اللاهوت الادبي

10) مفهوم المعرفة



10) مفهوم المعرفة

10) مفهوم
المعرفة

1- مفهوم المعرفة

مقالات ذات صلة

2- أنواع من المعرفة

3- المعرفة الضارة

4- معرفة التافهات

 

1- مفهوم المعرفة

لقد أعطانا الرب عقلا يمكنه أن يعرف:

ولكنه أراد لنا أن نعرف ما يفيدنا وينفعنا.

وأيضا ما يفيد وينفع الآخرين، أفرادا كانوا أو
جماعات.

غير أن المشكلة التي قابلت الإنسان منذ البدء،
هى أنه أراد أن يعرف وحسب، ولو أن يعرف الشر كان الإنسان الأول يعرف الخير فقط.
ولكنه أكل من شجرة معرفة الخير والشر.. فصار يعرف الشر أيضا. وبهذا أضر نفسه.

 

تأكد من سلامة كل معرفة تصل إليك.

وتأكد من فائدتها قبل أن تقبلها.

واعرف أن المعرفة ليست غاية في ذاتها، وإنما هى
وسيلة لمنفعتك. اختر إذن هذا اللون من المعرفة النافعة.

 

2- أنواع من المعرفة

هناك معرفة حسية تأتى عن طريق الحواس، يعرفها
الناس بالنظر، أو باللمس، أو بالشم، أو بالسمع.

وهناك معرفة تأتى عن طريق العقل، يعرفها بالدراسة
أو الإستنتاج.

وهناك معرفة هى نوع من الكشف الإلهى أو الإعلان
الإلهى:

 يكشف
بها الرب لقديسيه ما يريد لهم أن يعرفوه. وذلك بواسطة الروح القدس الذي قيل عنه في
سفر أشعياء النبى (روح الحكمة والفهم.. روح المعرفة) (أش 11: 2) وهى التي كان
يطلبها المرتل في صلواته قائلا (عرفنى طرقك فهمنى سبلك).

 

إنها أعظم معرفة، هذه التي نقول عنها في القداس
الغريغورى (أعطيتنى علم معرفتك) هذه أيضا التي قال عنها السيد المسيح في مناجاته
للآب (هذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك..) (يو 17: 3) وقال
أيضا) أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك، أما أنا فقد عرفتك) (يو 17: 25) وقال
عن تلاميذه في منحه لهم لهذه المعرفة الإلهية (عرفتهم إسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم
الحب الذي أحببتنى به، وأكون أنا فيهم) (يو 17: 26)

 

إذن هى المعرفة التي تقود إلى محبة الله، وإلى
سكناه فينا.

 

العالم شغوف أن يبحث عن المعرفة التي تعطيه فكرة
عن القمر والكواكب، بسفن الفضاء التي تكلفه أموالا طائلة جدا
..
ولكن ليس بنفس الشوق إطلاقا إلى معرفة الله.. إنه يسعد جدا أن أحضر بعض حجارة من
القمر، أو بعض صور، لأنها تعطيه بعض المعرفة عن الطبيعة التي من خلق الله دون أن
يسعد بمعرفة الله ذاته..

 

ونفس الكلام يقال عن كثير من الإكتشاف التي يقوم
بها الإنسان..

وهناك معرفة تأتى من الآخرين.

عن طريق الكتب، أو صحف، أو الأفلام، أو وسائل
الإعلام المتعددة..

ومعرفة تأتى عن طريق الأصدقاء أو الزملاء..

 

وهناك معرفة تأتى عن طريق الشيطان.

إما يلقيها إلى أذهان الناس، كما فعل مع حواء.
وقد يلقى الشيطان معرفة ما عن طريق فكر أو حلم أو بواسطة أحد جنوده.. وقد تكون
معرفة كاذبة. أو قد تكون صحيحة، ولكنه لم يستغلها من أجل غرض سئ..

 

وربما يسعى الإنسان بنفسه ليحصل على معرفة من
الشيطان عن طريق السحر، أو استشارة الموتى أو الأرواح، أو بطرق عديدة.. هذا الذي
نهى عنه الوحى الإلهى بقوله (لا يكن فيك من يعرف عرافة، ولا عائف ولا متفائل ولا
ساحر، ولا من يسأل جانا أو تابعة، ولا من يستشير الموتى. لأن كل من يفعل ذلك مكروه
عند الرب) (تث 18: 10، 11)

 

ومن أمثلة من وقعوا في هذا الأمر شاول الملك،
حينما طلب المعرفة عن طريق صاحبة جان كانت عرافة في عين دور (1صم 28: 7)

 

ومن أمثلة هؤلاء أيضا: من يلجأون إلى المنجمين،
وإلى قارئى الكف والفنجان، وإلى ضاربى الرمل، وإلى إستشارة الأرواح عن طريق
التنويم المغناطيسى أو البندول، وما أشبه.. من الأمور التي وصفها الرب بأنها رجس
الأمم (تث 18: 9، 12).

 

ما الذي تعرفه من يقينية هذه الأخبار، أو مدى
استخدامها للضلالة..؟! اعرف جيدا أن الشيطان إن أعطاك معرفة ما، لا يعطيها لك
مجانا، أو بدون مقابل. ولا يعطيها بدون هدف شيطانى يريد الوصول إليه للإضراربك، أو
لجعلك تحت سلطانة أو تحت إرشاده..

 

نوع آخر من المعرفة هو أن تعرف نفسك.

هذه الحكمة التي دعا إليها سقراط الفيلسوف: (اعرف
نفسك).

وما أعظم الفوائد التي تحصل عليها من معرفة
النفس. تعرف أنك تراب ورماد، لكى تتضع. وتعرف خطاياك لكى تندم وتتوب وتنسحق. وتعرف
طبيعتك وحروبك، لكى تنجو منها. بل تعرف مواهبك، لكى تستخدمها لتمجيد الله.

معرفة أخرى هى أن تعرف كتاب الله وصاياه

كما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس
(وأنت منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان) (2تى 3:
15)

هذا الكتاب الذي هو (نافع للتعليم والتوبيخ،
للتقويم والتأديب الذي في البر) (2تى 3: 16) وهو الذي بمعرفته تعرف طريق الرب،
وتعرف كيف سار فيه القديسون.

 

وبهذه المعرفة تدخل إلى الحكمة والتمييز.

وتعرف ما هو الخير لك، وتميز طريق الله وضلالة
الشياطين وحيلهم. بل إن عرفت هذا (تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا) (1تى 4: 16).

 

وبهذه المعرفة تميز بين الأرواح. كما قال القديس
يوحنا الرسول (لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله. لأن أنبياء
كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم) (1يو 4: 1).

 

أيضا أعرف غيرك، لكى تعرف كيف تتعامل معه.

وهذا كما ينطبق في محيط الصداقة، وفى محيط العمل
والحياة الإجتماعية، ينطبق أيضا في محيط الأسرة. حيث يعرف كل من الزوجين طبيعة
شريكه في الحياة وكيفية التعامل معه. بل ويعرف نفسية الطفل وكيف يعامله. وفى
الحياة الإجتماعية يعرف نفسية المعاق، ونفسية العاقر، ونفسية المراهق، وكيف يتعامل
مع كل هؤلاء..

 

اعرف الله. واعرف أنه يراك حيثما كنت.

 

ويعرف أفكارك ونياتك وشهواتك وخطاياك، لكى يدركك
الخجل من كل فكر شرير ومن كل شهوة بطالة. بل ضع أمامك العبارة التي كررها الرب في
كل رسائله إلى ملائكة الكنائس السبع التي في آسيا: (أنا عارف أعمالك) (رؤ 2، 3)
وبهذه المعرفة تدخل إلى قلبك مخافة الله..

اهتم بمعرفة الحق. وإن عرفته اتبعه.

وما أجمل قول داود النبى في المزمور الكبير
(اكشف عن عينى، لئلا تعاينا الأباطيل) (مز 119)

وحاول أن تعرف أيضا احتياجات الناس، لكى تدبرها
لهم.

وأن تعرف طريق الخلاص، لكى تمشى فيه، وتقود
الناس إليه.

 

واحترس من المعارف التي فوق مستواك.

التى قال عنها أيوب النبى (قد نطقت بما لم أفهم.
بعجائب فوقى لم أعرفها) (أى 42: 3) فكثير من الناس يبحثون في الإلهيات فوق مستواهم
فيضلون..

وكثيرون يبحثون في أمور خاصة بعالم الأرواح فتضل
أفكارهم.. أما أنت فتواضع..

وابحث عن الأمور التي توصلك إلى خلاص نفسك.

 

3- المعرفة الضارة

هناك معرفة ضارة جدا، مثل التي وقع فيها أبونا
آدم وأمنا حواء. وكانت النتيجة أنهما فقدا البراءة والبساطة التي كانت لهما. وعاشا
في ثنائية الخير والشر، الحق والباطل، الحرام والحلال، هذه الثنائية التي عاش فيها
أولادهما إلى يومنا الحاضر.

ولذلك ما أصدق قول الحكيم في سفر الجامعة:

“الذى يزداد علما، يزداد غماً” (جا 1:
18).

 

ويقصد طبعا معرفة الإنسان بأمور تضره، ليست من
صالحه. ويجمع في فكره أشياء تؤذيه. وللأسف يدعى أن معرفة تلك الأمور الضارة لونا
من الثقافة العامة!!

لذلك قال أحد الآباء الروحيين كلمة لطيفة جدا
وهى:

أحيانا نجهد أنفسنا في معرفة أمور، لسنا نلام في
يوم الدين على جهلنا إياها.

 

فإن كنا لا نلام على معرفة هذه الأمور، فكم وكم
يحاسبنا الله على معرفة الأمور التي تضرنا، ونتائجها السيئة علينا.

 

ضع في ذهنك مدى نتائج تلك المعرفة الضارة.

 

ما يدخل في ذهنك من معارف، يؤثر على حواسك
ومشاعرك، وقد يؤثر على علاقتك بالآخرين. بل بالأكثر من هذا يخزن في عقلك الباطن..

 

ثم يخرج من عقلك الباطن، على هيئة ظنون أو أفكار
أو أحلام.. وإذا بهذه المعرفة التي أخذتها قد امتدت في داخلك وخارجك إلى نطاق واسع،
وقد لا تستطيع أن تحد إنتشارها ومدى أضرارها علينا إذن أن نستخدم قدرة عقلنا في
المعرفة، في ما ينفعنا وينفع غيرنا.

 

كم من أناس بكوا بدموع بسبب معارف خزنوها في
أذهانهم.

وقالوا يا ليتنا ما كنا عرفنا، سواء بالقراءة أو
الحواس..

ويحتارون كيف يمكنهم إخراج ما في ذهنهم من
معلومات رسخت فيه.. مثلهم في ذلك مثل الذين وقعوا في إدمان نوع من المخدرات
Drugs، وأصبحوا عاجزين عن الخروج من سيطرة ما قد أدمنوا عليه..

هناك ألوان من المعرفة تغير نظرة الإنسان إلى
كثير من الأمور، وتغير نظرتهم أيضا إلى بعض الناس.

 

أمنا حواء: بعد أن أخذت من الحية معرفة ضارة
خداعة، تغيرت نظرة حواء إلى شجرة معرفة الخير والشر، التي كانت في وسط الجنة،
وربما كانت تراها كل يوم..

 

بعد ما دخل ذهن حواء من معرفة (رأت أن الشجرة
جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر) (تك 3: 6)
.
وبعد أن تغيرت نظرتها هذه إلى الشجرة، دخلت شهوة الأكل منها إلى قلبها (فأخذت من
ثمرها، وأكلت وأعطت رجلها معها فأكل).

مثال آخر للمعرفة وهو الشك. وكما قال أحد
العلماء:

سهل أن يدخل الشك إلى عقل إنسان.

ولكن ما أصعب خروج هذا الشك من عقله.

فإن أملت أذنك لمن يلقى في قلبك شكا من جهة
إنسان باثباتات معينة قد تكون زائفة.. أو إن سمحت لنفسك أن تقرأ قراءات خطرة تشكك
في الإيمان أو في الكتاب.. قد تبذل جهدا كبيرا للخروج من هذا الشك.. وقد يبقى معك
فترة طويلة، إلى أن تفتقدك النعمة، فتريحك منه..

 

لذلك يلزم أن يدقق كل إنسان في اختيار مصادر
معرفته.

احتفظ بنقاوة فكرك، ولا تلوثه بمعرفة ضارة.
وينبغى أن تدقق كثيرا في كل ما نقرأه، وكل ما تسمعه، وكل ما تراه. وتدقق أيضا في
اختبار الأصدقاء الذين يصبون معلومات في أذنيك، أو ينقلون خبرة أمور ضارة، أو
أخبارا ضارة، أو أفكارا متعبة.. ولا تسمح لكل تلك المعرفة أن تثبت في ذهنك، إلا
بعد أن تتحقق منها تماما، وتعرف الحق فيها من الباطل والزيف..

 

ولا تظن أن الأفكار عواقر، بل ما أكثر ما تلد
أفكارا أخرى كثيرة.

بل ربما كلمة واحدة تصل إلى ذهنك، فتلد حكاية أو
حكايات.

وأعرف أن الوقاية من الفكر، خير بكثير من قبوله
ثم محاولة التخلص منه..

 

واحترس جدا من نقل المعرفة والأفكار..

ربما تصل إليك معرفة تضرك. وتنقلها أنت بدورك
إلى غيرك فتضره. ثم بعد أن تقاسى من تلك المعرفة، تحاول أن تتخلص منها. وربما
تتخلص بنعمة من الرب. ولكن ما نقلته إلى الغير لا يزال ثابتا فيه، تضره معرفته..
وتكون أنت مدانا عن ضرر غيرك، لأنك كنت السبب فيه. وحينئذ لا تتعبك خطيئتك في
معرفتك، بل تتعبك خطيئتك في نقل تلك المعرفة الضارة إلى غيرك.

إنه ماضيك الذي يطاردك: المعرفة الضارة التي
نشرتها.

سواء نقلتها بالكلام، أو بالكتابة، أو بطرق حسية
كثيرة..

ومن ذلك فإن الذين يقعون في التشهير بالغير،
الذين ينقلون أخبارا سيئة عن أخطاء الغير، أو ما يظنونها أخطاء، أو ما يخترعونها..
ويل لهم إذا استيقظت ضمائرهم، وبدأت تلومهم على ما كانوا يقولونه من قبل.

 

 ويدخل
في هذا النطاق الذين يطلقون الشائعات أو ينشرونها، سواء بقصد الإيذاء أو لمجرد
التسلية الخاطئة بالتحدث عن أسرار الآخرين، التي يلذ لهم الحديث عنها إما كما هى،
أو بإضافة استنتاجات من خيالهم..

4- معرفة التافِهات

إن عقلك مثل كومبيوتر، له طاقة معينة في جميع
المعلومات.

فلا تشغل جزءا كبيرا فيه بأمور تافهة، تعطله عن
تسجيل ما ينفعه..

وهكذا لا تخزن فيه إلا ما تحتاج إليه وما يلزمك
في حياتك بحيث تخرج منه تلك المعرفة في الوقت المناسب، لهدف نافع.. واعلم أن تخزنه
في عقلك لابد سيخرج منه أردت أو لم ترد.. وربما معلومات قد خزنتها في عقلك الباطن
منذ سنوات، تجدها تخرج من ذاكرتك في موعد لا تتوقعه، أو في مناسبة ما كنت تدريها.

 

البعض يستخدم عقله في جميع معارف فانية وباطلة.

قد لا تكون في حد ذاتها خطية ولكنها أمور تافهة
تشغل عقله، وتعطل هذا العقل عن الإنشغال بالروحيات والإلهيات، أى أنها تعطل العمل
الإيجابى في بناء حياتهم الروحية، وفى تعطيل ذهنهم عن التأمل النافع
.

وقد ينقلون هذه المعرفة التافهة إلى الآخرين.

فى أحاديثهم التي تشغل آذان الناس وأذهانهم،
وبالتالى تشغل أفكارهم أيضا، دون أية فائدة من ذلك كله إلا ضياع الوقت الذي يمكن
استخدامه فيما ينفع.

 

يا ليت عقلك لا تشغله إلا المعرفة التي تبنيه،
وتكون سببا في تقوية شخصيته، والسمو بإنسانيته ونموه الروحى.. وفى نفع الإنسانية
أو المجتمع الذي تعيش فيه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى