علم المسيح

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل الثاني

نظرية إلقاء
شبه المسيح علي آخر
تتعارض مع
عدل الله وجلاله وعظمته

ومع
العقل والمنطق والتاريخ

 

1- إشكالات روايات عدم صلب المسيح وإلقاء شبهه علي آخر:

لا يقدر أنْ يقول لنا أصحاب نظرية الشبه، كما بيّنا، أنّ آية الشبه
ذكرت كيفية إلقاء الشبه ومتي حدثت؟ ومن هو الشبيه؟ ومن هو المُشَبّه به؟. كما يقول
الشيخ عبد الرحمن أبو
زهرة
في كتبه محاضرات في النصرانيّة ص 25: ” أنَّ القرآن الكريم لم يُبَينّ لنا
ماذا كان
من عيسى بين
صلب الشبيه ووفاة عيسي أو رفعه علي الخلاف في ذلك، ولا إلي أين ذهب؟،
وليس عندنا مصدر صحيح يُعْتَمَد عليه.

 

وكما علَق الإمام الفخر الرازي علي ما روي من روايات خياليّة عن الشبه
بقوله ” اختلفت مذاهب العلماء في هذا الوضع وذكروا وجوهًا… وهذه الوجوه
متدافعة متعارضة والله أعلم بهذه الأمور ” (التفسير
الكبير للرازي ج 3: 35
).

 

وقال في تفسير الآية 175 من سورة النساء، مكرّرًا ما قاله الزمخشري في
كشافه ”
الأول: قوله شُبّه مُسْنَد إلي ماذا؟ إنْ جعلته إلي
المسيح فهو مُشَبَّه به وليس بمُشَبِّه، وإنْ أسندته إلي المقتول، فالمقتول
لم يُجْرَ له ذكر…

 

والثاني: أنّه إنْ جاز أنّ الله تعالي يُلْقِي شِبْهَه (أي
المسيح) علي
إنسان
آخر فهذا يفتح باب السفسطة فإنَّا إذا رأينا زيدًا فلعله ليس بزيدٍ فإنّه ألقي شِبْه
زيد عليه. وعند ذلك لا
يبقى النكاح والطلاق والملك موثوق به، وأيضًا يفضي إلي القدح في التواتر

وذلك يوجب القدح في جميع الشرائع وليس مُجيب
أنْ يُجِيب عنه بأنّ ذلك مختصّ بزمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأننا نقول لو
صحّ ما ذكرتم فذاك إنّما
يُعرف
بالدليل والبرهان فمن لم يُعلن ذلك الدليل والبرهان وجب أنْ يشي من المحسوسات ووجب
أنْ لا يعتمد علي شيء من الأخبار المتواترة…
وبالجملة
ففتح هذا الباب يوجب
الطعن
في التواتر والطعن فيه يوجب الطعن في نبوّة سائر الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام “.

 

كما أنّ القول بعدم صلب المسيح وإلقاء شبهه علي غيره يوقعنا في جملة مشاكل دينيّة يلخّصها الإمام الفخر الرازي في
تفسيره لسورة آل عمران 55 ” من مباحث
هذه
الآية موضع مشكل وهو أنّ نصّ القرآن دال علي أنّه تعالي حين رفعه ألقي شبهه علي
غيره… والأخبار أيضًا واردة بذلك إلا أنّ
الروايات اختلفت في ذلك فتارة يُروى أنّ الله
تعالي
ألقي شبهه علي بعض الأعداء الذين دلوا اليهود علي مكانه… وتارة يُروى أنّ رغّب
بعض خواص أصحابه في أن يلقي شبهه (عليه) حتي يُقتل مكانه. وبالجملة فكيفما كان
ففي إلقاء شبهه علي غيره إشكالات:

 

(1) الإشكال الأول: إنّا لو جوَّزنا إلقاء شبه إنسان علي إنسان آخر لزم السفسطة، فإني إذا رأيت
ولدي ثم رأيته ثانية فحينئذ أجوّز أنْ يكون هذا الذي رأيته ثانية ليس بولدي بل هو
إنسان أُلقي شبَهه عليه، وحينئذ
يرتفع
الأمان علي المحسوسات. وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمدًا يأمرهم وينهاهم وجب
أنْ لا يعرفوا أنّه محمد، لاحتمال أنّه أُلقي
شبهه علي غيره،
وذلك يُفضي إلي سقوط الشرائع.
وأيضًا فمدار الأمر في الأخبار المتواترة علي أنْ يكون المُخبر الأوّل إنّما
أخبر عن المحسوس، فإذا جاز وقوع الغلط في
المبصرات كان سقوط خبر المتواتر أولي. وبالجملة ففتح هذا الباب أوّله سفسطة وآخره
إبطال النبوّات بالكلية.

 

(2) الإشكال الثاني: وهو
أنّ الله تعالي كان قد أمر جبريل عليه السلام بأنْ يكون معه (مع المسيح) في أكثر
الأحوال، هكذا قاله المفسرون في تفسير قوله (
إِذْ
أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ
الْقُدُسِ).

ثم إنّ طرف جناح واحد من أجنحة جبريل عليه السلام كان يكفي العالم من البشر، فكيف لم يكفِ في منع أولئك اليهود عنه؟
وأيضًا أنّه عليه السلام لمّا كان
قادرًا
علي إحياء الموتى، وإبراء الأكمة والأبرص، فكيف لم يقدرْ علي إماتة أولئك اليهود
الذين قصدوه بالسوء وعلي إسقامهم وإلقاء الزمانة (العاهة) والفلج عليهم حتي
يصيروا عاجزين عن التعرّض له؟.

 

(3) الإشكال الثالث: إنّه تعالى كان قادرًا علي تخليصه من أولئك الأعداء بأنْ يرفعه إلي السماء، فما
الفائدة في إلقاء شبْهه علي غيره،
وهل فيه
إلاَّ إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟.

 

(4) الإشكال الرابع: إنّه إذا ألقي شبهه علي غيره ثمّ إنّه
رُفع بعد ذلك إلي السماء، فالقوم اعتقدوا فيه أنّه عيسي
مع
أنّه ما كان عيسي،
فهذا كان إلقاءً لهم في الجهل والتلبيس. وهذا لا
يليق بحكمة
الله
تعالي.

 

(5) الإشكال الخامس: إنّ النصاري علي كثرتهم في مشارق
الأرض ومغاربها
وشدّة
محبّتهم للمسيح عليه السلام، وغلوّهم في أمره أخبروا
أنّهم
شاهدوه مقتولاً
ومصلوبًا،
فلو أنكرنا ذلك كان طعنًا فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب
الطعن في نبوّة محمد، ونبوّة عيسى، بل في
وجودهما، ووجود سائر الأنبياء عليهم
الصلاة
والسلام، وكل ذلك باطل
.

 

(6) الإشكال السادس: أنّه بالتواتر أنّ المصلوب بقي حيًا زمانًا طويلاً، فلو لم يكن ذلك عيسي بل كان
غيره لأظهر الجزع، ولقال: إني لست
بعيسي
بل إنّما أنا غيره، ولبالغ في تعريف هذا المعني، ولو ذكر ذلك لاشتهر عند
الخلق هذا المعني، فلمّا لم يوجدْ شيء من هذا
علمنا أنّ ليس الأمر علي ما ذكرتم.
فهذا جملة
ما في الموضع من السؤالات “. (
التفسير الكبير ج2/466).

 

وبالرغم من أنه علق على هذه الإشكالات إلا أنّ تعليقة كان غير مقنعًا سواء له أو لغيره، إذ يقول في رد
مقتضب:

 

1- الجواب عن الأول: إنّ كل من أثبت
القادر المختار، سلَّم أنّه تعالي قادر علي أنْ يخلق إنسانًا آخر علي صورة زيد
مثلاً، ثم إنّ هذا التصوير لا يوجب الشك المذكور،
فكذا القول فيما ذكرتم.

ونقول هل حدث مثل ذلك في تاريخ البشرية؟؟؟ والإجابة بالقطع كلا!!!.

 

2- والجواب عن
الثاني:
إنّ جبريل عليه السلام لو دفع الأعداء عنه أو أقدر الله تعالي عيسى
عليه
السلام علي دفع الأعداء عن
نفسه لبلغت معجزته إلي حدّ الإلجاء (أي اضطرار الله إلي
إجراء
تلك المعجزة)، وذلك غير جائز “.

ونقول علي العكس لو كان الله قد أنقذه بواسطة ملاك لظهرت عظمته وآمن به
اليهود، ونسأل ونقول وهل إلقاء شبهه علي آخر ليس في
إلجاء
واضطرار؟؟؟!!!

 

3- والجواب عن الثالث: فإنَّه تعالي لو رفعه إلي
السماء وما
ألقي
شبهه علي الغير لبلغت تلك المعجزة إلي حدّ الإلجاء (أي اضطرار الله إلى إجراء
تلك المعجزة)”.

والسؤال هنا أيهما أكرم وأليق بجلال الله وعظمته؟ أنْ يرفعه أمام الجميع فتظهر قدرة الله أم يخدعهم ويلقي
بشبهه على آخر؟؟؟!!!

 

4- والجواب عن الرابع:
إن تلامذة عيسي كانوا حاضرين، وكانوا عالمين بكيفية الواقعة، وهم
كانوا
يزيلون ذلك
التلبيس “.

ونقول أنه ولا واحد من تلاميذ المسيح قال بغير صلب المسيح!!!!!

 

5- والجواب عن الخامس: إنّ الحاضرين في ذلك الوقت
كانوا قليلين
ودخول
الشبهة علي الجمع القليل جائز والتواتر إذا انتهى في آخر الأمر إلي الجمع
القليل لم يكن مفيدًا للعلم “.

 

ونقول هل تدخل الشبهة علي أمّه وأخت أمه وتلميذه يوحنا ومن كان معهم من التلاميذ غير المعلنين
مثل يوسف الرامي ونيقوديموس، أم على
اليهود
الذين كانوا حاضرين الصلب والذين جال يبشّر بينهم يُعلّمهم ويصنع المعجزات
وكانوا يلتفون حوله بعشرات الألوف،أم علي الجنود
الرومان الذين كانوا يقومون
بعملية
الصلب، أم سمعان القيرواني الذي كان يشاركه في حمل الصليب؟؟؟؟!!!!.

 

6- والجواب عن السادس: إنّ بتقدير أنْ يكون الذي
ألقي شبه عيسى عليه السلام عليه كان
مسلمًا
وقبل ذلك عن عيسي، جائز أنْ يسكت عن تعريف حقيقة الحال في تلك الواقعة

تقول كل تفاصيل المحاكمة والصلب أنّ المحاكم والمصلوب كان هو المسيح
وهذا ما
دلل عليه
بأقواله وتصرفاته!!!!

 

ثم يختم بقوله: ” وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه. ولما
ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد في
كل
ما أخبر عنه، امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملة معارضة للنصّ القاطع، والله
وليّ الهداية”.

 

هذا هو تعليق الرازي وتعليقنا عليه.

 

ولأن هذه الردود غير مقنعة، حتى
له هو نفسه كما هو واضح. لذا فسّر بعض العلماء المسلمين الآية باعتبار أنّها لا
تنفي الصلب.
وحقائق التاريخ، فيقول(4):

‏ ” أهم الأسئلة فيما يتعلق بمسألة صلب المسيح أو نهاية شأن
المسيح مع قومه كما ‏أفضل أنْ أسمّيها هي:

ما هو معني الصلب؟

هل الصلب هو مُجَرّد وضع شخص ‏علي الصليب سواء مات من جرّاء الصلب أوّ
لم يمتْ لأي سبب من الأسباب؟

أمّ ‏أنَّ الصلب لا يتمّ إلاَّ إذا مات الشخص المحكوم عليه بالصلب علي
الصليب؟

إنَّ ‏تحديد معني الصلب بالإجابة علي هذه الأسئلة الهامة يجعلنا نعرف
علي وجه الدقة ‏ما إذا كانوا قد قتلوه وصلبوه، أو أنَّهم (
وَمَا
قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ
).‏

‏ ” جديرٌ بنا أنْ ندقّق في معني الفعل المبني للمجهول (صُلِبَ).
يُقال عن شخص ‏إنَّه صُلب إذا كان مات علي الصليب ويُقال عن شخص إنه (
أُغرِقَ)
إذا كان قد ‏مات إغراقًا تحت الماء، أمّا إذا كان بعض الناس حاولوا إغراق شخص تحت
‏سطح الماء بهدف قتله ولم يمتْ هذا الشخص تحت الماء لأي سبب فإنَّهم لم يغرقوه‏‏.
يجوز أنْ يكونوا قد شرعوا في قتله بإغراقه، ولكنهم في حقيقة الأمر (
ما
قتلوه ‏وما أغرقوه
)، حيث أنَّه لم يمتْ تحت سطح الماء من جرّاء
إغراقهم له، في ‏محاولتهم قتله تحت سطح الماء. وهكذا لو وُضِعَ شخص علي الصليب ولم
يمتْ ‏من جرّاء الصلب لا يجوز أنْ نقول عنه أنَّه صُلِبَ. ربما كان هذا شروعًا في
قتله ‏صلبًا، ولكنهم (ما صلبوه) “.‏

‏ ولكنّنا نقول لسيادته نتفق معك في الجزء الأول من حديثك أنَّ اليهود
دفعوا ‏الرومان لصلب المسيح ليتخلّصوا منه ومن رسالته، أمّا الجزء الثاني فقد تحقّق
‏لا بعدم موته علي الصليب بل بقيامته من الأموات في اليوم الثالث، وفي هذه ‏الحالة
يكون قوله ”
وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ
” يعني أنَّ قصدهم وخطّتهم في القضاء ‏عليه لم ينجحا لأنَّه قام من الأموات
وظهر لتلاميذه وأرسلهم للكرازة به في كل ‏العالم.‏

‏ ثمّ يوضّح الأستاذ علي الجوهري
رأيه في نظرية إلقاء شبه المسيح علي شخص ‏آخر بقوله: ” لأن إلقاء شبه المسيح
علي شخص غير المسيح إنما هو نظريّة قال ‏بها المفسرون، إنَّها رأي المفسّرين، ومن
المعروف أنَّ المفسّرين يَلْزَم كل منهم ‏أنْ ينظر في تفسير من سبقه من المفسّرين.
هذا بطبيعة الحال من ضرورات ‏التصدّي لمحاولة تفسير آيات القرآن الكريم.
ونظرية
إلقاء الشِبْه غير مستساغة ‏وغير معقولة لأسباب هامة كثيرة: ‏

أولاً: لا دليل عليها، ولتكون نظريّة مستساغة ومقبولة
ومعقولة يلزم أنْ تتوافر ‏لها أدلّة علي صحّتها. ونظريّة إلقاء شبه المسيح علي شخص
غيره لا يُنْهِضْ ‏دليل علي صحّتها، وتُنْهِضْ أدلّة علي عدم صحّتها

000
لقد اضطر المفسّرون ‏المسلمون إلي القول بنظريّة إلقاء الشِبْه إجابة
وحيدة لسؤال فرض نفسه هو
: إذا ‏كان
المسيح ما قتلوه وما صلبوه، فماذا حدث له؟ وكيف نجا من القتل والصلب؟

‏ويجوز أنْ يُوضع شخص علي الصليب بقصد قتله صلبًا، ولا يكون هذا الشخص ‏قد قُتل أو
صُلب إذا لم يمت علي الصليب
.‏

ثانياً: لأنَّ إنكار وضع المسيح علي الصليب يتعارض مع
شهادة شهود العيان ” ‏
وشهادة شهود العيان في هذه الجزئيّة
بالذات لا تشوبها شائبة تَنَاقض أو خِلاف ‏بين الشهود. كلّ شهودهم مُجْمِعُون
عليها000 في مسألة القبض علي المسيح ‏ووضعه علي الصليب يستحيل بحق إهدار شهادة
شهود العيان، وكذلك وقائع ‏محاكمة المسيح أمام السنهدرين وأمام الحاكم الرومانيّ
بيلاطس. قبضوا عليه، ‏وحاكموه، ووضعوه علي الصليب. وشهد بذلك عشرات بل مئات من
شهود ‏العيان، ولا تناقض في شهادة شهود العيان بهذا الصدد يمكن التعويل عليه في
‏رفض محتوى شهادتهم
“.‏

‏ ” أليس المطلوب هو إثبات صدق القرآن الكريم فيما أخبر به من أنَّ
أعداء المسيح ‏ما قتلوه وما صلبوه؟ يتحقّق المطلوب دون حاجة إلي الاعتماد في ذلك
علي التسليم ‏بنظريّة إلقاء الشبه، ودون أنْ نصطدم بضرورة إهدار شهادة الشهود في
مسألة ‏يستحيل فيها إهدار شهادة الشهود. ومن المعلوم أنَّه في بعض الحالات يمكن
‏التدليل علي فساد شهادة الشهود، وفي حالات أخري لا يكون هنالك سبيل إلي ‏إهدار
شهادة الشهود.
والقبض علي المسيح ووضعه علي الصليب من المسائل التي ‏لا يجوز إهدار
شهادة الشهود بشأنها – والحق يُقال – بأي حال من الأحوال. إنَّهم ‏مُجْمِعُون
عليها، ولا تناقض داخلي بشأنها،
والحق يُقال أيضًا ولا
ينبغي كمسلمين ‏أنْ نجادل بالباطل أبدًا. إنَّ الله سبحانه وتعالي يأمرنا بذلك. إنَّ
الله يأمرنا أنْ نجادل ‏بالتي هي أحسن. والاعتراف بالحقائق، وعدم الجدال بالباطل
إنما هما من أهم ‏ركائز الجدل بالتي هي أحسن. هل يجادل بالتي هي أحسن من يُنكر
الحقائق ولا ‏يعترف بها؟
“.‏

‏ ويُضيف ” لأنَّ التمسّك بالمعني الأوّل من
معاني إنتفاء الصلب بإنكار وضع ‏المسيح علي الصليب يُعَرّض مصداقية القرآن الكريم
ذاتها للخطر
000 إنَّ مَثَلَ ‏مَن يُعَارضون أنْ يكون أعداء المسيح قد وضعوه فعلاً
علي الصليب كَمَثَل شخص ‏حضر حفل زفاف صديق، وأثناء الحفل وقعت حادثة قتل أُتُّهم
فيها هذا الشخص ‏وعندما يتمّ سؤال هذا الشخص: هل حضرت حفل زفاف صديقك أم لا؟ يقول
لا، ‏أنا لم أحضر حفل زفاف صديقي. وإذا شهد شاهدان علي أنَّه كان يجلس بينهما في
‏ذلك الحفل نجد أنَّ إنكار ذلك الشخص حضوره الحفل يُسِئ إلي موقفه في التحقيق ‏ولا
يُفيده “. ‏

ثالثاً: إنَّ نظريّة إلقاء الشِبْه وردت في إنجيل برنابا
وهذا هو الدليل الثالث علي ‏فسادها وعدم صحتها:
” إن
الاحتجاج بورود هذه النظريّة في إنجيل برنابا يكشف ‏قبل أي شئ علي أنَّ هذه النظريّة
ليست من بنات أفكار أيّ مُفَسّر مسلم، بل هي
فكرة
مسيحيّة 000 وفضلاً عن ذلك نجد أنَّ النصاري لا يعترفون بصحّة إنجيل ‏برنابا كله،
ولن
نجد مسيحيا واحداً يعترف بصحّته
. سيقول لك علي الفور أنَّه ‏إنجيلٌ
مزيفٌ مُنْتَحَل لا صحّة ولا حُجَّة لكلِّ مُحْتَوَاه. إنَّه أبُوكْرِيفَا.‏

ولا يصحّ لنا كمسلمين أنْ نُقيم عقائدنا علي أساس من نصوص إنجيل برنابا
الذي ‏لا يَعْتَرِف النصاري به ولا يجوز أنْ نثق بنصّ من نصوص إنجيل برنابا
“.‏

رابعاً: ” يوجد رابعًا سبب هام وهو عدم قدرة أي مفسّر
من القائلين بهذه النظريّة ‏علي تحديد الشخص الذي ألقي الله عليه شبه المسيح عليه
السلام. يقول بعضهم ‏‏- وراجع ما شئت أي تفسير موجز أو مطول – إنَّ الله ألقي شبه
سيّدنا عيسي علي ‏يهوذا. ويقول بعضهم: إنَّ الله ألقي شبه سيّدنا عيسي علي شخص يدعي
‏طيطانوس. ويقول بعضهم: إنَّ الله ألقى شبه سيّدنا عيسي علي واحد من أتباعه ‏تطوّع
لتحمُّل هذا المصير بدلاً من المسيح بعد أنْ وعده المسيح أنْ تكون له الجنة ‏دون
تحديد لهذا الشخص بشيءٍ سوي أنَّه واحد من أتباعه. ويقول بعضهم: إنَّه ‏واحد من حرّاس
المسيح.‏

‏ وأنت تعرف يا صاحبي أنَّه يلزم تحديد شخص واحد بعينه ألقي الله عليه
شبه ‏سيّدنا عيسي. وعدم تحديد شخص واحد بعينه يفسد هذا الادعاء تمامًا من الناحية
‏الشكليّة البحتة. ولو مات رجل قتيلاً إثر طعنة سكين، ويريد أحد أنْ يُدافع عن
‏أحدِ المتّهمين بأنَّ شخصًا آخر غير المتّهم هو الذي طعنه بالسكين، لوجب عليه أنْ
‏يُحدّد من هو هذا الشخص تحديدًا قاطعًا. ولو تعدّدت الاحتمالات لأفضي ذلك إلي
‏عدم تحديد القاتل وكان ذلك من مصلحة المتهمين جميعًا مهما كان عددهم كبيرًا.‏

‏ ولا ريب أنَّ تضارب آراء المفسّرين علي هذا النحو بصدد رأيهم ونظريتهم
‏القائلة بإلقاء شبه المسيح علي شخص آخر غير المسيح يضعف من نظريّتهم هذه ‏إلي حدِّ
الانهيار “.

خامساً: ” وخامس الأسباب الدالة علي فساد نظرية
إلقاء الشبه هذه هو أنَّ أي ‏مفسّر لا يستطيع أنْ يقول أو يدّعي أنَّه شاهد شبه
المسيح يلقيه الله سبحانه وتعالي ‏علي شخص آخر. ولو زعم أحدهم هذا الزعم لكان زعمه
باطلاً بطبيعة الحال. ‏ويزداد هذا الزعم ضعفاً وانهياراً لو لم يملكْ من يزعمه أي
دليل علي صحته “. ‏

سادساً: ” ضمائر الغائب الكثيرة الموجودة في الآية
الكريمة 000 ما شأن ضمائر ‏الغائب الكثيرة الموجودة بالآية الكريمة؟ وكيف تدل علي
خطأ المفسّرين في القول ‏بنظريّة إلقاء شبه المسيح علي شخص آخر غير المسيح؟

‏ نعرف جميعًا أنَّ ضمائر الغائب المفرد لا بد من إرجاعها إلي شخص
تعود عليه ‏ضمائر الغائب. والمعقوليّة شرط لصحّة إرجاع ضمير الغائب إلي من يُفترض
‏رجوع ضمير الغائب إليه 000 (وقد) اختلف المفسّرون الإسلاميّون بشأنه اختلافًا
‏كبيرًا ولم يُصِبْ أحدهم الرأي الصواب في إرجاع هذه الضمائر إلي من تعود عليه
‏بشكل قاطع حتي الآن، إنَّهم جميعًا يُرَجِّحون إرجاع ضمير الغائب إلي المسيح في
‏قول الله سبحانه وتعالى: “وما قتلوه وما صلبوه صحيح تماماً ولكن الاستمرار
في ‏إرجاع ضمير الغائب إلي المسيح في بقيّة الآية الكريمة خطأ وغير مقبول، ويُرْبِك
‏المعني الصحيح للآية الكريمة “. ‏

‏ ” فإذا وصلنا إلي قول الله سبحانه وتعالى: ” وَإِنَّ
الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ
إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا
“.
أرجو منك يا صاحبي أنْ نُحَدّد ‏ضمائر الغائب المفردة في هذا الموضع من الآية
الكريمة 000 إنَّ ضمائر الغائب ‏المفرد كثيرة في هذا الموضع من الآية الكريمة.
قلت: وقد أرجعها المفسّرون ‏المسلمون كلّها إلي المسيح 000 إنَّ ضمائر الغائب
المفرد المتكرّرة في هذا ‏الموضع تعود إلي اختلافهم، أي اختلاف أهل الكتاب من
اليهود والنصارى في ‏مسألة أنَّ المسيح قد مات علي الصليب أم لم يمت علي الصليب.
هذه المسألة ‏اختلفوا فيها، هذا الشأن ”
اخْتَلَفُواْ
فِيهِ
وبدءاً من ضمير الغائب المفرد الموجود
بآخر حرف الجر هنا تعود الضمائر علي الشأن الذي
اخْتَلَفُواْ فِيهِ ” ولا تعود إلي ‏المسيح عليه
السلام. هل اختلفوا في أنَّ الشخص الذي حاكموه وقبضوا عليه هو ‏المسيح أو هو شخصٌ
آخرٌ؟ هذا احتمال ضعيف جدًا وبالغ الضعف وعديم ‏المعقولية. ويلزم أنْ يكون الرأي
السليم سليمًا في نظر كل الناس وليس في نظر ‏المسلمين وحدهم 000 إنَّ أعداء المسيح
لو كانوا قد اختلفوا بشأن شخص المسيح ‏وهل هو الشخص الذي حاكموه وقبضوا عليه
ووضعوه علي الصليب لكان الأقرب ‏إلي المعقوليّة أنْ يتحروا ويدققوا ويحققوا هذه
المسألة كل التحري والتدقيق ‏والتحقيق.
وليس من المعقول طبعًا أنْ
يكون هدف أعداء المسيح هو قتل المسيح ‏صلبًا ثم يقبلون بسهولة وبساطة وسذاجة أنْ
يقتلوا ويصلبوا شخصًا آخر غيره
. ‏لو اختلفوا في شخص المسيح لكان
الأقرب إلي الصواب والمعقوليّة أنْ يوقفوا ‏إجراءات تنفيذ الحكم ليتحققوا أنَّ شخص
الإنسان الذي يقومون بتنفيذ الحكم عليه ‏‏. وهذا التحقّق سهل ميسور لهم. وليس هناك
أسهل من أنْ يحاوروا ويناقشوا ‏الشخص الموجود بين أيديهم ليكتشفوا حقيقته،
خصوصًا
أنَّ اليهود لم يعمدوا ‏إلي قتل المسيح غيلة، بل إنَّهم استصدروا حكمًا بقتله صلبًا
من الحاكم الروماني ‏بيلاطس
“.‏

‏ ” إنَّ مصلحتهم تفرض عليهم ذلك، إنَّهم يريدون قتل وصلب شخص معيّن
وليس ‏قتل وصلب أي شخص آخر غيره “. ” يقول الله سبحانه وتعالى: (
مَا
لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ
) وضمير الغائب الملحق بحرف الجر (بِهِ)
يجعل المعني – والله أعلم بمراده – ‏هو: ”
ما لهم بشأن
موته أو عدم موته على الصليب من علم
“.‏

‏ ” قال المفسرون: إنَّ ضمير المفرد الغائب هنا يعود علي المسيح،
مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ. هل هذا
معقول؟ كيف يكون شهود العيان الموجودين حول الصليب الذي ‏ُصلب عليه المسيح ما لهم
بالمسيح من علم؟ هل يكون المفسّرون المسلمون الذين ‏لم تطأ قدم أحدهم في الغالب
الأعم مكان الصليب، أعلم بالمسيح، وبما لو كان هو الشخص الموجود علي الصليب مِنْ مَنْ
كانوا شهود عيان لهذا الحدث التاريخي العظيم‏؟ لقد مضت قرون وقرون بين الزمان الذي
وُلد فيه أولئك المفسّرون وبين وقت ‏هذا الحدث العظيم. أمّا عندما يعود ضمير
المفرد الغائب في هذا الموضع علي ‏شأن من الشئون هو عدم معرفة أعداء المسيح ما إذا
كان المسيح قد مات علي ‏الصليب أمّ أنَّه لم يمتْ علي الصليب، نجد أنَّ المعني
يتضح ويستقيم ويُصبح معنًي ‏معقولاً مقبولاً والله أعلم بمراده 000 “.‏

‏ ويعلق الأستاذ الجوهري علي إشكالات الرازي بقوله: ” هيا نقتبس
سطورًا مما ‏كتبه الإمام الفخر الرازي في تفسيره لهذه الآية الكريمة بدءاً من صفحة
(515) ‏بالجزء الخامس من طبعة دار الغد العربي بالقاهرة في تفسيره مفاتيح الغيب،
يقول ‏الإمام الفخر الرازي ما نصّه: ” وفي الآية سؤالان:
السؤال
الأول:
قوله تعالى: ‏‏(شُبِّهَ) مُسند إلي
ماذا؟ إنْ جعلته مسندًا إلي المسيح، فهو مُشَبَّّه به وليس بمُشَبِّه، ‏وإنْ نسبته
إلي المقتول فالمقتول لم يُجْرَ له ذكر “. ويضيف ” إنَّ الإمام الرازي
قد ‏استهل تفسيره للآية الكريمة ببحث الإسناد في قوله تعالى: (
شُبِّهَ)
وتساءل: مُسند ‏إلي ماذا؟ ولتكون فكرة الإسناد واضحة يا صاحبي دعني أنشّط ذاكرتك
لتفهم ‏بوضوح المقصود بالإسناد الذي يُشير إليه الإمام الرازي. لو قلت: (ضرب عمرو
‏زيدًا) فالضرب مُسند وعمرو مسند إليه ولما كان فعل (
شُبِّهَ)
في الآية في صيغة ‏المبني للمجهول، وحسب نظرية إلقاء الشبه التي سبق أنْ أشرنا
إليها وإلي فسادها ‏لا بد من وجود الحيرة وعدم القدرة علي الفهم 000 والسؤال بصيغة
أخري يمكن ‏أن يُصاغ هكذا: ” إذا كان أعداء المسيح حول الصليب، قد شُبِّهَ
لهم، فماذا شُبِّهَ ‏لهم بالضبط؟ هل شُبِّهَ لهم أنهم قتلوا شبيه المسيح علي
الصليب،
وبذلك يكون ‏الأمر قد اختلط عليهم مرّتين لا مرّة واحدة،
اختلط عليهم الأمر في المرة الأولى إذ ‏خُيِّل إليهم وظنّوا أنَّ الله قد ألقى شبه
المسيح علي غيره، وخُيِّل إليهم في المرة ‏الثانية وظنّوا واحتاروا ولم يستطيعوا
أنْ يقطعوا برأي فيما كانوا قد قتلوا شبيه ‏المسيح أم قتلوا المسيح؟”.

‏ ثم يقول ” والقول بنظرية إلقاء شبه المسيح علي غيره لا يثبت
لتمحيص بيننا ‏كمسلمين، ولا يثبت لجدل بيننا وبين خصوم الإسلام “. ‏

‏ وبعد أنْ يفنّد علي الجوهري نظرية إلقاء شبه المسيح علي شخص آخر
يذكر ما ‏يُؤمن به هو: ” إذا لم يكن معني قوله سبحانه وتعالى:
ولكن
شُبِّهَ لَهُمْ هو إلقاء شبه ‏المسيح علي شخصٍ آخر غيره، فما هو معناها؟ هل لها
معنى آخر؟، وما هو هذا ‏المعنى الأخير؟ نعم معناها هو: ولكن اختلط الأمر عليه،
اختلط عليهم ما إذا كان ‏المسيح قد مات علي الصليب فينزلونه ويدفنونه أم أنَّه لم
يمتْ علي الصليب. لقد ‏اختلفوا بهذا الشأن فعلاً
“.‏

‏ وهكذا يتضح لنا أنَّ نص سورة النساء غير الواضح في مسألة صلب المسيح
أوقع ‏الجميع في حيرة مما جعل البعض يعتمد علي الخرافات، أو ما يُسَمَّي
‏بالإسرائيليات، والبعض الآخر يؤلّف روايات من وحي خياله، والبعض يصرّ ‏علي
الإيمان بالنصّ كما هو ولكنّه يُفسّره هو أيضًا فيقول أنَّه ينفي الصلب عن
‏المسيح، والبعض يحاول أنْ يوفّق بين النصّ وبين المنطق والعقل والتواتر ‏والحدث
التاريخيّ لصلب المسيح والمسجّل في كل كتب التاريخ والتي لا تقول شيء ‏مطلقًا بل
ولا تعرف شيء مطلقًا عن نظريّة الشبه!!!!!‏

 

‏3 – إلقاء شبه المسيح على آخر يوقع البشرية في ضلالة كبرى: ‏

‏ إنَّ القول بإلقاء شبه المسيح علي آخر وصلبه بدلاً عنه واعتقاد كل
من اليهود ‏والرومان وتلاميذ المسيح ورسله وأمّه العذراء القدّيسة مريم بأنَّ الذي
صُلِبَ هو ‏المسيح ثم كرّزوا في العالم أجمع بأنَّ الذي صُلِبَ هو المسيح وآمن
الملايين، بل ‏المليارات، عبر التاريخ أنَّ المسيح هو الذي صُلِبَ، في حين أنَّ
الذي صُلِبَ، ‏حسب نظرية الشبه، هو آخر غير المسيح فماذا تكون النتيجة؟؟!!
والإجابة هي ‏ضلالة كبري لا مثيل لها في تاريخ الكون!!!!‏

‏ فقد اعتقد اليهود أنَّهم قتلوا المسيح، وهذا ما شهد به القرآن
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ 000“،
وشاع ذلك بين الأمم، وهذا ما حدث أيضًا وسجّله المؤرّخون، ‏ولكن الأهم والأخطر هو
أنَّ تلاميذ المسيح ورسله الذين أعدّهم للكرازة بإنجيله في ‏العالم كله، قد شاهدوا
المصلوب وآمنوا أنَّه المسيح وبشّروا في كل مكان أنَّ الذي ‏صُلِبَ هو المسيح!!!
بل وجمعوا الإنجيل، بالروح القدس، ودوّنوا فيه حادثة ‏الصلب تفصيليًا لدرجة أنَّها
تكوّن ثلث الإنجيل، بل وهي محور كرازة الرسل ” ‏
نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوباً ” (1كو1/23)، وبسبب كرازتهم وبشارتهم بالمسيح ‏مصلوبا آمن الملايين، بل
والمليارات منذ القرن الأول وحتي الآن، بل وقد يصل ‏الذين يؤمنون بذلك منذ القرن
الأول وحتى نهاية العالم مليارات المليارات، ولو ‏افترضنا صحّة نظرية إلقاء شبه
المسيح علي آخر تكون هذه المليارات من البشر قد ‏آمنت بخدعة وضلالة كبري!!!‏

‏ والسؤال هنا هو من الذي أوقع هذه المليارات في هذه الخدعة وهذه
الضلالة ‏الكبري؟؟؟!!! وبمعني آخر؛ من هو الذي خدع البشريّة وأوقعها في هذه
الضلالة ‏الكبري، المزعومة؟؟!! ولو سرنا مع أصحاب نظرية الشبه فستكون النتيجة
‏مريعة وغير منطقيّة وغير معقولة، فلو افترضنا، معهم، أنَّ الذي ألقي شبه ‏المسيح
علي آخر هو الله!! فستكون النتيجة، بحسب هذه النظرية، أنَّ الله هو ‏الذي خدع
البشرية وأوقعها في هذه الضلالة الكبري، فهل يقبل العقل ذلك؟؟!! ‏وحاشا لله من ذلك
وتعالي عنه علوًا كبيرًا!! فهذا يعني عدّة أمور لا يقبلها عقل ولا ‏منطق ؛ وهي أنَّها
تنسب لله الجهل والعجز والخداع والغش وعدم تقدير الأمور، ‏بل والظلم 000 إلخ.‏

‏ وحاشا لله من ذلك وتعالي عنه فلم يكن الله في حاجة إلي مثل هذه
الوسيلة التي لا ‏تعني إلا الغش والتضليل والخداع، لأنَّه لو فرضنا صحّة هذه
النظرية فماذا كانت ‏النتيجة، نقول هي سقوط الملايين بل والمليارات عبر مئات وآلاف
السنين من
الذين آمنوا بذلك في الضلال!!! ومن الذي أضلّ هذه الملايين بهذه
الخدعة، هل ‏نقول أنَّه هو الله، ونقول؛ حاشا وكلا وتنزّه الله عن ذلك؟؟؟
!!!!!!!‏ وهل يجرؤ ‏أحد أنْ يقول أنَّ الله هو الذي
ألقي شبه المسيح علي غيره وترك الناس تسقط في ‏هذه الضلالة الكبري؟؟؟!!! ونقول
حاشا لله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ً!!! فهذا ‏لا يتفق مع العقل والمنطق ولا مع قداسة
الله وعظمته وجلاله وقدرته الكليّة!!!‏

‏ كما أنَّ هذه النظريّة تصوّر لنا الله بالطريقة التي يتصوّر بها
الذين يؤمنون بتعدّد ‏الآلهة آلهتهم الذين يتآمرون ويغشون ويخدعون، فالله، بحسب
هذه النظرية ‏يبدو وكأنَّه قد فوجئ باليهود وهم يقبضون علي المسيح وقد عجزت حيلته
وقدرته ‏علي إنقاذ مسيحه ولم يستطع أنْ يُنقذه من أيديهم إلا بإلقاء شبهه علي آخر،
لكي ‏يُنقذه من أيديهم بهذه الوسيلة مهما كانت نتيجتها!!!!!!!!! ونتيجتها هي إنقاذ
شخص ‏واحد، فرد مهما كانت مكانته علي حساب المليارات من البشر؟؟؟!! وأكرّر حاشا
‏لله من ذلك وتعالى عنه علوًا كبيرًا!!!!‏

‏ كما أن القرآن يقول ” وَآتَيْنَاهُ
الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ
“، فهل من الهدي والنور ‏أنْ
يقع كل من يؤمن به، بحسب هذه النظرية في الضلالة؟؟؟!!! هل يُرسل الله ‏المسيح
لهداية البشر ثم ينقذه من اليهود بوسيلة تكون هي السبب في ضلال البشر ‏؟؟؟!! وهل
يتفق الهدى مع الضلال؟؟؟!!! وهل يتفق هذا مع حبّ الله غير المحدود ‏للبشرية؟؟؟!!!
ونكرّر حاشا لله من ذلك وتعالى عنه علوًا كبيرًا!!!!‏

‏ يقول الكتاب المقدس ” مَعْلُومَةٌ
عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ.
” (أعمال
15/18
)، ‏ويؤكّد لنا الإنجيل بأوجهه الأربعة أنَّ المسيح لم يكنْ يعمل شيئًا
بالمصادفة أو حسب ‏الظروف، إنما كان كل ما يعمله مرتبًا ترتيبًا سابقًا قبل خليقة
العالم، بحسب ‏ترتيب أزليّ سابق، فعندما كان يقوم بعمل معجزة ما أو يُعَلّم تعليم
ما لم يكن بدون ‏ترتيب سابق، لهذا لم يناقض نفسه أبدًا ولم يغيّر كلامه مطلقًا،
وعلي سبيل المثال ‏فعندما حضر عرس في قانا الجليل ونفذت الخمر من العرس، وكانت
‏العذراء القديسة مريم قد عرفت بالروح القدس أنّه سيصنع لهم معجزة، ”
قَالَتْ
أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ».
“،
ولأنّضه كان يعمل كل شيء في وقته وبحسب ترتيب إلهي دقيق ‏قال لها ”
لَمْ
تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ
“، أي لا يزال علي صنع هذه
المعجزة المطلوبة وقت ‏حتي لو كان هذا الوقت مجرّد لحظات، فقالت هي بالروح القدس
للخدام ”
مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ ” وفي
الوقت المعين، وبعد الحديث مع العذراء ليس بكثير قال للخدم ” ‏
امْلأوا الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأوهَا إِلَى فَوْقُ.” (يو2/1-8). وفي ‏قصة إقامة لعازر من الموت، يقول الكتاب ” وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضاً وَهُوَ لِعَازَرُ 000 ‏
فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَا سَيِّدُ هُوَذَا الَّذِي
تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ: «هَذَا الْمَرَضُ لَيْسَ
لِلْمَوْتِ بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللَّهِ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللَّهِ بِهِ». 000
فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ
يَوْمَيْنِ. 000 ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لِتلاَمِيذِهِ: «لِنَذْهَبْ إِلَى
الْيَهُودِيَّةِ أَيْضاً». وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ وَهُمْ ظَنُّوا
أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ النَّوْمِ.

(
يو11/1-13).
وقد ترك المسيح لعازر حتى مات وظلّ في ‏القبر أربعة أيّام لكي يُقيمه من الموت بعد
أنْ تعفّن جسده وأصبح رميمًا، فيتمجّد ‏من خلال عمله هذا المسيح كابن الله ويتمجد
الله في ذاته. ‏

‏ وهكذا لا يتم عمل الله بالمصادفة أو بحسب الظروف إنما بترتيب إلهيّ
سابق. ‏ولا يمكن بل ومن المستحيل أنْ يكون الله قد رتّب لخديعة البشر وغشّهم
وإيقاع ‏مليارات الناس في هذه الضلالة الكبري!!! ونكرّر حاشا لله من ذلك!!!

 

(4) أخطر المناظرات، هل مات المسيح علي الصليب؟ مناظرة بين داعية العصر
” أحمد ديدات ” والبروفيسير ” فلويد كلارك ” ص 28-100.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى