علم المسيح

الفصل السابع



الفصل السابع

الفصل السابع

كان نظر
المسيح دائما متجها إلى الصليب

نبوات المسيح
وإعلاناته عن صلبه وقيامته

 

كان موضوع صلب المسيح وقيامته بالنسبة للرب يسوع المسيح نفسه ليس مجرد
‏نهاية حياة علي الأرض أو حتي مجرّد استشهاد مثل بقيّة الشهداء، كما أنَّه لم يكن
‏ابن ساعته أو يومه، أو مجرّد حكم بالإعدام تمّ باستخدام وسيلة إعدام هي الصلب،
‏وإنما كما أعلن الرب يسوع نفسه وكما أعلن الوحي الإلهي في العهد الجديد،
كان
‏أمرًا محتومًا منذ الأزل، ومعروفًا سابقًا قبل العالم،
كقول القديس
بطرس بالروح ‏القدس: ”
دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً
سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ
الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ،
” (ابط1/19-20
أو كما قال، لليهود بالروح القدس: ”
هَذَا ‏‏(يسوع
المسيح)
أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ
وَعِلْمِهِ السَّابِقِ وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ.

” (
أع2/23). ويؤكّد الرب يسوع المسيح أنّه ما جاء، بالدرجة
‏الأولي، إلا لهذا السبب ”
لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ
الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ
يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ
يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ
بِهِ الْعَالَمُ.
” (يو3/16-17).‏

‏ وكان يُسَمّي وقت صلبه بالساعة، أي الساعة المعيّنة التي سيتمّ فيها
صلبه، وأنَّه ‏ما جاء إلاَّ لأجل هذه الساعة: قال لتلاميذه قبل العشاء الرباني
قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ. اَلْحَقَّ
الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ
وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ
كَثِيرٍ
…. اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا
الآبُ نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى
هَذِهِ السَّاعَةِ…. وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ
الْجَمِيعَ».

قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ
يَمُوتَ.
” (يو12/23-32).‏

‏ وبعد خطابه الوداعي لتلاميذه بعد العشاء قال لهم ” لَكِنِّي
قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي
أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ لأَنِّي كُنْتُ
مَعَكُمْ.
” ‏‏(يو16/4). وبعد انتهاء
خطابه الوداعي وقبل القبض عليه بلحظات يقول الكتاب ” ‏
تَكَلَّمَ
يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ
قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً

” (
يو17/1).

‏1 ‏
نبواته وإعلاناته عن آلامه وصلبه منذ بداية خدمته: ‏

‏ وفيما يلي أهم نبوّات وإعلانات الرب يسوع المسيح عن القبض عليه
ومحاكمته ‏وآلامه وصلبه وموته وقيامته: ‏

(1) برغم أنَّ الرب يسوع المسيح صنع أمام جموع اليهود معجزات عديدة لا
‏حصر لها إلا أنّهم طلبوا منه آية، معجزة كبري تبرهن علي صحة رسالته!! ‏وقالوا له
يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». فَقَالَ لَهُمْ:
«جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ
يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي
قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ.
” (مت12/38-41).
وفي ‏إجابته عليهم يقدّم لهم أكبر وأعظم آية وهي موته ودفنه ثلاثة أيام ثم قيامته
من ‏الموت التي هي لكل الأجيال وليس فقط لذلك الجيل، كما كانت آية يونان لأهل
‏نينوي، فهو الأعظم ”
هُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ
هَهُنَا!
“. فمعجزة قيامة المسيح من ‏الموت هي الوحيدة الباقية إلي الأبد.‏

(2) وفى حادثة تطهير الهيكل المذكورة في الإنجيل الذي دونه القديس يوحنا
‏بالروح القدس طلبوا منه أيضا أن يقدم لهم آية تبرهن على سلطانه الذي يعمل به
‏ويتكلم به، وكانت آيته لهم ”
انْقُضُوا هَذَا
الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ
“، ولم
يكن ‏يقصد هيكل سليمان الذي أعاد بناءه هيرودس الكبير، وكان الهيكل قد أعيد بناؤه
‏حتى وقت المسيح في ” ست واربعين سنة ” وإنما كان يشير إلى هيكل جسده ؛
” ‏

وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ.
فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ تَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فَآمَنُوا
بِالْكِتَابِ وَالْكلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ.
” (يو2/18-22). وكأنَّه كان يقول لهم: ‏اقتلوا هذا الجسد، جسد المسيح، وسوف
يقوم في اليوم الثالث، إذ أنَّ أعظم آياته ‏هي موته وقيامته من الموت في اليوم
الثالث.‏

(3) ولما جاء إليه أحد معلمي الناموس وعضو السنهدرين الأعظم ويُدعي
‏نيقوديموس, ليلاً، وعلّمه الرب يسوع معني الولادة الجديدة، أعلن له عن سرّ
‏الفداء الذي لابد أنْ يتمّ بآلامه وموته مصلوبًا وقيامته من الأموات مصوّرًا له
عملية ‏الصلب بمثال الحيّة النحاسيّة التي رفعها موسي النبي في البريّة، بناء علي أمر
الله‏، وكلّ من نظر إليها ممن لدغته الحيّات يُشفى ”
وَكَمَا
رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ
ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ
لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.
” (يو3/14-15).‏

(4) وبعد معجزة إشباع خمسة آلاف رجل غير الذين كانوا معهم من نساء وأطفال
‏بخمسة أرغفة وسمكتين نادى أمام كل هذه الجموع قائلاً: ”
أَنَا
هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. 000 ‏ أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ.
وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ
حَيَاةِ الْعَالَمِ 000 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا
جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ000
‏ مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ.

” (
يو6/48-56). والإشارة هنا ‏واضحة إلي آلامه
وسفك دمه وتقديم جسده علي الصليب.‏

(5) وفي نواحي قيصرية فيلبس كشف الوحي الإلهي للقديس بطرس الرسول عن
‏حقيقة وشخص الرب يسوع المسيح وهو ”
الْمَسِيحُ
ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ
” (مت16/16
وبعد مدح الرب يسوع المسيح لبطرس على هذا الإعلان وتأكيده هذه الحقيقة لبقية
‏التلاميذ، يقول الكتاب ”
مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ
يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى
أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ
وَالْكَتَبَةِ وَيُقْتَلَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ.

” (
مت16/21). وهذا الإعلان لا يحتاج إلي إيضاح. إذ أنَّ
‏حقيقة كونه ابن الله الحيّ مرتبطة بحتميّة آلامه وصلبه وموته وقيامته. ولكن الفكر
‏البشريّ لم يستطعْ أنْ يفهم إرادة الله وتمثّل ذلك في قول بطرس له ”
حاشاك
يا رب ‏لا يكن لك هذا ” حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هَذَا!»
فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ
مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ»

” (
مت16/22-23).‏

(6) وبعد ستة أيام من ذلك أخذ الرب يسوع ” بُطْرُسَ
وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ
” وأعلن ‏أمامهم شئ من مجده على
جبل عال منفردين. ”
وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ
هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً لاَمِعاً. وَإِذَا
رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا

“، وكان كلام موسى وإيليا معه، كما يقول القديس لوقا بالروح القدس ‏‏”
خُرُوجِهِ
الَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ
.
” (
لو9/28-31) أي عن صلبه ‏وموته وقيامته، يقول
الكتاب أنَّ الرب يسوع المسيح أوصي تلاميذه وهم نازلون ‏من علي الجبل ”
لاَ
تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ
الأَمْوَاتِ
“(مت 17/9). ‏لأن
كَذَلِكَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضاً سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ
(
مت17/12).‏

(7) وأثناء تردده في الجليل كان يعلم تلاميذه ويقول لهم ” اِبْنُ
الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ وَفِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ
” (مت17/22-23).

(8) وأثناء تعليمه للشعب ” تَقَدَّمَ
بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَهُ: «اخْرُجْ وَاذْهَبْ مِنْ هَهُنَا
لأَنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ». فَقَالَ لَهُمُ: «امْضُوا وَقُولُوا
لِهَذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَداً
وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُكَمَّلُ. بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ
وَغَداً وَمَا يَلِيهِ لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجاً عَنْ
أُورُشَلِيمَ.
” (لو13/31-33). وهو هنا
‏يؤكّد حتميّة موته مقتولاً في أورشليم بسفك دمه.‏

(9) وبعد أنْ فتح عيني المولود أعمى الذي صنع له عينين من الطين نادى
قائلاً ‏‏: ”
أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ وَالرَّاعِي
الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ
000
وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ.” (يو10/11
و 15
). وهو هنا يُشير إلي بذل ذاته، تقديم ذاته، نيابة، ‏فدية، علي الصليب.
ثم يؤكّد حتميّة ذلك وحقيقة أنَّه يقدّم ذاته بإرادته، دون أنْ ‏يكون هناك أي مجال
للإجبار أو العرض والصدفة بقوله ”
لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي
لآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ
ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً.

” (
يو10/17-18).‏

(10) وعندما تناقش تلاميذه في أحقيّة الجلوس عن يمينه
أو يساره في ملكوته قال ‏لهم ”
أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ
لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ
كَثِيرِينَ
” ‏‏(مت20/28و مر10/45).‏

(11) وفي الطريق إلي أورشليم للمرة الأخيرة كشف
لتلاميذه ما سيحدث له بكل ‏وضوح ”
وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ
صَاعِداً إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ الاِثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذاً عَلَى
انْفِرَادٍ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ
وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ
فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ
يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ
” (مت20/17-19).
وهذا إعلان تفصيلي في إيجاز عن كل ما ‏سيحدث من محاكمة يهوديّة إلي تسليمه للرومان
وإستهزاء وجلد وصلب وموت ‏وقيامة.‏

(12)وَفِيمَا
كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ تَقَدَّمَتْ
إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ فَسَكَبَتْهُ
عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ.
“، فتصور تلاميذه ‏أن هذا
إِتْلاَفُ “، ” لأَنَّهُ
كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هَذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ

” ‏، فقال لهم يسوع مشيرًا إلي موته “
إِنَّهَا
إِذْ سَكَبَتْ هَذَا الطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ لأَجْلِ
تَكْفِينِي.
” (مت26/6-12).‏

(13) وبعد دخوله الانتصاري الأخير لأورشليم واحتدام
الصراع بينه وبين رؤساء ‏الكهنة والكتبة والشيوخ أعطاهم مَثَل الكرم والكرامين
وكشف لهم من خلاله كيف ‏أنَّ الله سلّمهم الكرم ولكنهم لم يعطوه من ”
ثَمَرِ
الْكَرْمِ
فَقَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟
أُرْسِلُ ابْنِي الْحَبِيبَ. لَعَلَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ يَهَابُونَ! فَلَمَّا
رَآهُ الْكَرَّامُونَ تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ: هَذَا هُوَ
الْوَارِثُ. هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ لِكَيْ يَصِيرَ لَنَا الْمِيرَاثُ.
فَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ.
” (لو20/9-16).
‏وهو هنا يُشير إلي نفسه بالابن الحبيب الذي قتلوه.‏

(14) وفي أورشليم طلب ” أُنَاسٌ
يُونَانِيُّونَ مِنَ الَّذِينَ صَعِدُوا لِيَسْجُدُوا فِي الْعِيدِ

‏من فيلبس أنْ يروا يسوع وكانت إجابة الرب يسوع علي هذا الطلب ”
قَدْ
أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ
تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ.
“،
ثم أضاف ” ‏
وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ
الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ».قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ
مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ.
” (يو12/20-33). والجملة الأخيرة
هي تعليق إيضاحي لمعنى كلام ‏المسيح مؤكدًا أنَّ قصده هو الموت معلقًا علي الصليب.‏

(15) وقبل عيد الفصح بيومين قال لتلاميذه ” تَعْلَمُونَ
أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ الْفِصْحُ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ
لِيُصْلَبَ
” (مت26/2). هل يُوجد
إيضاح أكثر من هذا؟ بالطبع ‏لا، فالرب يسوع المسيح كان يتطلّع دائمًا لهذه الساعة،
ساعة الصلب.

‏2 – نبوّاته وإعلاناته عن آلامه وصلبه أثناء العشاء الرباني: ‏

‏ وفي يوم الخميس قام الرب يسوع المسيح مع تلاميذه بعمل الفصح تمهيدًا
لتقديم ‏ذاته في اليوم التالي، الجمعة، في نفس الوقت الذي كان يذبح فيه اليهود
خروف ‏الفصح، أي يقدّم ذاته كالفصح الحقيقيّ، الحمل الحقيقيّ، في نفس الوقت الذي
‏يُذبح فيه خروف الفصح الرمزيّ.

‏ فقد ذهب فيه إلى أورشليم في العيد لأجل هذا السبب، يقول الكتاب
وَحِينَ تَمَّتِ الأَيَّامُ لاِرْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ
لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ
” (لو9/51).
وأثناء تناول الفصح ‏قال لتلاميذه “
الْحَقَّ
الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي

(
يو13/21). وبعد ‏دهشة التلاميذ واستفسارهم أشار إلي
يهوذا الاسخريوطي (
يو13/26)، وقال
إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ
وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ.
كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ
” (مت
26/24ومر21: 1414/21
)، ثم قال ليهوذا ” ‏ مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ” (يو13/27). وغمس لقمة وأعطاها له ” فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ.
وَكَانَ لَيْلاً
. ” (يو13/30)، خرج يهوذا إلي
رؤساء الكهنة ‏والكتبة والشيوخ لكي يسلّم لهم يسوع في تلك الليلة لأنَّه يعرف
المكان الذي سيجتمع ‏فيه الرب يسوع مع تلاميذه.‏

‏ وبعد خروج يهوذا بدأ الرب يُعدّ للعهد الجديد الذي كان علي وشك أنْ
يُعلنه بدمه‏، وبدأ بمراسم هذا العهد الجديد، وقدّم العشاء الربّاني، الخبز
والخمر، أو الجسد ‏والدم الذي كان علي وشك أنْ يُقدّمهما علي الصليب ”
وَفِيمَا
هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى
التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي». وَأَخَذَ الْكَأْسَ
وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ لأَنَّ هَذَا هُوَ
دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ
لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا.
” (مت26/26-28
وهذا الخبز هو الذي سبق أنْ قال ‏عنه ”
وَالْخُبْزُ
الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ
الْعَالَمِ
” (يو6/51)، ‏وهذا الدم هو الذي سبق أنْ
قال عنه ”
وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ.
(
يو6/55)، ” مَنْ
يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ.

” (
يو6/56).

‏3 – نبواته وإعلاناته عن آلامه وصلبه في خطابه الوداعي: ‏

‏ وبعد عشاء الفصح والعشاء الرباني خرج الرب يسوع مع تلاميذه متوجهين
إلي ‏جبل الزيتون حيث بستان جيسماني وفي الطريق بدأ يكشف لهم ما سيحدث له في ‏تلك
الليلة “
كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لأَنَّهُ
مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ.‏

وَلَكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ
(
مت26/31-32 ومر14/27-28). والشك هنا ‏راجع لاعتقاد
اليهود أنَّ المسيح لن يموت بل يبقى إلي الأبد (
يو12/34مع
مز 89/36،أش ‏‏9/7و 35/8.دا 7/14،في4/7
)، فقالوا له ” سَمِعْنَا
مِنَ النَّامُوسِ أَنَّ الْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ

‏‏(
يو12/34). وهو في تلك الليلة سيُقبض عليه وفي اليوم
التالي سيموت. ولكنّه يُؤكّد أنَّه سيقوم من الموت ويقابلهم حيًا في الجليل. ثم
اكمل ”
هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ وَقَدْ أَتَتِ الآنَ تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا
كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي
لأَنَّ الآبَ مَعِي.
” (يو16/32).
فقال له بطرس ”
وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ
أَشُكُّ أَبَداً». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي
هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ».
قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!»
هَكَذَا قَالَ أَيْضاً جَمِيعُ التَّلاَمِيذِ.
” (مت26/31-35
ومر14/27-31
). ثم عاد فأكّد بأكثر إيضاح ما سيحدث ‏الليلة وغدًا وأنَّه مقضيٌّ به
ومحتومٌ ”
لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ
يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هَذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا
هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ
“(لو22/37مع
إش53/12
).‏

‏ وبعد هذه الإعلانات الرهيبة خيّم علي التلاميذ جوّ الحزن وساد عليهم
وجوم فبدأ ‏يسوع يُعزّيهم ويُؤكّد لهم أنَّ حزنهم لن يطول لأنَّه سيقوم من الموت
وسيروه ثانية ” ‏
بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ
تُبْصِرُونَنِي ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى
الآبِ». فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَا هُوَ هَذَا
الَّذِي يَقُولُهُ لَنَا: بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ
أَيْضاً تَرَوْنَنِي وَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ؟».
” (يو16/16-17).‏

‏ وقد صوّر حزنهم الحالي وفرحهم المُقبل بآلام المرأة التي تلد وحزنها
لذلك ‏وفرحها بعد ميلاد الطفل ”
فَعَلِمَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ
كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْأَلُوهُ فَقَالَ لَهُمْ: «أَعَنْ هَذَا
تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ لأَنِّي قُلْتُ: بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ
تُبْصِرُونَنِي ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً تَرَوْنَنِي. اَلْحَقَّ الْحَقَّ
أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ.
أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ. اَلْمَرْأَةُ
وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ وَلَكِنْ مَتَى وَلَدَتِ
الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ لأَنَّهُ قَدْ
وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ.‏
فَأَنْتُمْ
كَذَلِكَ عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ
قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ.
” (يو16/19-22).‏

‏ هذه أهم نبوّات وإعلانات الرب يسوع المسيح عن حتميّة آلامه وصلبه
وموته ‏وقيامته من الموت في اليوم الثالث والتي كان يرددها دائمًا منذ بداية خدمته
‏الجهاريّة وحتي القبض عليه، وإنْ كان تكرارها قد إزداد كثيرًا في أيامه الأخيرة،
‏خاصّة في رحلته الأخيرة إلي أورشليم وقبل القبض عليه مباشرة، حتي يكون ‏التلاميذ
علي بيّنة لكل ما سيحدث له. فهل يُمكن لأحد بعد ذلك أنْ يدّعِي غير ذلك ‏؟! أو أنْ
يُنكر ما قاله الرب يسوع المسيح عن حتميّة آلامه وصلبه وقيامته؟! ‏

‏ قال الأستاذ خالد محمد خالد ” لقد كان
الصليب الكبير الذي أعده المجرمون ‏للمسيح يتراءى له دومًا

(
معًا على الطريق ص 34،131).‏

‏ وقال الأستاذ منصور حسين في كتابه دعوة الحق ” أن المسيح عليه
السلام كان ‏عالماً بأنَّه سيُصلب وبهذا أخبر تلاميذه “. ثم يُفاجئنا بعد ذلك
أنَّه غيّر رأيه وتراجع ‏عن قراره وصُلب يهوذا بدلاً منه!!!!!!‏

‏ فهل يحتاج مثل هذا الكلام إلي تعليق؟! قال الرب يسوع المسيح ” اَلسَّمَاءُ
وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.
” (مر13/31).‏

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى