اللاهوت الادبي

5) مفهوم الخطيَّة



5) مفهوم الخطيَّة

5) مفهوم
الخطيَّة

1- مفهوم الخطية

مقالات ذات صلة

2- الخطية ضد الله

3- الخطية من جهة الإنسان

 

1- مفهوم الخطية

كثيرون يقولون كلمة (أخطأت) بسهولة عجيبة!

دون أن يدركوا مفهومها، ولا عمق معناها..

ونحن جميعا نكرر هذه العبارة في الصلاة الربانية:

أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك، ليأتِ
ملكوتك…

“إغفر لنا خطايانا”..

ونقولها أيضا في المزمور الخمسين (إليك وحدك
أخطأت واشر قدامك صنعت) ونفس العبارات نقولها في صلاة الثلاثة تقديسات (إغفر لنا
خطايانا، وآثامنا، وزلاتنا) نقول هذا كله في هدوء، دون أن ندرك خطورة مدلولاته!!
فما هى الخطية إذن؟

 

2- الخطية ضد الله

خطورة الخطية إنها أولا موجهة ضد الله.

لذلك فإن داود يقول للرب في مزمور التوبة (إليك
وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت) (مز 50) ويقول عن الخطاة (لم يسبقوا أن يجعلوك
أمامهم) أى لم يفكروا أنك أمامهم، تراهم وتسمعهم. فالخاطئ كأنه في غيبوبة لا يدرى
ماذا يفعل. يحتاج إلى من يوقظه ويجعله يفيق، لكى يدرى ما يفعل.

 

تدل الخطية على أنك لا تشعر بوجود الله.

 

فلو كنت تشعر بوجود الله، ما كنت ترتكبها قدامه،
بدون خجل!! ولعل هذا ما كان يجول بذهن يوسف الصديق وهو يقول (كيف أفعل هذا الشر
العظيم، وأخطئ إلى الله) (تك 39: 10) إذن أنت في الخطية، إنما تخطئ إلى الله قبل
كل شئ: تقاومه وتعصاه وتتحداه، تحزن روحه القدوس تدنس سكناه في قلبك.. إلخ.

 

هل تشعر بكل هذا، وأنت تخطئ، أو وأنت تعترف
بخطيتك؟ أم أنت تذكر الخطية ببساطة، دون أن تشعر بخطورتها وبشاعتها..! كإنسان مريض
تسأله عن صحته، فيقول لك: (شئ بسيط. مجرد سرطان.. مجرد إيدز)!! وهو لا يدرى سرطان
أو معنى إيدز!!

 

أولا: الخطية هى التعدى (1يو 3: 4).

هى التعدى على وصايا الله، كسر الوصايا، عدم
الإهتمام بها.. أو هى التعدى على حقوق الله، وعلى كرامته وعلى أبوته.

معنى الخطية يؤخذ من ناحتين: من جهة الله، ومن
جهة الناس.

 

الخطية من جهة الله، هى تمرد عليه.

 

ثورة على الله، وعصيان، وتمرد.. تصوروا حينما
يثور التراب والرماد، ويتمرد على الله خالق السماء والأرض.. لاشك أنه لون من
الكبرياء، أن يتمرد التراب أمام الله..

 

إنه قبل أن يكسر الوصية، تكون الكبرياء قد كسرت
قلبه من الداخل.

 

الخطية إذن هى كبرياء وتشامخ.

 

ولذلك حسنا قيل في سفر الأمثال (قبل الكسر
الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح)
.

 

(أم 16: 18) وبهذا الكبرياء يسقط الإنسان. إن
المتضع الذي لصقت بالتراب نفسه، لا يسقط أما المتكبر، فإنه يرتفع إلى فوق ثم يسقط.

 

الخطية أيضا هى عدم محبة لله.

وفى هذا يقول القديس يوحنا الرسول (إن أحب أحد
العالم، فليست فيه محبة الآب) (1يو 3: 15) إذن فالإنسان أمامه أحد طريقين: إما
محبة العالم، أو محبة الله. وواضح أن الخاطئ يفضل محبة العالم على محبة الله، أو
قل: يحب ذاته أكثر من محبته لله (وطبعا ذاته بطريقة تهلكها).

وطبيعى أن الخطية عدم محبة لله، لأن الخاطئ يعصى
الله ويتمرد عليه.

 

الخطية عداوة لله، أو خصومة معه.

 وواضح
هذا من قول القديس يعقوب الرسول (أما تعلمون أن محبة العلم عداوة لله؟!)

 

(يع 4: 4) فإن كانت كلمة (عداوة) صعبة فلنستخدم
على الأقل كلمة خصومة. ولهذا فإن حال الخطاة يحتاج إلى مصالحة.. وهكذا يقول القديس
بولس الرسول إن الله (أعطانا المصالحة) لذلك (نسعى كسفراء عن المسيح.. نطلب
تصالحوا مع الله) (2كو 5: 18، 20) لذلك إن كنت إنسانا خاطئا، فأنت محتاج أن تتصالح
مع الله..

 

وكخصومة، الخطية هى انفصال عن الله.

 

لأنه (أية شركة للنور مع الظلمة؟!) (2كو 16: 14)
فالله نور، والخطاة يعيشون في الظلمة الخارجية، إذا قد أحبوا الظلمة أكثر من النور،
لأن أعمالهم كانت شريرة)

 

(لأن كل من يحب السيئات يبغض النور، ولا يأتى
إلى النور، لئلا توبخ أعماله) (يو 3: 19، 20).

 

الإبن الضال، حينما أحب الخطية، ترك بيت أبيه،
وانفصل عنه، وذهب إلى كورة بعيدة (لو 15: 13) هكذا ينفصل عن الله، بقلبه وبفكره
وبأعماله وعن هذا الإنفصال يقول الرب (أما قلبهم فمبتعد عنى بعيدا) (مر 7: 6)

 

وبقاء الخاطئ في هذا الإنفصال، وفى هذا البعد
معناه أن عشرة الله لا تهمه ولا تروق له!! وهكذا فإنه يفض شركته مع الله، وينهى
علاقته به، ولا تكون له بعد شركة مع الروح القدس، طالما هو يحيا في الخطية.

 

وبالخطية نحزن روح الله القدوس (أف 4: 30)

وهكذا حال الخطية منذ البدء. ففى قصة الطوفان
يقول الكتاب (فحزن الله وتأسف في قلبه) (تك 6: 6) إن الله يحزن إذ يجد خليقته التي
صنعها على صورته ومثاله، تتحطم أمامه، وتتدنس أمامه.

 

وفى الخطية لا نحزن فقط روح الله، إنما أيضا
نقاومه ونعانده. كما قال القديس اسطفانوس الشماس لليهود في وقت استشهاده: أنتم
دائما تقاومون الروح القدس كما كان آباؤكم (أع 7: 51).

 

بل قد يصل الخاطئ إلى حد يفارقه فيه روح الله.

كما قال الكتاب عن شاول الملك (وفارق روح الرب
شاول، وبغته روح ردئ من قبل الله) (1صم 16: 14) ما أصعب هذا الأمر، أن يفارق روح
الرب إنسانا!!

 

وإن كان هذا الكلام صعبا عليك، وتقول في احتجاج
(كيف هذا: إن روح الله يفارقنى؟!) سأورد لك الأمر بطريقة أسهل.. فبدلا من عبارة
(روح الله يفارقك) نقول: أنت الذي تفارق روح الله وفى كلا الحالتين حدثت مفارقة،
انفصال، بعد بينك وبين روح الله..

 

إن القديس بولس الرسول يتكلم كلاما صعبا جدا،
وبخاصة من جهة خطية الزنا.

 

يقول ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح0
أفآخذ أعضاء المسيح، وأجعلها زانية؟! حاشا) (1كو 6: 15) إذن الإنسان في هذه الخطية
يدنس هيكل الله. وهكذا يقول الرسول

 

(أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن
فيكم! إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم
هو) (1كو 3: 16، 17).

 

إذن حينما تقول (أخطأت) حلل هذه العبارة، لتعرف
ماذا تحوى داخلها..

 

أتراها تحمل كل ما ذكرناه من خطايا، أم تراها
تحمل أكثر وأكثر، وبخاصة ما تحويه من تفاصيل بشعة.. والإضافة إلى هذا، فإن الخطية
تدل على معنى آخر:

 

الخطية هى استهانة بالبنوة لله.

فإن كنت حقا إبنا لله، وعلى صورته ومثاله، فإنك
لا يمكن أن تخطئ. كما يقول القديس يوحنا الرسول إن (المولود من الله لا يخطئ، بل
لا يستطيع أن يخطئ والشرير لا يمسه) (1يو 3: 9) (1يو 5: 18) ويقول عن الرب (إن
علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يفعل البر مولود منه) (1يو 2: 29).

 

هل الخاطئ – وهو يخطئ – يكون متذكرا أنه إبن
الله. وصورة الله؟! أم يكون وقتذاك متنازلا عن هذه البنوة وصفاتها. هذه التي يقول
عنها الرسول (بهذا أولا الله ظاهرون، وأولاد ابليس ظاهرون) (1يو 3: 10) لهذا وبخ
القديس بولس المخطئين، بأنهم (نغول لا بنون) (عب 12: 8).

 

الخطية هى أيضا خيانة لله.

لأن الخاطئ أثناء خطيته يكون منضما لأعداء الله
ضده، أى لإبليس وجنوده..

بل للأسف يكون قد صار واحدا منهم. كما قال الرب
موبخا اليهود (لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم.. أنتم من أب هو
إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا) (يو 8: 39، 44). ويوحنا المعمدان وبخهم
قائلا (يا أولاد الأفاعى) (مت 3: 7) أى أولاد الشيطان.

الخطية هى أيضا صلب للسيد المسيح.

وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول (لأن الذين
استنيروا مرة، وذاقوا الموهبة السمائية، صاروا شركاء الروح القدس.. وسقطوا، لا
يمكن تجديدهم أيضا للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه..) (عب 6:
4 – 6) على الأقل، فإن كل خطاياك لا تغفر إلا إذا حملها المسيح على صليبه. كأنك
بخطاياك تضيف ثقلا عل صليب المسيح، وتضيف قطرات مرة في الكأس التي شربها..

 

وبخطاياك تضع رجاسات على المسيح في صلبه!

 

فهو الذي حمل خطايا العالم كله ليمحوها بدمه
ويكون كفارة عنها (1يو 2: 2، 2) ومن ضمن هذه الخطايا، ما ارتكبته وما ترتكبه من
خطايا..

 

إستمع إذن في خوف إلى القديس بولس الرسول (من
خالف ناموس موسى، فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابا تظنون أنه
يحسب مستحقا، من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا، وازدرى بروح
النعمة)؟! (عب 10: 28، 29)..

 

تأمل إذن هذه العبارات، لتعرف مقدار بشاعة
الخطية:

 

داس ابن الله.. حسب دم العهد الذي قدس به دنسا..
أزدرى بروح النعمة يصلبون ابن الله ثانية ويشهرونه.. حقا إنها خيانة لله، وخيانة
للنعمة التي نلناها في المعمودية، حيث يقول الرسول (لأن جميعكم الذين اعتمدتم
للمسيح، قد لبستم المسيح) (غل 3: 27)

 

هل تظنون أن يهوذا وحده هو الذي خان المسيح؟!

 

كلا، بل أن كل من يخطئ، يخون المسيح. يخون
معموديته وميرونه، ويخزن الدم الكريم الذي طهرنا من كل خطية (1يو 1: 7).

 

3- الخطية من جهة الإنسان

الخطية أيضا هى فقدان للصورة الإلهية.

خلقنا الله على صورته ومثاله. وفقدنا هذه الصورة
بسقوط أبوينا الأولين. ثم اعيدت إلينا في نعم العهد الجديد. ولكننا نعود فنفقدها
كلما أخطأنا. فالخاطئ لا يمكن أن يكون على صورة الله، لأن الله قدوس..

والخطية هى كذلك حرمان من الله.

أنت غصن في الكرمة، طالما أنت ثابت فيها، تجرى
فيك عصارة الكرمة، فتحيا وتثمر. والله ينقيك لتأتى بثمر أكثر. أما الغصن الذي
ينفصل عن الكرمة بحياته في الخطية، فإنه يقطع ويجف ويلقى في النار (يو 15: 1 – 6)

 

وفى حالة الخطية تتعرض لتلك العبارة المخيفة
التي قالها السيد الرب لفاعلى الإثم (إنى لا أعرفكم قط، اذهبوا عنى) (مت 7: 23)
والعجيب أنه قال هذه العبارة لأشخاص قالوا (يارب، أليس تنبأنا، وباسمك أخرجنا
شياطين، وباسم صنعنا قوات كثيرة)..!

 

أمر مؤلم، أن يتبرأ الرب من معرفتنا!!

 

نفس العبارة قالها للعذارى الجاهلات (الحق أقول
لكن إنى لا أعرفكن) (مت 25: 12) وأغلق الباب، وبقيت هؤلاء خارجا، منفصلات عن القديسات
اللائى حضرن العرس..

 

الخطية فساد للطبيعة البشرية.

تصورا حالة آدم وحواء قبل السقوط، البراءة
العجيبة، والبساطة والنقاوة.. ولكن الخطية غيرت القلب، وغيرت النظرة (رأت المرأة
أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر) (تك 3: 6) وكانت
أمامها الشجرة من قبل، ولكن لم تكن تنظر إليها هكذا
.. الخطية
غيرت النظرة، وأوجدت الشهوة ففسدت الطبيعة..

 

دخل الإنسان في ثنائية الخير والشر، والحلال
والحرام، وفقد بساطته، وعرف شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة (1يو 2: 16)
وأصبح (الجسد يشتهى ضد الروح والروح تشتهى ضد الجسد، ويقاوم أحدهما الآخر) (غل 5: 7).

 

صدقنى، حتى ملامح الوجه تتغير بالخطية.

نوع النظرة، والإبتسامة، ولهجة الصوت، وشكل
الإنسان جملة يتغير.. حتى أن الرسول ينصحنا فيقول (تغيروا عن شكلكم بتجديد
أذهانكم) (رو 12: 2) فإن عاش صديق لك في الخطية، ورأيته بعد مدة، تكاد تقول: ليس
هذا هو الإنسان الذي كنت أعرفه من قبل. الآن كل شئ فيه قد تغير.. حتى ملامحه!!

 

الخطية هى هزيمة وسقوط وضعف.

مهما ظن الخاطئ أنه نال من العالم شيئا. إن شاول
الملك لم يكن قويا وهو يطارد داود من برية إلى برية. بل كان مهزوما من ذاته ومن
غيرته. وأخيرا أحس بهزيمته، فرفع صوته وبكى. وقال لداود (أنت أبر منى، لأنك
جازيتنى خيرا، وأنا جازيتك شرا) (1صم 24: 16، 17)

 

الإنسان الخاطئ إنسان ضعيف، لم يستطع أن يقاوم
الخطية. فغلبه الشر، وغلبته شهوته فسقط وانهزم أمامها. وأصبح غير مستحق لوعود الله
للغالبين، كما ذكرها الرب في رسالته للكنائس السبع (رؤ 2: 3) إنه إنسان مهزوم، ليس
فقط من الخطية التي تحاربه من الخارج، بل بالأكثر من الخطية التي تسكن في أعماقه.

 

أخيرا، الخطية هى موت.

لست أجد في وصفها أروع من قول الرب لراعى كنيسة
ساردس (إن لك إسما أنك حى، وأنت ميت) (رؤ 3: 1) وهكذا قال الآب عن توبة إبنه الضال
(إبنى هذا كان ميتا فعاش، وكان ضالا فوجد) (لو 15: 24).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى