اللاهوت الدفاعي

الباب الثانى عشر



الباب الثانى عشر

الباب
الثانى عشر

القول
بأن القرآن نسخ (ألغى) الكتاب المقدس

وأن
جميع الأنبياء كانوا مسلمين؟

يقول
البعض، وربما يتصور البعض خطأ، بأن الإنجيل نسخ (الغى وأبطل) العهد القديم
(التوراة حسب تسمية البعض)، وهذا تصور خاطئ. لأن النسخ معناه الإبطال والإلغاء
والإزالة. وهذا الشئ من الممكن أن ينطبق على أى شئ ما عدا كلام الله. لذلك يقول
القديس بولس الرسول “لاينسخ عهداً سبق فتمكن من الله” (غلاطية 3: 17).
وقد قال السيد المسيح، له المجد، عن العهد القديم “لا تظنوا أني جئت لأنقض
الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل.
فإنى الحق
أقول لكم الى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس
حتى يكون الكل” (متى 5: 17-19).

 

والكتاب
المقدس مملؤ بالآيات التى تؤكد عصمته وحفظه إلى الأبد من كل نقص أو زيادة أو
تبديل.. والنسخ معناه أننا نجد كلاماً ناسخاً وكلاماً منسوخاً، أى أن كلاماً يأتى
ثم يأتى بعد ذلك كلاماً آخر يبطله ويلغيه. وفى هذا ننسب إلى الله العجز والضعف
والنقص وأنه بذلك لا يثبت على كلامه لأنه متغير وغير مستقر. وحاشا لله ذلك.

 

والمسيحية
بريئة من هذا الافتراء والادعاء على الله الذى نجله ونقدسه ونقدس كلماته “ليس

الله
إنساناً فيكذب أو ابن آدم فيندم” (عدد 23: 17) ويقول الرسول “إن الله
ليس عنده تغيير ولا ظل دوران” (يعقوب 1: 17).

 

وقد
شهد العهد الجديد لصحة العهد القديم (متي 21: 42، 22: 29، 26: 54،56 ولوقا 24: 44
ويوحنا 2: 22-26، 5: 39، 10: 35 وأعمال 17: 2، 11، 18: 28 ورومية 1: 2، 4: 3،

9: 17،
10: 11،
11: 20،
15: 4،
16: 26 و1 كورنثوس 15: 3،
4 وغلاطية 3: 22، 4: 30 و1تيموثاوس 5: 18 و2تيموثاوس 3: 16 و2بطرس 1: 20، 12، 3:
16.

 

وقد
احترم السيد المسيح، له كل المجد، ما جاء فى الكتاب المقدس وأجله إجلالاً عظيماً
لأنها أقواله وليست أقوال أحد غيره. وعلى ذلك يقول “كل ما قاله لكم الكتبة
والفريسيون افعلوا”. كذلك نجده أيضاً يطيع الناموس. فلم يبدأ خدمته وكرازته
إلا فى سن الثلاثين. وكذلك نجده يرد على إبليس فى التجربة على الجبل بكلمات من
العهد القديم.

 

وقد
أعلن الحقيقة عندما قال إن موسى كتب عنى (يوحنا 5: 46) و”داود يدعونى
رباً” (متى 22: 45. كذلك عند ظهور السيد المسيح لتلميذى عمواس ابتدأ يحدثهم
عن موسى وعن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب (لوقا 24:
27).

 

ويستمر
المدعون بأن العهد الجديد قد نسخ (ألغى) التوراة فيعلنون بعد ذاك عن قصدهم من وراء
ذلك فيقولون بأن القرآن جاء بعد ذلك لكى يلغى ويبطل وينسخ الإنجيل.

 

وهذا
خطأ يظلمون به أنفسهم ويظلمون القرآن أيضاً، حيث أنه لم تأت فى القرآن أى إشارة
إلى نسخه للكتاب المقدس، بل على العكس من ذلك إذ أعلن أنه جاء مصدقاً ومهيمناً
عليه، أى حافظاً له.

 

أما
النسخ
المذكور فى القرآن هو خاص بالقرآن نفسه أى أن
بعض نصوص القرآن تبطل بعضها البعض كما يتضح ذلك من النصوص الاتية:

 

جاء
فى (سورة البقرة 106) “وما ننسخ من آية أو ننسها فنأتى بخير منها أو مثلها
ألم تعلم إن الله على كل شئ قدير “.

 

قال
الرازى والبيضاوى ما ملخصه: نزلت هذه الآية رداً على طعن اليهود فى الإسلام بقولهم
ألا ترون أن محمداً يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمر بخلافه.

 

جاء
فى سورة النحل: “وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت
مغتر بل أكثرهم لا يعلمون “.

 

قال
الرازى مفسراً: قال ابن عباس: كانت إذا نزلت آية فيها شدة ثم نزلت آية أكثر ليناً
منها قال كفار قريش والله ما محمد إلا يسخر بأصحابه. اليوم يأمر وغداً ينهى وأنه
لا يقول هذه الأشياء إلا من عند نفسه. فأنزل الله هذه الاية. “واذ بدلنا آية
مكان آية” ومعنى التبديل رفع الشئ مع وضع غيره فى مكانه وتبديل الآية رفعها
بآية أخرى غيرها، وهو نسخها بآيه سواها. وقوله والله أعلم بما ينزل من الناسخ
والمنسوخ والتغليظ والتخفيف، أى هو أعلم بجميع ذلك فى مصالح العباد. وهذا التوبيخ
للكفار على قولهم إنما أنت مفتر أى إذا كان هو أعلم بما ينزل فما بالهم ينسبون
محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الافتراء لأجل التبديل والنسخ. “بل اكثرهم لا
يعلمون” حقيقة القرآن وفائدة النسخ والتبديل وإن ذلك لصالح العباد..”
(الرازى مجلده ص 519، ويفسرها البيضاوى قائلاً “بدلنا بالنسخ فجعلنا الآية
الناسخة مكان المنسوخة لفظاً وحكماً (والله أعلم بما ينزل) من المصالح فلعل ما
يكون مصلحة فى وقت يصير مفسدة بعده فينسخه، وما لا يكون مصلحة حينئذ يكون مصلحة
الآن فيثبته مكانه (قالوا إنما أنت مفتر) أى متقول على الله تأمر بشئ ثم تبدل ذلك
فتنهى عنه وهو صواب إذا الله أعلم بما ينزل (بل أكثرهم لا يعلمون)، أى لا يعلمون
حكمة الأحكام ولا يميزون الخطأ من الصواب (المجلد الاول ص 681).

 

وفى
الجلالين (وإذا بدلنا آية مكان آية) بنسخها وإنزال غيرها لمصلحة العباد والله أعلم
بما ينزل قالوا، أى الكفار، للنبى صلى الله عليه وسلم إنما أنت مفتر كذاب تقول من
عندك. بل أكثرهم لا يعلمون حقيقة القرآن وفائدة النسخ) (جزء أول ص 256).

 

جاء
فى سورة النساء: “واللاتى يأتين الفاحشه من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة
منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً
“.

 

قال
الإمام الرازى مفسراً: “زعموا أن هذه الآية منسوخة بالحديث ما روى عبادة ابن
الصامت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلاً
البكر بالبكر والثيب بالثيب. البكر تجلد وتنفى. والثيب تجلد وترجم. ثم أن هذا
الحديث صار منسوخاً بقوله تعالى الزانية والزانى فأجلدوا كل واحد مائة جلدة وعلى
هذا الطريق يثبت أن القرآن قد ينسخ بالسنة وان السنة قد تنسخ بالقرآن” هذا
ورأى فريق من المفسرين والفريق الثانى أن هذه الآية صارت منسوخة بآية الجلد. وأعلم
أن أبا بكر الرازى لشدة حرصه على الطعن فى الشافعى قال (القول الأول أولى لأن آية
الجلد لو كانت متقدمة على قوله خذوا عنى لما كان لقوله خذوا عنى فائدة فوجب أن
يكون قوله خذوا عنى متقدماً على آية الجلد. وعلى هذا التقرير تكون آية الحبس
منسوخة بالحديث. ويكون الحديث منسوخاً بآية الجلد فحينئذ ثبت أن القرآن والسنة قد
ينسخ كل واحد منهما الآخر.. ثم يستضعف البعض تفسير أبى بكر الرازى ويفسرها
فامسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً بأن إمساكهن فى
البيوت محدود إلى أن يجعل الله لهن سبيلاً وذلك السبيل كان محملاً فلما قال صلى
الله عليه وسلم “خذوا عنى الثيب ترجم والبكر تجلد وتنفى” صار هذا الحديث
بياناً لإحدى الآيتين
ومخصصاً الآية الأخرى
أولى من الحكم بوقوع النسخ مراراً وأما أصحاب أبى حنيفة فيذهبون بأن آية الحبس
صارت منسوخة بآية الجلد ” (الرازى مجلد 3 ص 244، 246، 247).

 

إن
النسخ فى القرآن لا علاقة له بالكتاب المقدس، كما صرح بذلك أحد كبار المفسرين على
الإسلام، وهو الإمام جلال الدين السيوطى الذى قال (ان النسخ مما خص به الله هذه
الأمة) أى الأمة الإسلامية.

 

وهنا
نورد بعض أمثلة النسخ الواردة بالقرآن.

مثال:
نسخ آيات السلم بآيات القتال:

1-
آيات السلم والتبشير وعدم الإكراه فى الدين:

              
” وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً”
(الاسراء 105).

              
“والذين أتخذوا من دونهم أولياء الله حفيظ
عليهم وما أنت عليهم بوكيل”(الشورى6).

              

فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب” (الرعد 40).

              

لا إكراه فى الدين” (البقرة 156).

              

ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً. أفأنت تكره الناس حتى يكونوا
مؤمنين” (يونس 99).

 

2-
ايات القتال التى أبطلت الآيات السابقة:

              
” كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن
تكرهوا شيئاً وهو خير لكم” (البقرة 216).

              
” واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث
أخرجوكم.. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله” (البقرة 191-193).

     

فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وأحصروهم وأقعدوا
لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فحلوا سبيلهم إن الله غفور
رحيم” (التوبة 5).

              
“فإذا
ألقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اسخنتموهم فشدوا الوثاق”(محمد4).

     

قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا
يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”
(التوبة 29).

     

ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فى
سبيل الله فان تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم” (النساء 89).

              

يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير
” (التوبة 73).

 

مثال
آخر: نسخ الأمر بالابتعاد عن النساء وقت الصوم بالتصريح بالقرب منهم:

الأمر
الأول: (جاء فى سورة البقرة 183) “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من
قبلكم لعلكم تتقون”.

 

الأمر
الثانى: (جاء فى سورة البقرة 187) “أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم. هن
لباس لكم وأنتم لباس لهن. علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم (1) فتاب عليكم وعفا عنكم
فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم “.

 

مثال
ثالث: نسخ الوعد بأن الواحد يغلب عشرة بأن الواحد يغلب إثنين:

لقد
جاء الوعد للمسلمين أن الواحد منهم يغلب عشرة ولكن عندما ذهبوا إلى ساحة القتال
باءوا بالفشل فنسخ الله وعده السابق بقوله “ياأيها النبى حرض المؤمنين على
القتال. إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً
من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون. الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً. فإن
يكن منكم مائة صابرة يغلبون مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبون ألفين بإذن الله والله
مع الصابرين” (الأنفال 65، 66).

 

وهناك
أمثلة عديدة مثل أن
الله أمر المتوفى عنها
زوجها بالاعتداد حولاً كاملاً ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشراً وأيضاً نسخ القبلة عن
بيت المقدس إلى حرم مكة وغير ذلك كثير.

 

القرآن
يرفض نسخ عقيدة التوراة والإنجيل:

فالقرآن
يعلم أن عقيدة الكتاب المقدس والقرآن الجوهرية هى التوحيد. فكيف ينسخها؟ كل أنبياء
الله قد كرزوا بالتوحيد “وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى اليه أنه لا
إله إلا أنا فاعبدونى” (سورة الأنبياء 125). فكيف يمكنه أن ينسخ هذا التعليم؟
والمسلمون يؤمنون بالكتاب المقدس كله (آل عمران 119). وبالذى أنزل إليهم والذى
أنزل إلى اليهود والنصارى (سورة العنكبوت 46) فكيف ينكر القرآن ذلك وكيف يبطل نبى
نبياً ويعطل دعوته؟ “شرح لكم من الدين ما وصى به نوحاً – والذى أوحينا إليك –
وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه” (الشورى
13).

 

كيف
يجسر أحد بعد هذا التصريح وغيره أن يقول بأن القرآن الكريم أو الإسلام نسخ ما
قبله؟ أن القرآن يأمر بالإيمان بالكتاب المقدس فكيف ينسخه؟ يطلب إيماناً واحداً
بالكتابين “يا أيها الذين آمنوا (المسلمون) آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى
نزل على رسوله والكتاب الذى انزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً” (سورة النساء 135).

 

كيف
يجوز آن ندعى بأن القرآن الكريم قد أبطل الكتاب المقدس وهو يعلن إيماناً واحداً
بجميع الأنبياء (آل عمران 84).

 

كيف
يدعى البعض أن الأنبياء يدحض بعضهم بعضاً؟ فى الوقت الذى يجعل فيه القرآن الكريم
الإيمان بالتوراة والإنجيل وأنبيائهما ركناً من أركان الإسلام “ليس البر أن
تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة
والكتاب والنبيين” (سورة البقرة 177).

 

فكيف
يدعى البعض بأن القرآن نسخ ما قبله؟ وكيف يأمر القرآن الكريم بالإيمان بما ينسخه
ويبطله ويلغيه؟.

والقرآن
تصديق للكتاب المقدس فكيف ينسخه؟ “لقد جاءهم كتاب من الله مصدق لما
معهم” (سورة البقرة 89) “وهو الحق مصدق لما معهم” (سورة البقرة
91،97) فكيف ينسخ ما جاء تصديقاً له؟ “الله الحى القيوم نزل عليك الكتاب
بالحق مصدقاً لما بين يديه (قبله) وانزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس”
(سورة آل عمران 3) فهل بطل هذا الهدى وقد جاء القرآن الكريم ليصدقه؟.

 

ما
هذه البدعة التى تفترى أساساً على القرآن وتعلم بعكس ما علم به صراحه عن الكتاب
المقدس من أنه إمامه فى الهدى (كتاب موسى) وهو تصديق له ” ومن قبله كتاب موسى
إماماً ورحمة وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً لينذر الذين ظلموا وبشرى
للمحسنين” (سورة الاحقاف 12) فكيف ينقض القرآن هدى إمامه وهو يصدقه؟.

 

إن
من خصائص الكتاب المقدس إمامته للقرآن (1)
الكريم ومن خصائص القرآن الكريم تصديق الكتاب المقدس(1) وإنذاراً للعرب المشركين
وبشرى للكتابين المحسنين فكيف تنقض النسخة الأصل؟ وفى سورة المائدة نظرية القرآن
الكريم النهائية فى علاقة الإنجيل بالتوراة وعلاقة القرآن الكريم بهما، أى يصدق
بعضها بعضاً ويشهد بعضها لبعض (2)
“وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه (قبله) من التوراة..
وأنزلنا اليك (يامحمد) الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه (قبله) من الكتاب
ومهيمناً عليه” (سورة المائدة 50-52). فالقرآن الكريم رقيب للكتاب المقدس.
شاهد للتوراة والإنجيل، فكيف ينسخهما؟ حقاً إنها فريه كبيرة تلك الادعاءات الباطلة.

والقرآن
الكريم تفصيل الكتاب المقدس (1) فكيف ينسخه؟ “ما كان هذا القرآن أن يفترى من
دون الله. ولكن تصديق الذى بين يديه (قبله) وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب
العالمين” (سورة يونس 37). “جاء تصديقاً أى مطابقاً لما تقدمه من الكتب
الإلهية المشهود على صدقها ولا يكون كذباً! كيف
لا وهو
لكونه معجزاً دونها عيار عليها. شاهد على صحتها. وتفصيلاً للكتاب أى تفصيل ما أثبت
وحقق من العقائد والشرائع” (البيضاوى).

 

القرآن
الكريم يرفض نسخ شريعة التوراة والإنجيل:

ادعى
البعض بأن القرآن الكريم لم ينسخ عقيدة الكتاب المقدس بل شريعته.. كلا.. لقد نقل
القرآن الكريم للعرب حسب رأيه. شريعة الكتاب المقدس “شرع لكم من الدين ما وصى
به نوحاً – والذى اوصينا اليك – وما أوصينا به ابراهيم وموسى وعيسى. أن تقيموا
الدين ولا تتفرقوا فيه” (سورة الشورى 13) فكيف يقال أنه نسخها؟ إن القرآن
الكريم يعلن عن نفسه أنه يهدى العرب إلى سنن أهل الكتاب “يريد الله ليبين لكم
ويهديكم سنن الذين من قبلكم (1)
” (سورة النساء 25). فكيف يهدى القرآن إلى شرائع الأنبياء وندعى انه ينسخها؟

 

والقرآن
الكريم يأمر أهل الكتاب بالعمل بما فى أحكام كتابهم. فكيف يدعى البعض أنه ينسخه؟
إنه يأمر أهل التوراة أن يحكموا بما انزل الله فيها “إنا أنزلنا التوراة فيها
هدى ونور.. ومن لم يحكم بما أنزل الله فيها فأولئك هم الكافرون” (سورة
المائدة 47). فهل ناقض الله نفسه ونسخ هذا الأمر؟ وأين؟ ثم يأمر أهل الإنجيل أن
يحكموا بما انزل الله فيه “وليحكم أهل الإنجيل بما انزل الله فيه” (سورة
المائدة 50) فهل سنها الله وأبطل أمره؟ ويؤكد القرآن أمره “قل يا أهل الكتاب
لستم على شئ حتي تقيموا التوراة والإنجيل (2).
وما أنزل إليكم من ربكم” (سورة المائده 72). بل أنه يرغبهم فى العمل بأحكام
كتابهم “ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من
فوقهم ومن تحت أرجلهم” (سورة المائدة 69). ألا تناقض نظرية النسخ تعاليم
القرآن الكريم كلها.

 

وقد
يقول قائل إن القرآن هو كمال النبوة ونبى الإسلام هو خاتم النبيين وقد تضمن كتاب
النبى الأمى (تفصيل الكتاب) كله (سورة يونس 37). فلا حاجة بعد إلى نبى أو كتاب
سابق أو لاحق (3).
فهو يكفى وحده.

 

إن
القرآن الكريم يعتبر الكتاب المقدس أمامه (الاحقاف 12). وإن نبى الإسلام نفسه يعلن
أنه كان يقتدى بأنبياء الكتاب المقدس ويتبع هداهم (سورة الانعام 90). فكيف يدعى
البعض بأنه ينقض نبوتهم وينسخ رسالتهم ويستغنى عن كتبهم وخاصة وأنه كان يتبع
الكتاب المقدس والقرآن الكريم على السواء “قالوا سحران تظاهرا، وقالوا إن بكل
كافرون! قل فأتوا بكتاب من عند الله أهدى منهما إتبعه إن كنتم صادقين” (سورة
القصص 49).

 

عدم
وجود نسخ فى اليهودية والمسيحية:

إذا
نظرنا إلى الديانة اليهودية والمسيحية رأينا كلا منهما خالياً من الناسخ والمنسوخ،
فلم يأت موسى بأمر ثم نسخه، وكذلك لم يأت المسيح كلمة الله ولا الحواريون بأمر ثم
أتوا بخلافه. بل نقول أيضاً إنه لم ينسخ نبى ديانة نبى آخر، فإن أعمال الله منذ
الأزل بعيدة عن التناقض أو التشويش. فكتب موسى والمسيح هى إعلانات لحقائق واحدة،
ففى كتب موسى أعلنت هذه الحقائق برموز وإشارات. وأعلنت فى الثانى بصريح الكلام
بطريقة أوضح وأفصح وأبلغ.

 

قال
القديس أوغسطينوس: (إن العهد القديم هو نبؤة عن العهد الجديد، وكأن العالم يستعد
لمجئ المسيح قبل ظهوره بزمان طويل، وإن العهد القديم كان نبؤة سامية ورمزاً جليلاً
إلى المزمع أن يأتى وقد أتى). وقال أيضاً: (من يقدر أن ينكر أن الأنبياء المقدسين
فى العهد القديم رأوا بالروح مجئ المسيح قبل أن أتى بزمان طويل، ووضعوا التعليم
الإنجيلى بروح النبوة بكلام متفاوت فى الوضوح، مثل كمون الورق والثمر فى البذرة
التى كانت محتاجة إلى الشمس الإلهية لكى تظهرها).

 

وإذا
تأملنا فى النبوات الواردة فى العهد القديم عن المسيح وصفاته وكمالاته وأعماله
وموته وصلبه وقيامته، وعن سلطانه وقوته وجبروته، وعن رسله الحواريين وكنيسته، ظهر
لنا تلازم الوحى فى العهدين. وقال بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين إن كل
الناموس اليهودى الطقسى، مع كل فرائضه وغسلاته وذبائحه، كان رمزاً وكنايات إلى
النظام الإنجيلى. بل أن مشاهير العهد القديم كملكى صادق وموسى وداود وسليمان كانوا
يرمزون إلى المسيح، وكثير من حوادث التاريخ اليهودى، كعبور البحر الأحمر وخروف
الفصح والحية النحاسية والمن من السماء والماء من الصخرة، كانت مثلاً عن الحوادث
الإنجيلية..إن النبوة بواسطة المسيح ارتقت من صورتها الزمنية إلى جوهرها.

 

نختم
كلامه بما قاله المسيح له المجد “لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو
الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإنى الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض
لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (متى5: 17-19).

 

معني
النسخ:

اختلف
العلماء فقيل: لا ينسخ القرآن إلا بقرآن، لقوله “ما ننسخ من آية أو ننسها نأت
بخير منها أو مثلها” (البقرة 2: 106). فقالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيراً
منه إلا قرآن. بل قد نسخ القرآن بالسٌنَة. أما فى المسيحية فيقول المسيح “لا
تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل” ثم أكد
قائلاً >فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو
نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (متى 5: 17،19).

 

     
قالوا: لا يقع النسخ إلا فى الأمر والنهى مثل:
إفعلوا، ولا تفعلوا، وعلى الأخبار التى معناها الأمر والنهى كقوله فى (سورة النور
24: 3). “الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو
مشرك” يعنى لا تنكحوا زانية ولا مشركة. والأخبار التى معناها الأمر كقوله فى
(سورة (يوسف 14: 47). “تزرعون سبع سنين دأباً” بمعنى: ازرعوا. فالأوامر
والنواهى والأخبار التى بهذه الصفة يجوز نسخها. أما الأخبار بمعنى رواية الحوادث
وذكرها فلا يجوز نسخها. غير أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسدى قالا: يدخل النسخ
على الأمر والنهى وجميع الأخبار. وتابعهما على هذا القول جماعة. وعلى هذا الرأى
يكون النسخ فى أوامر القرآن ونواهيه وأخباره وقصصه.

 

     
مسألة القتال، أمر محمد (ص) فى البداية أصحابه
بالصفح عن أعدائه ثم حضهم على قتالهم. قال ابن العربى لأن كل ما فى القرآن من
الصفح عن الكفار والتولى والأعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف (سورة التوبة
9: 5). “فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم” فهذه
الآية نسخت مائة وأربعاً وعشرين آية ثم نسخ آخرها أولها.

 

لا
نطيق:

ومن
ذلك قوله فى (سورة البقرة 2: 284) “وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم
به الله” فقال المسلمون فى عصر محمد (ص) إنه يجول فى نفوسنا لو سقطنا من
السماء إلى الأرض لكان ذلك أهون علينا. وقالوا لمحمد (ص): لا نطيق. فقال محمد (ص)
لهم: لا تقولوا
سمعنا وعصينا، ولكن
قولوا سمعنا وأطعنا. ثم قال إن الله أنزل عليه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. ولم
يكتفوا بذلك، فخفف الوسع أيضاً بقوله “يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم
العُسر “.

 

وروى
عن محمد (ص) قوله: إن الله تجاوز لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ومما
يشبه ذلك قوله ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ” فقال العرب:
يا رسول الله، ما حق تقاته؟ قال: أن يطاع فلا يعصَى، وأن يذكر فلا يُنسى، وأن يشكر
فلا يكفر. فشق عليهم ذلك، فنزلت: وجاهدوا فى الله حق جهاده. فكان هذا أعظم من
الأول ومعناها اعملوا حق عمله وكادت عقولهم تذهل فخفف عنهم ذلك بقوله: فاتقوا الله
ما استطعتم. فصارت ناسخة لما قبلها.

 

وقد
روى فى (سورة التوبة 4: 17) “إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة
ثم يتوبون من قريب. فسئل محمد ما حد التائبين؟ قال من تاب قبل موته بسنة قبل الله
تعالى توبته. ثم قال: ألا وأن ذلك لكثير. ثم قال: من تاب قبل موته بنصف سنة قبل
الله تعالى توبته. ثم قال: ألا وان ذلك لكثير. ثم قال: من تاب قبل موته بشهر قبل
الله تعالى توبته. ثم قال: ألا وان الشهر كثير. ثم قال: من تاب قبل موته بجمعة قبل
الله تعالى توبته. ثم قال: ألا وان ذلك كثير. ثم قال: من تاب قبل موته بيوم قبل
الله تعالى توبته. ثم قال: ألا وان ذلك لكثير. ثم قال: من تاب قبل موته بساعة قبل
الله تعالى توبته. ثم قال: ألا وان ذلك لكثير. ثم قال: من تاب قبل مأن يغرغر قبل
الله تعالى توبته. ثم تلا قوله: ثم يتوبون من قريب “.

 

قال
علماء المسلمين النسخ فى القرآن على ثلاثة أضرب:

الضرب
الاول        : ما نُسخ تلاوته وحكمه معاً.

الضرب
الثانى       : ما نسخ حكمه دون تلاوته.

الضرب
الثالث       : ما نسخ تلاوته دون حكمه.

 

أمثلة
ما نسخ تلاوته مع بقاء حكمه:

قال
السيوطى : أمثلة هذا الضرب كثيرة:

1.               
قال ابن عمر: ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله،
وما يدريه ما كله. قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر.

 

2.      
ورد فى الأحاديث عن عائشة قال: كانت سورة
الأحزاب تقرآ زمن محمد مائتى آية. فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا على ما
هو الآن.

 

3.      
ومن ذلك أن سورة الأحزاب وهى 72 آية كانت تعدل
سورة البقرة، وكانوا يقرأون فيها الرجم وهى “اذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما
البتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم “.

 

4.               
ورد أيضاً أن محمداً أقرأ الصحابة آية الرجم،
وهى “والشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة “.

 

5.      
ورد فى مصحف عائشة ما نصه: إن الله وملائكته
يصلون على النبى. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، وعلى الذين يصلون
الصفوف الأول. قالت قال قبل أن يغير عثمان المصاحف.

 

6.      
ورد أيضاً ما نصه: قال محمد (ص) إن الله يقول
إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ولو أن لابن آدم وادياً لأحب أن
يكون إليه الثانى، ولو كان له الثانى لأحب أن يكون إليهما الثالث. ولا يملأ جوف
ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.

 

7.      
قال محمد لابى كعب: إن الله أمرنى أن أقرأ عليك
القرآن، فقرأ: ألم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين. ومن بقيتها “لو
ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه، سأل ثانياً. وإن سأل ثانياً فأعطيه، سأل
ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين
عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية.
من يعمل
خيراً فلن يكفره.

 

8.      
نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت، وحفظ منها أن الله
سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً
ثالثاًِ. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. ويتوب الله على من تاب.

 

9.      
روى عن موسى الأشعرى قال: كنا نقرأ سورة نشبهها
بإحدى المسبحات ما نسيناها، غير أنى حفظت منها “يا أيها الذين آمنوا لا
تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة فى أعناقكم فتسألون عنها فى يوم القيامة “.

 

10.            
قال عمر: كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر
بكم، ثم قال لزيد بن ثابت أكذلك؟ قال: نعم.

 

11.     
قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل
علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة، فإذا لا نجدها. قال: أسقطت فيما أسقط من
القرآن.

 

12.     
استفهم مسلم بن مخلد الأنصارى آيتين فى القرآن
لم يكتبا فى المصحف، فقال مسلمه: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله
بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا وأنتم المفلحون، والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم
القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما
كانوا يعملون.

 

13.     
عن ابن عمر قال: قرأ رجلان سورة اقرأهما محمد،
فكانا يقرآن بها. فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف واحد، فأصبحا
غاديين على محمد، فذكرا ذلك له فقال: إنها مما نسخ فألهوا عنها.

 

14.     
وفى الصحيحين قال أنس فى قصة أصحاب بئر معونة
الذين قتلوا، نزل فيهم قرآن قرأناه حتى رُفع “إن بلغوا عنا قومنا إنا لقينا
ربنا فرضى عنا وأرضانا “.

 

15.            
وفى المستدرك عن حذيفة قال: ما تقرأون ربع
براءة.

 

16.     
قال الحسين بن النادى فى كتابه الناسخ والمنسوخ:
“ومما رُفع رسمه من القرآن، ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت فى الوتر
وتسمى سورتى الخلع والحفد “.

 

17.     
قال أبو بكر الرازى: “وإنما يكون نسخ الرسم
والتلاوة بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته
وكتبه فى المصحف، فيندرس على مدى الأيام. ثم تصور أن ذلك يكون مثل نسخ كتب الله
القديمة التى ذكرها فى قوله “ان هذا لفي الصحف الأولى، صحف ابراهيم وموسى ولا
يعرف منه اليوم شئ”.

 

وهذا
القياس غير صحيح، لأن كتب موسى موجودة.

 

18.            
قال عمر: لو لا أن تقول الناس زاد عمر فى كتاب
الله لكتبتها (يعنى آية الرجم).

 

سور
القرآن الناسخة والمنسوخة.

1)     السور
التى دخلها المنسوخ ولم يدخلها ناسخ هى أربعون سورة، أولها الأنعام ثم الأعراف.
يونس. هود. الرعد. الحجر. النحل. بنو اسرائيل. الكهف. طه. المؤمنون. النمل. القصص.
العنكبوت. الروم. لقمان. المضاجع. الملائكة. الصافات. ص. الزمر. الزخرف. الدخان.
الجاثية. الأحقاف. محمد. ق. النجم. القمر. الامتحان. نون. المعارج. المدثر.
القيامة. عبس. الطارق. الغاشية. التين. الكافرون.

 

2)           
السور التى فيها ناسخ وليس فيها منسوخ وهى ست
سور. الفتح. والحشر. والمنافقون. والتغابن. والطلاق. والأعلى.

 

3)     السور
التى دخلها الناسخ والمنسوخ وهى خمس وعشرون سورة. البقرة. وآل عمران. النساء.
المائدة. الأنفال. التوبة. إبراهيم. الكهف. مريم. الأنبياء. الحج. النور. الفرقان.
الشعراء. الاحزاب. سبأ. مؤمن. الشورى. الذاريات. الطور. الواقعة. المجادلة.
المزمل. الكوثر. العصر.

 

4)           
السور التى لم يدخلها ناسخ ولا منسوخ وهى ثلاث
وأربعون سورة.

 

إن
إيماننا المسيحى يعلن بكل وضوح أن الله عالماً بكل شئ. عالماً بالماضى والحاضر
والمستقبل. يعلم السر والجهر وما استتر وظهر من عواطف الناس وأميالهم وأقوالهم
وأفعالهم. لذلك أعطانا كتابه المقدس منزهاً عن الناسخ والمنسوخ..

 

إن
كتابنا المقدس برئ من هذه الموضوعات، فإننا نؤمن بأن القول بالناسخ والمنسوخ إنما
هو مناف لحكمة الله وعلمه وكمالاته.. ونحن لا نقر ذلك.

 

إن
نسخ دين بدين وكتاب بكتاب وشريعة بشريعة. ونسخ الإسلام والقرآن للإنجيل والتوراة.
إنما هى بدعه
مغرضه وفريه مفضوحة لا
أثر لها فى القرآن الكريم. فالقرآن يهتدى بهدى الكتاب المقدس وقصصه (سورة الانعام
90، النساء 25). ويهدى بها وإليها، فلا ينسخها ولا ينقضها ولا يبطلها ولا يستغنى
عنها.

 

وعلى
ذلك فالنسخ المذكور فى القرآن (سورة البقرة 106، النحل 101) يقتصر على نصوص القرآن
الكريم وحده ولا يتعداه إلى سواه، وليس له شأن بالكتاب المقدس كما قال السيد
المسيح، له المجد، “فأنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول
حرف واحد ولا نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (متى 5: 18).

 

وكما
قال أحد كبار علماء الإسلام،
وهو الإمام جلال الدين
السيوطى، (أن النسخ مما خص به الله هذه الأمة) أى الأمة الإسلامية.

 

هل
حقاً كان جميع الأنبياء مسلمين؟؟

قال
صاحب كتاب دين الله واحد محمد والمسيح أخوان:


إن الأنبياء جميعهم كان دينهم الإسلام” صفحة 33

وله
أن يعتقد ما يشاء. ولكننا إزاء استشهاده بالكتاب المقدس أن إبراهيم وموسى وداود
وإشعياء وأرميا وميخا وجميع الأنبياء والرسل كان دينهم الإسلام، أفليس علينا نحن
أهل الكتاب إلاّ أن نبسط أمامه ما قاله الكتاب المقدس لنعرف على أى دين كان هؤلاء
الأنبياء؟

 

فالحقيقة
الواضحة كالشمس فى ريعان الضحى هى أن جميع الأنبياء آمنوا بالله الواحد المثلث
الأقانيم، وأن كلهم وضعوا رجاءهم فى تجسد السيد المسيح وموته وقيامته، وأنهم
ينالون باسمه وحده غفران الخطايا والحياة الأبدية.

 

فالسيد
المسيح، له المجد، كان أساس إيمان جميع الأنبياء والصديقين منذ بدء الخليقة، وسيظل

أساس
إيمان جميع المخلصين إلى الأبد. “فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير
الذى وضع الذى هو يسوع المسيح” (1كو3: 11).

 

هل كان موسى النبى
مسلماً؟

أورد
الكاتب قول موسى النبى “اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد” (تث6: 4).
واستنتج من ذلك أن موسى كان على عقيدة
الإسلام! ‍

 

والمعروف
أن موسى واضع الشريعة للأمة الإسرائيلية هو الذى كتب الأسفار الخمسة الأولى من
الكتاب المقدس، وأن تعليمه فيها عن الثالوث الأقدس (*) والكفارة أشهر من نار على
علم.

 

فقد
جاء اسم الله بصيغة الجمع فى أول جملة من الكتاب المقدس وفى نحو2500 موضع آخر.

 

فقال
“فى البدء خلق الله السموات والأرض” (تك1: 1)، وهى باللغة الأصلية
العبرية “فى البدء برأ إلوهيم”، فكلمة “الله” مترجمة عن
“إلوهيم” التى هى بصيغة الجمع إشارة للثلاثة أقانيم فى الله الواحد.

 

وكذلك
ورد اسم الله بصيغة الجمع فى قوله: “وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا
كشبهنا” (تك1: 26). وأيضاً: “وقال الرب الإله هوذا الإنسان صار كواحد
منا عارفاً الخير والشر” (تك3: 22)، وأيضاً: “فقال الرب هلم ننزل ونبلبل
هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض” (تك11: 7).

 

ومما
يزيد الحق وضوحاً نفس الآية التى استشهد بها الكاتب “اسمع يا إسرائيل الرب
إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك” (تك6:
4و5).

 

ونص
هذه الوصية بالعبرية هو: “يسمع يسرائيل يهوه اليهينو يهوه أحد” فكلمة
“يهوه” اسم “الرب” بصيغة المفرد وكلمة “اليهينو”
اسم “الإله” بصيغة الجمع و”أحد”
بمعنى
“واحد “.

 

وفى
هذه الوصية التى دعاها المسيح بالوصية العظمى دلالة واضحة عن تعدد الأقانيم فى
وحدة اللاهوت والجوهر.

 

وفضلاً
عن هذا فقد ورد الشئ الكثير فى أقوال موسى النبى عن الآب والإبن والروح القدس.

 

فقد
ذكر الروح القدس روح الله بالنسبة للخليقة كمصدر القوة والحركة كقوله: “كانت
الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه” (تك1:
2).

 

وذكر
بالنسبة للضمير الإنسانى كالديان والمبكت كقوله: “وقال الرب لا يدين روحى فى
الإنسان إلى الأبد” (تك6: 3). وأيضاً: “ياليت كل شعب الأرض كانوا أنبياء
إذا جعل الرب روحه عليهم” (عدد11: 29). وقوله أيضاً: “ورفع بلعام عينيه
ورأى إسرائيل حالاً حسب أسباطه فكان عليه روح الله. فنطق بمثله وقال وحى بلعام بن
بعور. وحى الرجل المفتوح العينين. وحى الذى يسمع أقوال الله. الذى يرى رؤيا
القدير” (عدد24: 2-4).

 

وذكر
بالنسبة لعمله فى الأفراد كمصدر الفهم والحكمة والقيادة كقول فرعون ليوسف “هل
نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله” (تك41: 38)، وكقول الله لموسى عن بصلئيل
“وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة” (خر31: 3).

 

وكذلك
لم يتكلم موسى عن الروح القدس فقط بل تكلم عن السيد المسيح كثيراً كقول السيد
المسيح نفسه “لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى”(يو5:
46و47).

 

فأشار
موسى إلى تجسد السيد المسيح لينقض عمل إبليس وإلى موته الكريم لأجل خلاصنا فسجل
حكم الله على الحية قائلاً “أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو
يسحق
رأسك وأنت تسحقين عقبه” (تك3: 15).

 

ولما
أعلن الله هذا النبأ السار لآدم عن مجى نسل المرأة ليفديه هو وذريته أوصاه الله أن
يتقرب إليه بذبيحة يرى فى صورتها الرمزية موت الفادى، فبالإيمان قدم آدم ذبيحة
واكتسى بجلدها (تك3: 21).

 

وأشار
إلى مجئ السيد المسيح من نسل إبراهيم ليحمل لعنة العالم بموته على الصليب وليمنح
البركة لكل واحد فقال “ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض” (تك22: 18).

 

وأشار
إلى مجيئه من سبط يهوذا لغمر العالم بالسلام المبنى على التبرير المجانى وقداسة
الحياة العملية فقال “لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى
شيلون وله يكون خضوع شعوب” (تك49: 10).

 

وأشار
إلى ظهوره من بنى إسرائيل كوسيط بين الله والناس فقال “يقيم لك الرب إلهك
نبياً من وسطك من إخوتك مثلى له تسمعون حسب كل ما طلبت من الرب إلهك فى حوريب يوم
الاجتماع قائلاً لا أعود أسمع صوت الرب إلهى وأرى هذه النار العظيمة أيضاً لئلا
أموت قال لى الرب. قد أحسنوا فيما تكلموا. أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك
وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به. ويكون أن الإنسان الذى لا يسمع
لكلامى الذى يتكلم به باسمى أنا أطالبه” (تث8: 15-19).

 

وما
أحلى التعاليم الجوهرية التى نستقيها من الفرائض الدينية الرمزية التى مارسها
الآباء وسجلها موسى بالروح القدس فى كتاباته، وجميعها ترمز وتشير للسيد المسيح، له
المجد، ومن هؤلاء هابيل وقربانه (تك4: 4) ونوح (تك8: 20و21) وإبراهيم (تك12: 7و8،
13: 18).

 

وكان
موسى وهو يرفع الحية فى البرية كان يضع مثالاً للسيد المسيح الذى سيرفع على الصليب
كقول السيد المسيح نفسه “كما رفع موسى الحية فى البرية هكذا ينبغى أن يرفع
ابن الإنسان لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3:
14و15).

 

ومما
يحلو تذوقه ما سجله موسى من بركة يعقوب لحفيديه ابنى يوسف حيث

باركهما
باسم الثالوث الأقدس. فأشار للآب قائلاً “الله الذى سار أمامه أبواى إبراهيم
وإسحق” وأشار للروح القدس قائلاً “الله الذى رعانى منذ وجودى إلى هذا
اليوم”. وأشار للإبن قائلاً “الملاك الذى خلصنى من كل شر” وبعد أن
أشار إلى الأقانيم الثلاثة نجده يشير إليهم بصيغة المفرد قائلاً “يبارك
الغلامين” (تك48: 15و16).

 

فكيف
يدعو يعقوب المسيح بالملاك المخلص؟

إن
كلمة ملاك مطلقاً معناها مرسل. فكما ترسل الشمس أشعتها لحياة الناس هكذا أرسل الله
ابنه بهاء مجده لخلاص البشر.

 

والعقل
لا يفرق بين الشمس وأشعتها.. فكلاهما شمس واحدة.. وكذلك لا فرق بين الآب والإبن
فكلاهما لاهوت واحد.

 

ولذا
نرى أنه كل مرة يدون فيها موسى ظهور السيد المسيح لرجال العهد القديم باسم ملاك
الرب يلقبه بالألقاب الإلهية، بخلاف سائر الملائكة.

 

فلقبه
بالرب فى ظهوره لهاجر (تك16: 7-14)، وبالرب وبالمولى وبديان كل الأرض فى ظهوره
لإبراهيم (تك18: 1-33)، وبالرب،بالله وبالإله ويهوه فى ظهوره لموسى فى نار عليقة
(خر3: 1-22).

 

هذه
هى تعاليم موسى النبى الكليم التى يرى فيها الباحث المنصف أنها صورة حقيقية
للمسيحية وأن السيد المسيح، له المجد، هو فيها الأساس الراسخ، صخر الدهور (إش26:
4).

 

هل
كان
داود النبى مسلماً؟

استشهد
الكاتب بقول داود النبى “باركى يا نفسى الرب وكل ما فى باطنى ليبارك اسمه
القدوس” (مز 103: 1) وقوله “الرب فى السموات ثبت كرسيه ومملكته على الكل
تسود” (مز103: 19). إن داود كان على عقيدة الإسلام! صفحة 44.

 

ومعلوم
أن داود النبى تنبأ أكثر من غيره من الأنبياء تنبؤات عن السيد المسيح والمسيحية.
وقد وعد الله داود أن السيد المسيح يأتى من نسله. فلقب السيد المسيح بابن داود
(مت1: 1 و22: 42).

 

وداود
هو مرنم إسرائيل الحلو الذى كتب المزامير، وتسرى عقيدة الثالوث (*) فى سفر المزامير كسريان
الدم فى شرايين الجسم. وقد تكلم داود كثيراً عن الآب والابن والروح القدس.

 

فعن
الآب والابن يقول “قال الرب لربى اجلس عن يمينى” (مز110: 1). ويقول
أيضاً “إنى أخبر من جهة قضاء الرب قال لى أنت ابنى أنا اليوم ولدتك. اقبلوا
الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق لأنه عن قليل يتقد غضبه.
طوبى لجميع
المتكلين عليه” (مز2: 7-14).

 

ويقول
مخاطباً السيد المسيح “كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك.
أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك”
(مز45: 6و7).

 

وأما
عن الآب والروح القدس فيقول “ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض” (مز104:
30). ويقول أيضاً “أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب” (مز139: 7).
وأيضاً “لا تطرحنى من قدام وجهك. وروحك القدوس لا تنزعه منى” (مز51:
11). وأيضاً “علمنى أن أعمل رضاك لأنك أنت إلهى، روحك الصالح يهدينى فى أرض
مستوية” (مز43: 10).

 

وعن
الثلاثة أقانيم معاً يقول “بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل
جنودها” (مز33: 6)، فبذكر الرب الآب وكلمته المسيح، ونسمة فيه الروح القدس.

 

وأما
عن صلب السيد المسيح (*)
وموته الكفارى فقد تنبأ عنه داود بالتفصيل كأنه شاهد عيان.

 

ففى
مزمور 22 يأتى بنا إلى الجلجثة ويرينا مشاهد صلب المسيح كما وقعت تماماً. فنسمع
صراخ السيد المسيح على الصليب “إلهى لماذا تركتنى” ونسمع استهزاء
المتفرجين عليه “اتكل على الرب فلينجه لينقذه لأنه سر به”. ونرى تسمير
يديه ورجليه “ثقبوا يدى ورجلى”. ونرى تقسيم ثيابه بين العسكر
“اقتسموا ثيابى بينهم وعلى لباسى ألقوا القرعة”. ونحس إحساساً عميقاً
بانكسار قلبه “كالماء انسكبت انفصلت كل عظامى. صار قلبى كالشمع فى وسط
أمعائى”.

 

وعن
موته ودفنه “وإلى تراب الموت تضعنى”. ثم يفرحنا بقيامته “أخبر
باسمك أخوتى وسط الجماعة أسبحك”. ويسير بنا داود فى تنبؤاته عن قيامة المسيح
فيقول فى مزمور 16 “لن تترك نفسى فى الهاوية لن تدع تقيك يرى فساداً. تعرفنى
سبل الحياة. أمامك شبع سرور. فى يمينك نعم إلى الأبد”.

 

وعن
نصرته بعد خذلان يقول “الحجر الذى رفضه البناؤون صار رأس الزاوية”
(مز118: 22).

 

ثم
يرتفع بنا إلى السماء حيث نسمع أناشيد الملائكة فى استقباله “فارفعن أيتها
الأرتاج رؤوسكن. وارتفعن أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد من هو هذا ملك
المجد؟ الرب القدير الرب الجبار فى القتال. ارفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وأرفعنها
أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد.من هو ملك المجد؟ رب الجنود هو

ملك
المجد”(مز24: 7-10).

 

وقد
أوضح داود فى نبواته أن هذا الذى اتضع فى جسم بشريته هو الذى ارتفع فى المجد، فقال
“تنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله” (مز8: 5). وإن هذا الذى
قال فى مزمور 102 “إلى الدهر سنوك. من قدم أسست الأرض والسموات هى عمل يديك.
هى تبيد وأنت تبقى وكلها كثوب تبلى كرداء تطويها فتتغير. وأنت هو وسنوك لن
تنتهى” (مز102: 22-27، عب2: 10-12).

 

هذا
هو المسيح الذى جاء فى الجسد وكان قصير الأيام على الأرض، وهو الذى بلاهوته رب
الأزل ورب الأبد.

وقد
آمن داود بكفارة السيد المسيح وقدم الذبائح التى ترمز إليه.

هذه
هى أقوال داود وعقيدته التى نرى فيها المسيحية ممثلة ومبادئها القويمة مجسمة.

هل كان إشعياء النبى
مسلماً؟

استشهد
الكاتب ببعض آيات من سفر إشعياء على أن الله واحد وبالتالى يكون مسلماً، وأورد
قوله: “أما عرفت؟ أم لم تسمع إله الدهر خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يعيا.
ليس عن فهمه فحص” (إش40: 28). “وهكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب
الجنود أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى” (إش44: 6). صفحة 43.

 

حسناً،
ولكنه واضح كل الوضوح من سفر إشعياء نفسه أن الله واحد فى جوهره مثلث فى أقانيمه
وأن سفر إشعياء النبى الملقب بالنبى الإنجيلى يفيض بهذه الحقائق الإنجيلية كفيضان
النهر بمياهه الغامرة.

 

فإشعياء
رأى الملائكة يسبحون الله بثلاثة تقديسات كقوله “هذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس
قدوس رب الجنود مجده ملء الأرض” (إش6: 3).

 

فالله
الذى سبحته الملائكة بالتقديس قال عنه إشعياء إنه “السيد الملك رب
الجنود”(إش6: 5) وقال عنه يوحنا الإنجيلى إنه “المسيح الذى رآه إشعياء
فى مجده وتكلم عنه” (يو12: 29-41). وقال عنه بولس الرسول إنه “الروح
القدس الذى كلم إشعياء فى هذه الرؤيا وأرسله للشعب” (أع28: 25-28).

 

فلا
عجب أن نرى الله الواحد فى الجوهر المثلث الأقانيم ينادى قائلاً بصيغة الجمع
“من أرسل؟ ومن يذهب من أجلنا! فقال إشعياء هأنذا أرسلنى” (إش6: 8).

 

وقد
ذكر إشعياء الثلاثة أقانيم مراراً كثيرة فى تنبؤاته عن السيد المسيح كقوله:
“روح، السيد الرب على” (إش61: 1)، “السيد الرب، أرسلنى،
وروحه” (إش48: 16)، “يحل عليه، روح، الرب” (إش11: 2)، “قال
الرب، روحى، الذى عليك” (إش59: 21).

 

ولأن
السيد المسيح هو أحد الأقانيم الثلاثة فى الجوهر الإلهى فقد دعاه إشعياء
“الله” بصريح العبارة فقال “ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه
عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا” (إش7: 14، مت1: 23).

 

ودعاه
أيضاً “بالإله القدير” فقال “لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون
الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس
السلام” (إش9: 6).

 

ودعاه
أيضاً “بالرب إلهنا” فقال “صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب
قوموا فى القفر سبيلاً لإلهنا” (إش 40: 5).

 

وكذلك
لأن الروح القدس هو أحد الأقانيم الثلاثة فى الجوهر الإلهى فنسب إليه إشعياء
الصفات والأعمال الإلهية فقال “من قاس روح الرب، ومن مشيره يعلمه؟”
(إش40: 13). وقال أيضاً “ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه فتحول لهم عدواً وهو
حاربهم ثم ذكر الأيام القديمة موسى وشعبه. أين الذى جعل فى وسطهم روح قدسه.. كغنم
تنزل إلى وطاء روح الرب أراحهم” (إش63: 10و11و 14).

 

وأما
عن صلب السيد المسيح فنبؤات إشعياء فى ذلك ليس لها مثيل فى دقة التعبير وعمق
الروحانية وهى مصدر تعزية فائقة لجميع المؤمنين. ولنستعرض أصحاح 53 على سبيل
المثال:

 

فعن
اتضاعه
واتخاذه صورة عبد قال “هوذا عبدى يعقل
يتعالى ويرتقى ويتسامى جداً” (إش52: 13).

 

وعن
احتقار الأمة اليهودية له قال “من صدق خبرنا؟ ولمن استعلنت ذراع الرب، نبت
قدامه كفرخ من أرض يابسة. لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه. محتقر
ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد
به” (إش53: 1-3).

 

وعن
عمله الفدائى قال “لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً
مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا
عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم
جميعنا، ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاه تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام
جازيها فلم يفتح فاه من الضغطة ومن الدينونة أخذ. وفى جيله من كان يظن أنه قطيع من
أرض الأحياء إنه ضرب من أجل ذنب شعبى. وجعل مع الأشرار قبره ومع غنى عند موته. على
أنه لم يعمل ظلماً ولا وجد فى فمه غش” (إش53: 4-9).

 

وأما
عن قيامته وإنتصاراته فقال “أما الرب فسر أن يسحقه بالحزن. أن جعل نفسه ذبيحة
إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح من تعب نفسه يرى ويشبع. وعبدى
البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها. لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع
العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصى مع أثمة. هو حمل خطية كثيرين
وشفع فى المذنبين” (إش53: 10-12).

 

ونحن
نسأل الكاتب على أى دين كان إشعياء النبى وهو يقول كل هذا؟

 

هل كان ميخا النبى
مسلماً؟

استشهد
الكاتب
بقول ميخا النبى “أخبرك أيها الإنسان ما هو
صالح وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع
إلهك” (مى6: 8) على أن ميخا كان على الديانة الحقيقية. صفحة 44.

 

فما
هى محتويات الديانة الحقيقية التى كان عليها ميخا؟

يقول
ميخا عن السيد المسيح
“أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف
يهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام
الأزل” (مى5: 2).

 

ويقول
عن الآب وعن الروح القدس “لكنى أنا الآن ملآن قوة روح الرب وحقاً
وبأساً” (مى3: 8). وأيضاً “هل قصرت روح الرب؟ أهذه أفعاله!” (مى2:
7).

 

فما
القول عن السيد المسيح الذى مخارجه منذ الأزل؟ وعن الرب؟ وعن روحه؟ أليست هذه
الأقانيم الثلاثة فى اللاهوت يذكرها ميخا فى صراحة تامة ووضوح شامل؟

 

ويقول
ميخا وهو يرفع أنظارنا عن الذبائح “بم أتقدم للرب وأنحنى للإله العلى؟ هل
أتقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة؟ هل يسر الرب بألوف الكباش؛ بربوات أنهار زيت؟ هل
أعطى بكرى عن معصيتى؟ ثمرة جسدى عن خطية نفسى” (مى6: 6و7).

 

ونراه
وهو يرشدنا إلى أن الله هو الذى سيكفر عنا برحمته التى أقسم أن يعلنها فى نسل
إبراهيم، يقول “يعود يرحمنا يدوس آثامنا ويطرح فى أعماق البحر جميع خطاياهم.
تصنع الأمانة ليعقوب والرأفة لإبراهيم اللتين حلف لآبائنا منذ القدم” (مى7:
19و20).

 

أجل.
لقد تمت أقوال ميخا عن أمانة الله ليعقوب ورأفته لإبراهيم بتجسد السيد المسيح من
مريم العذراء، وهى التى أنشدت قائلة “لأن القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس.
عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة كما كلم آبائنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد” (لو1:
49، 54، 55).

 

هل كان إرميا النبى
مسلماً؟

استشهد
الكاتب بقول إرميا “أما الرب الإله فحق، هو إله حى، وملك أبدى. صانع الأرض
يقوته. مؤسس المسكونة بحكمته” (إر10: 10-12). ويضيف قائلاً: على أن إرميا كان
على دين الإسلام.

ومعروف
أن إرميا هو الذى تنبأ لبنى إسرائيل عن العهد الجديد عهد المسيحية حيث قال:


ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً ليس
كالعهد الذى قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من مصر حين نقضوا عهدى
فرفضتهم يقول الرب “.

 


بل هذا هو العهد الذى أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتى
فى داخلهم. وأكتبها على قلوبهم. وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً. ولا يعلمون
بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب. لأن كلهم سيعرفوننى من
صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب لأنى أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم”(إر31:
31-34).

 

ومعروف
أيضاً أن إرميا نظراً لإيمانه بلاهوت المسيح وكفارته قد دعاه ” الرب برنا
” فقال “فى تلك الأيام وفى ذلك الزمان أنبت لداود غصن البر فيجرى عدلاً
وبراً فى الأرض فى تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به
الرب برنا” (إر33: 16).

 

وبناء
على كل هذا أعود وأصرخ قائلاً “فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير
الذى وضع الذى هو يسوع المسيح” (1كو3: 11).



(1) ” تختانون أنفسكم ” أى
ترتكبون الخيانة بالجماع ليلة الصيام ( فخر الرازى وجه 197-201).

(1)
كما
جاء بالقرآن الكريم
.

 (2)
كما
جاء بالقرآن الكريم
.

 (1)
طرائق
الأنبياء فى التحليل والتحريم (الجلالان)
.

 (2)
أقامه
التوراة والانجيل هى العمل بما فيهما ( المائدة 69، 72 ) كما فسرها الجلالان
.

(3)
( الإيمان بالقرآن يتضمن الإيمان بجميع
الكتب والرسل ) التفسير الكبير للرازى جزء 2 ص 383
.

 (*)أنظر الباب الخامس عشر الخاص
بالتثليث والتوحيد
.

(*)
أنظر الباب الخامس عشر الخاص بالتثليث والتوحيد
.

 (*)أنظر الباب التاسع الخاص
بقضية صلب السيد المسيح
.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى