اللاهوت الدفاعي

الباب السادس



الباب السادس

الباب
السادس

قضية التجسد الإلهى

يسأل
كثيرون ويتعجبون ولا يصدقون، بل أحياناً يستهزئون قائلين: “هل تجسد
الله؟” كيف ولماذا وما هى الضرورة؟

الله سبحانه يصير
إنساناً مثلنا؟! يأكل ويشرب، يجوع ويعطش، يحزن ويفرح، يتعب وينام، ويقضى حاجته
أيضاً. حاشا لله، لقد علا الله عن ذلك علواً كبيراً…

وقبل أن نجيب على هذا
السؤال فإننا نسأل: ” إذا آراد الله سبحانه أن يصير إنساناً، فهل
يستطيع؟” الإجابة من الجميع وبلا إستثناء: “نعم” يستطيع، فهو
القادر على كل شئ، يصنع ما يريد وقتما يريد وبالكيفية التى يريدها، نعم يقدر ولا
يعسر عليه أمر.

 

لكنه قدوس عال وكبير
ساكن فوق سماء السموات، ونحن الطين المزدرى وغير الموجود، ولا يليق بجلاله الوجود
وسطنا!

 

نعم هذا ردنا جميعاً،
فتقديرنا لجلاله ومحبتنا لشخصه، يدفعنا أن نقول هذا وأكثر… أضرب لك مثلاً:

 

” إذا جاء إلى
مكان لقائنا السيد الرئيس، ووجدنا نعمل فى الزراعة وطلب منا أن يعمل معنا، بالطبع
سنرفض كلنا ونقول له: ” نحن فداؤك يا ريس!” كيف تدوس فى الطين وتمسك
الفأس وتتسخ ثيابك الأنيقة؟… لا… أنت فقط تأمر ونحن ننفذ، تشير ونحن نعمل
إرادتك وأنت على كرسى رئاستك… لكن إذا صمم الرئيس على طلبه فهل يستطيع أحد أن
يرفض؟ سنقول: ” أمرك يا ريس”، نحن رفضنا حباً وإكراماً، لا نريد لك
النزول إلى هذا المستوى، نريدك دائماً عالياً… وهو صمم لأنه يريد أن يشاركنا
أفراحنا وأحزاننا، يضع يده فى أيدينا تشجيعاً ودفعاً لنا على حب العمل… وحين
نفهم ذلك، سنحبه أكثر ويزيد تقديرنا واحترامنا
لشخصه، نثق فى رئاسته، وتكون أوامره مطاعة أكثر لأننا عرفنا أنه يسعى لخيرنا، فهو
يعرف مشاكلنا عن قرب حيث مسك بيده وفعل ما نفعله، صار قريباً منا، لا يحكمنا من
برج عاجى لا يدرى بما نعانيه، بل هو معنا علي أرض واقعنا يشعر بمشاعرنا ويتألم
ويتعب ويعرق مثلنا!!

 

قد يراودك السؤال:
“لكن لماذا يتجسد الله ” (*)
أقول لك: ” ليخلِّصنا من عقوبة خطية أبوينا الأولين اللذين عصيا الله بعدم
طاعة أمر جزاؤه الموت وورثناه جميعاً منهما! ‍‍‍‍”.

 

قد تقول: ” وما
ذنبنا؟ (**)ألم
يكن بالأولى موت آدم وحواء، فهما المذنبان؟ أو إبليس سبب الغواية؟ أو نموت نحن؟
فالنفس التى تخطئ تموت؟! “.

 

لذلك دعنى أعود بك إلى
القصة القديمة، قصة سقوط أبوينا الأولين فى جنة عدن. أصدر الله آمراً لآدم بعدم
الأكل من الشجرة التى فى وسط الجنة قائلاً: “لأنك يوم تأكل منها موتاً
تموت”. جاء إبليس ليقول: “لن تموتا!”. وفضل أبوانا سماع قول إبليس
ورفض سماع قول الله، وأكلا من الشجرة. وكانت النتيجة أن أنفتحت أعينهما وأكتشفا
أنهما عريانان. فحاولا محاولات مستميتة ستر نفسيهما بإستخدام ورق التين وصنع مآزر،
لكنها كانت تدوم لساعات ثم تجف وتسقط وينكشف عريهما ويحتاجان إلى صنع مآزر من
جديد… وهكذا دواليك صنع مآزر وسقوطها والحاجة إلى جديد… خوف وهروب دائمان من
الله. فقدا متعة التواجد فى محضر الله والاستمتاع بالحضرة الإلهية البهية. وهذا هو
الموت الأدبى… انفصال عن الله مصدر الحياة… وعلى الرغم من أنه يأكل ويشرب إلا
أنه فى انفصال عن مصدر الحياة – إنسان ميت ينجب أمواتاً…

 

كنا نتوقع من الخاطئ أن
يرجع إلى من أخطأ فى حقه طالباً العفو والغفران، لكنه انشغل عن هذا بستر نفسه،
والنتيجة الفشل فى الستر والفشل فى العودة…

 

لكننا نجد طريقاً آخر
عجيباً لا يخطر على بال… يأتى المخطأ فى حقه ليبحث عن الخاطئ: “فنادى الرب
الإله آدم: “أين أنت؟”. ويصنع لهما مآزر من جلد. والقول “صنع”
يعنى أنه سبحانه أحضر كبشاً وذبحه ليرى آدم الدم يسيل والكبش يموت، ليعرف أن أجرة
الخطية هى الموت، وأنه كان ينبغى أن يكون

هو
مكان الكبش، ليتعلم الطريق الإلهى للغفران. أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة!”
(عبرانيين9: 22). لكى يحيا الميت لابد من حى يموت نيابة عنه “لأن نفس الجسد
هى فى الدم، فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم، لأن الدم يكفر عن
النفس” (لاويين 17: 11). لذلك كانت شريعة الذبائح فى العهد القديم للتكفير عن
خطايا السهو ليس فى كون الذبيحة كافية لإعطاء العدالة حقها، لأن نفس الحيوان لا
خلود لها ولا تعادل الإنسان فى قيمته، كما أنها ليست ذات خواص أدبية وعقلية سامية
حتى تكون معادلة فى القيمة لتكفر عنه، لكنها كانت رمزاً لمرموز إليه، استخدمه الله
حتى لا تختلط الأمور على الشعب الساكن بين شعوب وثنية تقدم ذبائح بشرية لآلهتها.
ويتضح هذا التعليم فى قصة أبينا إبراهيم حين طلب منه الله تقديم ابنه وحيده ذبيحة.
فلو كانت هذه التجربة فقط لامتحان إيمان إبراهيم لانتهت القصة عند وضع إبراهيم
ابنه على المذبح. ولم يكن هناك داع لإرسال ملاك ممسكاً بكبش من قرينه.. لكن ليتعلم
إبراهيم الدرس أنه لكى يقوم المحكوم عليه بالموت من موته، لابد من بديل حتى يموت
بدلاً منه ليكفر عنه.

 

وتعلم رجال العهد
القديم الدرس وانتهوا إلى أنهم لا يمكنهم النجاة بالصلوات والأصوام وأعمال الرحمة
والإحسان، وحتى إذا قدموا الذبائح. قال النبيان داود وميخا: “لأنك لا تسر
بذبيحة وإلا فكنت أقدمها. بمحرقة لا ترضى” (مزمور 51: 16). “بم أتقدم
إلى الرب وأنحنى للإله العلى؟ هل أتقدم بمحرقات، بعجول أبناء سنة؟ هل يسر الرب
بألوف الكباش، بربوات أنهار زيت؟ هل أعطى بكرى عن معصيتى، ثمرة جسدى عن خطية
نفسى؟”(ميخا6: 6، 7). وتوصل أيوب لذات النتيجة فقال: “ليس بيننا مصالح
يضع يده على كلينا! ليرفع عنى عصاه ولا يبغتنى رغبه” (أيوب9: 33،34).

 

نعم نحتاج إلى مصالح
يضع يده على كلينا، وبعد ذلك يمكن للإنسان ممارسة وسائط الخلاص مثل الصوم والصلاة
والصدقة والتوبة والاعتراف وشفاعة القديسين وغيرها! لكن من هو؟ وأين هو؟ وبما أن
الفدية يجب أن تكون على الأقل مساوية للمطلوب فداؤه، فلا يساوى الإنسان إلا إنسان
مثله إذا أنا فى حاجة إلى إنسان… لكن هل يصلح أى إنسان؟

 

لهذا الإنسان شروط لابد
أن تتوافر فيه:

** أن يكون بلا خطية
حتى لا يكون تحت الحكم ذاته.

** أن يكون معصوماً
منها فلا يخطئ أبداً.

** أن تكون نفسه ملكه
حتى يستطيع أن يقدمها نيابة عنا، بمعنى أن يكون غير مخلوق.

** أن تكون قيمته على
الأقل تساوى كل البشر فى كل العصور حتى يكون نائباً عنهم.

 

** أن يكون غير محدود
ليحمل الجزاء غير المحدود، لأننا نعرف أن جزاء الخطأ يتناسب تناسباً طردياً مع
قيمة المخطأ فى حقه. فمثلاً إذا ضرب جندى زميله عاقبه قائده بالضرب. أما إذا ضرب
ذات الجندى ذات الضربة للقائد فإن العقوبة تكون أشد: مثلاً الحبس. أما إذا ضرب
رئيس الدولة كانت العقوبة الإعدام بتهمة إهانة الدولة فى شخص رئيسها.

 

** أن يكون قادراً على
الخلق ليعيد خلقنا خليقة جديدة لا تحب الخطأ.

أين هذا الإنسان الذى
يحمل كل هذه الصفات؟ لا يوجد بين البشر: “الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من
يعمل صلاحاً ليس ولا واحد” (رومية3: 12).

 

** لا يوجد إنسان معصوم
من الخطية، فالعصمة لله وحده.

** لا يوجد إنسان تساوى
قيمته كل البشر.

** لا يوجد إنسان غير
محدود، الله وحده هو الغير محدود.

** لا يوجد إنسان غير
مخلوق، فكلنا خليقة الله.

** لا يوجد إنسان قادر
على الخلق، فهذه قدرة الله وحده ولم يعطها لآخر.

 

إذا ما هو الحل؟! هل
يضيع الإنسان؟ هل يضيع أجمل ما خلق الله؟!

 

قد يراودك السؤال:
” لماذا كل هذا؟ ألا يستطيع الله أن يقول: سامحتكم فتنتهى المشكلة، فهو
الرحمن الرحيم؟! ”

 

نعم هو سبحانه كلى
الرحمة، لكنه أيضاً شديد العقاب، رحيم وعادل، وهاتان الصفتان متساويتان. إن غفر
للمخطئ دون عقاب فأين عدله؟ كما أنه إذا عاقب فقط فأين رحمته: “أنا أصالحكم
مع العدل”، فقلنا: ” كيف؟” قال: ” أصير إنساناً لأوفى شروط
الفادى. ألا أقدر أن أكون؟ “.

 

ونقول: نعم تستطيع كل
شئ ولا يعسر عليك أمر، لكن حاشاك يارب.

 

الملحد والنمل:

كان أحد الملاحدة يلاحظ
النمل وهو يشتغل ويكدح فى صندوق من الزجاج صنعه أحد هواة النمل ليلاحظ فيه حركات
هذه الحشرة العجيبة، وأخيراً خطر على بال الملحد فكر غريب. إذ قال فى نفسه (آه لو
كنا نستطيع أن نقدم إرشاداً لهذه
المخلوقات،
ولكن كيف يتأتى لنا ذلك؟ لا يمكن ذلك قط إلا بأن يصير إنسان نملة، ولكنه يحتفظ
بالعقل البشرى وينزل إليها ويعلمها فلا تخشاه ولا تفر من أمامه، ولكن فكراً أخيراً
خالجه فى ذات الوقت، بل هو الروح القدس انتهز فرصة هذه الخواطر، فوبخ الملحد الذى
كان يقاوم فكرة التجسد بشدة فقال (الآن فهمت أن ما أعجز أنا أن أعمله للنمل، مما
قد فكرت فيه، هو ذات ما عمله الله لأجلى ولأجل إخوتى فى البشرية – لقد أخذ صورة
الناس مع احتفاظه بلاهوته ليعلمنا دون أن نخشاه، فأوصل إلينا ما كان مستحيلاً
إيصاله إلينا بطريقة أخرى).

 

إن البشر كانوا فى حاجة
لمعلم ومخلص يلمس ظروفهم عملياً. فجاءهم الحب متجسداً.

 

إنكار التجسد

أنكر صاحب كتاب دعوة
الحق أن الله دبر خلاص آدم وذريته بواسطة تجسد السيد المسيح وسفك دمه لغفران
الخطايا. فقال بالحرف الواحد: “لا محل للربط بين فكرة الغفران وبين العهد
القديم. فلا يقال مثلاً إن العهد القديم قد تنبأ بأن الله ينزل ويتجسد من مريم
العذراء ومن الروح القدس فيكون المسيح الذى يصلب ليخلص البشر من خطية آدم. وللرد
على سيادته نقول:

إن آدم أخطأ وأعطاه
الله وعداً بالخلاص هو وذريته.كما جاء فى التوراة والإنجيل والقرآن.

إن قصة آدم وحواء
معروفة ومشهورة لدى كافة اليهود والمسيحيين والمسلمين.

 

1- فجاء فى التوراة:

رن الله لما خلق آدم
وحواء وضعهما فى جنة عدن: وأوصاهما ألا يأكلا من شجرة معرفة الخير والشر. وحذرهما
يوم يأكلان منها موتاً يموتان. وبغواية الحية أكلت حواء من الشجرة وأعطت رجلها
فأكل. فشعرا أنهما عريانان. فأخذا أوراق التين وصنعا لأنفسهما مآزر.

 

ولما سمعا صوت الرب
ماشيا فى الجنة اختبأ! فى وسط شجر الجنة.

 

وقال الله لآدم أين
أنت؟ فقال سمعت صوتك فخشيت لأنى عريان فأختبأت. فقال له من أعلمك أنك عريان؟ هل
أكلت من الشجرة التى أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التى جعلتها معى هى
أعطتنى فأكلت.

 

فقال الرب الإله للمرأة
ما هذا الذى فعلت؟ فقالت المرأة: الحية أغرتنى فأكلت.

 

فقال الرب الإله للحية:
لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل
أيام حياتك. وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين
عقبه.

 

وقال للمرأة: تكثيراً
أكثر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولاداً وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك.

 

وقال لآدم: لأنك سمعت
لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التى أوصتيك قائلاً لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك.
بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكاً وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك
تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التى أخذت منها. لأنك تراب وإلى تراب تعود.

 

وصنع الرب الإله لآدم
وامرأته أقمصه من جلد وألبسهما. (تك3: 1-24).

 

وبناء على إعلان صدر من
الله لهما تقرباً إلى الله بتقديم الذبائح التى تشير إلى نسل المرأة الذى يأتى
ويسحق رأس الحية أو ينقض عمل إبليس. وهذا النسل نفسه فى سبيل فداء آدم وذريته يسحق
على الصليب.

 

واتخذ آدم وحواء حسب
أمر الله جلد هذه الذبائح لباساً لهما بدل أوراق التين التي لم تنفع.

 

واقتدى ولدا آدم وحواء
– قايين وهابيل – بوالديهما. فقدم قايين من ثمار الأرض قرباناً للرب. وقدم هابيل
من أبكار غنمه ومن سمانها0 فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قايين وقربانه لم
ينظر. (تك4: 1-5) لأن هابيل قدم ذبيحته بالإيمان والفداء.

 

2- وقد أشير إلى هذه
القصة فى الإنجيل:

فذكر القديس بولس
الرسول خداع الحية فى قوله “ولكنى أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا
تفسد أذهانكم عن البساطة التى فى المسيح”(2كو11: 3).

 

وذكر غواية حواء فى
قوله “وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت فى التعدى”(تى2: 14)

 

وذكر تعدى آدم فى قوله
“من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت. وهكذا
اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع “.

 

” فإنه حتى
الناموس كانت الخطية فى العالم على أن الخطية لا تحسب إن لم يكن ناموس. لكن قد ملك
الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدى آدم الذى هو مثال
الآتى” (رؤ5: 12-14).

 

وبين نيابة آدم عن
البشر على مثال نيابة المسيح الفضلى فى قوله “فإذاً كما بخطية واحدة صار
الحكم إلى جميع الناس للدينونة هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير
الحياة “.

 

” لأن كما بمعصية
الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطاة هكذا أيضاً بإطاعة الواحد جعل الكثيرون
أبراراً”.

 

“حتى كما ملكت
الخطية فى الموت هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا”
(رو 5: 18-21).

 

وبالجملة فقد ذكر حكم
الموت فى آدم ووعد الحياة فى المسيح فى قوله “فأنه إذا الموت بإنسان بإنسان
أيضاً قيامة الأموات. لأنه كما فى آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا
الجميع” (1كو 15: 21 – 22).

 

ومن الأهمية بمكان أن
نعرف أن السيد المسيح له المجد، قد ذكر تدخل إبليس فى هلاك آدم وبين أن غير
المؤمنين هم نسل الحية القديمة، أى إبليس، قائلاً: ” أنتم من آب هو إبليس
وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالاً للناس منذ البدء ولم يثبت فى الحق
لأنه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له. لأنه كذاب وأبو
الكذاب” (يو8: 44-45)

 

وأما يوحنا الرسول فقد
ذكر انتصار السيد المسيح على الحية القديمة ونقض جميع أعماله فقال “من يفعل
الخطية فهو من إبليس لأن إبليس من البدء يخطئ. لأجل هذا أظهر ابن الله لكى ينقض
أعمال إبليس” (1يو3: 8).

 

3- ومما هو جدير بالذكر
أن قصة سقوط آدم والوعد له بالخلاص قد وردت كذلك في القرآن بل وردت ثلاث
مرات زيادة فى التأكيد.

 

فجاء فى سورة البقرة:
35-38 “وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجتك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا
تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا
فيه. وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين. فتلقي آدم
من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم. قلنا اهبطوا منها جميعاً فأما
يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون “.

 

ففي هذه السورة وصف
موجز لآدم في الجنة وهو في حالة البرارة والسعادة، ووصية الله له، وزلته بواسطة
الشيطان، والحكم بطرده من الجنة، والعداوة المستحكمة بينه وبين أبليس، ومقر آدم في
الارض الي أجل ينقضي بالموت، ثم رجوع اللّه لآدم بكلمات المغفرة والرحمة ووعده
بإرسال الهدى لينال هذا الهدى المنتظر الأمن والفرح ويخلص من الخوف والحزن.

 

والهدي المرتقب هو هدى
المسيح الذى قال في الانجيل: ” أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو 14:
6).

 

وقد وجد أهل الكتاب في
هذا الهدى، وقد طلب من محمد أن يسير في أثره ولا يحيد عنه قيد أنمله، كقول القرآن:
” أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء (أى قريش)
فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين “.

 

” أولئك الذين هدى
اللّه فبهداهم اقتده ” (سورة الانعام 89 و90).

 

وجاء في (سورة الأعراف:
18- 26) ” ويا آدم اسكن أنت وزوجتك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين. فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما روى عنهما من
سوءاتهما وقال ما نها كما وبكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من
الخالدين. وقاسمهما إنى لكما من الناصحين. فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت
لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن
تلكم الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو لكم فى الأرض
مستقر ومتاع إلى حين، قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون. يا بنى آدم قد
أنزلنا عليكم لباساً يوارى سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله
لعلهم يذكرون.يا بنى آدم لا يفتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما
لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم.. إنا جعلنا
الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون “.

 

وفى هذه السورة وصف
لسقوط آدم، ومحاولته كساء نفسه بالورق الذابل، واهتمام الله به وأنزاله لهما
لباساً دبره لهما بتدبيره السماوى، أشارة لجلد كباش الفداء التى ذبحها آدم فى
الجنة كما جاء فى التوراة، ثم الوعيد بالموت، والوعد بالقيامة. كقوله فى الإنجيل
” لأن أجرة الخطية هى موت. وأما هبة الله فهى حياة أبدية بالمسيح
يسوع ربنا” (رؤ6: 23) وكقول القرآن
“يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة”
(سورة إبراهيم 27).

 

وجاء فى (سورة طه:
117-122): “فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجتك فلا يخرجنكم من الجنة فتشقى.
ان لك ألا تجوع ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى. فوسوس إليه الشيطان قال يا
آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى. فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا
يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى. ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. قال
اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فاما يأتينكم منى هدى فمن اتبع
هدى فلا يضل ولا يشقى”.

 

وفى هذه السورة وصف
لمحبة الله لآدم واجتنابه أى اختياره له بعد السقوط على سبيل النعمة وهدايته إلى
الهدى الذى سيأتى به الله للبشرويمنع به الضلالة والشقاء.

 

وبالتفصيل – حسب عبارة
الكتاب المقدس – إن آدم هداه الله لمعرفة الهدى أى المسيح الذى سيجعله الله آية
للناس ورحمة منه كقول القرآن “قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس
ورحمة منا وكان أمراً مقضياً ” سورة مريم: 20 أى أن رحمة الناس بالمسيح كانت
بمقتضى أمر الله وقضائه السابق.

 

إنى أعترض.. لا توجد
نبوات عن التجسد:

 

يستمر المعترض فى
اعتراضه فيقول: “لا توجد نبوة على الإطلاق تقول بأن الله سيتجسد من مريم العذراء
ومن الروح القدس ولا يوجد من قال بوجود مثلها “.

 

التعليق: لقد تنبأ
إشعياء النبى قائلاً: ” لكن يعطيكم السيد نفسه آية.. ها العذراء تحبل وتلد
أبناً وتدعو اسمه عمانوئيل” (أش 7: 14).

 

وقد تمت هذه النبوة
بميلاد المسيح فقال متى البشير ” وهذا كله كان ليتم ما قيل من قبل الرب
بالنبى القائل. هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره
الله معنا” (مت1: 22-23).

 

وقد تنبأ إشعياء بصراحة
تامة أن الإله القدير سيصير وليداً بين البشر فقال “لأنه يولد لنا ولد ونعطى
ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً
رئيس السلام” (إش9: 6).

 

وأوضح إشعياء بغير
التباس أن الموجود الأزلى سيرسل للناس متجسداً فقال “منذ وجوده أنا هناك
والآن السيد الرب أرسلنى وروحه” (إش 48: 16).

 

ومما يقطع الشك باليقين
أن إشعياء تنبأ عن السيد المسيح أنه الرب الإله البار المخلص الذى تجثو له كل ركبة
فقال: ” أليس أنا الرب ولا إله آخر غيرى. إله بار ومخلص وليس سواى التفتوا
إلى واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض لأنى أنا الله وليس آخر. بذاتى أقسمت خرج من فمى
الصدق كلمة لا ترجع إلى. أنه لى تجثو كل ركبة يحلف كل لسان. قال لى أنما بالرب
البر والقوة. إليه يأتى ويخزى جميع المغتاظين عليه. بالرب يتبرر ويفتخر كل نسل
إسرائيل” (إش 45: 21-25).

 

وأثبت بولس الرسول هذه
النبوة عن المسيح بقوله “لأننا جميعاً سوف نقف أمام كرسى المسيح لأنه مكتوب
أنا حى يقول الرب. إنه لى ستجثو كل ركبة وكل لسان سيحمد الله” (رو 14:
10-12).

 

كما تنبأ ميخا النبى أن
الكائن منذ الأزل سيظهر فى الجسد ويخرج من بيت لحم فقال “أما أنت يا بيت لحم
افراته وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لى الذى
يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم
منذ أيام الأزل” (مى5: 2).

 

وكذلك تنبأ داود النبى
عن المسيح معرفاً اياه أنه الله صاحب العرش الطاهر الأبدى فقال “كرسيك يا
الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك احببت البر أبغضت الإثم من أجل ذلك
مسحك الله إلهك
بدهن
الإبتهاج أكثر من رفقائك” (مز 45: 6،7).

 

وقد استشهد بولس الرسول
بهذه الآية للعبرانيين عن عظمة المسيح (عب1: 8-9)

 

وقد تنبأ داود بما فيه
فصل الخطاب أن المسيح هو الرب الأزلى والأبدى خالق السماء والأرض فقال “إلى
دهر الدهور سنوك. من قدم أسست الأرض والسموات هى عمل يديك هى تبيد وأنت تبقى وكلها
كثوب تبلى كرداء تغيرهن فتتغير. وأنت هو وسنوك لن تنتهى” (مز 102: 25-27).

 

وقد استشهد بولس الرسول
بهذه النبوة فى حديثه عن السيد المسيح بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الأشياء
بكلمة قدرته. (عب1: 1-14).

 

وقد أماط داود النبى
اللثام عن السيد المسيح أنه ابن الله أى المعادل لله ديان الأشرار ومتكل الأبرار
فقال “فالآن تعقلوا أيها الملوك تأدبوا يا قضاة الأرض. قبلوا الابن لئلا يغضب
فتبيدوا من الطريق. لأنه عن قليل يتقد غضبه. طوبى لجميع المتكلين عليه” (مز2:
10-12).

 

ولم يترك داود مجالاً
للشك أن المسيح هو الرب من السماء وأنه بعد تجسده سيصعد إلى السماء فقال “قال
الرب لربى اجلس عن يمينى حق أضع أعداءك موطئاً لقدميك” (مز 110: 1).

 

ولهذا تنبأ داود أيضاً
أن كل الشعوب تتعبد للمسيح فقال “يسجد له كل الملوك كل الأمم تتعبد له”
(مز 72: 11).

 

أما دانيال النبى فتنبأ
عن اتضاعه الإنسانى ومجده الإلهى قائلاً ” كنت أرى فى رؤي الليل فإذا مع سحب
السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى قديم الأيام فقربوه قدامه فأعطى سلطاناً ومجداً
وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى وملكوته ما لا
ينقرض” (دا 7: 13-14).

 

وأرميا النبى عرف
المسيح بإسمه، أنه الرب الذى يأتى للخلاص ويصنع البر ويمنح السلام فقال ” فى
أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمناً وهذا هو اسمه الذى يدعونه به الرب
برنا” (إرميا 22: 6).

 

ويوئيل النبى أعلن أن
المسيح هو الرب الذى كل من يدعو باسمه يخلص فقال ” ويكون
أن كل من يدعو باسم الرب ينجو” (يوئيل2:
32).

 

ويؤكد ذلك بولس الرسول
بقوله: ” رن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الآموات
خلصت لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو 10: 9-13).

 

ومعلوم أن جميع
الأنبياء تنبأوا عن المسيح كقول بطرس الرسول “له يشهد جميع الأنبياء”
(أع 10: 43).

 

وكقول يوحنا الرسول
“إن شهادة يسوع هى روح النبوة” (رؤ19: 10).

 

ويكفى ما أوردناه من
نبوات داود وإشعياء وأرميا ودانيال ويوئيل وميخا ممن ذكرناهم على سبيل المثال لا
الحصر حيث أن جميع الأنبياء سبقوا فتنبأوا بمجئ المسيح إلهاً متأنساً.

الإنسان أفضل من
الشجرة:

 

سأل أحدهم هل الإسلام
يوافق أم يعترض على عقيدة التجسد؟ فقال له بالرجوع إلى مصادر الإسلام نجد:

 

أولاً: شهادة القرآن
الكريم:

بالرجوع إلى نصوص
القرآن الكريم وفى سورة القصص وسورة طه عن موسى النبى يتضح لنا أن الله ظهر لموسى
النبى فى شجرة كما نرى:

 

      (سورة
القصص 29،30) ” فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله أنس من جانب الطور ناراً. قال
لأهله امكثوا. إنى آنست ناراً لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم
تصطلون. فلما أتاها نودى من شاطئ الوادى الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن
يا موسى إنى أنا الله رب العالمين “.

 

      (سورة
طه 9- 14) “هل أتاك حديث موسى إذ رأى ناراً. فقال لأهله امكثوا إنى آنست
ناراً. لعلى آتيكم بقبس منها. أو أجد على النار هدى. فلما أتاها نودى يا موسى إنى
أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى..إنى أنا الله لا إله إلا أنا”

 

من ذلك يتضح أن الله
ظهر لموسى فى شجرة وخاطبه منها ” إنى أنا الله رب العالمين” وأمره أن
يخلع نعليه بالوادى المقدس “أى الذى تقدس بحلول الله فيه” ثم أكد له
القول: ” أنى أنا الله لا إله إلا أنا”.

 

فإن كان الله قد ظهر فى
شجرة فهل يعتبر كفراً إن قلنا أن الله ظهر فى جسد إنسان. والإنسان أرقى من النبات.

 

شهادة أئمة الإسلام:

1- شهادة أهل النصيرية
والإسحاقيه:

قالوا (إن ظهور
الروحانى بالجسد الجسمانى لا ينكره عاقل. كظهور جبريل فى صورة إعرابى وتمثله بصورة
البشر… لذلك نقول إن الله تعالى ظهر بصورة أشخاص) {كتاب الملل والأهواء والنحل
جزء 2 ص 25
{.

 

2- شهادة أبو الفضل
القرشى:

قال (يمكن أن يكون
المراد أن اللاهوت ظهر فى المسيح وهذا لا يستلزم الكفر وأن لا إله إلا الله) {هامش
الشيخ القرشى على تفسير الإمام البيضاوى جزء 2 ص 142
{.

 

3- المعتزلة (وهى فرقة
من فرق الإسلام):

يقولون فى شرح حادثة
ظهور الله لموسى الواردة فى سورة القصص وسورة طه “إن كلام الله حل فى الشجرة
أو تجسد فيها “.

 

فمن هنا يتضح جلياً
إمكانية تجسد كلام الله فى شجرة، فليس بعسير أن يتجسد فى جسد إنسان.

 

4- الحائطية (وهى فرقه
أخرى من فرق الإسلام):

قال أحمد بن الحائط
إمام فرقه الحائطية عن السيد المسيح (إن المسيح تدرج بالجسد الجسمانى وهو الكلمة
القديمة (الأزلية) المتجسدة كما قالت النصارى) { كتاب الملل والأهواء والنحل جزء 1
ص 77
{.

 

مما سبق يتضح شهادة
علماء الإسلام إلى أن (الكلمة) تجسد فى أشياء مادية كما فى (شجرة موسى) وفى إنسان
كما فى (السيد المسيح).

 

الدم والنجاسة:

يعترض البعض على
عقيدتنا المسيحية فى التجسد قائلين: كيف يسكن الله القدوس فى بطن امرأه وسط الدم
والنجاسة والحبل والولادة؟!

 

وها نحن نقول إذا كان
بطن امرأه ودمها نجاسة فى نظر الله تعالي وأن الله أقدس من أن يلمسه أو يحل فيه
فكيف تصدقون وتقبلون وتؤمنون بأن الله تعالى هو الذى خلق المرأة بهذا التركيب
النجس القذر الذى تتأففون منه؟! وإذا كان لا يليق بقداسة الله أن يحل فى بطن امرأة
وسط دمها ونجاستها، فكيف لاق به تعالى أن يمسك بيده القدسية التراب والصلصال ويصور
منه آدم ويأخذ من آدم ضلعاً ويصور منه حواء؟ فإذا رأينا البناء يمسك بيده الطوب
المصنوع من الطين. وكذا يمسك الطين والجير والحمرة وهو يبنى البيت فلا نعترض عليه
ولا نتأفف من كونه يمسك مواد البناء بيده وهو يبنيها، بل نعجب بهندسته ومتانة
بنيانه. فهل إذا أتم البناء بناء البيت وزخرفته وراح يسكن فيه فهل نعترض عليه
ونظهر التأفف من سكناه فى ما صنعه بيده أم نقول إذا كان قد تنازل وأمسك الطين
والحمرة والطوب فى حال طراوتها التى تلوث من يمسكها، فكيف لا يجلس عليها ويسكن
فيها وهى مزخرفة؟

 

وهكذا الحال فإنه خلق
الإنسان من الطين دون أن يحط
هذا من قدره
أو يدنسه تعالى فكم بالحرى بعد أن سواه وجعله تاجاً للمخلوقات، كيف يأنف من أن يحل
فيه، اذ لا فرق بين أن يحمل الطين على يديه تعالى وبين أن يجلس عليه بعد تسويته
بشراً سوياً وكلاهما لمس من الخالق للمخلوق؟

 

والحقيقة أن الله لم
يخلق شيئاً نجساً فى ذاته. بل اسمع ماذا يقول الكتاب المقدس عن خلق المخلوقات:
“ورأى الله ذلك أنه حسن”، وعندما ختمت الخليقة بخلق الإنسان يقول
“ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً ” (تك1: 31) ويقول بولس الرسول
” إنى عالم ومتيقن فى الرب يسوع أن ليس شيئاً نجساً بذاته إلا من يحسب شيئاً
جساً فله هو نجس” (رو 14: 14) وذلك لأن الله الخالق للأشياء ليس نجساً وكل ما
يصدر عنه ليس نجساً، وإذا كان الدم نجساً فى نظر الله وأنه لا يليق بقداسته تعالى
أن يمسه. فإن ما جاء فى حديث البخارى الجزء الأول ص44 يؤكد عكس ذلك.. كذلك فإنه
توجد نصوص عن نبى الإسلام تؤكد أن للدم مكانته العظمى لدى الله كقوله (يا فاطمة
قومى إلى أضحيتك فاشهديها فان لك بأول قطره من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك)..
و(ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من هراق الدم).

 

مرة أخرى يقول البعض إن
فكرة وجود الله فى بطن العذراء وسط الدماء شىء لا يريحهم.

ونحن نقول لهم. أن بطن
القديسة مريم العذراء والدم وما تقولون عنه إنه نجاسة ما هو إلا جزء، وأجزاء من
عناصر الطبيعة، لأن كل ما يتركب منه الإنسان موجود فى الطبيعة ومن الطبيعة، ولذلك
قيل عن الإنسان إنه العالم الصغير. فإذا كنت ترى استحالة حلول الله فى الإنسان
لكونه مركباً من عناصر الطبيعة، فاذن أنت تقول باستحالة وجود الله فى الطبيعة،
ويكون العالم خالياً من وجود الله. وإذا قلت أن الله موجود فى الطبيعة تحيا به
وتتحرك فيكون اعتراضك قد سقط وأن حلوله فى الطبيعة وفى كل مكان وفى بطن مريم
العذراء معقول ومقبول ومسلم به لأن الإنسان من الطبيعة والطبيعة فى تركيب الإنسان،
وهل لا تعتقدون، ونعتقد، أن الله موجود فى كل مكان ولا يخلو منه مكان؟ وإذا كنتم
تعتقدون بذلك حتماً فهل تعتقدون أن الله يوجد فى المدافن والقبور حيث الجيف
المنتنة؟ وهل يوجد فى أماكن تجمع القاذورات؟ وهل يوجد فى زرابى الخنازير والكلاب؟
وهل يوجد فى أماكن الموبقات وأنواع النجاسات. فاذا كنت مضطراً أن تقول نعم إنه
موجود فيها فإننى أقول لمن يعترض كيف يقبل عقلك وجود الله فى وسط هذه الأقذار ولا
تقبل حلوله فى بطن أقدس نساء العالمين؟

 

تنزيه الله عن الامور
القبيحة:

قال محدثى المعترض: كيف
تقولون أن السيد المسيح هو ابن الله المتجسد؟ أليس فى هذا ما ينسب إلى الله الأمور
الجنسية والجسدية والتناسلية بينما فى الإسلام ننزه الله عن هذه الأمور القبيحة؟

 

قلت: يجب أن نفهم أن
الوحى المقدس لا يمكن
بأى حال من
الأحوال أن يسئ إلى الله لأن الله هو مصدر الوحى ولكن المعنى المقصود من هذه
التسمية ليس هو المعنى الحرفى والقرآن الكريم أيضاً ملئ بمثل هذه التعبيرات التى
إذا أخذت بحرفيتها فإنها لا تليق بجلال الله. ومن أمثله ذلك.

 

1- (سورة طه): ”
الرحمن على العرش استوى ”

فالمعنى الحرفى لهذه
الكلمات: أن الله جلس على عرش الملك كما يجلس الإنسان. وهل الله محدود حتى يجلس
على كرسى؟ فواضح أنه لا يقصد بهذه الكلمات المعنى الحرفى لها وإنما استخدمت لتقريب
معنى (ملك الملك).

 

2- (سورة الحديد):
” إن الفضل بيد الله”

فالمعنى الحرفى لهذه
الكلمات: أن لله يداً كيد الإنسان. وهل الله بشرى حتى تكون له يد؟ فواضح أنه لا
يقصد بهذه الكلمات المعنى الحرفى لها. وانما استخدمت لتقريب معنى (سلطان الله).

 

3- (سورة البقرة):
“أينما تولوا فثم وجه الله “.

والمعنى الحرفى لهذه
الكلمات أن لله وجهاً كوجه الإنسان ولكنه واضح أنه لا يقصد المعنى الحرفى لهذه
الكلمات وإنما استخدمت لتفيد أن (الله موجود فى كل مكان).

 

على هذا القياس فإنه لا
يقصد من قولنا (ابن الله) المعنى الحرفى (أى الولاده الجسدية التناسلية) ولكن هذا
التعبير استخدم لتوضيح الأتى:

(1)         
علاقه الأقانيم الثلاثة (الآب والابن والروح
القدس).

(2)         
علاقه الأقنوم الأول (الآب) الذى لم يره أحد قط
بالأقنوم الثانى (الابن) الذى ظهر فى الجسد.

 

ولتوضيح ذلك فإن لكلمه
(ابن) عدة مدلولات تختلف عن ما يدور فى عقول الناس بالولادة الجسدية التناسلية ومن
هذه المدلولات.

 

أ- كلمه (ابن) تفيد ذات الطبيعة والجوهر.

فمثلاً (ابن الإنسان)
هو إنسان له طبيعة الإنسان البشرية أى لحم ودم مماثل لأبيه أى أنه من طبيعه
الإنسان ومن جوهره0 فلكى يفهمنا الله أن (الأقنوم الثانى) أو (الكلمة المتجسد) له
نفس طبيعه وجوهر (الأقنوم الأول) الذى لم يره أحد قط، أو بمعنى أوضح أن السيد
المسيح له طبيعة الله عبر عن ذلك بالقول (ابن الله) ولذلك تردد فى قانون الإيمان
عن السيد المسيح أنه (نور من نور) أي من ذات طبيعه وجوهر الله وفى ذلك يقول
الاستاذ/ عباس محمود العقاد فى ص171 من كتاب الله (إن الأقانيم جوهر واحد… إن
الكلمة والآب وجود واحد).

 

ب- كلمة (ابن) تفيد
تأكيد المعنى:

ففى قولنا (فلان عربى
ابن عربى) فإن ذلك يؤكد أصاله العروبة فى هذا الشخص. أى أنه عربى حقاً. وعلى هذا
القياس فالقول بأن (السيد المسيح ابن الله) هو تأكيد أن السيد المسيح هو الله
حقاً. ولذلك فنحن نقول فى قانون الإيمان عن السيد المسيح (…. إله حق من إله حق).

 

ج- كلمة (ابن) تفيد
المساواة:

فإذا قلنا (فلان ابن
عشر سنوات) نفصد أن عمره يساوى عشر سنوات.

 

وعلى ذلك فقولنا ان
السيد المسيح ابن الله يفيد أن السيد المسيح مساو لله. ولذلك نقول فى قانون
الإيمان عن السيد المسيح (… مساو للآب فى الجوهر).

 

د- كلمه ابن تفيد ذات
الشئ معلناً (ظاهراً):

فقولنا (بنات الفكر)
نفصد الفكر ذاته معلناً أو ظاهراً. وعلى هذا القياس فقولنا (السيد المسيح ابن
الله) يفيد أن (السيد المسيح هو ذات الله معلناً أو ظاهراً فى صورة إنسان) ولهذا
جاء بالوحى الإلهى عن السيد المسيح أنه “صورة الله غير
المنظور”(كولوسى1: 15) و”بهاء مجده (أى مجد الله) ورسم جوهره” (عب
1: 3).

 

ولعل هذا يوافق قول
الشيخ محيى الدين العربى (الكلمه هى الله متجلياً.. وأنها عين الذات الإلهية لا
غيرها) (كتاب نصوص الحكم جزء 1 ص 35).

 

ه كلمة (ابن) تفيد الملازمة وعدم الانفصال:

فقولنا (ابن النيل)
يعنى المصرى الذى يلازم بلده وابن العلم تعنى الطالب الملازم لدراسته وكقول القرآن
الكريم فى سورة البقرة “… وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل” ويقول الإمام النسفى عن كلمه ابن السبيل (أى المسافر
ودعى ابناً للسبيل لملازمته له) أى أنه ملازم للسبيل (الطريق) طول حياته لكثرة
أسفاره.

 

وعلى هذا القياس فقولنا
عن السيد المسيح إنه ابن الله نقصد أن السيد المسيح ملازم لله ولم ينفصل عنه رغم
أنه كان فى الجسد.

 

ولذلك نقول فى القداس
الإلهى (بالحقيقة نؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفه عين).

 

وفى ذلك يقول الاستاذ
عباس محمود العقاد (إن الأقانيم جوهر واحد. فإن الكلمة والآب وجود واحد. وإنك حين
تقول الآب لا تدل على ذات منفصلة عن الابن لأنه لا تركيب فى الذات الإلهية) (كتاب
الله ص171) مما سبق يتضح أن:

 

(1)         
كلمة (إبن الله) لا يقصد بها المعنى الحرفى أى
الولادة الجسدية.

(2)    كلمة
(ابن الله) تعبير أراد به الوحى الإلهى أن يقرب معنى علاقة (الأقنوم الثانى) الذى
ظهر فى الجسد (بالأقنوم الاول) الذى لم يره أحد قط. أى أنهما واحد فى الجوهر.

(3)    لا
يستفاد من هذا أن (الابن) أقل من (الآب) ولا أن (الابن) موجود بعد (الآب) كما فى
علاقة الإنسان بأبيه ولكن قصد التعبير عما سبق وأوضحناه.

 

إنى أعترض.. إله على
صورة إنسان:

 

قال أحد المعترضين (إن
المنظمات المسيحية تبذل محاولات لجعل الناس يعتقدون منذ طفولتهم فى إله على صورة
إنسان).

 

التعليق:

نحن المسيحيين نستنكر
هذا الكلام استنكاراً تاماً لأننا ننزه الله تنزيهاً كلياً عن الصورة والشبه لأن
رسم الله بصورة أو تمثال أنما هو من عمل الوثنيين.

 

وها هو القديس بولس الرسول
يقول صراحة ” الذين أبدلوا مجد الله الذى لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذى
يفنى” (رؤ1: 23).

 

وقال أيضاً: ” لا
ينبغى أن نظن أن اللاهوت شبيه بذهب أو فضة أو حجر نقش صناعة اإختراع إنسان”
(أع 17: 29). فنحن لا نقول مطلقاً إن اللاهوت على صورة ملاك أو إنسان أو طير أو
حيوان لأن “الله روح” (يو4: 24). “لم يره أحد قط” (يو1: 18).

 

ولكن مما يسترعى
الالتفات أنه لا يمكننا نحن البشر أن نتصور الله إلا بمنظار التعبيرات والمصطلحات
البشرية.

 

فالقرآن مثلاً يكلمنا
عن الله فى شكل وأوصاف الإنسان فيذكر:

 

وجه الله       –
” كل شئ هالك إلا وجهه”        سورة القصص: 88

عين الله       –
“واصنع افلك بأعيننا ووحينا”             سورة هود: 37

يد الله          –
“يد الله فوق أيديهم”                       سورة الفتح: 10

قبضة الله      –
“والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة”     سورة الزمر: 67

يمين الله       –
“والسموات مطويات بيمينه”              سورة الزمر: 67

جنب الله      – “يا
حسرتى على ما فرطت فى جنب الله”
سورة الزمر: 56

السمع         –
“وهو السميع العليم”                      سورة البقرة: 137

البصر         –
“والله بصير بما يعملون”                 سورة البقرة: 96

التكلم          –
“وكلم الله موسى تكليماً”                  سورة النساء: 164

الجلوس       –
“الرحمن على العرش استوى”           سورة طه: 5

المسير         –
“يأتيهم الله فى ظل من الغمام”            سورة البقرة: 210

التذكر         –
“فاذكرونى أذكركم”                       سورة البقرة: 152

النسيان        –
“فاليوم ننساهم”                           سورة الإعراف: 51

الكتابة         –
“وابتغوا ما كتب الله لكم”                  سورة البقرة: 187

التحسر        –
“يا حسرة على العباد”                    سورة يس: 30

الغضب       –
“وغضب الله عليه ولعنه”                  سورة النساء: 93

الرضى       –
“رضى الله عنهم ورضوا عنه”           سورة المائدة: 119

المكر          –
“ومكروا ومكر الله”                       سورة آل عمران: 45

السخط         –
“ان سخط الله عليهم”                      سورة المائدة: 80

اللعن          –
“أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون”     سورة البقرة: 159

الانتقام         –
“ومن عاد فينتقم الله منه”                  سورة المائدة: 95

المحبة        –
“سوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه”     سورة المائدة: 94

التوبة         –
“فأولئك يتوب الله عليهم”                 سورة النساء: 17

الشكر         –
“وكان الله شاكراً عليماً”                  سورة النساء: 147

الصلاة               –
“ان الله وملائكته يصلون على النبى”    سورة الأحازاب: 33

 

فإذا كان المسلم يفهم
الله بهذا التصوير اللغوى المجسم للمعانى مع فهمه الله بالأسلوب العلمى الذى يدلنا
على ذاته العلية المتجلي فى الكون، وهو الباطن اللطيف الذي لا تدركه الأبصار، فلا
يمنعه أن يصدق أن الله يتجلى للناس كما تجلى فى نار عليقة فرأى موسى نوره رؤية
العين وسمع صوته سمع الأذن.

 

وإن كان المسلم يحكم
بقول القرآن “وما كان البشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب”
(سورة الشورى: 51).

 

فمن السهل أن يصدق أن
الله احتجب فى الناسوت وكلم الناس كما يقول الإنجيل “الله ظهر فى الجسد”
(1تى3: 16).

 

إذاً.. لم يكن الله فى
جوهر لاهوته صورة إنسان بل من حبه للبشر اتخذ صورة الإنسان واتحد لاهوته بناسوته
ليعلن نفسه للبشر.

 

محدود أم غير محدود؟

يتصور البعض أن التجسد
الإلهى فى صورة البشر يجعل من الله الخالق جوهراً محدوداً بجسد، وهذا يتنافى مع الحقيقة
المؤكدة بأن الله جوهر غير محدود. ونحن نؤكد لمن يتصورون ذلك بأنهم مخطئون، لأن
التجسد لا يعنى ذلك. لأن الله لا يحد بجسد أو بأى شئ آخر ولا بالكون كله. إنه إله
عظيم جداً ومهوب (مزمور 96: 4) لا تسعه السموات ولا سماء السموات (1مل 8: 28). بل
كما قال القديس اثناسيوس الرسولى
إنه
“يحوى كل الأشياء ولا يحويه مكان. حاضر فى كل الأشياء بقدرته وواهباً الحياة
لكل شئ، مالئاً الكل دون أن يحد”… والحقيقة التى يجب أن نعلمها جميعاً أنه
فى الوقت الذى كان المسيح فيه كائناً فى العالم بلاهوته وناسوته كان أيضاً موجوداً
فى السماء بلاهوته السرمدى (يو3: 13).. وبينما كان لاهوته متحداً بناسوته فى بطن
السيدة العذراء (قبل أن يولد بالجسد) كان يملأ الكون بلاهوته الذى لا يحد (23: 24)
وبينما كان مدفوناً فى القبر بجسده المائت كان يحكم الأرض بلاهوته الذى لا يعرف
الموت.. إنه الكائن فى كل موضع. ولا يخلو منه مكان ” اين أذهب من روحك ومن
وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك وأن فرشت فى الهاوية فها أنت. إن
أخذت جناحى الصبح وسكنت أقاصى البحر فهناك أيضاً تهدينى” (مز 139: 7)..

 

إنه الإله النازل من
فوق بلاهوته دون أن يترك السماوات وهو الرله المتأنس الصاعد إلى السموات دون أن
يترك الأرض بلاهوته… رآه موسى قديماً بلهيب نار من وسط عليقة (خر 3: 3) ورآه
اشعياء جالساً على كرسى وأهدابه تملأ الهيكل (اش 6: 1) ولم يكن لهذا الأمر أو ذاك
أن يحد وجوده..

 

إن التجسد فى معناه
الحقيقى لا يعنى خضوع الكيان الإلهى غير المحدود لأبعاد مكانية تحد وجوده بل يعنى
ظهور الإله غير المنظور فى صورة الإنسان المنظور بغير أن يحد. ولهذا عبر لنا
الكتاب المقدس تعبيراً دقيقاً عن معنى التجسد بقوله “الله ظهر فى
الجسد”.

 

الملائكة والشياطين:

جاء فى أحد الكتب (أن
الملائكة تقدر أن تتجسد، وهى أرواح مجردة من المادة، وتستطيع أن تظهر بهيئات
متعددة ومتنوعة حتى تنظر وتسمع وتلمس من البشر. فقد جاء فى سورة مريم قوله ”
فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً” وجاء فى حديث البخارى الجزء
الأول ص3 “قال رسول الله (ص) للحراث بن هشام عن كيفيه إتيان الوحى، إحياناً
يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشده على فيفضم عنى، وقد وعيت ما قال. وأحياناً يتمثل
لى رجلاً يكلمنى فأعى ما قال. وعن زيد بن ثابت كان إذا نزل الوحى على محمد ثقل.
لذلك قال: ومرة وقع فخذه على فخذى، فو الله ما وجدت شيئاً أثقل من فخذه. وفى الجزء
الثانى ص 142 يقول محمد (ص) فإذا الملك الذى جاء فى بحراء قاعد على كرسى بين
السماء والأرض “.

 

هنا نجد الملاك يظهر فى
صورة الرجل ويتشكل بالحجم الذى يسد ما بين الأفق ويجلس على كرسى وله فخذ ثقيل
ويمسك بجرس له صلصلة. وكذلك الشياطين لها ذات القدرة على التجسد والظهور بهيئات
جسمية. فقد جاء فى (حديث البخارى الجزء 1 ص 143) عن أبى هريرة عن النبى (ص) إنه
صلى صلاة قال إن الشيطان عرض لى فشد علي يقطع الصلاة علي فأمنى الله منه ولقد هممت
أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا اليه… الخ. وقال الخازن على ما ورد فى
(سورة الحشر 16) إن الشيطان المسمى الأبيض تصدى لمحمد وجاءه فى صورة جبريل فدفعه
إلى اقصى الهند فإذا كانت الملائكة والشياطين قادرة على الظهور والتشكل فهل يعجز
الله عن التجسد.

 

صورة أخرى:

يتساءل البعض هل كان
يمكن للتجسد الإلهى أن يتم بغير الصورة التى تم بها؟..

إن الله قادر أن يصنع
الإنسان على أربعة أنواع:

1-         
من غير رجل ولا امرأه كما صنع آدم.

2-         
من رجل وامرأه كسائر الناس.

3-         
من رجل دون امرأه كما صنع حواء.

4-         
من امرأه دون رجل كما جاء السيد المسيح.

 

+ فلو أن الله أوجد
ذاته بالتجسد بدون رجل ولا امرأه لصار هذا الإنسان من جنس آخر غير الجنس الآدمى،
ولما استطاع أن يفدى الإنسان ويوفى دين خطيته.

 

+ ولو أن الله أتى من
رجل وامرأه لوقعت عليه الشبهة أن يكون متناسلاً طبيعياً من آدم وأن فساد الطبيعة
قد ساد عليه.

 

+ ولو أن الله أتى من
رجل دون امرأه لكان هذا تكراراً لقصة خلق حواء ولصار المخلص جزءاً من الرجل مكملاً
له، وكيف للجزء أن يفتدى الكل؟

 

+ لذلك كان لابد أن
يولد السيد المسيح من عذراء طاهرة. فيكون من الجنس الآدمى دون أن يكون من نسل آدم
المتناسل عنه تناسلاً طبيعياً،والمرأه لا تورث فساد الطبيعة.

 

هل خلت السماء؟

قال محدثى: هل خلت
السماء والكون كله من وجود الله عندما كان متجسداً على الأرض؟

 

قلت: إن ظهور الله فى
جسد إنسان ليس معناه أنه كان محصوراً ومحدوداً فى هذا الجسد. لأن الله روح. فرغم
أنه كان ظاهراً فى جسد إنسان فقد كان مالئاً السماء والأرض، ولتوضيح ذلك نورد
الأدلة الأتية:

 

1-     (سورة
النور): “الله نور السموات والأرض. مثل نوره كمشكاة فيها مصباح. المصباح فى
زجاجة. الزجاجة كأنها كوكب درى”. فالقرآن الكريم يشبه الله بالنور وبانه مثل
نور مصباح موجود داخل زجاجة، وهذا المصباح موضوع فى مشكاه (وهى تجويف فى حائط) فهل
الزجاجة تحصر نور المصباح؟ كلا بل النور ينفذ من الزجاجة ليملأ المكان كله، وعلى
هذا القياس نقول إن الله فى تجسده وظهوره فى جسد إنسان كان مالئ السموات والأرض
وكل مكان كمثل النور، بل اننا نلاحظ فى هذا التشبيه أهمية وجود الزجاجة فوق
المصباح، فإن وجودها لا يحجب ولا يعوق انتشار نور المصباح، بل على العكس جعل النور
أكثر وضوحاً ولمعاناً لأعين الناظرين.

 

وعلى هذا القياس فإننا
نقول إن الجسد الذى حل فيه الله لم يحجب اللاهوت ولم يعق ملئه للعالمين، بل على
العكس جعل اللاهوت أكثر وضوحاً وظهوراً لأعين الناظرين (أى العالم أجمع) ولذلك
نقول فى القداس الإلهي عن السيد المسيح “الذى أظهر لنا نور الآب”

 

2-     (سورة
القصص): “فنودى من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين” ويتضح
من ذلك أن الله حل فى الشجرة وخاطب موسى منها. فهل خلت السموات والأرض من الله عند
حلوله فى الشجرة؟ وعلى هذا القياس فعندما حل اللاهوت فى الجسد البشرى لم يخل منه
مكان.

 

3-     (البخارى
جزء 4 ص 68): “ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليله فى السماء الدنيا حين يبقى ثلث
الليل الأخير يقول من يدعونى فأستجيب له” فهل يقصد البخارى أن السماء والأرض
تخلوان من الله عندما ينزل إلى السماء الدنيا؟ وعلى هذا القياس نقول عندما حل الله
فى جسد إنسان لم يخل منه مكان.

 

أين كان الله عندما
تجسد المسيح:

قال الأنبا يوساب الأول
” إذا أراد إنسان أن يرسل كلمته إلى بلد يلبسها جسداً لكى تظهر لأعين
الناظرين، أعنى أن تتحد كلمته بالمداد. فهنا صار المداد كلمة، والكلمة صارت
مداداً، وإذ يرسلها المرسل إلى حيث يريد، هناك تظهر للكثيرين، وتصير فاعلة لمشيئة
مرسلها، والكلمة حقاً لم تنتقل من قلب مرسلها، هكذا نحن نعتقد أن الآب لما أراد أن
يرسل كلمته (المسيح) لخلاص العالم أتى هذا الكلمة، وحل فى أحشاء مريم العذراء،
وأخذ من أحشائها جسماً كاملاً، ونفساً عاقلة، واتحد كاتحاد النفس بالجسد، واتحاد
الكلمة بالمداد، ومع ذلك كان لا يزال متحداً بأبيه وهو على الأرض “.

 

صورة فى السقف:

الرسام الإيطالى رينيه
رسم صورة رائعة تعرف ب (الارورا) وهى معروضة فى قصر بمدينة روما. وقد رسمها على
سقف إحدى مقصورات ذلك القصر ويضطر المتفرجون أن يتطاولوا بأعناقهم ليتمكنوا من
رؤيتها جيداً. وعندما يتعبون من التطلع إلى فوق يطأطئون رؤوسهم فيرون الصورة
منعكسة فى المرآة المثبتة فى جانب الغرفة من أسفل فيتنفسون الصعداء أن وجدوا
ضالتهم فى متناول أيديهم.

 

وهكذا لقرون طويلة
حاول أبناء العهد القديم أن يعرفوا الله، لكنه بدا بعيداً عنهم وفجأة اكتشفوا عن
طريق السيد المسيح أن الله فى وسطهم، فالسيد المسيح عن طريق تجسده أظهر لهم حقيقة
الله وجعل ذلك الإله الذى كان بعيداً عنهم يغدو ملموساً لديهم ومفهوماً عندهم.

 

بقعة الحبر وكيف
نزيلها:

يتساءل البعض قائلاً:
ألم تكن توبة آدم عن الخطية سبيلاً إلى خلاصه من الموت الأبدى؟ وللإجابه على ذلك
نقول إن توبة آدم عن فعل الخطية لم تكن كافية لينال الخلاص، لأن التوبة إنما تمنع
الإنسان عن ارتكاب الإثم، لكنها تعجز تماماً عن أن تعود به إلى سابق طبيعته. أى
يظل الفساد قائماً فى الكيان الإنسانى كما هو، وبذا ينتفى أمر خلاصه من قبضة
الموت… ولتوضيح ذلك نقول لنفرض أنك سكبت قليلاً من سائل أسود اللون (حبر مثلاً)
على قصاصة بيضاء. فسوف يتغير لونها بطبيعة الحال من الأبيض إلى الأسود. فإذا
افترضنا أنك توقفت عن سكب المزيد من السائل عليها، فهل تعود القصاصة إلى ما كانت
عليه أولاً؟ بالطبع لا. لان السائل يكون حينئذ قد لصق بها وامتزج ينسيجها ويعدو
أمر إزالته شيئاً غير ممكن إلا بمعالجته بمزيل قوى لمحو آثاره.. هكذا فإن توبة
الإنسان وحدها لا تقوده إلى طريق الخلاص لأن طبيعته الأصلية قد تدنست0 ومجرد
امتناعه عن فعل الخطية لا يمحو ما أصاب طبيعته من فساد ودنس. وكما أن القصاصة كانت
فى حاجة إلى مزيل قوى لمحو الآثار الناجمة عن التلوث الذى أصابها. هكذا الإنسان
المائت كان فى حاجة ماسة لأن يتنازل رب الحياة ويتحد بطبيعته اتحاداً كاملاً
بواسطة التجسد حتى كما سقط الإنسان بالخطية وتلوث بها يقوم من الموت بالتصاقه
بالحياة.

 

الطبيعة والتجسد

هل نتعلم من الطبيعة أن
الله الباطن يمكن أن يصير ظاهراً؟ أليس الله الموجود منذ الأزل لم يكن فى الأزمنة
الأزلية معروفاً قط إلا عند ذاته؟

 

ألم يرد الله أن يعرف
ويعلن فأبدع الخلق وصنع الملائكة والناس فشاهدوا بدائع مصنوعاته فشهدوا لوجوده
وصلاحه؟

 

ألم يرد الله أن يعلن
نفسه بطريقة أكثر وضوحاً مما تعلنه الخليقة، فاتصل ببعض الخاصة من البشر وأوحى
إليهم كلامه، فدونوا كلام الله فى أسفار تعلن الله وصفاته وأعماله وسياسته وعلاقته
بالبشر؟

ألم يرد أن يعلن نفسه
أكثر وأكثر، فأخذ يتجلى ويظهر مجده الخاص للسمع والبصر؟

ألم يتجلَّ لموسى فى
نار عليقة وكلمه تكليماً؟

فإن كان الله قد تجلى
فى النار والشجرة فرأته العين وسمعته الأذن، أفلا يمكن أن يتجلى فيما هو
أسمى من الشجرة… فى الإنسان تاج الخليقة؟

 

أليس هذا ما جاء فى
المسيحية “الله ظهرفى الجسد” (1تى1: 16).

ألا تعلمنا الطبيعة أن
الأشياء غير المنظورة لها إمكانية التجسم والظهور؟

فالنار وهى عنصر محجوب
عن العيون تتجسم فى الفحم والأخشاب وكل مادة قابلة للاحتراق.

والكهرباء تتجسم فى
أسلاك خاصة بحلولها فيها وظهورها عاملة عملها العجيب فى الإنارة والتدفئة وتحريك
الآلات وتسيير القطارات.

 

والمغنطيسية، وهى قوة
كامنة لا صورة لها ولا وزن ولا لون، ولكنها إذا ما تجسمت فى الحديد ظهر فعلها
العجيب فى جذب الحديد، الأمر الذى لا

يبدو
قبل تجسمها.

 

والطاقة الذرية كيف
أنها بعد الخفاء والحجاب طوال حقبات الدهور قد ظهرت وستظهر أفعالها المدهشة التى
سوف تغير وجه العالم.

 

فإذا كانت القوى
الطبيعة قادرة على الظهور والتشكل بما شاء لها البشر سواء كان بقوتهم الذاتية أم
بقوة الله، فكيف يكون الله خالقها عاجزاً عن الظهور والإعلان عن نفسه؟

 

وهل يعقل أن الذى يعطى
خلائقه العاقلة كالملائكة وغير العاقلة قدرة على التجسد والظهور يكون هو عاجزاً عن
الظهور والتجسد؟

 

فالتجسد سر عظيم، وإن
كان فوق العقل، لكنه لا يتعارض مطلقاً مع العقل. وكل الذين يؤمنون بالله لا يدركون
كنهه وعظمته. وقصورهم عن إدراك كنهه لا يطعن فى وجوده.

 

العلم والدين يقرران
أننا نشابه الله بعض الشبه:

إن العلم والدين يقرران
أننا نشابه الله بعض الشبه:

فالله موجود ونحن
موجودون. والله حى ونحن أحياء.

والله عليم ونحن نعلم.
والله سميع ونحن نسمع.

والله كليم ونحن نتكلم.
والله بصير ونحن نبصر.

والله قادر ونحن نقدر.
والله مريد ونحن نريد.

والله عامل ونحن نعمل.

 

ألا ترى من ذلك أن الله
وضع صورته ومثله فى البشر، وأفاض عليهم ألواناً محدودة من صفاته غير المحدودة؟

 

لقد ذكر القرآن بعض
بهذه الصفات التى طبعها الخالق على خليقته، فذكر الخالق باسم التفضيل باعتبار أنه
المصدر الأعلى لهذه الصفات المتشابهة المشتركة بينه تعالى وبينهم.

 

فرحمة البشر صورة مصغرة
لرحمة الله “وهو أرحم الراحمين”(سورة يوسف: 64).

 

وحكم البشر صورة مصغرة
لحكم الله. “بأحكم الحاكمين” (سورة التين: 8).

 

فإذا كان ظهور الخليقة
العاقلة المتشابهة لله هو صورة مصغرة لله ظاهرة فى الخليقة كقول القرآن “وله
المثل الأعلى فى السموات والأرض” (سورة الروم: 27).

 

وإذا كان وجود المماثلة
الثابت من الخليقة ليس جديداً على الله، فوجود الصورة فى الله موجود منذ الأزل.
وهذا يوافق ما قاله الكتاب المقدس أن المسيح هو بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل
الأشياء بكلمات قدرته. (عب1: 3)
.



(*)  أنظر كتابنا فلنؤمن
بالتجسد.

 (**)سنتعرض لهذا الموضوع
ونستكمل دراسته خلال دراستنا لقضية فداء السيد المسيح للإنسان.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى