد النبي بقية السفر (صموئيل الأول وصموئيل الثاني) وكتب
إشعياء النبي جزءا من سفر الملوك وحرر السفر كله (ملوك الأول وملوك الثاني) ارميا
النبي بالروح القدس والذي ختم آخر سفر الملوك الثاني (2مل25) بنفس خاتمة سفر
ارميا، كما يؤكد لنا كتابة ارميا النبي لسفر المراثي (مراثي ارميا). أما سفر أخبار
الأيام بجزأيه (الأول والثاني) فقد كتبه عزرا الكاهن والكاتب بالروح القدس من نفس
الحوليات التي كتبها الأنبياء والمذكورة أعلاه إلى جانب أسفار صموئيل والملوك.
وكانت توضع هذه الأسفار جميعها في الهيكل باعتبارها أسفار مقدسة وموحى بها بالروح
القدس.

وفي كل هذه
المراحل تتكرر من خلال أسفار صموئيل والملوك وأخبار الأيام العبارات الدالة على
الوجود الدائم لأسفار موسى الخمسة في الهيكل وبين أيدي الكهنة والأنبياء وحفظ كلمة
الله فيها عن ظهر قلب سواء في الإشارة إلى الملوك الذين أتبعوها أو الذين حادوا أو
ارتدوا عنها:

 ” حسب
ما هو مكتوب في سفر شريعة موسى
” (2مل 6: 14)، “ حسب كل شريعة
موسى
” (2مل25: 23)، ” حسب كل ما هو مكتوب في شريعة الرب التي
(أى12: 22)، ” كما هو مكتوب في شريعة موسى بالفرح والغناء حسب أمر
داود
” (2أى18: 23)، ” كما هو مكتوب في الشريعة في سفر موسى
حيث أمر الرب قائلا ” (2أى4: 25)، ” كناموس موسى رجل الله كان
” (2أى16: 30)، ” كما هو مكتوب في شريعة الرب ” (2أى3: 31).

8 أسفار الأنبياء الكبار والصغار:

 كان هناك
في الفترة من داود الملك والنبي (حوالي سنة1… ق م) إلى ملاخي النبي (حوالي سنة
400 ق م) عدد كبير من الأنبياء الذين كُتبت أقوال الله بفمهم وعلى لسانهم في أسفار
صموئيل والملوك وأخبار الأيام مثل إيليا واليشع أو الذين كتبوا هذه الأسفار أو
شاركوا في كتابتها بالروح القدس مثل صموئيل وجاد وناثان وعدو وغيرهم، وكان هناك
عددا كبيرا من الأنبياء الذين كتبوا ودونوا بالروح القدس كلمة الله التي أعطيت لهم
في أسفار عُرفت باسمهم مثل إشعياء وارميا وحزقيال ودانيال وهوشع وعاموس وميخا
وزكريا 00 الخ وكان هؤلاء الأنبياء قد نادوا بكلمة الله التي سلمت لهم شفوياً
ومكتوبة في بعض أجزائها، مثل ارميا الذي كان يكتب أجزاء منها لتقرأ أمام الهيكل
قبل أن يدون سفره بصورة نهائية (ار 36) وكان الشعب يحفظها قبل أن تدون في الأسفار،
من ثم فقد قبلت هذه الأسفار كأسفار مقدسة وكلمة الله الموحى بها فور كتابتها.
وكانت تعرف بأسماء الأنبياء الذين استلموها من الله ونادوا بها للشعب. وكان كل سفر
يبدأ في أول آياته بذكر أسم النبي الموحى إليه:

 “
رؤيا إشعياء
بن آموص التي رآها على يهوذا وأورشليم ” (اش1: 1)،
رؤيا عوبديا ” (عو1: 1)، “ سفر رؤيا ناحوم
(نا1: 1)، ” في السنة … ظهرت لي أنا دانيال رؤيا … ” (دا1:
8)، “ كلام ارميا بن حلقيا … الذي كانت كلمة الرب إليه في
أيام … ” (ار1: 1،2)، ” في … السنة الخامسة من سبى يوياكين الملك
صار كلام الرب إلى حزقيال … وكانت عليه هناك يد الرب
” (حز 2: 1،3)،
قول الرب الذي صار إلى هوشع بن بئيرى في أيام … ” (هو1: 1)،
قول الرب الذي صار إلى يوئيل بن فنوئيل ” (يؤ1: 1؛)، ” وصار
قول الرب إلى يونان
بن أمتاي قائلاً ” (يون1: 1)، “ كلمة الرب
التي صارت إلى صفنيا
” (صف1: 1)، ” في السنة … كانت كلمة الرب
عن يد حجى النبي
… ” (حج1: 1)، ” في السنة … كانت كلمة الرب
إلى زكريا بن برخيا بن عدو النبي
” (زك1: 1)،” أقوال عاموس …
التي رآها
عن إسرائيل … ” (عا1: 1)، ” الوحي الذي رآه حبقوق
النبي
” (حب1: 1).

 وكانت تُضم
هذه الأسفار إلى الأسفار السابقة لها وتوضع في الهيكل باعتبارها كلمة الله لتكون
وحدة واحدة لكتاب الله الواحد، وهذا ما يسميه دانيال النبي ” الكتب
أي ” الكتب المقدسة ” (دا2: 9) والتي يساوى فيها بين ناموس موسى
وسفر ارميا باعتبار أن كليهما كلمة الله، مع ملاحظة أن دانيال النبي كان معاصراً
لإرميا النبي حيث عاصر الجزء الأخير من حياته.

 وكان جميع
الأنبياء يعرفون كتب بعضهم البعض سواء السابقين عليهم أو المعاصرين لهم ويقبلونها
ككلمة الله الموحى بها، وكانت معرفتهم هذه نابعة بالدرجة الأولى من الروح القدس
الذي كان يحل عليهم ويتكلم بفمهم وعلى لسانهم إلى جانب استلامهم لها ككلمة الله
الموحى بها من الأنبياء والكهنة الذين سبقوهم والمعاصرين لهم ووجودها في الهيكل
وحفظ الكهنة لها وتعليم الأنبياء لما جاء فيها. وكانوا يحتفظون بنسخ منها ويحفظون
ما جاء فيها ويحذرون الشعب من عاقبة إهمال وصايا الله وأحكامه التي وردت بها، ومن
ثم كرروا عبارات: ” كما تكلم (الله) عن يد جميع عبيده الأنبياء
(2مل23: 17)، “ وتكلم الرب عن يد عبيده الأنبياء قائلا ” (2مل
10: 21)، ” حسب كلام الرب الذي تكلم به عن يد عبيده الأنبياء
(2مل2: 24)، وقول دانيال النبي في صلاته لله ” وما سمعنا صوت الرب إلهنا
لنسلك في شرائعه التي جعلها أمامنا عن يد عبيده الأنبياء ” (دا10: 9)،
وقول عاموس النبي ” أن السيد الرب لا يصنع أمرا ألا وهو يعلن سره لعبيده
الأنبياء
” (عا7: 3)، وقول الله بفم هوشع النبي ” وكلمت الأنبياء
وكثرت الرؤى وبيد الأنبياء مثلت أمثالا
” (هو10: 12).

(أ) وكانوا
جميعهم يشيرون بالروح القدس إلى ما سبق أن كتب من أحداث ونبوات في أسفار الأنبياء
السابقين عليهم ويستشهدون بها ويقتبسون منها ويؤكدون على إتمام النبوات التي تمت
قبلهم أو في أيامهم:

 كما جاء في
(تك25: 50) ” واستحلف يوسف بني إسرائيل قائلا الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من
هنا ” ونجد تحقيق ذلك كتاريخ ونبوة في (خر19: 13) ” واخذ موسى عظام يوسف
معه لأنه (يوسف) كان قد استحلف بني إسرائيل بحلف قائلا أن الله سيفتقدكم فتصعدون
عظامي من هنا معكم “.

 وما جاء في
(يؤ22: 2) ” ويكون أن كل من يدعو باسم الرب ينجو لأنه في جبل صهيون وفي
أورشليم تكون نجاة كما قال الرب وبين الباقين من يدعوه الرب ” وقد وردت نفس
النبوة في (عو12: 1) ” وأما جبل صهيون فتكون عليه نجاة ويكون مقدسا ويرث بيت
يعقوب مواريثهم “.

 وما جاء في
ميخا (12: 3) ” لذلك بسببكم تفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خربا وجبل البيت
شوامخ وعر “، وكان الشعب في أيام ارميا النبي، بعد ميخا النبي بأكثر من مائة
سنة، يعرفون هذه النبوة ويحفظونها جيداً حيث يقول سفر ارميا ” فقام أناس من
شيوخ الأرض وكلموا كل جماعة الشعب قائلين. أن ميخا المورشتي تنبأ في أيام حزقيا
ملك يهوذا وكلم كل شعب يهوذا قائلا هكذا قال رب الجنود أن صهيون تفلح كحقل وتصير
أورشليم خربا وجبل البيت شوامخ وعر ” (ارميا 17: 26-19).

 وما جاء في
ارميا ” في ظل حشبون وقف الهاربون بلا قوة لأنه قد خرجت نار من حشبون ولهيب
من وسط سيحون فأكلت زاوية موآب وهامة بني الوغا ويل لك يا موآب باد شعب كموش لان
بنيك قد اخذوا إلى السبي وبناتك إلى الجلاء ” وكان هذا اقتباسا مباشراً وذكرى
لما جاء في (عدد 21: 28-29) ” لان نارا خرجت من حشبون لهيبا من قرية سيحون
أكلت عار موآب أهل مرتفعات ارنون. ويل لك يا موآب هلكت يا أمة كموش قد صير بنيه
هاربين وبناته في السبي لملك الأموريين سيحون “.

(ب) وكانوا
يشيرون دائماً لإتمام النبوات التي سبق أن تنبأ بها من جاء قبلهم من أنبياء
وغالباً ما كانوا يستخدمون عبارات ” كما تكلم الرب عن يد … النبي أو
الأنبياء ” و ” حسب كلام الرب عن يد … ” مثل نبوة أخيا النبي عن
يربعام الملك ” ليقيم كلامه الذي تكلم به الرب عن يد أخيا الشيلوني إلى
يربعام بن نباط ” (1مل15: 12؛ أنظر16: 14؛29: 15)، ونبوة يشوع عن بناء أريحا
” في أيامه بنى حيئيل البيتئيلي أريحا بابيرام بكره وضع أساسها وبسجوب صغيره
نصب أبوابها حسب كلام الرب الذي تكلم به عن يد يشوع بن نون ” (1مل34: 16)،
ونبوة إيليا عن آخاب الملك ” انه لا يسقط من كلام الرب إلى الأرض الذي تكلم
به الرب على بيت آخاب وقد فعل الرب ما تكلم به عن يد عبده ايليا ” (2مل10:
10)، ونبوة جميع الأنبياء عن جلاء إسرائيل عن الأرض بسبب خطاياهم ” حتى نحى
الرب إسرائيل من أمامه كما تكلم عن يد جميع عبيده الأنبياء فسبي إسرائيل من أرضه
إلى أشور ” (2مل23: 17)، ” فأرسل الرب … على يهوذا ليبيدها حسب كلام
الرب الذي تكلم به عن يد عبيده الأنبياء ” (2مل2: 24)، ” وأشهدت عليهم بروحك
عن يد أنبيائك فلم يصغوا فدفعتهم ليد شعوب الأراضي ” (نح30: 9)، ونبوة رجل
الله عن تدنيس يوشيا لمذبح الأصنام ” والتفت يوشيا فرأى القبور التي هناك في
الجبل فأرسل واخذ العظام من القبور واحرقها على المذبح ونجسه حسب كلام الرب الذي
نادى به رجل الله الذي نادى بهذا الكلام ” (2مل16: 23). كما كانوا دائما
حافظين لطقوس وشريعة الله بيد موسى النبي ” وحمل بنو اللاويين تابوت الله كما
أمر موسى حسب كلام الرب بالعصي على أكتافهم ” (1أى15: 15) ” واذبحوا
الفصح وتقدسوا واعدوا اخوتكم ليعملوا حسب كلام الرب عن يد موسى ” (2أى6: 35).

(ج) وكان
بعض هؤلاء الأنبياء يشتركون معاً في نبوة واحدة مثل نبوة كل من داود النبي والملك
وإشعياء وارميا وحزقيال وهوشع وميخا وزكريا بان الملك الآتي والمسيح المنتظر سيأتي
من نسل داود(2)، ومثل نبوة إشعياء وميخا اللذين تنبئا
بنبوة واحدة وبنفس الكلمات تقريباً عن المسيح الآتي (اش2: 2-4وميخا1: 4-4)،
واشتراك معهما حزقيال النبي في نفس النبوة في روحها وجوهرها وليس بنصها (حز 22:
17،23).

(د) كما
أشار جميع الأنبياء بالروح في أسفارهم لكل الأحداث الرئيسية سواء التي وردت في
أسفار موسى الخمسة أو التي حدثت بعد ذلك مثل خلقة الله للسموات والأرض وخلقة
الإنسان من تراب الأرض وروحه داخله وهلاك سدوم ومدن السهل والخروج من مصر وما تبعه
من معجزات مثل الضربات العشر وانشقاق البحر الأحمر وتجفيف نهر الأردن والتيه في
البرية 40 سنة وخروج الماء من الصخرة والحية النحاسية وعبادة العجل الذهبي وعهود
الله لكل من نوح وإبراهيم وداود والمسيح الآتي وتعقب يعقوب لأخيه والختان وقصة
بلعام العراف وعصيان إسرائيل لله وطردهم من الأرض والسبي البابلي.

(ر) كما
يشترك عددا من الأسفار في تسجيل نفس الأحداث الواحدة مثل سفر الملوك الذي يشترك مع
سفر إشعياء في تسجيل وتدوين تاريخ حزقيا الملك بنفس الكلمات ونفس التفصيلات (اش36
-39 و2مل18 -0 2)، ويختتم كل من سفر الملوك الثاني وسفر ارميا بخاتمة واحدة لكاتب
واحد (ار52 مع2مل25)، ويقدم سفر أخبار الأيام (الأول والثاني) تاريخ موازى لأسفار
صموئيل الأول والثاني والملوك الأول والثاني، كما يقدم سلسلة الأنساب من سفر
التكوين. ويبتدئ سفر عزرا بنفس نهاية سفر أخبار الأيام الثاني (عز1: 1-4 مع 2أى22:
36،23)، مثلما يبتدئ سفر يشوع بنفس نهاية سفر التثنية. ويشهد سفر الملوك الأول
لأمثال سليمان الحكيم

ونشائده
فقال ” وتكلم (سليمان) بثلاثة آلاف مثل. وكانت نشائده ألفا وخمساً ”
(1مل32: 4) وبالتالي فقد شهد لأسفار الأمثال والجامعة ونشيد الإنشاد. كما شهد سفر
الأمثال لنفسه باعتباره ” أمثال سليمان ” (أم1: 10) وذكر كيفية جمع
السفر وتدوينه عن طريق رجال الملك حزقيا ” هذه الأمثال التي نقلها رجال حزقيا
ملك يهوذا ” (أم1: 25). وتسجل الأسفار التاريخية أجزاء من المزامير (أنظر
2صم22؛ 1أى16). كما شهد حزقيال النبي لحقيقة وبر نوح وأيوب ومعاصره دانيال النبي
وساوى الثلاثة معاً في البر (حز14: 14) ووصف دانيال بالحكمة ومعرفة الأسرار ”
ها (هل) أنت أحكم من دانيال. سر ما لا يخفي عليك أنت ” (حز3: 28). وبالتالي
فقد شهد بشكل غير مباشر لأسفار التكوين وأيوب ودانيال.، ويقدم سفر نحميا الخطوط
العريضة لتاريخ إسرائيل كما هي مدونة في معظم أسفار العهد القديم من سفر التكوين
إلى سبى بابل(نح9)

9 وجود أسفار موسى الخمسة في الهيكل أيام
يوشيا الملك الصالح:

 توقف
الكهنة عن قراءة أسفار موسى الخمسة في الهيكل في أيام حكم الملوك الذين ارتدوا عن
عبادة الله الحي وعبدوا الأوثان مثل منسى (696 – 642 ق م) وآمون (642 – 640 ق م)
وعند ترميم الهيكل أثناء حكم الملك يوشيا (640 – 609 ق م) وجد حلقيا الكاهن هذه
الأسفار في الهيكل وكانت سبباً في إصلاح عظيم (2مل 22). ويجمع العلماء على أن هذه
الأسفار التي وجدت في الهيكل هي هي نفس النسخة، الأصل، التي كتبها موسى النبي نفسه
بيده أو على أقل تقدير نسخة منقولة عنها مباشرة، وأن كانت الغالبية العظمى ترى
أنها نفس النسخة التي كتبها موسى النبي بنفسه.

10 وفي فترة السبي البابلي (607 537 ق م):

 كانت توراة
موسى النبي وجميع أسفار الأنبياء الآخرين الذين أتوا حتى ارميا النبي، مع المسبيين
في بابل وعلى رأسهم دانيال النبي والفتية الثلاثة وحزقيال النبي، ويعبر دانيال
النبي عن وجود هذه الكتب معه بقوله: ” أنا دانيال فهمت من الكتب عدد
السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى ارميا النبي لكماله سبعين سنة على خراب
أورشليم
” (دا2: 9 مع ار11: 25-12).

 وكان هؤلاء
المسبيون متجمعين في منطقة تل أبيب على نهر خابور (حز15: 3) وكان معهم كهنتهم
وشيوخهم فأقاموا المجامع كبديل للهيكل وذلك لتعليم كلمة الله والصلاة. وكانوا
يحتفظون فيها بالأسفار المقدسة التي كانوا يقرءونها في أيام السبت من كل أسبوع وفي
الأعياد ويحفظون منها كلمة الله. وكانت لهذه المجامع ترتيباتها الخاصة والتي تشمل
قراءة ” الشما ” أي التلاوة وهى الاعتراف بوحدانية الله وتتكون من
(تثنية 4: 6-9؛13: 11-21؛عدد37: 15-41) وقراءة الناموس (أسفار موسى الخمسة) الذي
كان منقسما إلى مائة وأربعة وخمسين جزءاً تقرأ بالترتيب على ثلاث سنوات ثم قراءة
جزء مناسب من أسفار الأنبياء. ومن ثم فقد وصفها الفيلسوف اليهودي المعاصر للسيد
المسيح (26 م) بأنها كانت ” بيوتاً للتعليم حيث كانت تدرس فلسفة الآباء وجميع
الفضائل “.

وانتشرت هذه
المجامع بين المسبيين كما انتشرت مع انتشار اليهود في الشتات في بلاد كثيرة مثل
عيلام وبارثيا وأرمينيا وميديا وأسيا الصغرى (تركيا) إلى جانب مصر التي كان بها
عدد من اليهود من القرن العاشر قبل الميلاد حينما غزا الملك شيشق ملك مصر فلسطين
وأورشليم وحمل معه عدداً من اليهود أسرى (1مل25: 14-26؛2أى2: 12-3)، كما ذهب عدد
كبير مع ارميا النبي إلى مصر في بداية السبي البابلي (2مل6: 25؛ار44: 43). ويكشف
أحد النقوش الذي وجد بجزيرة فيلا بالقرب من أسوان عن وجود مستعمرة يهودية وهيكل
للإله يهوه هناك سنة 500 ق م. وعندما أسس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية سنة
233 ق م كان هناك عدد كبير من اليهود، ويقول فيلو اليهودي (26م) أنهم ُوجدوا
بأعداد كثيفة في قسمين من المدينة. كما نقل بطليموس الأول ملك مصر (332 – 285 ق م)
مئات من اليهود إلى الإسكندرية عند غزوه لفلسطين وأورشليم حتى صار عددهم أيام
السيد المسيح كما يقول فيلو مليون يهودي. وكان هناك عدد كبير من اليهود في سوريا
وآسيا الصغرى (تركيا)، يقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن الملك سلوقس نيكاتور (312 –
285 ق م) جعلهم ” مواطنين في المدن التي بناها في آسيا وسوريا السفلي وفي
العاصمة ذاتها إنطاكية ”
Ant.3: 12.

 ويذكر سفر
أعمال الرسل وجود المجامع بغزارة سواء في فلسطين أو في بلاد العالم الأخرى ؛ في
دمشق (أع20: 9) وسلاميس بقبرص (أع5: 13) وبرجة وإنطاكية بيسيدية (أع14: 13)
وايقونية (أع1: 14) وبيرية (أع10: 17) وتسالونيكي (أع1: 17) وافسس (أع19: 18)
باليونان وآسيا الصغرى وروما …الخ. وكانت المركز الأول لكرازة الرب يسوع المسيح
كل يوم سبت، كما كانت المركز الأول لكرازة الرسل بالإنجيل سواء في اليهودية أو في
العالم أجمع. ويعبر القديس بطرس عن كثرة هذه المجامع وقراءة الأسفار المقدسة فيها
بقوله أمام الرسل والمشايخ بأورشليم ” لان موسى منذ أجيال قديمة له في كل
مدينة من يكرز به إذ يقرأ في المجامع كل سبت “
(أع21: 15). وهذا يؤكد لنا
وجود نسخ من الأسفار المقدسة في كل مكان في العالم حيث يوجد اليهود ومجامعهم.

11 وعند عودة بعض المسبيين من بابل:

 كانت
معهم الأسفار المقدسة وأعادوا كل الأمور على أساسها، وكان على رأس المجموعة الأولى
(537 ق م) ” يشوع بن يوصاداق واخوته الكهنة وزُربابل بن شالتئيل واخوته
” الذين بنوا مذبح الهيكل ” ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب
في شريعة موسى
رجل الله ” (عز2: 3)، ثم بنوا الهيكل الثاني (هيكل زرُبابل
سنة 536 – 516 ق م) وكان معهم النبيان حجى وزكريا اللذان أضاف الروح القدس سفرين
آخرين بواسطتهما ” حينئذ قام زُربابل بن شالتئيل ويشوع بن يوصاداق وشرعا
ببنيان بيت الله الذي في أورشليم ومعهما أنبياء الله يساعدونهما
(عز2: 5). وكانوا ” يبنون وينجحون حسب نبوة حجي النبي وزكريا ابن عدو
” (عز14: 6) ” ولما أسس البانون هيكل الرب أقاموا الكهنة بملابسهم
بأبواق واللاويين بني آساف بالصنوج لتسبيح الرب على ترتيب داود ملك إسرائيل
” (عز10: 3). وكان على رأس المجموعة الثانية (458 ق م) عزرا الذي يصفه الكتاب
بأنه ” كاتب ماهر في شريعة موسى ” (عز6: 7) و” الكاهن
الكاتب كاتب كلام وصايا الرب وفرائضه
” (عز11: 7) و” عزرا الكاهن
كاتب شريعة اله السماء
” (عز12؛7) والذي ” هيأ قلبه لطلب شريعة الرب
والعمل بها وليعلم إسرائيل فريضة وقضاء ” (عز10: 7) وكان دارسا للأسفار
المقدسة ومفسرها ومترجمها (شفوياً) إلى الآرامية. وقد جمع الشعب في تجمع هائل ووقف
يقرأ الناموس ويفسره لهم ويترجمه ويفسر لهم معناه (نح 8). كما جمع جميع أسفار
العهد القديم وأقر قانونيتها، بالروح القدس مع، رجال المجمع العظيم وعلم الشعب كيف
يحفظ وصايا الله وشريعته ورتب قراءة الناموس والأنبياء وأسس المجمع العظيم
(السنهدرين) (نح8 – 10؛ المشنا 200 م). وتقول المشنا (ابوت 1: 1):

 أستلم
موسى الناموس من سيناء وسلمه ليشوع ويشوع سلمه للشيوخ والشيوخ سلموه للأنبياء
والأنبياء سلموه لرجال المجمع العظيم
“.

 ثم ُوضعت
هذه الأسفار المقدسة في الهيكل الذي بناه زُربابل. وكان هناك أيضاً نحميا الوالي
ورجل البلاط الفارسي الذي أستأذن الإمبراطور الفارسي ولحق بعزرا (سنة 445 ق م)
وشاركه في تثبيت العائدين من السبي وقد جمع الكتب المقدسة أيضاً في مكتبة واحدة
كما يقول سفر المكابيين: السجلات التي لنحميا وكيف أنشأ مكتبة جمع
فيها أخبار الملوك والأنبياء وكتابات داود ورسائل الملوك في التقادم

(2مك13: 2).

12 وفي أيام المكابيين:

 حاول
الملك السوري أنتيوخس (الرابع) أبيفانس (175 -164 ق م) أن يستأصل الديانة
اليهودية من جذورها فأصدر أمراً بتمزيق وحرق الأسفار المقدسة ويقول سفر المكابيين
وما وجدوه من أسفار الشريعة مزقوه وأحرقوه بالنار وكل من وجد عنده سفر
من العهد أو أتبع الشريعة كان يقتل بأمر الملك
” (1مك56: 1-57). ومع ذلك
فلم ينجح لأن الأسفار المقدسة كانت موجودة في كل المجامع اليهودية في دول كثيرة
كان على رأسها مصر، كما بينا أعلاه، كما كانت موجودة مع الغيورين من الشعب وقادته
من رجال الدين وغيرهم فاجتمعوا على المصفاة على بعد 13كيلو من أورشليم ونشروا
الشريعة ” كما يقول سفر المكابيين
(1مك48: 3) ولما انتهت الحرب
يقول السفر ” جمع يهوذا
(المكابى) كل ما بعثر من الأسفار في الحرب
التي حدثت لنا وهو عندنا “.

13 يشوع بن سيراخ (180 ق م) وحفيده:

(1)
يشوع بن سيراخ:
كانت نسخ هذه الأسفار المقدسة مع يشوع بن سيراخ
الذي كتب سفراً في الحكمة سنة 180 ق م، أحد الأسفار القانونية الثانية، وقد لخص
فيه أهم أحداث العهد القديم فبدأ من أخنوخ السابع من آدم وحتى أيامه:
” دعونا نمدح المشاهير من آبائنا الذين سبقونا، والذين مجدهم الرب كثيراً
وعظمهم منذ البدء … كان بعضهم مستشارين وأصحاب نبوءات وكان بعضهم قادة يفهمون
شرائع البلاد … بل أن بعضهم يؤلف الألحان الموسيقية وينظمون الشعر … أخنوخ
أرضى الرب فنقل إلى السماء … نوح كان رجلاً صالحاً … إكراما له بقيت الأرض بعد
الطوفان إبراهيم كان أباً عظيماً لأمم كثيرة، ولم يوجد مثله في المجد. حفظ شريعة
العلي، فأقام معه عهداً
… أقام الرب هذا العهد ذاته مع اسحق إكراماً
لإبراهيم أبيه. وكذلك فعل مع يعقوب 00الخ
” (ص44). واستمر يتحدث عن
الآباء والأنبياء الذين نطقوا بالنبوات والحكمة وأنشدوا قصائد الكتاب ” أولئك
كلهم نالوا مجدا في أجيالهم وكانت أيامهم أيام فخر
“. ثم ذكر الأنبياء
والأبطال (من ص 44-49) بدءا من موسى الذي ” كان محبوبا عند الله
والناس
” (1: 45) إلى ” يشوع بن نون … خليفة موسى في النبوّات
” (1: 46) وصموئيلنبي الرب ” الذي ” بإيمانه
اختبر انه نبي وبإيمانه علم أنه صادق الرؤيا
” (17: 46و18) وداود
الذي في جميع أعماله أعترف للقدوس العلي بكلام مجد، بكل قلبه سبح وأحب
صانعه، وأقام المغنين أمام المذبح ولقنهم ألحانا لذيذة السماع
” (9:
47-11) وإيلياالذي أغلق السماء بكلام الرب وأنزل منها ناراً
ثلاث مرات
” (1: 48-4)، ثم يذكر إليشع وإشعياء وإرمياءء ورؤيا حزقيال
والأنبياء الأثنى عشر، ويلخص الأحداث التي ذكرت في أسفار الملوك وأخبار الأيام حتى
يدخل إلى ما بعد السبي، إلى زروبابل ويشوع بن يوصاداق الذين بنيا الهيكل وناحوم
الذي أقام سور البيت. وبالإجمال فهو يذكر إعلان العهد القديم وتاريخه وأنبيائه
كوحدة واحدة ووحي واحد. ومع انه لم يذكر دانيال أو أستير أو عزرا، فذلك لأنه لم
يتعرض لأحداث أيام السبي. وهذا نفس ما حدث في العهد الجديد الذي أشار إلى دانيال
ولم يشر إلى أسفار أخرى تعرض لها بن سيراخ مثل عوبيديا لعدم وجود مناسبة تتناسب مع
ذلك.

 وهنا يؤكد
لنا يشوع بن سيراخ وحي كل أسفار العهد القديم وقدمها وصحة نسبها إلى كتابها من
الأنبياء ويبطل كل مزاعم النقاد السالفة الذكر، ويؤكد لنا أن في جيله لم يكن هناك
أي شك في قداسة وصحة وقانونية وقدم كل سفر، بل كل آية وكلمة مما جاء فيها.

(ب) حفيد بن
سيراخ:
ترجم حفيد يشوع بن سيراخ هذا السفر إلى اليونانية سنة 130ق م وقال في
مقدمة ترجمته، التي تحتفظ بها طبعات كثيرة، ” لقد وصلتنا أشياء كثيرة عظيمة
عن طريق الناموس والأنبياء والآخرين الذين اتبعوا خطواتهم … جدي يشوع كرس
نفسه مدة طويلة لقراءة الناموس والأنبياء والكتب الأخرى التي لآبائنا

وتألف معهم بدرجة عظيمة حتى كتب هو نفسه بعض … وليس هذه الأشياء فقط بل أن
الناموس نفسه والنبوات وبقية الكتب، وبعد أن ترسخ في المعرفة دفعه شعور داخلي
لتأليف كتاب في التربية والحكمة “.

14 1و2 مكابيين (134 70 ق م):

 يتحدث هذا
السفر عن وجود أسفار العهد القديم وانتشارها بكثافة في أيام المكابيين ووجودها عند
كثير من الناس على الرغم من المحاولات اليائسة والمستميتة التي بذلها الملك السوري
أنتيوخس أبيفانس (175 – 164 ق م) للقضاء عليها وأبادتها من الوجود، وكان قد أمر
رجاله بتمزيق وإحراق كل ما يجدونه من أسفار، كما يقول السفر “ وما وجد من
أسفار الشريعة تمزق وأحرق بالنار وكل من وجد عنده نسخة من كتاب العهد أو اتبع
أحكام الشريعة كان يقتل بأمر من الملك
” (1مك56: 1،57). وعلى الرغم من
ذلك، يقول أنه عندما اجتمع الشعب في المصفاة و ” فتحوا كتاب الشريعة
” (1مك48: 3). ثم يشير إلى دانيال وسفره ويذكر إقامة ” رجسة الخراب
“، التي قال عنها دانيال النبي، على مذبح أورشليم (دا 24: 9-27مع مك 45: 1)
ويتكلم عن حنانيا وعزرايا وميشائيل الذين أُنقذوا من أتون النار، كما يذكر إنقاذ
دانيال من جُب الأسود (1مك 59: 2،60 مع دا 7: 1؛ 26: 3؛ 23: 6)، ويقتبس من مزمور
2: 79 بالصيغة المقدسة ” بحسب الكلمة المكتوبة “. ويؤكد بقوله
بما لنا من التعزية في الأسفار المقدسة التي في أيدينا
” (1مك 9: 12)
استحالة إتلاف أو إحراق كل الأسفار المقدسة المنتشرة بين فئات كثيرة، كما تؤكد
أقوال السفر صحة وقدم وقداسة كل أسفار العهد القديم المقدسة والموحي بها من الله
وصحة نسبها إلى كتابها من الأنبياء.

 ويصف كاتب
سفر المكابيين الثاني أسفار العهد القديم ب ” الكتب المقدسة
ويستشهد بسفري الملوك وأسفار المزامير وإرمياء ونحميا وأستير. ويذكر تقسيمين فقط
للأسفار المقدسة هما ” الشريعة والأنبياء ” (2مك 9: 15) وهو بذلك
قريب من العهد الجديد ويبطل، مع مكابيين الأول، كل مزاعم النقاد. ويذكر لنا كيف
جمع نحميا كل أسفار العهد القديم في مكتبة واحدة، فيقول: ” وقد شرح ذلك
في السجلات والتذاكر التي لنحميا وكيف أنشأ مكتبة جمع فيها أخبار الملوك والأنبياء
وكتابات داود رسائل الملوك في التقادم
“. ويضيف على ذلك
وكذلك جمع يهوذا كل ما فقد منا في الحرب التي حدثت لنا وهو عندنا

(2مك 13: 2-15). ويقول عن حفظهم وتقديسهم لها “ ما نستمده من قوة من كتبنا
المقدسة
“(1مك9: 12)، واقتبس من مزمور 2: 79 بالصيغة الخاصة بالأسفار
الموحى بها والمقدسة ” مكتوب“.

 وهو هنا
يؤكد لنا حقيقتين ؛ الأولى: هي أن جميع أسفار العهد القديم ترجع إلى نحميا الذي
جمعها في القرن الخامس قبل الميلاد، وان هذه الكتب كانت وما تزال هي هي كما كانت
في أيام نحميا. وإذا كان عزرا قد جمعها في القرن الخامس ق م فمعنى ذلك أنها ترجع
إلى ما قبل نحميا، إلى دانيال النبي الذي كانت توجد معه أثناء السبي والتي كانت
موجودة قبل السبي البابلي (586ق م) وهكذا ترجع إلى أنبياء ما قبل السبي وإلى موسى
نفسه.

15 سيمون بن شيتاح (75 ق م):

 فريسي عاش
في القرن الأول قبل الميلاد وأقتبس من الأسفار المقدسة مثل أهل عصرة بالصيغ الدالة
على أن هذه الأسفار موحى بها، فقد أقتبس من سفر الجامعة (12: 7) بالصيغة المقدسة
مكتوب “، كما أقتبس من سفر الأمثال (25: 23) بصيغة
الكتب المقدسة تقول “. هذان السفران من الأسفار التي
يضعها تقسيم التلمود ضمن الكتابات والتي يزعم النقاد أن قانونيتها لم تكمل إلا سنة
90م في مؤتمر يامنيا.

16 فيلو الفيلسوف اليهودي الإسكندري (20م):

 هذا
الرجل كان معاصرا للرب يسوع المسيح وقد أقتبس من أكثر من ثلثي أسفار العهد القديم
على أنها ” كتبا مقدسة ” و ” الكتب المقدسة جدا
” و ” الأقوال المقدسة ” و” الكلمة المقدسة
“، كل أسفار العهد القديم بالنسبة له مقدسة، ولا يبدو أن لديه خلفية بتقسيم
التلمود الثلاثي المتأخر.

17 المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس (36 100
ق م):

 ومن
أقوى الشهادات والأدلة، بعد العهد الجديد، لعقيدة وحي أسفار العهد القديم
وقانونيتها هو ما كتبه الكاهن والمؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي عاصر كرازة تلاميذ
المسيح ودمار الهيكل سنة 70 م، والذي حصل على نسخ الأسفار المقدسة، العهد القديم،
الرسمية التي كانت محفوظة في الهيكل قبل دماره مباشرة، بأذن من الإمبراطور
الروماني تيطس، والتي ترجع بالقطع إلى أيام زربابل وعزرا ونحميا في القرنين الخامس
والرابع قبل الميلاد. حيث يقول في كتابه ضد ابيون (8: 1):

 ” لدينا
فقط اثنان وعشرون كتابا تحتوى على سجلات كل الأزمنة الماضية، والتي نؤمن حقا إنها
إلهية. خمسة منها لموسى تحتوى على نواميسه وتقاليد أصل الجنس البشرى حتى وفاته
(موسى) … ومن موت موسى إلى حكم ارتحشتا كتب الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى ما
حدث في أيامهم في ثلاثة عشر كتابا والكتب الأربعة الباقية تحتوى على ترانيم لله ومبادئ
سلوكية لحياة البشر. ومن ارتحشتا إلى زماننا كتب تاريخنا (كل الأشياء سجلت) ولكن
لم يقم بنفس السلطان مع أولئك الذين سبقوهم لأنه لم يكن هناك تعاقب حقيقي للأنبياء
منذ ذلك الوقت
.

 ويوجد
برهان عملي على كيفية معاملتنا لهذه الكتب، فبرغم المدة الطويلة التي انقضت حتى
الآن لم يجرؤ أحد أن يضيف إليها أو أن يحذف شيئاً منها أو يغير أي شئ منها. بل أنه
طبيعي لكل اليهود من يوم الميلاد مباشرة يعتبرون هذه الكتب هي تعاليم الله
ويثابرون فيها وإذا دعت الضرورة يموتون سعداْ لأجلها
“.

 هذه
الشهادة التي يشهدها هذا المؤرخ الذي يحمل بين يديه النسخة الرسمية المعتمدة التي
كانت في الهيكل، كما يشهد هو ذاته بذلك في سيرة حياته، كافية وحدها لإبطال كل
مزاعم وافتراضات ونظريات النقاد الماديين.

(1) فهو
يؤكد أن كُتّاب الوحي الإلهي والأسفار المقدسة هم موسى والأنبياء، وأن هذه الكتب
جميعا كتبت من أيام موسى إلى ارتحشتا الملك الفارسي (465-424ق م)، في زمانها
الحقيقي الذي شهد له الوحي ذاته وقبل كل الأزمنة التي توهمها النقاد الماديين.

(2) ويؤكد
أنه لا يجرؤ أحد أن يضيف إلى هذه الكتب أو أن يحذف منها أو أن يغير منها شيئا.
وهذا ضد كل افتراضات وتوهمات النقاد الماديين.

(3) وأن هذه
الكتب هي ” تعاليم الله ” ويدافعون عنها حتى الموت.

(4) أن هذه
الكتب كتبت في الماضي ” الأزمنة الماضية ” من 1500 إلى 424ق م
قبل كل الأزمنة التي زعمها وأفترضها النقاد.

(5) يقسم
هذه الأسفار إلى ثلاثة تقسيمات هي: الناموس والأنبياء والمزامير أو الترانيم
والمبادئ العامة. وهو بذلك قريب جدا من تقسيم المسيح، إذ يضم دانيال مع الأنبياء
ويقتصر تقسيمه الثالث على المزامير والأمثال والجامعة ونشيد الإنشاد. ويذكر 22
كتابا فقط بدلا من 24.

18 عزدراس الثاني:

 يذكر هذا
الكتاب الأبوكريفي المنسوب إلى عزرا والذي يرجع تاريخه إلى حوالي سنة 90م قصة
غريبة يقول فيها أن عزرا صلى كي يحل عليه الروح القدس ليكتب ثانية الأشياء التي
كانت في أسفار موسى، فأعلمه الروح القدس أن ينعزل 40 يوما ويأخذ معه ألواحا (أوراق
للكتابة) كثيرة وخمسة كتبة مهرة ثم يشرب من الكأس السرية، وفي هذه المدة أملى على
الكتبة 94 كتابا الأربعة والعشرين الأولين منها للبشر والباقين للحفظ ككتب خفية.

 وما يعنينا
من هذه الرواية الغريبة هو أنه لدى اليهود 24 كتابا معروفين على الأقل منذ القرن
الخامس ق م وموحى بها. هذه الكتب الأربعة وعشرون هي نفس الكتب ال 39 لقانون
الأسفار القانونية الأولى بتقسيم أسفار صموئيل والملوك وأخبار الأيام إلى ستة
أسفار وفصل كتب الأنبياء الصغار الاثنى عشر، وكذلك فصل عزرا عن نحميا.

19 تقليد الربيين اليهود:

 تقول
المشنا التي هي أحد جزئي التلمود ” المشنا والجمارا “، والتي تضم تقليد
الربيين الخاص بقانونية أسفار العهد القديم العبرية والتي جمعت سنة 180-200م أن كل
أسفار العهد القديم جميعا مقدسة وأنها يجب أن تمس بأيدي طاهرة وغير مدنسة (لا
يمسها إلا المطهرون)، فقد جاء في ياداييم 5: 3 ” يقول رابى سيمون بن عزيا
(حوالي 100م) سمعت تقليدا من الاثنين وسبعين شيخا … يقول أن نشيد الإنشاد
والجامعة لا يمسا غير بأيدي مطهرة ” والعبارة الأخيرة حرفيا ” دنس
الأيدي
“، أي لا يمسها إلا المطهرون.

 وجاء في
بابا برزا 14 ” يعلم قادتنا ترتيب الأنبياء هكذا يشوع والقضاة وصموئيل
والملوك وإرمياء وحزقيال وإشعياء والأثنا عشر … وترتيب الكتابات هكذا: راعوث
وكتاب المزامير وأيوب والأمثال والجامعة ونشيد الإنشاد والمراثي ودانيال ودرج
أستير وعزرا والأخبار
“. هذان التقسيمان مع أسفار موسى الخمسة يشكلان
التقسيم الثلاثي الذي زعم النقاد أن تقسيماته الثلاثة تشير إلى ثلاث مراحل زمنية
استلزمتها عملية القانونية، مع أن، كما بينا، هذا التقسيم هو أحد تقسيمات عديدة،
بل أنه أقلها انتشارا ولا يثبت مزاعم النقاد بل على العكس يبطلها لأن المشنا نفسها
تساوى جميع الأسفار في القداسة ولا تقول أن هذه التقسيمات الثلاثة نتجت في ثلاث
مراحل زمنية مطلقا بل ولا تشير إلى ما يشبه ذلك. وربما يكون هذا التقسيم قد جاء
نتيجة لترتيب قراءة أسفار العهد القديم على مدار العام في المجامع اليهودية.

 

20 شهادة الكنيسة في القرون الأولى:

 اقتبس
الآباء الرسوليون في أواخر القرن الأول من أسفار موسى الخمسة وأسفار يشوع والقضاة
وصموئيل والملوك وأستير وأيوب والمزامير والمثال والجامعة ونشيد الإنشاد وإشعياء
وإرمياء وحزقيال ودانيال ويوئيل وعاموس ويونان وحبقوق وصفنيا وزكريا وملاخى
و2مكابيين ويهوديت وطوبيت وبن سيراخ وحكمة سليمان أي من معظم أسفار العهد القديم
العبرية والأسفار القانونية الثانية، وذلك دون أن يسجلوا أو يشيروا إلى قائمة
معينة لأسفار العهد القديم. كما اقتبس أيضا آباء القرن الثاني، يوستينوس واريناؤس
وترتليان واكليمندس الإسكندري من معظم أسفار العهد القديم سواء العبرية أو
القانونية الثانية دون ذكر لقائمة محددة.

 ثم يقول
مليتو أسقف ساردس (حوالي 170م) أنه ذهب إلى الشرق ليعرف عدد الكتب التي يستخدمها
اليهود في فلسطين، كما نقل عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس ك4 ف11: 26 ثم يذكرهم
كالآتي:

 ” أسفار
موسى الخمسة … يشوع وقضاة وراعوث والملوك أربعة أسفار، أخبار الأيام سفران،
مزامير داود وأمثال سليمان وأيضا الحكمة والجامعة ونشيد الإنشاد وأيوب والأنبياء
وإشعياء وإرمياء، الأنبياء الاثنى عشر سفر واحدا، دانيال وحزقيال وعزرا. ومن هذه
جعلت المجموعات التي قسمتها إلى ستة كتب
“.

 والملاحظ
في قائمته أنه قسم سفر الملوك الذي دمجه مع صموئيل إلى أربعة أسفار، وأخبار الأيام
إلى سفرين. وأضاف سفر الحكمة من الأسفار القانونية الثانية ولم يذكر أستير وذكر
ترتيب يختلف عن كل الترتيبات السابقة، برغم أنه استقى ترتيبه هذا من الربيين
اليهود مما يدل على أن تقسيم التلمود لم يكن هو التقسيم الشائع في فلسطين.

 ويذكر
أوريجانوس (185-254م) عند تفسيره للمزمور الأول قائمة تضم 22 كتابا فقط على عدد
الحروف الهجائية العبرية وذلك بضم راعوث إلى القضاة والمراثي إلى إرمياء وعدم
تقسيم أسفار صموئيل والملوك وأخبار الأيام كما فعل ميليتو. وهو بهذا يتفق مع
يوسيفوس وعزدراس والتلمود، في عدد الأسفار العبرية. ثم يضيف إلى قائمته ” سفر
المكابيين ” كما يضيف باروخ ورسالة إرمياء ويلحقها مع المراثي بسفر إرمياء
كسفر واحد.

 ويذكر
القديس أثناسيوس الرسولي في رسالته الفصحية للعام 365 قائمة بأسفار العهد القديم
تضم 22 كتابا. ولكنه مثل أوريجانوس يختلف في ترتيبه عن ترتيب التلمود، ومثل
أوريجانوس أيضا يلحق باروخ والمراثي والرسالة مع إرمياء كسفر واحد. ثم يذكر قائمة
الكتب القانونية الثانية قائلا: ” ولكن للدقة العظيمة أضيف كتابات ذات
ضرورة، لأنه توجد كتب أخرى إلى جانب هذه منضمة حقا في القانون والتي حددها الآباء
ليقرأها المنضمين حديثا إلينا والذين يرغبون للتعلم في كلمة الصلاح: حكمة سليمان
وحكمة سيراخ وأستير ويهوديت وطوبيت … وهي منضمة في القانون
“.

 أما القديس
جيروم (329-420م): فيذكر نفس التقسيم الثلاثي للتلمود ولكن مع تقسيم أسفار صموئيل
والملوك وأخبار الأيام إلى 6 كتب. ومجموع قائمته هو 22 كتابا يضم راعوث إلى القضاة
والمراثي إلى إرمياء. ثم يذكر الأسفار القانونية الثانية الستة.

 وهكذا وصلت
جميع الأسفار المقدسة من موسى النبي إلى يشوع إلى القضاة إلى صموئيل النبي وداود
النبي وسليمان الحكيم إلى اشعياء النبي وإرمياء النبي وغيرهم من معاصريهم من
الأنبياء إلى حزقيال النبي ودانيال النبي إلى نحميا وعزرا إلى المكابين إلى الرب
يسوع المسيح وتلاميذه ورسله سالمة ومحفوظة بكل دقة، وسلمها تلاميذ المسيح ورسله
لخلفائهم من آباء الكنيسة، فكانت مع الكنيسة ومع علماء اليهود وفي مجامعهم في وقت
واحد، يتساوى هذا مع ذاك ولم يوجد أي فرق بين ما هو في أسفار العهد القديم المقدسة
التي مع اليهود والتي مع الكنيسة، وصدق وعد الله القائل:


السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول ” (مر13: 31).



(2) ( 2صم12:7-16؛19:89؛اش1:9-6؛1:11-9؛ار5:23؛ حز23:34،24؛24:37،25؛
هو5:31:10؛مى1:5-5؛ زك9:9،10؛10:12).

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى