علم المسيح

مقدمة



مقدمة

مقدمة

هل قال المسيح أنا الله أو أنا الرب
المعبود؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال علينا أن سأل السؤال
التالي وهو:

لماذا جاء المسيح أصلاً؟

وما هي رسالته الجوهرية؟

وهل جاء فقط ليعلن أنه الله أو الرب المعبود؟

أم جاء لهدف أخر لا يتم إلا بكون إله ولا يمكن
الإعلان فيه عن كونه الله، إلا بعد إتمام ما جاء لأجله؟

والإجابة هي:

أنه جاء لأجل هدف سام وغاية تبلغ أقصى درجات
الحب الذي لا يمكن أن يقدمه سوى الله وحدة كلي الحب والمحبة، لقد جاء لفداء
البشرية لذا
يقول
الرب يسوع المسيح عن غاية تجسده: ” لأن ابن الإنسان أيضا لم يأت ليخدم بل
ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين ” (مر10: 45)، ” لأنه هكذا أحب الله
العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.
لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلّص به العالم ” (يو3:
16و17)، ” أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف ”
(يو10: 11)، ” لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلّص ”
(لو9: 56).

 ويقول القديس بولس بالروح: ” الذي بذل
نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا ”
(غل1: 4)، ” الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع الشهادة في أوقاتها الخاصة
” (1تي2: 6)، ” الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل أثم ويطهر لنفسه
شعبا خاصّا غيورا في أعمال حسنة ” (تي2: 14)، ” المسيح يسوع جاء إلى
العالم ليخلّص الخطاة ” (1تي15: 1).

 ولم يكن من الممكن أن يتم هذا الهدف، وهو
الفداء، لو الرب يسوع المسيح أعلن عن لاهوته صراحة منذ بداية كرازته، قبل إتمام
هذا الفداء، كان لابد أن يعلن عن لاهوته بشكل غير مباشر قبل يتم الفداء ويعلن عنه
صراحة بعد إتمامه لتعرف البشرية أن من فداها هو كلمة الله الذي هو الله لذا قال
القديس بولس:

بل نتكلم بحكمة الله في سرّ. الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور
لمجدنا. التي لم يعلمها احد من عظماء هذا الدهر. لأن لو عرفوا لما صلبوا رب
المجد
” (1كو2: 7و8).

 كان هدف وغاية تجسد الرب يسوع المسيح ومجيئه هو
الفداء الذي كان مقررا بحسب مشورة الله وتدبيره الأزلي وعلمه السابق، أو كما يقول
الكتاب: ” قبل الأزمنة الأزلية “؛ ” الذي خلصنا ودعانا دعوة
مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل
الأزمنة الأزلية
” (2تي1: 9)، ” والقادر أن يثبتكم حسب إنجيلي
والكرازة بيسوع المسيح حسب إعلان السر الذي كان مكتوماً في الأزمنة الأزلية
ولكن ظهر الآن وأعلم به جميع الأمم بالكتب النبوية حسب أمر الإله
الأزلي لإطاعة الإيمان
” (رو16: 25و26)، ” إذ سبق (الله)
فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته.. إذ عرفنا بسر مشيئته حسب
مسرته التي قصدها في نفسه. لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شئ في المسيح
ما في
الموات وما على الأرض في ذاك الذي فيه أيضا ذلنا نصيباً معينين سابقاً حسب
قصد الذي يعمل كل شئ حسب رأي مشيئته ” (اف1: 5-7). ويقول أيضا ” أنه
بإعلان عرفني بالسر.. سر المسيح. الذي في أجيال أخر لم يعرف به بنو
البشر كما أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح
..
وأنير
الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع
المسيح. لكي يعرّف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة
الله المتنوعة حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا

(أف3: 3-5و9-11)، ”
السر المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال
لكنه الآن قد أظهر لقديسيه الذين أراد الله أن يعرّفهم ما هو غنى مجد هذا السر في الأمم
الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد
” (كو1: 26و27).

 هذا السر يقول عنه القديس بطرس بالروح: “
عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها
من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفا سابقا قبل
تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم
” (1بط1: 18-20).
كما يعلن أنه كُشف للأنبياء في العهد القديم بالروح
: ” نائلين
غاية إيمانكم خلاص النفوس. الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن
النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي
فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها
. الذين أعلن لهم أنهم
ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أخبرتم بها انتم الآن بواسطة
الذين بشروكم في الروح القدس المرسل من السماء التي تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها

(1بط1: 9011).

 وأكد هذه الحقيقة الرب يسوع المسيح لتلاميذه
قبل الصلب وبعد القيامة:
وقال لهم بعد قيامته: ” أما
كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء
يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب.. وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم
به وأنا بعد معكم انه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء
والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان
ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وان يكرز باسمه بالتوبة
ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم
” (لو24: 26و27و46و47).
ومن ثم
يقول القديس بولس الرسول: “
وأعرّفكم أيها الأخوة
بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضا تخلصون أن كنتم تذكرون أي
كلام بشرتكم به إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثا. فأنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا
أيضا أن المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب. وانه دفن وانه قام في اليوم الثالث
حسب الكتب ” (1كو15: 1-4).
وقال
القديس بطرس لرؤساء اليهود: ”
وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا
فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب. ويرسل يسوع
المسيح المبشر به لكم قبل
” (أع3: 18-20). وكما يقول الكتاب أيضاً: ”
فإذ ذاك
كان
يجب أن يتألم مرارا كثيرة منذ تأسيس العالم
ولكنه الآن قد اظهر
مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه
(عب9: 26).

 لقد جاء الرب يسوع المسيح ليقوم بأعظم وأجل
مهمة في تاريخ البشرية وهي الفداء، لذا يقول الكتاب: ” ولكن لما جاء ملء الزمان
أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال
التبني
” (غل4: 4و5).
ولو كان قد قال صراحة أنه الله
لحدث أحد أمرين أولهما أنهم لن يصدقوه وسيحاولون رجمه أو موته، وهذا ما حدث بالفعل
في أكثر من مرة، يقول الكتاب:
” فمن اجل هذا كان اليهود
يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه
معادلا نفسه بالله
” (يو5: 18)، وعندما قال لهم:
قبل
أن يكون إبراهيم أنا كائن
“، ففهموا من كلامه إعلاناً للإلوهية في ذاته
فقرروا رجمه بتهمة انه جدف على الله وبالفعل شرعوا في التنفيذ: ” ورفعوا
حجارة ليرجموه “، وهموا بذلك، ولكن يقول الكتاب: ” وأما يسوع فاختفى
وخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم ومضى هكذا
” (يو58: 8و59). ولما قال لهم
أنا والآب واحد ” يقول الكتاب: ” فتناول اليهود أيضاً
حجارة ليرجموه.. قائلين لسنا نرجمك
لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فإنك وأنت
إنسان تجعل نفسك إلهاً
.. فطلبوا أيضاً أن يمسكوه فخرج من أيديهم ” (يو30:
10،31،33،39). لماذا لم يمسكوه؟ يقول الكتاب: ” فطلبوا أن يمسكوه. ولم يلق
احد يدا عليه لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد ” (يو7: 30).

 أو كان عليه أن يظهر لهم لاهوته بصورة أقوى مما
عمله معهم من معجزات ”
ومع انه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم
يؤمنوا به ” (يو12: 37)
، مثلما حدث عندما ظهر الله لبني إسرائيل على
الجبل بصورة مهيبة ورهيبة، حيث يقول الكتاب: ” وكان جبل سيناء كله يدخن من
اجل أن الرب نزل عليه بالنار. وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جدا. فكان
صوت البوق يزداد اشتدادا جدا وموسى يتكلم والله يجيبه بصوت ” (خر19: 18و19).
” وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخّن. ولما رأى
الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد. وقالوا لموسى تكلم أنت معنا فنسمع. ولا يتكلم معنا
الله لئلا نموت ” (تث20: 18و19). ويقول القديس بولس عن هذا الحادث بالروح: ”
لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار والى ضباب وظلام وزوبعة وهتاف بوق وصوت
كلمات استعفى الذين سمعوه من أن تزداد لهم كلمة. لأنهم لم يحتملوا ما أمر به وان
مست الجبل بهيمة ترجم أو ترمى بسهم. وكان المنظر هكذا مخيفا حتى قال موسى أنا
مرتعب ومرتعد
” (عب12: 18-21). ولو كان الرب يسوع المسيح قد كشف لهم عن
إلوهيته بمثل هذه الصورة أو أي صورة أخرى مثيلة لما كان قد تم عمل الفداء كقول
الكتاب: ” بل نتكلم بحكمة الله في سرّ. الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها
قبل الدهور لمجدنا. التي لم يعلمها احد من عظماء هذا الدهر. لأن لو عرفوا لما
صلبوا رب المجد
” (1كو2 7و8).

 وهناك عامل هام وجوهري وهو عمل الروح القدس،
فالروح القدس وحده هو الذي ينير ذهن الإنسان ويجعله يؤمن بإلوهية المسيح، حيث يقول
الكتاب: ” وليس احد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس
(1كو12: 3)، وحتى التلاميذ أنفسهم بالرغم من أن الرب يسوع المسيح دخل إليهم وخرج
وعاشوا معه حوالي ثلاث سنوات ونصف (أع1: 21)، بل وأكلوا وشربوا معه حتى بعد قيامته،
كما يقول القديس بطرس: ”
نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات
” (أع10: 41)، إلا أنهم
لم يؤمنوا بلاهوته إلا بعد حلول الروح القدس!!
وعلى سبيل المثال فعندما قال له القديس بطرس: ” أنت هو المسيح ابن الله الحي.
فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا. أن لحما ودما لم يعلن لك لكن أبي
الذي في السموات ” (مت16: 16و17). بل وكان التلاميذ لا يعرفون معنى الكثير من
أقوال الرب يسوع المسيح قبل حلول الروح القدس عليهم، يقول الكتاب: ” وأما هم
فلم يفهموا من ذلك شيئا وكان هذا الأمر مخفي عنهم ولم يعلموا ما قيل ” (لو18:
34)، لماذا؟ يقول الكتاب: ” لان الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد. لأن يسوع لم
يكن قد مجّد بعد ” (يو7: 39). ” وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولا. ولكن
لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه وأنهم صنعوا هذه له ”
(يو12: 16). وقال ليوسف النجار والعذراء عندما وجداه في وهو الثانية عشر من أيام
تجسده: ” لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما انه ينبغي أن أكون فيما لأبي. فلم
يفهما الكلام الذي قاله لهما
” (لو2: 49و50). ولكن لما حل الروح القدس
تغير كل شيء ففهم التلاميذ حقيقة لاهوت المسيح وكذلك اليهود وآمن منهم عشرات
الآلاف، بل كما يقول الكتاب: “
وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ
يتكاثر جدا في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان ” (أع6: 7).

 كما كان على الرب يسوع المسيح أن يخفي نفسه،
يخفي لاهوته، يحجب لاهوته، إلوهيته، في ناسوته، أي جسده، طبيعته الإنسانية، يظهر
على الأرض في الجسد، في صورة إنسان: ”
وبالإجماع عظيم هو سرّ
التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم
أومن به في العالم رفع في المجد
” (1تي3: 16)، أن يحل اللاهوت في الناسوت،
أي الطبيعة الإنسانية، أي الجسد: ”
فانه فيه يحل كل ملء
اللاهوت جسديا
” (كو2: 9)، أن يتخذ الطبيعة الإنسانية ” والكلمة صار
جسدا (أتخذ جسداً) وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة
وحقا..

الله
لم يره احد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر
” (يو1: 14و18)،
أن يشترك معنا في الطبيعة الإنسانية ”
فإذ قد تشارك الأولاد
في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت
أي إبليس

(عب2: 14)، وأن يولد، كإنسان من امرأة: ”
ولكن لما جاء ملء
الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت
الناموس لننال التبني
” (غل4: 4و5)، وأن يكون مجربا مثلنا
ويشبهنا في كل شيء ما عدا الخطية: ”
مجرب في كل شيء مثلنا
بلا خطية

(عب4: 15). لماذا؟ لكي يتم الفداء كما رتبت مشورة الله الأزلية بحسب علمه السابق،
علم الله الكلي، لأنه لولا التجسد ما كان الفداء: ”
بل نتكلم
بحكمة الله في سرّ. الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا. التي
لم يعلمها احد من عظماء هذا الدهر. لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد

(1كو2: 7و8).

 فقد أخلى الرب يسوع المسيح نفسه من مجده، حجب
لاهوته في ناسوته: ”
فأنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من أجلكم
افتقر وهو غني
لكي تستغنوا انتم بفقره
” (2كو8: 9).
وأيضاً: ” فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا، الذي إذ كان في
صورة الله
لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله، لكنه أخلى نفسه أخذا
صورة عبد صائرا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان
وضع نفسه وأطاع حتى
الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه اسما فوق كل اسم، لكي
تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض،
ويعترف كل
لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب ” (في5: 2-11).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى