علم المسيح

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل
الأول

هل
صلب المسيح حقيقة أم شبّه لهم؟

 

آمن المسيحيون عبر كل تاريخهم وعصورهم، بناء علي ما سبق أنْ تنبّأ به
آباء وأنبياء العهد القديم، من إبراهيم إلي موسي وجميع الأنبياء وكتاب المزامير
الموحي إليهم بالروح القدس، وما دوّنه العهد الجديد تفصيليًا عن المحاكمة والصلب
والقيامة وكرازة تلاميذ المسيح ورسله للعالم أجمع بالمسيح المصلوب، وما سجّله
خلفاء التلاميذ والرسل، تلاميذهم الذين تعلموا علي أيديهم وتسلموا منهم الإنجيل،
سواء المكتوب، العهد الجديد، أو الشفوي ”
فمًا لفم
” (
2يوحنا3/12و14).

مقالات ذات صلة

 

وذلك إلي جانب ما سجله المؤرخون والفلاسفة الرومانيون واليونانيون
والربّيون اليهود المعاصرون للحدث.

ولم يشك أحد من المسيحيين أو غيرهم في حقيقة صلب المسيح ولا في
إمكانية وحقيقة قتل الأنبياء والعظماء عبر تاريخ العالم وفي سجلات الكتاب المقدس
وبقية كتب اليهود وغيرهم وذلك بطرق اإعدام والقتل المختلفة حسب أسلوب وعقيدة كل
زمن وكل عصر وكل دولة.

ولم يقل أحد بأنّ المسيح لم يُصلب أو يُقتل قبل مجيئ الإسلام كما لم
يقل أحد بذلك غير الإخوة المسلمين وذلك بناء علي تفسيرهم لما جاء في القرآن في
معرض توبيخه لليهود وحديثه عن كفرهم في قوله: “
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ
عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَل رَّفَعَهُ اللّهُ
إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا

(
سورة النساء 157و158).

 

1- آية وحيدة ونصّ غير واضح:

آمن المسيحيون، كما قلنا، منذ البدء بصلب المسيح، وشرح كتاب الإنجيل
بأوجهه الأربعة وبقية أسفار العهد الجديد حادثة الصلب تفصيليًا، بل كانت قصة الصلب
هي أول من كرًز به تلاميذ المسيح ورسله وقدّموه للعالم أجمع وأوّل ما كُتب في
الإنجيل، كما سبق أنْ تنبّأ عنه أنبياء العهد القديم تفصيليًا، وعرف ذلك العالم
عنهم ولم يقل أحد بعدم صلب المسيح حتّي جاء نص الآية القرآنية المذكور. وبعد
انتشار المسيحية بأكثر من 600 سنه. وهذه الآية غير واضحة ولنا عليها عدة تساؤلات:

(1) فهي تقول: ” وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا
الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ
“!!
ولو افترضنا أنّ اليهود آمنوا فعلاً بأنّ المسيح هو رسول الله لما فكروا في قتله
وصلبه بل لكانوا قد آمنوا به مثل بقية من آمن به منهم وصاروا مسيحيين
(1)!!

(2) كما تقول “ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ
فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ
“!!! ولم يشك أحد لا من اليهود ولا من المسيحيين ولا من
الرومان أو غيرهم في حقيقة أنّ الذي كان مصلوبًا ومعلقًا علي الصليب هو المسيح،
ولا في
حقيقة موته علي الصليب أو
دفنه في القبر، ولم يقل أحد بشيء مثل ذلك في أى كتاب من كتب المسيحيين أو اليهود
أو الرومان أو غيرهم!!!

(3) وعبارة “ وَلَكِن شُبِّهَ
لَهُمْ
” لا تقول صراحة إن كان المقصود هو لإلقاء
شبه المسيح علي آخر كما يقول أصحاب نظرية الشبه أم أنها تقصد شيئ آخر. يقول كل من
الإمام الفخر الرازي في تفسيره، وابن كثير في كشافه: “
شُبِّهَ ” مسند إلي
ماذا؟ إنْ جعلته إلي المسيح فهو مشبّه به وليس بمشبّه، وإنْ أسندته إلي المقتول،
فالمقتول لم يجرَ له ذكر؟ “(
التفسير
الكبير ج 3، ص35؛ والكشاف ج1، ص 580
).

(4) إنّ كل الضمائر الموجودة بالآية والخاصّة بالمصلوب تعود جميعها
علي المسيح وليس علي آخر يُمكن أنْ يُفترض أنّه المقصود!!!

(5) ولم تقل من هو المصلوب صراحة؟ سواء كان المسيح أو غيره؟.

(6) ولا من هو الذي ألقي عليه الشبه، إنْ كان هناك من ألقي الشبه
عليه؟.

(7) ولا من هو المُشبّه؟.

(8) ولا من هو المُشبّه به؟.

(9) ولا كيف نجا إنْ لم يُصلب؟.

(10) ولا كيف تمّ ذلك؟.

(11) ولا متي تمّ ذلك؟.

(12) ولا تقول لنا أي تفاصيل توضّح المعني المقصود في الآية؟.

(13) ولا يوجد في القرآن آية غيرها توضّح ما جاء بها؟ بل علي العكس
توجد ست آيات قرآنية تتكلّم عن موت المسيح ووفاته قبل رفعه وتلمّح لقتله، وهي:

1و2- فقد قيل عن لسان المسيح ” وَالسَّلامُ
عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ
وَيَوْمَ أَمُوتُ
وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا
” (مريم 33).
وهذا نفس ما قيل عن يوحنا المعمدان، يحيي بن زكريا ”
وَسَلامٌ
عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ
وَيَوْمَ يَمُوتُ
وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
” (مريم
15
). والمعروف في المسيحية والإسلام أنّ يوحنا المعمدان أو يحيي بن
زكريا مات قتيلاً علي يد هيرودس الملك
(2).

 

3- ” وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ
وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ
وَآتَيْنَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
أَ فَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ
تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ
فَفَرِيقًا
كَذَّبْتُمْ
وَفَرِيقًا تَقْتُلُون ” (البقرة87).
والآية هنا تؤكد على
تكذيب
اليهود لفريق من الرسل وحقيقة قتلهم لفريق آخر، وفي نفس الوقت لا تذكر من
الفريقين سوى موسى وعيسى، ومن ثم فأحدهم من
الفريق الذين كذبوه والآخر من الفريق
الذي
قتلوه!!!

 

4- ” الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ
عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ
نُؤْمِنَ
لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ
جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ
وَبِالَّذِي قُلْتُمْ
فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
” (آل
عمران183
). والمسيح هو أكثر من أتي
بالمعجزات وبالبينات بحسب ما ذكر القرآن وهو الذي أنزل الله عليه مائدة من
السماء بناء علي طلب الحواريين

 

5- “ إِذْ قَالَ اللّهُ
يَا عِيسَى إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ
إِلَيَّ
وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ
فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
” (سورة آل عمران 55)

 

6- “ وَإِذْ قَالَ اللّهُ
يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ
إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا
لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي
نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. مَا
قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي
وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ
أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
” (سورة المائدة
116و117
). وهذه الآية لا تتحدّث عن الوفاة
قبل الرفع أيضًا!! ولكن للإخوة المسلمين تفسيرات عديدة لقوله ”
مُتَوَفِّيكَ ” و ” فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي
“، وأيضًا في زمن الموت المقصود في قوله ”
وَيَوْمَ أَمُوتُ ‏”.

 

وباختصار فنصّ آية الشبه لا يُوضّح للمفسّر أي شيء يخصّ نهاية المسيح
علي الأرض. ومن الصعب جدًا أنْ نقول أنّه ينفي صلب المسيح لأنّه لو كان يقصد أن
المسيح لم يُصلب حقيقة، وقد ملأت عملية صلبه أكثر من ثلث العهد الجديد، كما ملأت
آلاف الكتب التي كتبها آباء الكنيسة في نهاية القرن الأوّل الميلادي وما بعد ذلك،
لكان القرآن قد شرح عملية عدم صلبه وإلقاء شبهه علي آخر بالتفصيل، كما فعل بعد ذلك
بحوالي ألف سنة الذين زوروا كتاب إنجيل برنابا الخرافي المزيّف!!!!

 

فقد كان مبيتًا في نيّة من كتبوا ه9ذا الكتاب المزيّف أن يؤكدوا
النظرية القائلة بعدم صلب المسيح فألفوا قصة إلقاء شبهه علي يهوذا!!! وأقول أنّه
لو كان في نيّة القرآن القول بعدم صلب المسيح لكان قد فعل ما فعله من كتبوا هذا
الكتاب المزيّف!!! ولكنه لم يفعل، فماذا نفهم من ذلك؟؟؟!!!!

 

والعجيب، بل والغريب، أنّه عند ترجمة قوله “ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ
إلي الإنجليزية، كما جاء في ترجمة القرآن المعتمدة من
مجمع البحوث الإسلامية، لا يعطينا أي
معني
واضح سوي قوله: ”
SO
IT WAS MADE TO APPEAR TO THEM
“، أي ظهر لهم هكذا، أو بدا لهم هكذا!! وهذا
الكلام في حدّ ذاته لا ينفي وقوع الصلب علي المسيح مطلقًا، وسنوضّح ذلك في الفصول
التالية.

 

والخلاصة، فنصّ الآية لا يقول أي شيء يُمكن أن ينفي حقيقة قصّة وحادثة
صلب المسيح، بل علي العكس جعلت المفسّرون يتخبّطون ويروون روايات تتنافي مع المنطق
والعدل وتمتليء بالخرافة!!!

 

2- روايات الشبه في صلب المسيح

جمع المفسّرون عشرات الروايات الخرافية التي نقلوها عن جهلاء أهل
الكتاب ممن امتلأت أفكارهم بالفكر الخيالي الذي كان عالقًا في فكر بعض العامّة
والبسطاء خاصة الذين كانوا يعيشون في المناطق النائية والمتطرفة والبوادي والصحاري
لبعدهم عن المراكز الرئيسية للكنيسة الأم، وذلك دون أنْ يُشيروا أبدًا إلي ثقتهم
فيها واعتمادهم عليها، وقد ذكر عن بعضهم ابن خلدون بقوله: ”
وقد
جمع المتقدمون في ذلك وأوعوا إلا أن كتبهم ومنقولاتهم
تشتمل
على الغث والسمين والمقبول والمردود‏.‏ والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا
أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة
والأمية‏.‏ فإذا تشوقوا إلى معرفة شيء
مما
تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنما
يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم وستفيدونه منهم وهم
أهل التوراة من اليهود ومن تبع
دينهم
من النصارى ‏.‏ وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ‏!‏ بادية مثلهم ولا
يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب
ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين
اليهودية‏.‏
فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية
التي يحتاطون لها مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع
إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك‏.‏ وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد
الله بن سلام وأمثالهم.

 

فامتلأت التفاسير
من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأغراض اخباراً موقوفة عليهم وليست مما
يرجع إلى الأحكام فيتحرى في الصحة التي يجب بها
العمل ‏.‏ وتساهل المفسرون في مثل
ذلك
وملؤوا كتب التفسير بهذه المنقولات.‏ وأصلها كما قلناه عن أهل التوراة الذين
يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه
من ذلك إلا أنهم بعد صيتهم وعظمت
أقدارهم
لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة فتلقيت بالقبول من يومئذ
‏”
(
تاريخ ابن خلدون ج 1 ف 5، و قراءات في الفلسفة د. علي النشار ص 26).

 

هؤلاء الناس رووا العديد من الروايات الخرافية التي امتلأت بها الكتب
وخاصة
كتب
التفسير، كما يقول ابن خلدون، وإنْ كان ناقلوها لم يعتمدوا عليها أو يوحوا
بصحتها ولكنهم نقلوها كما هي بل وكان لهم تفسيرات
مختلفة عنها تماماً!! وكثيراً من
هذه
الروايات الخرافية يقول بصلب أخر بدلاً من المسيح بصورة خرافية وثنية. وهذا
ملخص لبعض الروايات:

 

1- قال القرطبي في كتابه ” الجامع
لأحكام القرآن
” في تفسيره
لآية سورة النساء 157، قوله تعالى: ”
إِنَّا
قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
” كُسرت
إنّ ” لأنها مبتدأه بعد القول وفتحها لغة. وقد
تقدم في ” آل عمران” اشتقاق
لفظ
المسيح. ”
رَسُولَ اللّهِ ” يدل،
وإن شئت علي معني أعني. “
وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ
” رد
لقولهم.
وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ” أي
ألقي شبهه علي غيره كما تقدم في ” آل عمران”. وقيل: لم
يكونوا يعرفون شخصه وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكّون
فيه؛ كما قال تعالى: “
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ
فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ
” والإخبار قيل: إنّه عن
جميعهم. وقيل: إنّه لم يختلف فيه إلا عوامهم؛ ومعني اختلافهم قول بعضهم إنّه إله،
وبعضهم هو ابن الله. قاله الحسن: وقيل اختلافهم أنّ عوامهم قالوا قتلنا عيسى. وقال
من عاين رفعه إلي السماء: ما
قتلناه.
وقيل: اختلافهم أنّ النسطورية من النصارى قالوا: صُلب عيسي من جهة ناسوته
لا من جهة لاهوته. وقالت الملكانيّة: وقع الصلبُ
والقتلُ علي المسيح بكمالِه ناسوته
ولاهوته.
وقيل: اختلافهم هو أنّهم قالوا: إنْ كان هذا صاحبنا فأين عيسي؟! وإنْ
كان هذا عيسي فأين صاحبنا؟! وقيل: اختلافهم هو أنَّ
اليهود قالوا: نحن قتلناه؛ لأنّ يهوذا رأس اليهود هو الذي سعي في قتله. وقالت
طائفة من النصارى: بل قتلناه نحن. وقالت طائفة منهم: بل رفعه الله إلي السماء ونحن
ننظر إليه.”
مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ” من
زائدة؛ وتم الكلام “.

 

2- وروى الطبري عدة روايات مختلفة بعضها عن بعض ولا
توجد أية صلة بينها:

(1) ” ثم
إن بني إسرائيل حصروا عيسي وتسعة عشر رجلاً من
الحواريين
في بيت، فقال عيسي لأصحابه: من يأخذ صورتي فيُقتل وله الجنة، فأخذها رجل منهم، وصُعد
بعيسي إلي السماء، فذلك قوله: ” ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ” فلما
خرج الحواريون أبصروهم تسعة عشر، فأخبروهم أنّ عيسي قد صُعد به إلي السماء،
فجعلوا يعدون القوم فيجدونهم ينقصون رجلاً من
العدة، ويرون صورة عيسي فيهم فشكّوا
فيه،
وعلي ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنّه عيسى، وصلبوه”!!

(2) واختلف أهل التأويل
في صفة التشبيه الذي شُبّه لليهود في أمر عيسي، فقال بعضهم: لما أحاطت
اليهود به وبأصحابه، أحاطوا بهم، وهم لا يثبتون
معرفة عيسى بعينه، وذلك أنّهم
جميعًا
حُوّلوا في صورة عيسي، فأشكل علي الذين كانوا يريدون قتل عيسي، عيسي من غيره
منهم، وخرج إليهم بعض من كان في البيت مع عيسي،
فقتلوه وهم يحسبونه عيسي”!!

 

(3) “ أتى
عيسي ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت وأحاطوا بهم. فلما دخلوا
صوّرهم الله كلهم علي صورة عيسي. فقالوا لهم
حيرتمونا. ليبرزن لنا عيسي أو نقتلكم
جميعًا.
فقال عيسي لأصحابه من يشتري نفسه منكم بالجنة فقال رجل أنا، فخرج إليهم. فقال أنا
عيسي فأخذوه. فقتلوه وصلبوه ومن ثمّ شُبّه لهم. وظنوا أنّهم قتلوا عيسى. ورفع
الله عيسي من ذلك اليوم”!!(3).

 

 (4) “ أن
بني إسرائيل حصروا عيسي وتسعة عشر رجلاً من الحواريين في بيت،
فقال عيسي لأصحابه: من يأخذ صورتي فيُقتل وله
الجنة؟ فأخذها رجل منهم. وصُعد بعيسي
إلي
السماء، فلمّا خرج الحواريون أبصروهم تسعة عشر، فأخبروهم أنّ عيسي عليه السلام
قد صُعد به إلي السماء، فجعلوا يعدون القوم
فيجدونهم ينقصون رجلاً من العدة، ويرون
صورة
عيسي فيهم، فشلوا فيه. وعلي ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنّه عيسي وصلبوه”!!

(5) كان اسم ملك بني إسرائيل الذي أرسل إلي عيسي ليقتله رجلاً منهم يقال له داود. فلما أجمعوا لذلك لم يفظع عبد من
عباده للموت فظعه ولم يجزع جزعه!!! وإنّه ليقول عمّا يزعمون: اللهم أن كنت صارفًاً
هذه الكأس عن أحد من خلقك، فأصرفها
عني
وحتى أنّ جلده من كرب ذلك يتصفد دمًا. فدخل المدخل الذي أجمعوا عليه فيه،
ليقتلوه هو وأصحابه، وهم ثلاثة عشر بعيسي فلمّا
أيقن أنّهم داخلون عليه… ألقى شِبْه
علي
أحدهم فامسكوه وصلبوه”!!

 

(6) ” أو يكون الأمر في ذلك كان علي نحو ما روى عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه، أنّ القوم
الذين كانوا مع عيسي في البيت تفرّقوا
عنه
قبل أنْ يدخل عليه اليهود، وبقي عيسي، وألقي شبهه علي بعض أصحابه الذين كانوا
معه في البيت بعد ما تفرّق القوم غير عيسي وغير
الذي ألقي عليه شبهه، ورُفع عيسي،
فقتل
الذي تحوّل في صورة عيسي أصحابه، وظنّ أصحابه واليهود أنّ الذي قُتل وصُلب هو عيسي
لمّا رأوا من شبهه به وخفاء أمر عيسي عليهم؛ لأنّ
رفعه وتحول المقتول في صورته كان
يعد
تفرق أصحابه عنه، وقد كانوا سمعوا عيسي من الليل ينعي نفسه ويحزن لما قد ظن أنّه
نازل به من الموت، فحكوا ما كان عندهم حقًا،
والأمر عند الله في الحقيقة بخلاف ما
حكوا،
فلم يستحق الذين حكوا ذلك من حوارييه أن يكونوا كذبة، أو حكوا ما كان حقًا عندهم
في الظاهر وإنْ كان الأمر عند الله في الحقيقة بخلاف الذي حكوا ” (
جامع
البيان
ج
6: 12-14
).

 

3- وذكر البيضاوي أربعة روايات تبدأ
بإلقاء شبه المسيح على غيره وتنتهي بصلبه:

(1) ” روى أنّ رهط من اليهود سبّوه
وأمّه فدعي عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير، فاجتمعت اليهود علي قتله. فأخبره
الله تعالى بأنّه يرفعه إلي السماء. فقال لأصحابه
أيّكما يرضى أن يلقى شبهي عليه
فيقتل
ويصلب ويدخل الجنة. فقام رجل منهم فألقى الله عليه شيه عيسى فقتل
وصلب”!!

(2) ” وقيل كان رجل ينافق عيسي فلمّا أرادوا قتله قال أنا أدلّكم
عليه
فدخل بيت عيسي فرفع عيسي وألقي
شبهه علي المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنّه
عيسي”!!

 

(3) ” وقيل دخل طيطانوس اليهودي بيتاً كان هو فيه فلم يجده، وألقي
الله
عليه شبهه فلما خرج ظُنّ أنّه
عيسي فأخذ وصُلب”!!

(4) “وقال قوم صلب اللاهوت وصعد الناسوت
” (
البيضاوي ج 1: 247).

 

4- وروى الأمام النسفي نفس الرواية الأولى
والثالثة اللاتي رواهن البيضاوي.

 

5- كما روى ابن كثير
في الجزء الأول من كتابه الكشاف نفس هذه الروايات وكذلك أيضا ابن مسعود
والخازن والبغدادي وغيرهم نفس الروايات تقريباً
ولا تختلف عنها سوى في تغيير مكان
القبض
على المصلوب واسم المصلوب الذي دعته بيهوذا ونطيانوس اليهودي وسرجس والحارس
الذي أقامه اليهود لحراسة المسيح وأحد أصحاب
المسيح الذي صلب راضياً ليدخل الجنة
وأحد
أصحاب المسيح الذي صلب جزاء لخيانته…. الخ، بل وقيل لم يصلب أحد ولكن أرجف
بقتله فشاع بين الناس!! بل وقال قوم، كما نقل
البيضاوي ” صلب الناسوت وصعد
اللاهوت
“!!.

 

3 تعليق على هذه الروايات:

هذه الروايات الخرافية غير المنطقية تشترك في صفات كثيرة نلخصها فيما يلي:

1- لم تأخذ هذه الروايات لا عن القرآن ولا عن السنة الصحيحة ولا كتب السير النبوية ولا عن أي وثيقة معتمدة من أي
دين!! إلى جانب أنه لا يوجد هناك كتاب
صحيح
يعتمد عليه في هذا الأمر ليفسّر لنا تفسيرًا يُقتع جميع المفسرين!!

 

2- لم يعتمد
معظم الكتّاب والمفسرون الذين نقلوا هذه الروايات الخيالية، على واحدة منها، وذلك
برغم ذكرهم للعديد منها، لأنّه لا يوجد أي سند أو دليل لأي واحدة منها علي الإطلاق
سوي القول ” روي أنّ ” أو ” قيل ” أو ” عن وهب ” أو
” عن فلان “…إلخ.. وهؤلاء الذين نقلت عنهم هذه الروايات، سواء كانوا
من اليهود أو النصارى الذين
اعتنقوا
الإسلام، كما يقول ابن خلدون في تاريخه كانوا ” بادية جهلاء ” ويسمّي
العلماء ما نقل عنهم بالإسرائيليات!!

 

3- اعتمدت هذه الروايات بالدرجة الأولى على الفكر الغنوسي، الذي تأثر
به
بعض البسطاء من عامة البادية
وذلك إلى جانب الفكر النسطوري الذي انتشر بواسطة الرهبان النسطوريين الذين عاشوا
في
الصحاري وكان بعضهم يعيش
بالقرب من طرق الرحلات التجارية، والذين كانوا يعتقدون أن
المسيح
مكون من شخصين متصاحبين هما الإله الذي كان يقوم بالمعجزات والإنسان الذي
كان يتحمل الآلام، وبالتالي فقد صُلب الإنسان لا
الإله، أي صُلب الناسوت ولم يُصلب
اللاهوت
كما ذكر بعض ناقلي هذه الروايات ” وقيل صلب الناسوت ولم يصلب اللاهوت.”

 

4- امتلأت هذه
الروايات بالخرافة والخيال الساذج والتناقض الشديد، فقد
ذكر
بعضها أنّ سبب صلب المسيح هو ” سبّه اليهود ومسخه لهم قردة وخنازير “!!
والكثير
منها لم
يذكر سببًا لذلك!! كما تناقضت بشدة من جهة الشخص الذي قيل أنّه صُلب بدلاً
من المسيح والمكان الذي تمّ فيه ذلك والزمان الذي
تمّ فيه الصلب!! فيُقال أنّ الذي صُلب
هو
أحد أصحابه حبًا في معلمه أو جزاءً لخيانته!! أو أنّه أحد أعدائه أو الذي أرشد
عنه أو حارس المنزل… إلخ!! وأنّه قبض عليه في
بيته أو في بيت أحد أصحابه أو في
مكان
آخر وأغلب الروايات لا تذكر المكان على الإطلاق!! أما الزمان فغير واضح
تماماً!!

 

5- نسبت هذه الروايات للمسيح صفات لا تليق به تمامًا وتختلف مع صفاته
الحقيقية السامية مثل الإدعاء بأنه ” سبّ اليهود ومسخهم قردة
وخنازير “!! وهذه صفات وأعمال لا تليق
بالمسيح الذي جاء ”
نوراً للعالم
” (
يوحنا12/46)، والذي كانت دعوته هي الحب
والتسامح بلا حدود ”
أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ.
بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ
اَلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ
” (متى5/44).

 

والغريب أنّ بعض هذه الروايات، الخرافية الساذجة، تزعُم أنّ المسيح
خاف
وجبن أمام الموت وارتعب لدرجة
أنه لم يرتعبْ أحد مثله أمام الموت!! وأنّ أحد تلاميذه
كان
أشجع منه وقبل أنْ يموت نيابة عنه!! فهل يقبل هذا إنسان عرف من هو المسيح؟!! وهل
يتفق ذلك مع قول الرب نفسه ” وَأَنَا
أَضَعُ نَفْسِي عَنِ اَلْخِرَافِ.
‏” (يوحنا10/15)
و”
لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ
نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ.‏
” (يوحنا15/13).
هل يخاف المسيح من الموت
وهو
القائل ”
وَلاَ تَخَافُوا مِنَ اَلَّذِينَ يَقْتُلُونَ اَلْجَسَدَ
” (
متى10/28)؟!!

 

الواقع أن هذه الروايات
ألغت العقل تمامًا وجهلت الواقع والدين والتقليد والتاريخ وغرقت في
الخرافة والجهل والحماقة لذلك لم يعتمد عليها أحد
برغم امتلاء الكتب
بها!!

 

4- الكتاب المعاصرين ونظرياتهم الخاصة:

بعد أنت تبين لنا أنَّ الروايات السابقة غير منطقية خرج علينا بعض
الكتاب المعاصرين بنظريات وآراء خاصة بهم وحدهم، بل كل واحدة منها تخصّ كاتبها
فقط؛ فقد أنتجها بوحي من خياله بدون أي سند من كتاب موحي به أو واقع أو تاريخ أو
منطق سوي محاولة إثبات عدم صلب المسيح وعدم قيامته!! والعجيب أنهم جميعًا لم
يتفقوا معًا علي رواية واحدة!! بل والأعجب أنه لم يتفق اثنان منهم علي رواية
واحدة!! وهذه أم الروايات:

 

1- تقول الرواية الأولي ومؤلفها، من وحي خياله، الأستاذ عبد الحميد
جودة السحار، والتي مزج فيها بين ما جاء في
الأناجيل
الأربعة وأفكاره الخاصة التي أنتجها خياله الخصب كمؤلف وكاتب سيناريو
وحوار شهير!! أنّ يهوذا شكّ في المسيح فاتفق مع
أعدائه أنْ يسلّمه لهم، وحجّة ذلك، لكي
يزكّي
في المسيح روح المقاومة ويُخرجه من عزلته حتى ينتصر عليهم في العيد فتؤمن به
الوفود القادمة من بلاد كثيرة فيمهّد بذلك الطريق
لملك المسيح الدائم!!! أي أنّ يهوذا
أراد
أنْ يخدم المسيح فباعه؟!! وبعد العشاء ذهب يهوذا إلي الهيكل ليُخبر عن مكانه
وقاد مجموعة من الجنود الرومان وخدام رئيس الكهنة
إلي حيث كان المسيح لأنّهم كما
يزعُم
هذا الكاتب ” لم يكونوا يعرفونه ” وقد أُرسلوا ليقبضوا على رجل لم يروه
من
قبل ليلتهم”!!

 

فقال لهم المسيح ” أنا هو ” فرجعوا للوراء وسقطوا علي
الأرض،
فأمر
تلاميذه بالهرب، فهربوا وظلّ يهوذا وحده مذهولاً، فتقدّم المسيح خطوات ” فرجع
الجنود للخلف وانطلق المسيح من بينهم دون أنْ
يروه وذهب ليختفي “. فقبضوا علي يهوذا
الذي
وجدوه واقفاً في الظلام وحده وهم يظنون أنّه المسيح فحاول مقاومتهم وأن يصرخ
بهم أنّهم أخطئوا ولكن دون جدوي، فلزم الصمت وهو
يظنّ أنّ الله أنزل به هذا البلاء
جزاء
شكّه!! واجتاز المحاكمات في صمت ولم يجب عن معظم ما وُجّه إليه من أسئلة!!. ولمّا
سأله رئيس الكهنة ” هل أنت المسيح؟ لم يشأ
أن يكذب وقال ” أنت تقول… من الآن
تبصرون
ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة وآتيًا في سحاب السماء “!! وقال لبيلاطس:
” إذا أمرت بقتلي ترتكب ظلمًا كبيرًا لأنك تقتل برئ”!!

 

ثم أخذ يهوذا وصُلب علي الصليب
قال ” أنا عطشان ” فأعطوه خلاً، فصدق قول المسيح، أنّه لن يشرب من نتاج
الكرمة إلا في ملكوت السموات، فالمسيح
لم يشرب الخل الذي هو نتاج الكرمة بل يهوذا هو
الذي شرب!! ثم صرخ ” إلهي إلهي لماذا تركتني؟ ” ولم يقل ” أبي…
أبي لماذا
تركتني؟”
لأنه لم يكن قد تعود أن يدعوا الله “أبي “!!

 

أما تلاميذه فقد هربوا وظنوا أنّ
الذي صُلب هو المسيح لا يهوذا كقول المسيح ” كلكم تشكّون في هذه الليلة
“. ثم ذهب المسيح عند قبر يهوذا وظهر للمجدلية وتلميذي عمواس ثم لبقية
التلاميذ دون أنْ يخبرهم بحقيقة المصلوب، ثم تركهم هكذا – في ضلال مبين – حتى يأتي
الباراقليط، روح
القدس،والذي
يتصوّر الكاتب أنّه نبي المسلمين، فيذكرهم بكل شئ!! أي يتركهم لمدة 600 سنة علي
الأقل في ضلال مبين!! هل يقبل العقل والمنطق هذا الكلام؟؟؟!!!.

 

والكاتب يزعُم أن التلاميذ خُدعوا من الله أولاً ثم أنّ المسيح أكمل هذه الضلالة وذهب إلي قبر يهوذا
فتظاهر بأنّه هو الذي مات وقام ليُمعن بذلك في تضليل التلاميذ ثم تركهم في ضلال
مبين؟!! ليبشروا الناس بأوهام
وضلال!!!
(
عبد الحميد جودة السحار” المسيح عيسى ابن مريم ” ص 214–
256
).

 

2- وتقول رواية ثانية: أن الذين ذهبوا للقبض على
المسيح لم يكونوا علي بيّنة من
هيئته
أو هيئة يهوذا الذي أخذوه معهم؟!! ليدلّهم عليه! لأنّهم إلتقوا بيهوذا في
المعبد الذي عادة ما يكون ضؤه خافتًا وساروا إلي
المسيح في الليل في ضوء المشاعل
الذي
لا تتبيّن فيه الأمور علي حقيقتها، وبالتالي لم يكن في وسعهم التفرقة بين
المسيح ويهوذا؟! ولمّا جاءوا إلى حيث المسيح هرب
كل التلاميذ وظلّ يهوذا وحده،
فضاعت
كلّ الوسائط التي يمكن بها الكشف عن المسيح!! وفي هذا الجو الملبّد بالغموض
ظهرت ذراع الله القوية ورفعت المسيح إلى السماء،
فسقط الجميع علي الأرض، علي
وجوههم،
ولمّا قاموا لم يجدوا أمامهم سوى يهوذا. فقبضوا عليه ظانين انه المسيح!!! ولما رأى
يهوذا ذراع الله التي أنقذت
المسيح ندم
أراد أن يكفر عن أثمه، فسلم لهم
نفسه،
فأخذوه وصلبوه وشاع أنّ الذي صُلب هو المسيح!! كيف رفعت ذراع الله المسيح
أمامهم وأمام يهوذا ومع ذلك ظنوا أنّ يهوذا هو
المسيح؟؟؟!!!

 

3- وتقول رواية ثالثة: ” أنّ الله لم يُلقي
صورة المسيح علي أحد بل أنّ اليهود لم يكونوا علي بيّنة من هيئة
يهوذا أو هيئة المسيح!! ونظرًا لأنّهم كانوا
يريدون القبض علي المسيح وصلبه في
الليل
وقعت أيديهم علي يهوذا فصلبوه أو هيئة المسيح وهم يظنّون أنّه المسيح “!!

هكذا بشكل
اعبتاطي وبدون بحث أو تحرّي أو دليل؟!! هكذا، في نظر هذا الكاتب، يقبضون علي شخص
وقف أمام أمة بأسرها؟!!

 

4- وتقول رواية رابعة: ” في لحظة إتيان اليهود للقبض علي المسيح عيسى، فالأناجيل تقرّر أنّه
عندما تحدّث إليهم وعرّفهم بنفسه، رجعوا إلي الوراء وسقطوا علي الأرض… ” ثم
يترك هذا الكاتب بقية ما جاء في الأناجيل
ويؤلّف
رواية من عنده هو ويقول ” وفي هذه اللحظة رفع الله نبيّه إليه وألقى شبْهه
علي تلميذه الخائن، فلما أفاق اليهود من سقطتهم
لم يجدوا أمامهم سوي يهوذا فساقوه
للمذبح
“!!

هكذا دون تحقيق أو بحث وكأننا في عالم سحري خيالي يمت لكوكب أخر لا
صلة
له بالأرض!!

 

5- ويقول البعض، وهم غير مقتنعين بالروايات السابقة،
أنّ المسيح قبض عليه بالفعل وحُكم عليه بالفعل ولكن الله أنقذه بعد ذلك، أنقذه بعد
القبض عليه
ومحاكمته
ورفعه إليه ولا يذكرون كيف حدث ذلك بل أنّ أحدهم ينهي كتابه والمسيح مقبوض
عليه وبين أعدائه ولا يقول لنا إنْ كان قد صُلب
أم لا؟!

ويترك المسألة بجملتها لإيمان
القارئ سواء كان يؤمن بالصلب أم لا!!

 

6- وتقول رواية أخرى مختلفة تمامًا
عن كل ما سبق
!! ” أنّ المسيح هرب قبل حادثة الصلب. فقد ذكر يوحنا، أنّ المسيح لمّا علم أنّ اليهود سيقتلونه لم يكن يمشي
علانية، بل انطلق إلي ناحية بالقرب
من
البرّية مع تلاميذه. ومن ثمّ فإنّ تلاميذه هم الذين ألّفوا قصّة صلبه من عندياتهم،
ليُكرم الناس ذكراه، ويعتنقوا المبادئ التي نادى
بها في حياته لأن الناس يُجلون
الشهداء
ويُشيدون بأعمالهم كما يحفظون ذكراهم من عامٍ إلي عام”!!.

 

هل هذا منطق أو عقل؟!!
وهل هذه أخلاق التلاميذ الحواريّين التي تجلّهم كتب الأديان وتضعهم في مصاف
الأنبياء والرسل؟؟!!

 

7- وتقول روايات أخري: ” أنّ تلاميذ المسيح
جمعوا النبوّات
التي
قيلت في التوراة عن موت شخص كفارة عن العالم، وصاغوا منها قصة صلب المسيح،
حتي يثبتوا أنّه الشخص الذي تنبّأت عنه من
قبل”

هكذا وكأنّ ما حدث للمسيح حدث في زاوية ولم بره عشرات الآلاف بل
ملايين الناس؟؟!!.

 

8- ويقول آخرين: ” أنّ تلاميذ المسيح نقلوا موضوع صلبه أو موته لأجل خلاص العالم، من
الأساطير الوثنية. لأنّ الوثنيين
كانوا
يعتقدون أنّ آلهتهم مثل كريشنا وبوذا وتاموز ولإيزيس وبروميتسييه تألّموا بآلام
متنوعة، من بينها الصلب، لكي يخلّصوا الناس من
خطاياهم ويمنحوهم حياة أبدية!!. ومرة أخرى نقول هل ما يتحدث عنهم هنا هم التلاميذ
المسيح؟! وهل هذا ما قاله
التاريخ؟!

 

وهل هذا يتفق مع العقل والواقع؟؟؟!!! ولو كان صلب المسيح وموته مجرّد
اسطورة من الأساطير فهل كان يستشهد جميع تلاميذ المسيح ويُضحّون بحياتهم من اجل
أسطورة؟؟!!.

 

9- وقال آخر: ” أخذ جند الرومان يبحثون عن عيسي
لتنفيذ الحكم عليه، واخيرًا عرفوا مكانه فأحاطوا به ليقبضوا عليه، وكان من أصحابه
رجل منافق يشي به فألقي الله عليه شبه عيسي وصورته فقبض عليه الجنود وإرتجّ عليه
وأسكته الله فنفّذ فيه حكم الصلب، أمّا المسيح فقد كتب الله له النجاة من هذه
المؤامرة وانسلّ بين المجتمعين، فلم يحس به أحد وترك بني إسرائيل بعد أن يأس من
دعوتهم وبعد ان حكموا بإعدامه… ولم تجد المراجع الإسلامية الدقيقة شخص هذا
الواشي وربما تأثرت بالمراجع المسيحية فذكرت أنّ الخائن هو يهوذا الإسخريوطي
” (
د. أحمد شلبي: المسيحية ط6 ص42-43).

وقال في طبعة الكتاب الثامنة (ص54-55)
متأثرًا بما جاء في إحدي روايات البيضاوي وما جاء في الكتاب المزيّف المدعو زورًا
بإنجيل برنابا ” أخذ جند الرومان يبحثون عن عيسي لتنفيذ الحكم عليه، كما
أوردنا من قبل، وكمّل بقصة خيانة يهوذا ومجيئه مع الجند الرومان للقبض علي المسيح
إلي أنْ قال ” وتمّ كل شيء علي هذا النمط، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان،
فإنّه عند تقبيل الخائن للمسيح ألقي الله علي الخائن شبه عيسي وملامحه تمامُا،
فأصبح الدليل هو المدلول عليه، وأصبح الذي قبّل يحمل جميع ملامح الذي قُبّل،
وتقدّم الرومان فقبضوا علي الخائن وارتجّ عليه، أو أسكته الله حتّي تمّ فيه تنفيذ
حكم الصلب “!!!.

 

وهكذا تتغيّر الأفكار والأقوال تبعًا للمصلحة، وتؤلّف القصص والروايات
لتأكيد العقيدة، والغريب أنّهم يتهموننا بالتحريف؟؟؟؟!!!!

 

10- وقال آخر: ” تجلذت قدرة الله سبحانه في
رفع السيد المسيح إلي السماء معززًا مكرّمًا وإيقاعها بالمجرم الخائن يهوذا لينال
عقاب خيانته ” (
د. عبد الغني عبود ” المسيح
والمسيحية ” ص 189
).

 

11- ونقل محمود شلبي عن عبد الوهاب النجار في كتابه
” قصص الأنبياء “: ” أمّا خاتمة أمر المسيح… بحسب قصص القفرآن
فهي عجيبة وبسيطة…. لا تعقيد فيها… ذلك أنّ المسيح قد أحرج الكهنة
والفرّيسيّين بتعليمه وتجريحه إيّاهم في طريقتهم وخبثهم… فأخرجهم ذلك إلي الكيد
له والتدبير لقتله.

” فلما اختمر هذا الأمر في أنفسهم… شكوا أمره للوالي طبعًا
وزينوا له شكواهم بما يستدعي اهتمام الوالي… بأنْ إدّعوا عليه أنّه يقول أنّه
ملك اليهود… وأنهم لا يقرّون بملك إلا قيصر رومية، فأرسل الوالي جندًا للقبض علي
المسيح عيسي ابن مريم… فلمّا أتوا ولم يبق إلا القبض عليه، والمسيح قد إهتم لهذا
الأمر… وخشي أنْ ينالوه بالأذي… أنقذه الله من أيديهم… وطهّره منهم… وألقي
شبهه علي شخص آخر… عُلم فيما بعد أنّه تلميذه الخائن… وعرّفته الأناجيل بأنّه
يهوذا – كما هو مشهور – وصار بحيث كل من رآه لا يشكّ أنّه يسوع… فأخذ وصُلب
وقُتل… ونجا المسيح من شرّهم ” (
حياة
المسيح ص 402-403
).

 

وهنا نسأل الناقل والمنقول عنه ونقول لهما؛ هل حقًا ما تقولانه هو ما
جاء في القرآن؟؟؟!!!

وأين ورد؟؟؟!!!

وإذا كنتما قد خلطتما بين ما جاء في الأنجيل ونسبتماه للقرآن، فأين
يوجد هذا الكلام في كلا الكتابين؟؟؟!!!

وهل يمكنم أن نصدّق أقوالكما بعد ذلك؟؟!!.

 

12- وهناك نظرية قال بها الشيخ محمد رشيد رضا أسماها
ب ” نظريتي في قصّة صلب المسيح وقيامته من الأموات”!! قال فيها بالقبض
علي المسيح ثم قال: ” ولمّا كان الصباح ساقوه إلي بيلاطس الذي كان يودّ
إنقاذه منهم ولكن الظاهر من الأناجيل أنّه لم يفلح فحكم بصلبه فأخذه العسكر إلي
السجن حتي يستعدوا للصلب، ففرّ من السجن هاربًا إمّا بمعجزة أو بغير معجزة كما فرّ
بعض أتباعه من السجون أيضًا… وربّما ذهب إلي جبل الزيتون ليختفي… وهناك توفاه
الله أو رفعه إليه بجسمه، أو بروحه فقط فخرج الحرّاس للبحث عنه. وكان يهوذا مسلّمه
مصممًا علي الانتحار ومضي خارجًا ليشنق نفسه في بعض الجبال (
متي27/3-20)
ندمًا وأسفًا علي ما فعله فلقيه الحرّاس، ونظرًا لما بينه وبين المسيح من الشبه
التام فرحوا وظنّوه هو وساقوه إلي السجن متكتمين خبر هروبه من العقاب، ولمّا وجد
يهوذا أنّ المقاومة لا تُجدي نفعًا ولمّا طرأ عليه من التهيّج النفساني الشديد
واليأس الذين يُصيب عادة المنتحرين قبل الشروع في الانتحار “. ثمّ يُكمّل علي
أنّ يهوذا هو الذي صُلب، وقال أنّه لم يكن حاضرًا وقت الصلب إلاَّ بعض النسوة
اللواتي لا يُمكنهن من الإمعان والتحديق إلي المصلوب فب مثل هذا الموقف وكذلك لبعد
موقفهن عنه، فلذا اعتقدن أنّه هو المسيح!!! ولمّا وجد في وجود العذراء ويوحنا عند
الصليب ما يُبطل نظريّته وإدّعاءاته من الأساس قال: ” وأمّا دعوي الإنجيل
الرابع ” (
يوحنا19/26) أنّ مريم
أم عيسي ويوحنا كانا واقفين عند الصليب فالظاهر أنّها مخترعة ” (
الصلب
والفداء ص 67 و 68
).

 

ولا نعرف من أين أتي هؤلاء الكتاب بالزعم القائل أنّه كان هناك شبه تام
بين يهوذا والمسيح، إلاّ إذا كان من خيالهم لعدم إقتناعهم بنظرية إلقاء شبه المسيح
علي غيره!!!

 

وهكذا يخترعون القصص ويؤلفون الروايات ويضعون النظريات، ويقولون، يبدو
والظاهر وربّما… إلخ، في محاولة يائسة لإثبات عدم صلب المسيح. لا لشيء إلاّض
لأنّهم لا يملكون سوي نصّ واحد غير واضح يتكلّم بطريقة غير واضحة المفترض أنّه
يُناقش حقيقة يؤمن بها ملايين بل مليارات البشر عبر تاريخ البشرية!!! إنهم يؤلفون
الروايات ويؤمنون بصحّتها!!!

 

وهذا يذكّرنا بأسطورة بجمليون، فما هي أسطورة بجمليون؟. تقول الأساطير
اليونانية أنّه كان هناك صانع تماثيل يُدعي بجمليون صنع تمثالاً جميلاً لإمرأة
جميلة، فأعجب بالتمثال إعجابًا شديدًا، ومن شدّة إعجابه به تمنّي أنْ يصير التمثال
إمرأة حقيقية، فاستجابت له الآلهة وتحوّل التمثال إلي إمرأة حقيقية!!!

 

وهذا ما يفعله كتاب روايات الشبه. فهم ينسجون روايات من وحي خيالهم
تقول بلإلقاء شبه المسيح علي آخر ويصدذقونها، برغم أنهم هم مؤلفوها، ولكن نقول لهم
أننا نعيش الواقع وليس الأسطورة لذا لن تتحوّل رواياتهم التي ألفوها من وحي خيالهم
إلي حقيقة، فلا هم بجمليون وليس لهم آلهة تستجيب لهم فتحوّلها إلي حقيقة كما
يتوهّمون!!!.

 

5- التعليق على هذه النظريات والأقوال:

1- عند النظر إلى هذه الروايات
والأقوال يتضح لنا للوهلة الأولى إنها متناقضة ومتعارضة ومتضاربة وأنّه لا
أساس لها ولا سند ولا دليل علي صحّتها وأنّها مجرّد
أفكار خيالية من تأليف رواتها ووحي
خيالهم،
وهم لم ينكروا ذلك!! بلّ إنّ كل منهم حاول أنْ يروي رواية، معتمدًا علي
خياله بالدرجة الأولي مع محاولة بتر بعض آيات
الكتاب المقدس وتأليفهما مع رواياتهم
المزعومة!!!
ولا نعرف كيف يستبيحوا لأنفسهم ذلك؟!! إذ لا همّ لهم إلا مجرّد الإيهام بأنّ المسيح
لم يصلب
وإنما الذي صلب هو غيره!! بمبدأ الغاية تبرّر الوسيلة!! فالغاية هي
محاولة الإيهام بأنّ المسيح لم يُصلب والوسيلة هي تلفيق روايات خيالية
وغير واقعية للإيحاء والإيهام بذلك!! مع تغيير
وتبديل الحقائق الإنجيلية!!

 

2- كما أن هذه الروايات قيلت أساسًا لتفسير عبارة ” شُبّه
لهُمْ
” بمفهوم واحد فقط هو نظرية إلقاء شبه المسيح علي آخر دون أي
اعتبار لحقائق التاريخ والتقليد المسيحي بالرغم عن صمت الآية عن ذكر أي تفصيلات!!!

 

3- هذا الصمت وضع هؤلاء الكتاب في حيرة فراحوا يؤلفون ويتخيل كل واحد
منهم حسب هواه
وحسب
ما يتراءى له، ونتيجة لذلك خرج كل واحد منهم بفكرة أو برواية مختلفة تمامًا عن
الآخر سواء في مكانها أو زمانها أو أشخاصها، فقد
اختلفت هذه الروايات من جهة
الشبيه
الذي قيل أنّه صُلب بدلاً من المسيح، فقد قال البعض أنّ هذا الشخص لا يعرفه
إلا الله ” فلنترك المسألة عند هذا الحد
“!! وقال البعض الأخر أنّه أحد الذين يحبون
المسيح
وقال غيرهم أنّه يهوذا جزاء خيانته أو جزاء شكّه في معلمه أو حباً في معلمه!!! كما
اختلفت في كيفية القبض على المصلوب فقالوا أن المسيح ألقى شبهه علي يهوذا أو
هرب أو صعد إلي السماء! أو أنّ يهوذا كان شبيهًا
بالمسيح لدرجة عدم التفريق بينهما!
أو
أنّ اليهود لم يكونوا علي بيّنة من هيئة المسيح أو يهوذا! أو أنّ ذلك حدث بسبب
الظلام… إلخ.

 

كما أضافت الروايات الأخيرة أنّ المسيح حُكم عليه ولكنه لم يُصلب، بل
هرب من السجن!!! أو أنّ قصة الصلب من الأساس ملفقة!! ” فالمسألة كلها من
تأليف تلاميذه “!! كما اختلفت هذه الروايات
أيضاً من جهة الزمان والمكان ودوافع
الصلب.

 

أخيراً يقول لنا الشيخ محمد أبو زهرة ” أنّ القرآن الكريم لم يبيّن
لنا
ماذا كان من عيسى بين صلب
الشبيه ووفاة عيسى أو رفعه على الخلاف في ذلك، ولا إلي أين ذهب، وليس عندنا مصدر
صحيح يُعتمد عليه، فلنترك المسألة: ونكتفي باعتقادنا اعتقادًا جازمًا أنّ المسيح
لم يصلب ولكن شبّه لهم ” (محاضرات في النصرانية للشيخ محمد
أبو زهرة ص 25)

 

إنّه لا يوافق علي كل ما روي من روايات ويعتبرها جميعًا من مصادر غير صحيحة، ويعتمد فقط علي اعتقاده بأنّ
المسيح لم يُصلب دون الاعتماد على أي
رواية
لم تذكر في أي مصدر صحيح!!

 

هذا الرأي هو ما يتفق عليه الغالبية العظمي من المحاورين المسلمين
الذين يتحاورون في موضوع صلب المسيح علي شبكة الإنترنت وأغلبهم يرفضون جميع هذه
الروايات سواء قديمها أو حديثها لعدم صحتها وإلغائها للعقل والمنطق، ولأنها جميعًا
تسقط دائمًا مع الحوار المنطقي الجاد، ويتمسّكون فقط بحرفية آية النساء 157.

 

(1) ويري البعض أنّ الآية تتكلم بأسلوب العبرة وليس بأسلوب التاريخ
والتأريخ، فيقول أ. محمد أحمد خلف الله ” وبان للعقل الإسلامي أن وصف عيسي
عليه السلام بأنّه رسول الله في قول اليهود الذي حكاه عنهم القرآن في قوله تعالي (
وَقَوْلِهِمْ
إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ

لا يمكن أنْ يُفهم علي أنّه قد صدر حقًا من اليهود فهم لم ينطقوا بهذا
الوصف وإنما القرآن هو الذي أنطقهم به
. ذلك لأنّ
وصفه بالرسالة ليس إلا التسليم بأنّه رسول الله وهم لم يسلموا بهذا، ولو سلموا
بهذا لأصبحوا مسيحيين، ولما كان بينهم وبينه أي لون من ألوان العداء، ولما كان قتل
وصلب، إنّ اليهود إنما يتهمون عيسي بالكذب، ويُنكرون عليه أنّه رسول الله، ويذكرونه
بالشرّ، ويقولون إنّه ابن زنا وأنّ أمّه زانية. يقول اليهود كل هذا وأكثر منه،
ومن
هنا لم يستطع العقل الإسلامي أن يُسلم بأنّ وصف عيسي بأنّه رسول الله قد صدر حقًا
من اليهو
د” القصص القرآني مع شرح وتعليق خليل عبد
الكريم (ص66و67).

 

(2) فقد أورد الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ج2: ص53 و54
” بيان قتل يحيي بن زكريا عليه السلام. وذكروا في قتله أسبابًا أشهرها أن بعض
ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له تزويجها
فنهاه يحيي عليه السلام عن ذلك، فبقي في نفسها منه، فلما كان بينها وبين الملك ما
يحب منها استوهبت منه دمّ يحيي فوهبه لها فبعثت إليه من قتله وجاء برأسه ودمه في
طشت إلي عندها”.

 

(3) وروى الأمام جلال الدين السيوطي نفس الرواية تقريباً في كتابه ” الدر المنثور في
التفسير بالمأثور ” فقال ” فأتى عيسى ومعه سبعة وعشرون
من الحواريين في بيت وأحاطوا بهم،
فدخلوا عليهم وقد صورهم الله على صورة عيسى،
فقالوا:
قد سحرتمونا؟ لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلكم جميعا، فقال عيسى لأصحابه: من
يشتري منكم نفسه بالجنة؟ فقال رجل من
القوم: أنا. فأخذوه فقتلوه وصلبوه، فمن ثم شبه
لهم
وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى وصلبوه فظنت النصارى مثل ذلك، ورفع الله عيسى من يومه
ذلك”!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى